; logged out
الرئيسية / العلاقات العراقية-الكويتية: واقعها، وآفاقها المستقبلية

العدد 85

العلاقات العراقية-الكويتية: واقعها، وآفاقها المستقبلية

السبت، 01 تشرين1/أكتوير 2011

تعرض العرب في القرن العشرين إلى كوارث إنسانية عدة فاقت في حجمها وآفاقها كارثة سقوط بغداد على يد المغول سنة (1258) وكارثة سقوط غرناطة سنة (1492)، وما ترتب عليهما من تراجع حضاري خطير، وتخلف مرير بقي ينهش بجسد الأمة قروناً طوالاً لم تنفع بعدها محاولتها النهضوية مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، من بلورة نظام عربي جديد بالمستوى الذي يؤهلها لدخول عصر الصناعة، ومن ثم دخول عصر الألفية الثالثة بثقة عالية، وقد نفضت عن كاهلها غبار التخلف وتبنت أسلوباً علمياً تطبيقياً في التفكير يعمل على تخليصها من رواسب الثقافة التقليدية القائمة على التغالب والغزو لتحل كارثة غزو الكويت ومن ثم كارثة احتلال العراق وما ترتب على ذلك من تداعيات خطيرة أصابت الأمن القومي العربي في الصميم، ليواجه العرب مصيراً مجهولاً لا أحد يعرف مداه مع تنامي الصراعات الإقليمية والدولية في محيطها الإقليمي والدولي فضلاً عن مشكلاتها الداخلية المعقدة، بل أصبح العرب تحت وطأة هذه الظروف عرضة لأي ابتزاز وتهديد وتجاهل واستخفاف من أطراف إقليمية ودولية عدة لم يبلغ العرب مثل مستواها، خلال تاريخهم الطويل، وسر هذا التراجع وذلك الاستخفاف يعود لتجاوزهم أو تجاهلهم عدوهم الحقيقي ليغزو بعضهم بعضاً، إنها كارثة حقاً، وما زال هذا الأمر يحز في النفوس، وربما ستبقى أثاره متفاعلة إلى إن يصحو العرب من وطأتها، ويجدوا الوسائل الموضوعية والعلمية للخروج من آثارها ورسم خارطة ثقافية نهضوية جديدة للأجيال القادمة، تكون على مستوى عال من المسؤولية بطريقة تتوافق والتوجهات الحضارية التي يشهدها العالم اليوم، ويفهم العرب معها، أنه لا مكان لهم في عالم الغد السائر نحو التطور، دون أن يفكروا بذلك ويخرجوا من نمط التفكير الفلسفي المجرد إلى نمط التفكير التطبيقي المنتج، وسيأتي يوماً توصف فيه المجتمعات، غير القادرة على الخروج من قمقمها، بالشعوب البدائية، ولكن ليس بلغة الإنثروبولوجيين التقليديين في عزلة المكان، لكن بعزلتها عن الحضارة، ويكون أكثرها، مجرد دمى تحركها أصابع القوى المتنفذة داخلياً وخارجياً.

