; logged out
الرئيسية / 40% من ألغام العالم في الدول العربية وقيمة اللغم من 3 إلى 30 دولارًا

العدد 149

40% من ألغام العالم في الدول العربية وقيمة اللغم من 3 إلى 30 دولارًا

الثلاثاء، 05 أيار 2020

يسميها البعض حقول الموت، وفي تقارير اللجنة الدولية للصليب الأحمر شُبِّهت الألغام، بمقاتلين لا يحملون أسلحة ظاهرة، لا يخطئون هدفهم قط، ويصيبون ضحاياهم دون تمييز. لقد تصاعدت إشكاليات الألغام ومخلفات الأسلحة والذخائر التي تواجه دول المنطقة العربية خلال السنوات الأخيرة، وأضحت مصدر تهديد مستمر للسكان المدنيين يُعيق عمليات إعادة الإعمار بعد موجة الصراعات المسلحة. وتُعَدُّ مكافحة الألغام في المنطقة استمرارًا للحرب بوسائل أخرى، فالوصول إلى السلام المستقر والإعمار المستدام يرتبط بإنهاء مخاطر الألغام على البشر وعلى مقوِّمات التنمية في المنطقة العربية.

مخاطر الألغام

الألغام سلاح دفاعي مؤثر قليل التكلفة سهل التدريب مقارنة بغيره من الأسلحة، ومنها ألغام أرضية، وألغام بحرية. واللغم عبارة عن هيكل معدني أو خشبي أو بلاستيكي بداخله شحنة من مادة متفجرة أو نحوها، ويتم دفنه وإخفاؤه، وهو مجهز بآلِيَّة لتفجيره، وبمجرد مرور كائن حي فوقه يُحدِث الإصابة أو القتل، وعندما تقترب أو تصطدم مركبات البر أو البحر بلغم ينالها الإعطاب أو التدمير. وتتنوع مُحَفِّزاتُ آليَّةِ التفجير بين الضغط عليها عندما تطؤها القَدَم أو تمر فوقها المركبة، أو نزع الفتيل، أو الاهتزاز، أو بالتحكم من بُعد عَبر إشارة  إلكترونية أو زمنية أو مغناطيسية. تُزرع الألغام الأرضية بواسطة الأفراد، أو تُستخدم مقطورات أو عربات مُدَرَّعة مزودة بتجهيزات خاصة لِرَصِّ الألغام، أو يجري بَثُّها مِن بُعدٍ بقذائف المدفعية أو الصواريخ أو الطائرات المروحية. أما الألغام البحرية فتقوم بزراعتها السفن العائمة والمراكب زارعات الألغام، فضلاً عن الطائرات والغواصات.

الهدف من اللغم هو حرمان العدو من استخدام الأرض أو الممرات المائية في تحركاته، فيسلُك سبلا أخرى لِيواجَهَ باستعدادات قتالية للخصم. ومع اختلاف تصميم جسم اللغم وطبيعة شحنته فقد يُحدِث موجة انفجارية، أو يقذف بعدد هائل من الشظايا، أو يُطلق غازات حربية هي مُحَرَّمة دوليًا. ولا تتوقف الألغام بآثارهاالمفجعة عند زمن الحرب، بل تمتد لتهددالوجودالإنساني في زمن السلم، فتسعى الدول إلى إزالة الألغام التي تبقى مصدرًا للخطر. وليست هذه المهمة آمنة تمامًا، فمع كل إزالة ناجحة لعدد 5000 لغم يُقتَلُ واحدٌ ويصاب اثنان من العاملين في طواقم الإزالة. وهناك 78 دولة ملوَّثة بالألغام الأرضية وقد سجل التقرير الأخير الصادر عن مرصد الألغام Landmine and Cluster Munition Monitor في 21 نوفمبر 2019م، ارتفاعًا استثنائيًا في عدد ضحايا الألغام، حيث أحصى المرصد 6,897 ضحية في 50 دولة ومنطقة حول العالم خلال عام 2018م. ومن الدول التي سجلت أعلى عدد من إجمالي الضحايا في الفترة 1999-2018م، سوريا (6,063)، العراق (5,533)، اليمن (4,433)، ومن المرجح أن يكون الرقم الحقيقي للضحايا أعلى بكثير. فالعديد من الضحايا في مناطق الصراع لا يتم تسجيلهم، حتى أن تقديرات أخرى تتحدث عن 15 إلى 20 ألفًا من ضحايا الألغام ومخلفات المتفجرات كل عام. ويقدَّر أن نحو 85% من ضحايا الألغام الأرضية من الرجال، معظمهم جنود. وتتمثل أكثر الإصابات شيوعًا بسبب الألغام الأرضية في فقدان أحد الأطراف أو أكثر. وعلاوة على ذلك هناك ملايين من اللاجئين أو النازحين داخليًا بسبب الألغام. كما أنهاتؤثرعلىالاستثماروالإنتاجوالتجارةوالعمالةوغيرها من السياسات التي تشكل بيئة العمل الاقتصادي. تُزرَع الألغام الأرضية في الحقول والغابات وحول الآبار ومصادر المياه والمنشآت الكهرومائية، مما يجعلها غير صالحة للاستعمال أو مصدرًا للخطر.

