; logged out
الرئيسية / استثمارات الصين في السعودية والإمارات 62.55 مليار دولار من 83 مليارًا في الخليج

العدد 150

استثمارات الصين في السعودية والإمارات 62.55 مليار دولار من 83 مليارًا في الخليج

الثلاثاء، 23 حزيران/يونيو 2020

شهد العقدان الماضيان علاقات متنامية وموضوعية بين دول مجلس التعاون الخليجي من جهة، ومنطقة آسيا من جهة أخرى، كانت هذه العلاقات اقتصادية بشكل رئيسي وتشمل استثمارات كبيرة في اتجاهين بالإضافة إلى التجارة، ولكنها في الآونة الأخيرة، أظهرت علامات ناشئة على مجالات جديدة للتعاون على غرار التعاون الأمني. في منطقة الخليج العربي، تتصدر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هذه التبادلات و هما يمثلان غالبية صادرات دول مجلس التعاون الخليجي إلى آسيا، لكن في حين يشكل النفط والغاز ثلاثة أرباع الصادرات، فإن هذه المنتجات لا تتجاوز نصف صادرات الإمارات.

من جهة أخرى هناك تطور لمصالح الصين في منطقة الخليج العربي، تغطي تلك المصالح جوانب متعددة منها الجيوسياسية، والمصالح الاقتصادية والتجارية، ومصالح أمن الطاقة، والمصالح الأمنية غير التقليدية. وهنا تنتهج الصين نهجًا متعدد المستويات، لتحافظ على علاقات دبلوماسية مع دول مجلس التعاون الخليجي، ومن جانب آخر شرعت في آليات رسمية للمنتديات الإقليمية المنتظمة؛ والدبلوماسية الشعبية والتبادل الطلابي في دول مجلس التعاون الخليجي المختلفة؛ دون أن ننسى كيف تحافظ على الحوارات مع القوى الكبرى الأخرى؛ وتشارك في مؤتمرات هامة متعددة الأطراف حول الشؤون الإقليمية.

لطالما كانت الاقتصاديات المتقدمة مثل أمريكا الشمالية وأوروبا أكبر الأسواق بالدولار لدول مجلس التعاون الخليجي، ولكن النسبة العامة انخفضت في السنوات الأخيرة، حيث هبطت من 60 في المائة إلى 41 في المائة من صادرات دول مجلس التعاون الخليجي بين عامي 2000 و 2018م، مقارنة بارتفاع نسبي في الأسواق الآسيوية الناشئة والنامية، من 19 في المائة إلى 28 في المائة. ونمت تجارة دول مجلس التعاون الخليجي مع الصين والهند خمس مرات وأربع مرات على التوالي خلال نفس الفترة، لتصل إلى 139 مليار دولار و 77 مليار دولار، تليها اليابان بمبلغ 65 مليار دولار.

أولاً، طبيعة التقارب بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي

لم تكن منطقة الخليج العربي تتمتع في السابق بنفس الأهمية التي كانت لها في سياسات الصين في العقود الثلاثة الماضية، تمامًا كما لم تحظ الصين بنفس الاهتمام من الدول العربية والخليجية. تعتبر الدول العربية أن الصين ليست تلك القوة الدولية التي يمكن الاعتماد عليها أو إقامة تحالف قوي معها، ولهذا اقتصرت العلاقات الصينية ــ الخليجية على مجالات التعاون التجاري والثقافي دون السعي لتحقيق تحالف استراتيجي صيني مع دول مجلس التعاون الخليجي. لنشهد فيما بعد إقامة الكويت لعلاقات دبلوماسية مع الصين عام 1971م، وهي أول دولة عربية خليجية تقيم علاقات رسمية معها، ثمانضمت سلطنة عمان، التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين في عام 1978م، وفيالثمانينات دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1984م، والبحرين في عام 1989م، وآخر دولة خليجية أقامت علاقات مع الصين كانتالمملكة العربية السعودية عام 1990م، وكان هذا في خضم مرحلة عرفت تحولات كبيرة على الساحة الدولية قبل نهاية الحرب الباردة.