ولا شك في أن العلاقات العربية –العربية، ومنها العلاقات العراقية – الكويتية، تعيش إشكاليتها المعقدة، والتي تعكس بشكل لا يقبل الجدل، إخفاق الفكر السياسي العربي في إيجاد حلول جذرية لها، بل إن الرؤى بين العرب إزاء جملة من القضايا الداخلية، وكذلك القضايا الإقليمية والدولية، موضوع اختلاف شديد بينهم، قد تجعلهم يغوصون أكثر فأكثر في مشكلاتهم السياسية، ولا سيما بين الحكام والزعماء الذي يعيشون بين الخوف على مواقعهم في الحكم، وبين عدم قدرة البعض منهم في تقدير الحال في المستقبل، وما زالوا ينقلون إلى العالم، فكرة أن العرب طيبون مجاملون للآخر على حساب شعوبهم. هم (طيبون) مع الأطراف الإقليمية والدولية وعنيدين أو قساة تجاه بعضهم البعض، لتدفع المجتمعات العربية من جراء ذلك، ثمناً باهظاً من عمرها، دون أن تحقق لنفسها المكانة التي تستحقها في الحياة، إذ لا تزال العقلية القبلية والزعامات المنفردة في تصوراتها وأهوائها، تقرر نوعية علاقاتها المحلية والإقليمية والدولية وترسم آفاقها، وتعد أزمة العلاقات العراقية –الكويتية خلال أكثر من ثمانين عام ضحية ذلك. فلم يسعى العرب، جادين لتصحيح مسارها ولم يبذلوا جهوداً حقيقية من أجل إخراجها من شكوكها وتخوفاتها وإرهاصاتها، ومازالوا بعيدين عن تقديم أي مبادرة حقيقية سواء تحت مظلة الجامعة العربية أو مظلة مجلس التعاون الخليجي أو من قبل بلدان عربية مؤثرة، ويتحمل العرب قبل غيرهم مسؤولية أخلاقية وسياسية عن ذلك، والمؤشرات تدل على أن العرب بعد سنة 1990 قد اتجهوا نحو الهاوية، ولا تزال المخاطر تزداد خطورة، ولا أحد يعرف ماذا سيحصل غداً وسط تصاعد الدعوات الطائفية والعرقية وانحسار الحس القومي، وتراجع العلاقات العربية إلى نحو غير مسبوق، الأمر الذي ينذر بنشوب صراعات ثقافية تحركها البواعث الطائفية والعرقية وتتدخل فيها أطراف إقليمية ودولية يخسر العرب جرّائها ما تبقى لهم من مواقع إقليمية، إذ لا تزال خسارة العرب للحافات الشرقية للمحيط الأطلسي في الأندلس تشكل تراجعاً حضارياً لا تزال الأمة تعاني منه، والخوف من أن يفقد العرب في العصر الحديث، حافات أخرى على البحر الأبيض المتوسط وأخرى على الخليج العربي وما يصل بمياهه إلى المحيط الهندي، وعندئذٍ لا ينفع الندم أو التباكي على الأطلال، وعلية لا بد من تصحيح مسارات العلاقات العربية- العربية، وعلى وجه الخصوص العلاقات العراقية- الكويتية ومراجعة الماضي ونقده وتصحيح مساره من أجل ألا تكون هناك ثغرة تعود من خلالها المأساة إلى العرب من جديد، وتزداد أهمية الدعوة لهذا التصحيح كون العراق والكويت يحتلان موقعاً استراتيجياً، سواء ما يتصل بحيوية الموقع بالنسبة لمنطقة الخليج العربي ومحيطه الإقليمي الذي تحيط به مخاطر مشاريع إقليمية ودولية مهيئه للصراع، أو ما يتصل بأهمية الموقع من الناحية الاقتصادية والثقافية بالنسبة لشبه جزيرة العرب من أقصاها إلى أقصاها، وما يمكن أن يشكله التوتر المستمر بين العراق ودولة الكويت، متغير أساسي ومؤثر في انفراط الروابط العربية تحت أي مسمى، وبالتالي يؤدي إلى ضرب العرب في مركزهم الحيوي في قلب الجزيرة العربية، ومن هنا لابد من التفكير جدياً في تقييم واقع العلاقات العراقية – الكويتية، وتخليص العرب من جراء تدهورها من مخاطر جادة قد تؤدي بالكل إلى الهاوية، ومن ثم تعرض العرب لتحديات أجنبية خطيرة تهدد مقدراتهم، شرقاً وغرباً، ومن هنا تأتي أهمية تأسيس ثقافة مجتمعية في العراق والكويت تقوم على أساس الاعتراف المتبادل، وتبديل المفاهيم التقليدية بمفاهيم جديدة،لا سيما أن ثقافة الأجيال الجديدة تختلف في عناصرها عن تلك التي نشأ عليها الآباء والأجداد، وضرورة استثمار ذلك في إصلاح العلاقات العراقية – الكويتية من أجل انطلاقها بعيداً عن الأحقاد والشكوك.