أنواع الألغام

هناك خمسة أنواع رئيسية من الألغام الأرضية: 1- الألغام المضادة للأفراد، تقتل وتصيب جنود العدو 2- الألغام المضادة للدبابات، تدمر دبابات العدو والشاحنات والمركبات الخفيفة التدريع أو تتلف الجنازير 3- الألغام الكيميائية، تطلق غازًا سامًا يقتل أو يصيب الجنود 4- الألغام المُتحَكَّم فيها من بُعد، تُزرَع قبل المعركة وتستجيب لأمر التفجير لحظة اقتراب قوات العدو 5- الألغام النووية تحتوي على أجهزة نووية صغيرة، تُستخدم لنسف الجسور الخرسانية أو قفل الممرات الجبلية. ولابد من الإشارة إلى مصادر إضافية للخطر مثل الذخائر التي لم تنفجر، وما يُسمَّى بألغام مُرتَجَلَةتُصَنِّعها الجماعات المسلحة مثل الحوثيين في اليمن بجهودهم الذاتية مستخدمة متفجرات من مخلفات الحرب. أما الألغام البحرية فتشمل أربعة أنواع رئيسية: 1- الألغام الصوتية تنفجر بتأثير صوت محركات دفع السفينة 2- ألغام اللمس تنفجر عندما تلمسها السفينة 3- الألغام المغناطيسية تنفجر بتأثير المجال المغناطيسي المحيط بمعدن السفينة؛ 4- ألغام الضغط وتنفجر عندما يتسبب عبور السفن في تغيير ضغط الماء حول الألغام.

تطور تقنية الألغام

عندما كانت الألغام تُصنع من المعدن كان من السهل نسبيًا اكتشافها، والآن فهي ألغام بلاستيكية مما يصعب المهمة. لكن التطور لم يقتصر على الأغلفة البلاستيكية وأصبحت الألغام أسلحة معقدة تُزَوَّد بالطابَّات الإلكترونية وأنظمة الاستشعار التي تجعلها أكثر فتكًا. والآن يمكن للألغام أن تنفجر إذا استشعرت خطوات القدم، أو حرارة الجسم، أو الصوت، أو إشارة كواشف الألغام. ومن ناحية أخرى حدث تطور مُلفِت في أنظمة نشر الألغام من البعد لتحقق معدلات تزيد عن 1,000 لغم في الدقيقة، في الوقت الذي أصبح فيه التطهير أكثر صعوبة بسبب التجاهل شبه الكامل للاتفاقيات الدولية التي توجب رسم الخرائط وتسجيل حقول الألغام.