في أوائل التسعينات، وجدت الصين نفسها في مرحلة تحتاج فيها إلى إتباع سياسة براغماتية في تعاملاتها الخارجية و على مستويات مختلفة، و من ناحية أخرى، تغيرت رؤية دول الخليج العربي للصين من خلال العمل على استثمار علاقاتها معها لتحقيق مصالحها المختلفة في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، كما شهدت الألفية الثالثة تطورات وأحداث على المستويين الإقليمي والدولي أدت إلى زيادة التقارب بين الصين والخليج. حيث أبرمت الاتفاقية الإطارية للتعاون الاقتصادي والتجاري والفني بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي في عام 2004م، وتم التوصل إلى اتفاق بشأن مذكرة تفاهم بشأن الحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون والصين في عام 2011م.

ثم، في عام 2013م، أطلقت الصين مبادرة "حزام واحد في اتجاه واحد""، والتي سميت بالوسيط، والمبادرة واحدة من أهم المشاريع التي تسعى الصين من خلالها للحصول على موقع معين على الخريطة الاستراتيجية للعالم والمساهمة في ربط آسيا بقارات إفريقيا وأوروبا. فعلى الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي لا تقع مباشرة على مسارات الحزام ومبادرة الطريق، إلا أن هذه البلدان لديها مصالح اقتصادية وسياسية كبيرة داخل ممر المسار المحدد في هذه المبادرة. وبالفعل دخلت الصين في شراكة استراتيجية مع ثماني دول عربية وخليجية وأبرمت عدة اتفاقيات.

   صورة توضح المنطقة المستهدفة من مبادرة الحزام والطريق، والخطوط البرية والبحرية التي ستقطعها

وتعتقد الصين أن تعزيز العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي هوالمحور الأساسي في خطتها الاستراتيجية المتعلقة بالحصول على الطاقة ، وبالمقابل تدرك دول مجلس التعاون أن الممرات البحرية في المنطقة مهمة لنجاح مبادرة الطريق الواحد والحزام الواحد، وبهذه الطريقة دول مجلس التعاون الخليجي والصين بحاجة للعمل معا للحفاظ على هذه الممرات البحرية من أي تهديدات.وهكذا ، يمكن القول أن سياسة الصين أصبحت تميل إلى تقدير العلاقات مع دول مجلس التعاون ، بطريقة تساهم في تحقيق مبادرة "طريق الحرير"، وأن الصين بحاجة ماسة إلى موارد الطاقة مثل النفط و الغاز الطبيعي ضمن استمرارية تدفقه من دول الخليج لتفعيل وسائل التعاون، و هو ما سيسهم في تقليص مجال المشاكل التي تسعى الصين إلى تجنبها في المستقبل، وفي المقابل، تسعى لضمان الاستقرار في منطقة الخليج العربي.

ثانيًا، التجارة الخارجية: حلقة الوصل الرئيسية؟

     مع ارتفاع حجم التجارة بين الصين ودول الخليج التي بلغت 197 مليار دولار في عام 2017م، فإن مستوى الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين بكين والخليج العربي يعتبر كبيرًا حتى خارج قطاع النفط والطاقة. مما لا شك فيه أن هذا له تأثير مباشر على كيفية تعامل الصين مع المنطقة، و هنا يستمر الاقتصاد والتجارة في كونهما النقطة المحورية للعلاقات الصينية ــ العربية، ولكن لا يمكن أن تكون هذه العلاقات متشعبة تمامًا عن الظروف السياسية والأمنية المعقدة والديناميكية في المنطقة. في الواقع، هناك بعض الدلائل على أن الصين قد تسعى إلى المشاركة بشكل أكبر في الأمور المتعلقة بالأمن في المنطقة. ومع ذلك، في مثل هذه البيئة الأمنية المشحونة، يبقى أن ننتظر لنرى بالضبط كيف تترجم استثماراتمبادرة الحزام والطريق إلى أدوات ملموسة للسلام والاستقرار. في الوقت الحالي، بعيدًا عن الرسائل الخطابية، لا تزال الصين تبدو بعيدة عن اتخاذ خطوة للتحول من المستثمر إلى الوسيط أو المورد الأمني.      

     تتميز سياسة الصين في المرحلة الحالية بتفعيل الاقتصادكبعد له أهمية أساسية في قائمة أولوياتها ومصالحها،ثم ترافق الصين الأبعاد السياسية والأمنية بعد أن كان يحتل البعد الإيديولوجي أهمية قصوى على جدول أعمال المصالح المختلفة للصين في العقود الأولى من حياة دولة الصين الشعبية.أما المرحلة الحالية التي أصبحت فيها إحدى القوى العالمية الناشئة وتملكهاالعديد من الأسس التي دعمت صعود الصين، أصبحت لها اتجاهاتللتقارب والاختراق في العديد من المناطق الحيوية والمهمة في العالم، بما في ذلك المنطقة العربيةمنطقة الخليج ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وهناك الآن تقارب متبادل بين الطرفين.