كان لاكتشاف النفط دور أساسي في جعل الكويت من أهم المدن الخليجية تطوراً

أولاً: لمحة تاريخية

تاريخ دولة الكويت جزء حيوي من تاريخ العرب، كما أن تاريخ دولة العراق جزء مفصلي من تاريخ العرب، ولا شك في أن البلاد العربية قد انضوت فترة طويلة تحت الحكم العثماني الذي سار على مسار الثقافة الإسلامية، إذ انقسمت البلاد الإسلامية إلى ولايات إسلامية كترجمة لفلسفة النظام الإسلامي، القائم على أساس (نظام الولايات) في إدارة شؤون الدولة، حيث لم يعرف العرب في تاريخهم الطويل، مصطلحات الوطنية والقومية والديمقراطية وغيرها، إلا بعد مجيء الاستعمار الأوروبي القديم مع نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وهو ينقل معه مثل تلك المفاهيم الجديدة، فضلاً عن تصورات أخرى عن نظام الدولة والمجتمع، كانت قد صاغتها الثورة التطبيقية العلمية في إنكلترا والثورة الفكرية في فرنسا، لتضع أمام البشرية تصورات حديثة أضحت ضرورية للحياة الاقتصادية ولغة الطاقة والانبعاث الحضاري المادي، وولادة المنهج العلمي وتلاشي منهج الجدل البيزنطي، إذ أصبح التطبيق والتجريب الفيصل الذي تفسر به الحياة وتوضع على ضوئها الحلول المناسبة لمشكلات الإنسان، لذا ينبغي فهم تاريخ المنطقة العربية، بما فيها تاريخ العراق والكويت على ضوء فلسفة النظام الإسلامي أعلاه الذي ضاعت فيه الحدود وانتفت فيه الحاجة إلى مفهوم الاستقلال الوطني تحت فلسفة أرض الإسلام للمسلمين، ولهذا لم يكن هناك (تاريخياً) خلاف حدودي بين العراق والكويت وغيرهما من بلاد المسلمين. كما لا يخفى عن الكل، أن تاريخ العراق موغل في القدم، وقد ظهرت على أرضه حضارات رائدة في التاريخ القديم قبل الميلاد، كذلك للكويت تاريخ قديم يمتد إلى ما قبل الميلاد أيضاً، وتشير الموسوعة الحرة (وكيبيديا) على الإنترنت (عن تاريخ الكويت)، إلى أن تاريخ الآثار المكتشفة فيها، يرجع إلى ما قبل الميلاد، حيث استوطنت جزيرة فيلكا من قبل الهيلينستيين في القرن السادس قبل الميلاد، ثم استولت قوات الإسكندر الأكبر على الجزيرة وأطلق عليها اليونانيون اسم (ايكاروس)، وتشير الموسوعة أيضاً إلى أن الكويت كمدينة تأسست في القرن السادس عشر، وقد كان أغلب سكانها يمتهنون الغوص على الؤلؤ والتجارة البحرية بين الهند وشبه الجزيرة العربية، الأمر الذي ساعد على تحويل الكويت إلى مركز تجاري في شمال الخليج العربي وميناء رئيسي لكل من شبه الجزيرة العربية وبلاد الرافدين، وقد بلغت مهنة الغوص أعلى مراحلها في زمن حكم الشيخ مبارك الصباح، إذ بلغت السفن في الكويت قرابة (800) سفينة. وقد كان لاكتشاف النفط دور أساسي في جعل الكويت من أهم المدن الخليجية تطوراً، (عمرانياً وثقافياً)، وتعد نهضة الكويت الحديثة نقطة تحول فاصلة في تاريخها الحديث، إذ توسعت بعد هدم سورها، واستوطنها الكثير من البدو الرحل، وتغير نمط البناء والحياة الاجتماعية فيها بشكل سريع ومتطور، وقد حكم الكويت منذ عام 1613 حتى اليوم (15) شيخاً، وقد أجمعت المراجع على أن الشيخ مبارك الصباح ( 1896-1915) هو المؤسس الحقيقي لدولة الكويت، ونص الدستور الكويتي في مادته الرابعة على أن جميع حكام الكويت بعده، من ذريته بأبنائه وأبناء أبنائه.