تطورت تقنية الألغام لتحرم العدو من استخدام المنطقة، ولتُحَسِّنَ من كيفية نشر حقول الألغام بشكل أكثر فعالية، ولتزيد من كفاءة اللغم، ولتقلل خسائر القوات الصديقة. وهكذا أصبحت الطائرات وسيلة معتمدة لنشر كلا النوعين من حقول الألغام، وأمكن تمييز المواقع المستهدفة، كما جُهِّزت الألغام بوسائل ذاتية تُبطِل مفعولها بإشارات التحكم دون حاجة إلى إزالتها إذا شَغَلت المنطقة قوات صديقة. كما طورت العديد من الجيوش أنظمة آلية لزرع الألغام. ومن بين الألغام التي يتم نشرها عن طريق الجو تلك الألغام المضادة للأفراد مثل قنبلة الفراشة، ولغم المساحات الواسعة، وكذلك الألغام المضادة للدبابات مثل لغم التمساح الأمريكي. كما زودت المركبات الأرضية بأنظمة نشر آلية، فيمكن تركيب نظام رينجر البريطاني على مجموعة متنوعة من المركبات وزرع حقل ألغام مضاد للأفراد بامتداد 100 متر في دقيقة واحدة. طورت الولايات المتحدة نظامًا مشابهًا لمدفعية نشر الألغام المضادة للأفراد ADAM، إذ يمكن بمدافع هاوتزر عيار 155 ملم نشر حقل ألغام مضادة للأفراد يمتد إلى 17 كيلومترًا. أيضًا طور البريطانيون وآخرون أنظمة آلية لنشر ألغام طولية Bar Mines، ويمكن لطاقم من جنديين زرع حوالي 400 لغم مضاد للدبابات خلال ساعة من الزمن.

تقنيات الكشف والإزالة

تضم أنشطة نزع وتعطيل الألغام عمليتي الكشف ثم الإزالة. وبالرغم من استمرار تطور تقنيات الكشف، إلا أن بعض التقنيات التقليدية ما زالت تُستخدَم مثل: جَسِّ الأرض بواسطة عصا أو حربةٍ، واستخدام الكلاب المدربة إذ يمكنها تمييز الرائحة المنطلقة من شحنة المتفجرات في اللغم، وأجهزة الكشف عن المعادن. ولمواجهة ضخامة التحديات المفروضة يحتاج الأمر إلى حشد أكبر عدد ممكن من المستشعرات في جهاز واحد إن أمكن، مثل الرادار النبضيّ ورادار اختراق الطبقات الأرضية، والكاشفات المعدنية والمغناطيسية والمستشعرات الارتجاجية والصوتية وما فوق الصوتية، وأجهزة كشف روائح المواد المتفجرة. إن التوصل إلى هذه الآلية المدمجة لا يتم بين يوم وآخر، إذ يتطلب تنسيقًا عاليًا على المستوى التكنولوجي بين الشركات الرئيسية المصنِّعة، وهناك محاولات لذلك من أجل تحقيق نتائج خلال السنوات القليلة المقبلة. ومن أمثلة معدات إزالة الألغام: 1- دبابة مجهزة بمحراث مؤلف من عدة شفراتٍ تقوم بانتزاع الألغام من الأرض، ودفعها جانبًا؛ 2- مركبة محملة على هيكل دبابة يتم التحكم فيها عن بُعد باستخدام عصا تحكم ومزودة ببكراتٍ معدنيةً تتدحرج لتفجير الألغام المغناطيسية؛ 3- مركبة مزودة بِدَرَّاسةٍ ذات سلاسل تضرب الأرض بركلاتٍ متتاليةٍ في حركة دوارة لتدمير الألغام وتفجيرها؛ 4- آلة حراثة تتحرك عبر حقل الألغام وتجرف تلالًا كبيرة من التربة المحتوية على ألغام أرضية، ثم تقوم ماكينة ملحقة بعزل الألغام من تلال التربة ووضعها بشكلٍ ظاهر على سطح الأرض لتقوم وحداتٌ فيما بعد بإزالتها بشكلٍ آمن؛ 5- تقوم السفن كاسحات الألغام باستخدام الموجات الصوتية لتحديد مواقع الألغام ومِن ثَمَّ إزالتها.

مناطق انتشار الألغام

يُقدَّر أن هناك نحو 110 مليون لغم أرضي في العالم الآن يوجد 40% منها في الدول العربية. وهناك كمية مساوية في المخزونات تنتظر زراعتها أو تدميرها. وتتراوح تكلفة اللغم بين 3 دولارات و30 دولارًا، ولكن تكلفة الإزالة تتراوح بين 300 دولار و1000 دولار. وحتى وقت قريب، كان يتم كل عام إزالة حوالي 100,000 لغم، وزرع مليونين آخرين. ولو فرضنا استمرار جهود إزالة الألغام كما هي الآن، ولم تُزرع ألغام جديدة، فسوف يستغرق الأمر أكثر من ألف سنة للتخلص من جميع الألغام الأرضية النشطة في العالم.