   حاليًا، تعتبر الصين أكثر نشاطًا في المنتديات المتعددة الأطراف، خاصة مع وسط يتسم بعدم اليقين بشأن التزام الولايات المتحدة بالقيادة الدولي، و خاصة أن جهودها الإقليمية تعززها التبادلات الكبرى بين الدول. على الصعيد الثنائي، استضافت الصين مجموعة من قادة الدول العربية في سلسلة من الزيارات رفيعة المستوى، مليئة بإعلانات صفقات بقيمة مليار دولار بما في ذلك 28 مليار دولار في اتفاقيات تعاون مع المملكة العربية السعودية، ومشاريع للاستثمار في منطقة مطار وتطويرها في الإمارات العربية المتحدة، وتعهد من شركة Xi بتقديم أكثر من 20 مليار دولار من القروض والمساعدات الإنسانية والمساعدات التنموية للدول العربية.من جانب آخر لا يقل أهمية، أقامت الصين شراكات استراتيجية شاملة مع المملكة العربية السعودية منذ عام 2016م، والإمارات العربية المتحدة منذ عام 2018م. وفقًا لتعقب China Global Investment Tracker وهو هو مجموعة البيانات العامة الشاملة الوحيدة التي تغطي الاستثمار العالمي والبناء في الصين وصلت استثمارات بكين في البلدين بين عامي 2008 و 2019م، إلى ما مجموعه 62.55 مليار دولار، في حين أن المبلغ الإجمالي لاستثمارات الصين في جميع دول مجلس التعاون الخليجي خلال نفس الفترة بلغ حوالي 83 مليار دولار.      

ثالثًا، خارطة المشاريع الصينية في منطقة الخليج العربي:

     تركز الصين بنموذجها المطبق في المنطقة العربية وشمال إفريقيا على الجوانب الاقتصادية وعدم التدخل بالشؤون السياسية، على عكس التركيز الغربي الضاغط لتحقيق المعايير الليبرالية والديمقراطية، لذلك نافست الصين على مشاريع ضخمة باستثمارات مباشرة وغير مباشرة، وبقروض كبيرة. حيث و بعد انقطاع دام 29 عامًا وقع الرئيس الصيني “شي جين بينغ” في 19 يوليو 2018م، أثناء زيارته للإمارات على 13 اتفاقية تعاون بين البلدين في مجالات الطاقة والتجارة الإلكترونية والزراعة والثروة الحيوانية والسمكية، إضافة للتعاون الاقتصادي في إطار مبادرة “الحزام والطريق”.وقبيل تلك الزيارة؛ وقّعت “موانئ دبي العالمية” ومجموعة “تشجيانج تشاينا كوموديتيز سيتي جروب” الصينية اتفاقًا لإقامة أضخم سوق للتجارة الحرّة على مساحة ثلاثة كيلومترات مربعة في المنطقة الحرّة لجبل علي في دبي، وهي أكبر منطقة تجارة حرّة في الشرق الأوسط.

       ونفذت الشركات الصينية العاملة بالإمارات مشروعات بنى تحتية بقيمة 3 مليارات درهم إماراتي سنة 2018م، بلغ فيها عدد العمالة الصينية 10 آلاف عامل صيني، وتضمّنت أبرز المشاريع التي نفذتها شركات صينية مشروع جسر البديع في الشارقة، ومستشفى الأمل للأمراض النفسية بدبي، وإنشاء وإنجاز الإدارة العامة لشرطة الشارقة، ومشروع امتداد الطريق العابر من طريق فلج المعلا شارع الإمارات في أم القيوين.وتأتي هذه المشاريع الصينية في الإمارات لترفع حجم التبادل بين البلدين في عام 2017م، إلى نحو 53.3 مليار دولار، علمًا بأن الصادرات الصينية تشكل نسبة 90% منها، وفقًا لإحصاءات أبوظبي.