استُخدِمت الألغام الأرضية على نطاق واسع في معظم الحروب التقليدية - إن لم يكن كلها - منذ الحرب العالمية الثانية. كما قامت كل من القوات العربية والإسرائيلية بنشر الألغام الدفاعية خلال حروبها المختلفة في سنوات 1948 و1956 و1967 و1973م، وربما تُعتبَر مصر ولبنان واليمن  والكويت وليبيا والسودان والعراق أكثر الدول تضررًا من الألغام الأرضية في الوطن العربي.

قالت الهيئة العامة المصرية للاستعلامات «إن الحرب العالمية الثانية في منطقة العلمين جنوب الساحل الشمالي حتى حدود مصر الغربية، قد خلّفت ما يقرب من 17.5 مليون لغم، تحتل مساحة تزيد على ربع مليون فدان صالحة للزراعة، كما خلّفت الحروب المصرية الإسرائيلية ما يقرب من 5.5 مليون لغم في سيناء والصحراء الشرقية». وحسب الإحصاءات الرسمية يوجد في مصر حاليًا نحو 21.8 مليون لغم، بعدما كان عددها 23 مليون لغم، وذلك بعد نجاح القوات المسلحة المصرية منذ عام 1995م، في إزالة ما يقرب من 1.2 مليون لغم.

كما زرعت الألغام على الحدود بين العراق والكويت والسعودية خلال حرب الخليج الثانية، وتشير تقارير أن هناك ما يربو على 25 مليون لغم زرعت في المناطق الحدودية مع العراق. وأثناء عاصفة الصحراء عام 1991م، نشر الجيش العراقي آلاف الألغام البحرية في شمال الخليج العربي بصورة هددت السفن الأمريكية في المنطقة وعطلت تقدم بعض سفن الإنزال الأمريكية في ذلك الوقت. وبينما اعتمد الجيش العراقي على الألغام الأرضية كأسلحة دفاعية، كان الجيش الأمريكي يميل إلى التركيز على استخدام الألغام الأرضية المنشورة من الجو كأسلحة هجومية.

ستظل الألغام الأرضية التي زرعت في اليمن مصدرًا مستمرًا لخطر الموت حتى بعد عقود من انتهاء الحرب. إنها تتخفى تحت رمال صحراوية متغيرة، ومعظم هذه الألغام ليس لها خرائط تحدد مواقعها. يقوم تنظيم «القاعدة في شبه جزيرة العرب» بتلغيم بعض المناطق لمواجهة قوى الجيش الوطني الداعم للشرعية. أعدت مؤسسة رصد تقريرًا بعنوان «حقول الموت» قدَّر حقول الألغام الحوثية بـ37 حقلًا تنتشر في 17 مديرية في الحديدة، وبات اليمن من أكبر الدول الملغومة بعد الحرب العالمية الثانية.

ووفقًا للمركز الليبي للأعمال المتعلقة بإزالة الألغام ومخلفات الحروب، لم يتم إجراء أي مسح على مستوى ليبيا، حيث تمت زراعة عشرات الآلاف من الألغام الأرضية في العديد من المناطق الليبية. فضلاً عن ذلك تشير تقديرات لدى وزارة داخلية الحكومة الليبية المؤقتة في شرق ليبيا، إلى ازدياد عمليات تهريب المتفجرات والألغام في المنطقة الحدودية بين ليبيا ومصر. ويقوم المهربون بتفكيك تلك الألغام والحقائب المتفجرة لتهريبها وبيعها للتنظيمات الإرهابية التي تستخدمها بدورها في عملياتها الإرهابية.

تحديات التعامل مع الألغام

على الرغم من دور الأمم المتحدة بمؤسساتها والمنظمات الدولية بأنواعها في معالجة مسألة نزع الألغام وإبطال المتفجرات من أراضي دول المنطقة العربية، إلا أن ثمة تحديات تواجه تلك الجهود مثل غياب المعلومات الكاملة عن مناطق الألغام، وضعف التمويل، ومحدودية القدرات الوطنية والثقافة المجتمعية في التعامل معها، وتَطوُّر التكتيكات المستخدمة من قِبَل التنظيمات الإرهابية والجيوش النظامية، وتعدُّد بؤر الصراعات والحروب المستعرة.