   كما وقعّت شركة “تشاينا بتروكيميكال كوربوريشن – سينوبك” عملاق صناعة التكرير في الصين والأكبر في القارة الآسيوية في عام 2012 م،على شراكة مع “أرامكو” السعودية لإنشاء مصفاة تحويل متكاملة، حيث تبلغ حصة ملكية أرامكو السعودية في هذه المصفاة العملاقة نحو 62.5%، و37.5% لشركة “سينوبك” الصينية. وفي العام 2018م، أطلق البلدان مشاريع بقيمة 225 مليار ريال سعودي تشمل البنى التحتية وقطاع المعلومات، وتهدف السعودية أن تكون محطّة رئيسة في مبادرة الحزام والطريق الصينية، وفق رؤية السعودية 2030.

رابعًا، فرص التقارب بين الصين ومجلس التعاون لدول الخليج :

يمكن تلخيص هذه الفرص و الحوافز فيما يلي:

1 - الأهمية الاستراتيجية، من الجيد التذكير بأن المنطقة بما تحوزه من ثروات و اقتصاد إلى جانب الممرات المائية التي تؤثر على النقل البحري الدولي، يجعل الصين تدرك أن تأمين الملاحة في هذه المسارات يضمن استمرارية الوصول إلى الأسواق العالمية، ولا سيما منطقة الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي وشمال إفريقيا، بالإضافة إلى الصين.

2- فرص التعاون الاقتصادي، خاصة منذ العقد الماضي في ظل تحول الصين إلى دولة مستوردة للنفط وإنتاجها المحلي منه ليس كافيًا لتلبية احتياجات الأسواق المحلية، و عليه أصبحت الوجهة نحو الخارج للحصول عليه. ما يعني أن منطقة الخليج يجب أن يكون لها أهمية في نظر الصين، التي صاغت رؤية بأن أهمية دول مجلس التعاون الخليجي تكمن في ثلاثة جوانب اقتصادية، وهي: مصدر مهم للنفط، وسوق للسلع الصينية، ومصدر هام للحصول على الاستثمارات.

3 - فرص التعاون السياسي في ظل التحولات والاتجاهات التي تشهدها الساحة الإقليمية و الدولية، حيث شهدت الساحة الدولية نزعة صينية لتقوية علاقات الشراكة، وتعزيز التعاون مع دول الخليج العربي في مختلف المجالات، وتقوية التقارب مع هذه الدول بهدف تحقيق مساعي الصين للتخلص من النفوذ الأمريكي على مناطق مهمة في العالم، بما في ذلك إن منطقة الخليج العربي، وهذا المسعى الصيني يقوم على بناء الشراكات، وتعزيز التحالفات، وتجنب الانخراط في أي نزاعات أو توترات إقليمية أو دولية مستمرة من خلال سياسة براغماتية ومتوازنة مع العديد من البلدان.

4- فرص التعاون في المجالين الأمني ​​والعسكري، في الوعي الصيني هناك يقين بأهمية تحقيق بيئة آمنة لمناطق مصادر الطاقة ومصادر الطاقة وطرق عبور النفط. في الوقت نفسه، تتزايد المصالح الدولية للصين في منطقة الخليج ويتوسع الإطار الاستراتيجي لهذه المصالح وتزداد الحاجة إلى حمايتها. وبالتالي، فإن مشاركة الصين في تسيير دوريات وتأمين دوريات السفن العابرة لجنوب البحر الأحمر والمشاركة في جهود مكافحة القرصنة هي بمثابة تأكيد على مشاركة الصين في الأمن الإقليمي ونظام الأمن الدولي الذي ينسق مع الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية، بما في ذلك التعاون الخليجي.

خامسًا، تحديات التقارب بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي

   لم يكن التقارب بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي في مأمن منالعوائق والتحديات التي تؤثر سلبًا على مدى قوتها وطبيعتها على الرغم من اختلاف هذه التحديات ، ويمكن توضيحها من خلال ما يلي:

1 - التحديات في المجال السياسي، تتمثل في:

- التحدي الأمريكي، نظرًا لتأثير ودور الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الخليج، فإن السياسة الأمريكية لها دور نشط في حركة وتقارب الصين مع دول المنطقة. الأمر الذي يجعل المحدد الأمريكي يلعب دورًا بارزًا في تقييد تحرك الصين نحو المنطقة.

- تحدي العلاقات مع دول المنطقة، كعلاقة الصين مع إيران وتركيا وإسرائيليؤثر سلبًا على التقارب بين الصين والخليج بسبب الاختلاف في المصالح بينهما،وتهديد سياسات بعض القوى الإقليمية للاستقرار والأمن في المنطقة (إيران) من خلال تدخلها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وهو ما يشكل عقبة.