ما يتعلق بالتعامل مع مناطق الخطر فيشمل إجراء مسح تقني، ووضع خرائط لها، وتحديدها بعلامات تحذيرية، وإحاطتها بأسوار، وتوثيق الأجزاء التي تم تطهيرها، والتوعية بمخاطرها وكيفية الابتعاد عنها، ويساعد ذلك على وضع أفضل الخطط وتحديد الميزانيات وعدد الفرق اللازمة والتوقيتات الزمنية المطلوبة لتطهير كل منطقة من الألغام. وعلى الجانب الآخر تبذل جهود أخرى كتقديم المساعدة الطبية، وخدمات إعادة تأهيل الضحايا وتدريبهم وتوظيفهم وتوفير الأجهزة التعويضية لهم، وتشجيع الدول للمشاركة في المعاهدات والاتفاقيات لإنهاء صنع الألغام أو استخدامها، ولدعم حقوق المصابين ورعايتهم.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك تكلفة مالية عالية لإزالة الألغام، فقد ذُكر أنه خلال عام 2017م، زاد احتياج الأمم المتحدة بنسبة 50% من الأموال لمواجهة الألغام، وأن ثمة حاجة ملحة لمكافحة الألغام في بؤر النزاعات النشطة، بحيث تحتاج العراق 75 مليون دولار، وسوريا 52 مليون دولار، واليمن 17 مليون دولار في تلك الفترة،وفقًا لإحصائيات حافظة مشاريع الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام، والعاملة على 200 من المشروعات الموجهة لمكافحة الألغام وآثارها بالتعاون مع 22 دولة. وتشير تقديرات بأن إزالة 17,5 مليون لغم في العلمين بمصر تتكلف أكثر من 20 بليون دولار.

دور التكتلات الدولية والإقليمية 

تتوالى جهود الأمم المتحدة للحد من مخاطر الألغام في إطار ثابت للقانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد، واتفاقية حظر استخدام القنابل العنقودية، والاتفاقية المتعلقة ببعض الأسلحة التقليدية، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. أنشئت دائرة الأمم المتحدة في عام 1997م، وتقوم بقيادة وتنسيق وتنفيذ الأعمال للقضاء على الألغام الأرضية وأخطار المتفجرات والتخفيف من تأثيرها على حياة الناس. وامتد نشاطها ليشمل معظم الدول العربية.

نجحت الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية في إطلاق اتفاقية عام 1997م، بشأن حظر استخدام وتكديس وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام، والمعروفة بشكل غير رسمي باسم معاهدة «أوتاوا». لا تتضمن المعاهدة الألغام المضادة للدبابات أو القنابل العنقودية أو الألغام من نوع كلايمور Claymore التي توجه لإعاقة تقدم القوات المعادية. دخلت المعاهدة حيز التنفيذ في 1 مارس 1999م، يوافق الموقعون على معاهدة «أوتاوا» على أنهم لن يستخدموا أو ينتجوا أو يخزنوا أو يتاجروا في الألغام الأرضية المضادة للأفراد. انضمت 164 دولة إلى المعاهدة حتى الآن، وهناك 33 دولة ليست أطرافًا في الاتفاقية منها الصين، وروسيا، والولايات المتحدة، والتي قد تمتلك معا عشرات الملايين من الألغام المخزَّنة المضادة للأفراد.

أدت الاتفاقية منذ صدورها إلى توقف فعلي للإنتاج العالمي للألغام المضادة للأفراد، وانخفاض ملحوظ في نشرها. منذ اعتماد الاتفاقية، تم تطهير آلاف الكيلومترات المربعة وأفادت التقارير أن 30 دولة قامت بالتطهير وأصبحت خالية من هذه الأسلحة، ولا تزال عمليات التطهير جارية في 30 دولة أخرى. ولكن أكثر من 130 دولة كانت تمتلك مخزونًا من الألغام المضادة للأفراد، ومنذ ذلك الحين دمرت أكثر من 53 مليون لغم، ويقدر اليوم أن حوالي 30 دولة فقط – منها ثلاث خارج الاتفاقية - لا تزال تخزن الألغام المضادة للأفراد. وقد اعتمد المؤتمر الثالث حول الاتفاقية في موزمبيق عام 2014 ، خطة عمل تحدد التزامًا واضحًا بتحقيق الأهداف الرئيسية للاتفاقية بحلول عام 2025م، وتنطوي على مساعدة الضحايا، وتدمير المخزونات وإزالة الألغام. ومع ذلك فإن هناك أكثر من 10 ملايين لغم مخزون تنتظر التدمير. وما زالت هناك مساحات شاسعة من الأراضي الموبوءة بما يحول دون استخدامها بصورة مثمرة. ولم يصل الدعم المناسب بعد إلى عشرات الآلاف من الضحايا وأسرهم. وما زال وجود الألغام يعوق التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

ومن المنظمات الناشطة في هذا المجال «الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية International Campaign to Ban Landmines, ICBL» و«الإجراءات المتعلقة بالألغام Mine Action» و«المجموعة الاستشارية للألغام Mines Advisory Group, MAG» و«وكالات إزالة الألغام Mine Clearance Agencies». وتتمثل رؤية الأمم المتحدة في خلق عالم خال من تهديد الألغام الأرضية والمتفجرات الناتجة عن مخلفات الحرب، حيث يعيش الأفراد والمجتمعات في بيئة آمنة تساعد على التنمية وتلبى احتياجات الضحايا. وتلعب 12 إدارة ومكتبًا للأمانة العامة والوكالات المتخصصة والصناديق والبرامج الأخرى دورًا في برامج الأعمال المتعلقة بالألغام في 30 بلدًا و 3 أقاليم.

وتساهم الإجراءات المتعلقة بالألغام في تمكين قوات حفظ السلام التابعة من القيام بدوريات، وقيام الوكالات الإنسانية بتقديم الإرشادات وتوصيل المساعدات للمواطنين المتضررين. وتستلزم الإجراءات المتعلقة بالألغام أكثر من إزالة الألغام الأرضية من الأرض، إنها تتضمن جهودًا عالية التأثير لحماية الناس من الأخطار، وتساعد الضحايا ليكونوا أعضاءً فاعلين في مجتمعاتهم وتوفر لهم الفرص لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.

تقوم المنظمات غير الحكومية بالكثير من العمل الفعلي، مثل إزالة الألغام والتوعية بمخاطر الألغام. وأيضًا يقوم المتعهدون التجاريون والقوات المسلحة بتوفير خدمات إنسانية تتعلق بالألغام. كما تقوم المنظمات الحكومية الدولية والإقليمية، والمؤسسات المالية الدولية بدعم الإجراءات المتعلقة بالألغام من خلال التمويل أو تقديم الخدمات للأفراد والمجتمعات المحلية المتضررة من الألغام. وغالبا تلعب عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة دورًا رئيسيًا في هذه العملية.

ومنذ رعايتها لاتفاقية عام 1980م، ببعض الأسلحة التقليدية، شاركت الأمم المتحدة بنشاط في معالجة المشكلات التي تسببها الألغام الأرضية، وتصرفت بحزم في مواجهة استخدام الأسلحة ذات الآثار العشوائية. وشهد عام 1996م، إضافة بنود للاتفاقية تتعرض لاستخدام الألغام الأرضية في الصراعات الداخلية، وتشترط أن تكون جميع الألغام قابلة للكشف.

يتمثل نشاط برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمكافحة الألغام في ثلاثة مجالات رئيسية: 1- تعزيز سبل العيش من خلال برامج التنمية والإجراءات المتعلقة بالألغام ومنها تطهير الأراضي والإفراج عنها لاستخدامات منتجة في بناء السلام والانتعاش والتنمية المستدامة 2- بناء قدرات المؤسسات الوطنية والمجتمع المدني إذ يقدم البرنامج المشورة الفنية والدعم المؤسسي وتعبئة الموارد ويدعم تطوير أنظمة جمع بيانات الإجراءات المتعلقة بالألغام لضمان أقصى قدر من التأثير؛ 3- الامتثال للمعايير الدولية بالدعوة إلى تطوير المعاهدات الدولية والأطر المعيارية الأخرى التي تحظر أو تنظم استخدام الأسلحة والالتزام بها. ويشجع البرنامج الإنمائي بالأخَصِّ على إضفاء الطابع العالمي على اتفاقية حظر الألغام المضادة للأفراد، واتفاقية الذخائر العنقودية، والاتفاقية المتعلقة بأسلحة تقليدية معينة، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

نماذج واقعية لعمليات التطهير

جاءت الأردن أول دولة في المنطقة العربية تلتزم بالموعد النهائي الذي حددته معاهدة «أوتاوا» لحظر الألغام وتعلن أنها خالية من الألغام الأرضية. نجح مشروع تطهير الحدود الشمالية في إزالة نحو ـ136,000 لغم أرضي (مضاد للأفراد ومضاد للدبابات) في حزام ألغام تبلغ مساحته حوالي 10.5 كيلومتر مربع في المنطقة، ويمتد على طول 104 كيلومترات على طول الحدود الأردنية السورية.