2 - التحديات في المجال الاقتصادي، على الرغم من أنه منذ إعلان الصين عن شراكتها الاقتصادية مع العديد من الدول العربية والخليجية من خلال مشروع "طريق الحرير"، إلا أن الواقع يشير إلى أنها تخدم بشكل رئيسي الصين أكثر من اقتصاديات البلدان الأخرى، وبعبارة أخرى، لن تحقق فرصًا متكافئة للتنمية لكلا الطرفين.

3 - التحديات في المجال الأمني​​، هناك عدد من التحديات في المجالين الأمني ​​والعسكري، مثلاً الأسلحة الصينية التي يمكن أن تحصل عليها العديد من الدول، والتي لا يمكنها منافسة الأسلحة الأمريكية ذات المواصفات التكنولوجية العالية، وكذلك الشراكات العسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية التي لا يمكن التغلب عليها بسهولة.

سادسًا، معضلة فيروس كورونا و التضامن المتبادل

       تُصَنَّف أزمة كورونا كواحدةٍ من الأزمات الإنسانية مُتعدّدة الأبعاد؛ يعكس ذلك قُدُراتها على الإطاحة بعددٍ كبيرٍ من البشر، وهو الأمر الذي كان له نتائج كارثية على المنظومة الصحية العالمية، بالإضافة إلى ما تركته من آثار سلبية على القطاعات الاقتصادية.لقد تلقّت الصين تبرعات أو أشكالًا أخرى من الدعم المادي من مختلف دول الشرق الأوسط مثل مصر والمملكة العربية السعودية وتركيا.

     لم تتخلف المملكة العربية السعودية و هي رائدة العمل الإنساني عن تقديم دعم هام للصين في بداية الأزمة على غرار مختلف الدفعات التي تم تسليمها إتباعًا، و تكونت الدفعة الأولى من مواد مهمة تستخدم في مثل هذه الأزمات، إلى جانب توقيع ستة عقود مشتركة مع شركات عالمية لتأمين أجهزة ومستلزمات طبية لمكافحة فيروس كورونا الجديد، وذلك عبر مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، لتليها فيما بعد دفعات أخرى.و سرعان ما اكتسحت صور لفتة الصداقة الودية هذه الإنترنت الصيني وحظيت بامتنان وسائل الإعلام الرسمية الصينية.

     الأكيد أن كل من المملكة العربية السعودية و الإمارات العربية المتحدة لا يحتاجان إلى مساعدات مالية من الصين، و لكن تشكيل شراكة قوية مع الصين ستفيد الطرفين مع بعض، من خلال إتاحة الوصول إلى التكنولوجيا، والخبرة الصينية، ومشاريع البنية التحتية، وربما توفير نافذة سهلة للوصول إلى السوق المحلي الواسع في الصين.

الخاتمة:

       من خلال تتبع ملامح التقارب بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، يتضح لنا أن هذا التقارب يحدث نتيجة للحاجة والمصلحة المتبادلة بين الطرفين من جهة، و الوضع الدولي والتغيرات الحاصلة في العلاقات الدولية من ناحية أخرى ، فالتقارب الصيني - الخليجي ظهر لأول مرة في السبعينيات عندما اعترفت الصين في تلك الفترة باستقلال عدد من دول الخليج بشكل فردي، ثم تطور هذا التقارب ليشمل لاحقًا مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية.وكانللتغيرات الدولية التي عرفها النظام الدولي والتحول الذي عرفه نحو أحادية القطبية و الزعامة الأمريكية تأثير كبير على توجهات الصين للتقارب مع دول مجلس التعاون، و هذا التقارب الذي كان مدفوعًا في السابق بالعامل الإيديولوجي تراجع لصالح العامل الاقتصادي الذي دفع هذا التوجه.

     و بالرغم من وجود العديد من الفرص التي تحفز التقارب بين منطقة الخليج العربي والصين، إلا أن هناك عدد من التحديات التي تعيق هذا التقارب وتؤثر على مساره، وما زال مستقبل هذا التقارب يعتمد على قدرة الطرفين على تعظيم هذه الفرص من أجل تعزيز التقارب، وكذلك القدرة على الحد من مجالات تأثير التحديات التي تنشأ أو التي يمكن أن تحدث حتى لا يكون لها تأثير سلبي عليها الآن وفي المستقبل.

مقالات لنفس الكاتب