أما في مصر وبالنسبة للألغام المزروعة منذ الحرب العالمية الثانية في الصحراء الغربية والساحل الشمالي وبالرغم من مخاطر نزع الألغام لسهولة انفجارها، وصعوبة الوصول إليها في بحر الرمال الأعظم، فقد أمكن تطهير أكثر من 2,000 كليو متر مربع في الساحل الشمالي وأثمر ذلك التحدي في تدشين مدينة العلمين الجديدة على ساحل البحر المتوسط. وتمتاز المدينة بشواطئها الخلابة، ورمالها الرائعة، ويُنظر إليها كإحدى مدن الجيل الرابع التي تبشر بمستقبل مصر السياحي والعمراني الجديد.

بلغ عدد إجمالي الألغام والمتفجرات التي أزالها مشروع «مَسَام» لنزع الألغام في اليمن التابع لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عبر شركائه في اليمن خلال 2018-2019م، أكثر من 344 ألف لغم وقطعة متفجرة زرعتها ميليشيا الحوثي في عديد من المحافظات والمديريات اليمنية. وبلغت مساحة الأراضي التي تم تطهيرها منذ انطلاق مشروع «مَسَام» نحو 9.5 كيلومتر مربع.

استطاعت الكويت الحد من خطر الألغام على مدى أكثر من عقدين بعد الغزو العراقي للبلاد. وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن الألغام التي تمت إزالتها من قِبل الفرق المختصة وصلت إلى مليون وسبعمائة ألف لغم، بينما يفوق عدد الألغام التي زرعتها قوات الاحتلال مليوني لغم، ومازال هناك أكثر من 300 ألف لغم مختبئة في مناطق مختلفة ومواقع متفرقة. وفي الجزائر بلغ ضحايا الألغام 7,300 تعود لفترة الحرب التحريرية، وجرى تدمير 8,8 مليون لغم وتطهير أكثر من 624 كيلومترًا مربعًا.

خاتمة

تسعى الأمم المتحدة وشركاؤها الدوليون إلى الوصول إلى عالم خال من الألغام. وعلى الرغم من أن معاهدة «أوتاوا» المعتمدة في عام 1997م، تحظر استخدام الألغام المضادة للأفراد، كما تحظر معاهدة «أوسلو» المعتمدة في عام 2008م، استخدام القنابل العنقودية، مازالت بعض الدول لم تنضم لهاتين المعاهدتين.

يتم زرع ألغام جديدة بمُعَدَّلٍ أسرع 25 مرة من مُعَدَّلِ إزالتها. ستسهل التقنيات الجديدة العثور على الألغام وتحديد موقعها، ولكن لا يمكنها منع وضعها. ومع استمرار الدول في استخدام الألغام الأرضية، فستشكل هذه الأسلحة خطرًا على المدنيين والجنود.

في الرابع من نيسان/ أبريل من كل عام يُحتفَل باليوم الدولي للتوعية بالألغام، وهناك مبادرات إنسانية تستهدف تطهير مناطق الألغام منها إنشاء مراكز تدريب لإزالة الألغام وتزويد الجيوش بالمعلومات حول الألغام، وتطوير الوسائل السريعة والآمنة للتخلص منها عبر إجراء المزيد من الأبحاث ومضاعفة المبالغ المخصصة لذلك. وفي ذات الوقت، لابد أن يستجيب المجتمع الدولي للدعوة إلى الوقف الكلي أو الجزئي لإنتاج الألغام أو تصديرها، وتطوير معدات دفاعية لتحل محل الألغام. وعلى المجتمع الدولي أيضًا أن يدعم المناطق المنكوبة على اتساع الوطن العربي لعلاج ضحاياها من الألغام، ومساعدتها بالأموال والإمكانات لتطهرها وتبعث فيها الحياة وتدعم التنمية وتنشر الأمان.

 

مجلة آراء حول الخليج