يتحمل العرب قبل غيرهم مسؤولية تدهور العلاقات العراقية-الكويتية

ثانياً: العلاقات العراقية – الكويتية، وضرورة الخروج من القمقم

أشرنا إلى أن قاموس المفاهيم في العالم الجديد يختلف كلياً عن تلك المفاهيم التي سادت في العالم القديم، فالعالم الصناعي والمجتمعات المنبثقة عنه أو التي تشكل أجزاءه الحالية، قد اختارت طريقها في تنظيم علاقاتها الدولية على أساس الحدود الوطنية ونظمها المستقلة، ولا شك في أن الأوروبيين قد وصلوا إلى نهضتهم بعد حروب طاحنة وصراعات مريرة دفعوا من جرائها ملايين من البشر كضحايا قبل أن يتمكنوا، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، من صياغة مفاهيم ونظم جديدة قائمة على فلسفة اقتصادية في التنمية وأخرى سياسية قائمة على احترام كرامة الإنسان وصيانة حقوقه وحريته، والتخلص من الفلسفات القومية القائمة على التطرف الشوفيني، والتي نجم عنها عداوات عديدة كالعداوة بين الإنكليز والألمان مثلاً، إلا أن قدرة الأوروبيين على مراجعة علاقاتهم، مراجعة نقدية وموضوعية، مكنتهم من تطويق تلك العداوات ورسم شبكة من العلاقات الإيجابية أدت في نهاية المطاف إلى التخلص من عقد الماضي، وولادة أجيال جديدة تجاوزت تلك الأوضاع وعملت على إنهائها، وما الاتحاد الأوروبي اليوم، إلا صورة واضحة لهذه الشبكة الإيجابية من العلاقات. والسؤال الذي ينبغي إن يطرح الآن، هل يستطيع الفكر السياسي والاجتماعي العربي الاستفادة من الدروس المستخلصة من التجربة الأوروبية في سبيل إخراج العلاقات العربية- العربية ومنها العلاقات العراقية -الكويتية من قمقمها لتنطلق في فضاء التسامح؟ إن المعطيات الثقافية للأجيال الجديدة (أجيال الإنترنت)، وحصول تحول حقيقي في منظومتها القيمية، وقراءتها للواقع بطريقة مختلفة عن طريقة الآباء والأجداد، تفرض على صناع القرار والمؤرخين والنخب المثقفة والأوساط الشعبية في كل من العراق والكويت، مراجعة علاقاتهما، مراجعة نقدية وموضوعية أي ليس فقط مراجعة سياسية إنما مراجعة اجتماعية وحضارية من أجل رسم شبكة علاقات إيجابية تتجاوز الأفكار التي تروج العداء بين الأشقاء، وهذا يتطلب خطوات إجرائية لإزالة الآثار الاجتماعية والنفسية التي أصابت العلاقات العراقية-الكويتية بعد كارثة 1990، وليس أمام البلدين إلا العمل في سبيل ذلك، ليس فقط من أجل الأجيال الحالية إنما من أجل الأجيال القادمة، ويمكن القول إن للعرب أسوة حسنة في نجاح الأوروبيين في إصلاح علاقاتهم السياسية والثقافية بعد عداوات شديدة من جراء الحروب، وبناء علاقات إيجابية في المرحلة الحالية، وقبل كل ذلك لهم في تاريخ الإسلام الأول في التسامح أسوة حسنة أيضاً، لذا ينبغي العمل على بناء تصورات جديدة قائمة على ضرورة تعميق العلاقات الاجتماعية بين المجتمعين العراقي والكويتي وتقع ذات المسؤولية على منظمات المجتمع المدني والمجتمع الأهلي والنخب المثقفة ووسائل الاتصال المختلفة، وتمثل هذه الدعوة أهمية كبيرة للجميع، لأن القادم هو الأهم، مع الاعتراف بأن ما أصاب الكويت من خسائر مختلفة أولاً، والعراق لاحقاً، يشكل مأساة ونقطة حزينة في تاريخ العرب المعاصر، وينبغي ألا نبقى نبكي الماضي لأن المرحلة الحالية والقادمة للمنطقة تحمل مخاطر سوف يضيع بها الجميع إذا لم تُصَغْ ثقافة جديدة تنهي كل الأفكار التي تروج لتعكير العلاقات بين العراق والكويت، وعلى صناع القرار في العراق والكويت إخلاص النية في وضع حد نهائي لهذه الأوضاع الحزينة، كما يجب على العرب جميعاً، تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية في هذا الجانب والتخلص من عقد الماضي، لأن العالم الذي نعيش فيه ليس زمن القبائل والغزو إنما زمن الدولة والمؤسسات الدستورية والاحترام المتبادل بين الدول على أساس المصالح المتبادلة، وينبغي على الجميع، الوعي بأن المنطقة العربية ولا سيما العراق والجزيرة والخليج العربي تواجه تحديات ضخمة تتطلب العمل من أجل بلورة استتراتيجية عربية لمواجهتها، كما أن المحيط الإقليمي للمنطقة العربية بشكل عام، ولاسيما بعد الثورات الشعبية في تونس ومصر وغيرهما سيشهد تحركات إقليمية حثيثة تجاه دول عربية مؤثرة من أجل صياغة تحالفات معها، لاسيما مع دخول تركيا على الخط بقوة وسعيها إلى مد علاقات اقتصادية (وهي بحاجة ماسة لها) وعلاقات سياسية وربما إلى تحالفات مع الدولة المصرية بثوبها الجديد ومع ضرورة فهم دلالات هذه التحالفات ومدى استفادة العرب منها وأهميتها بالنسبة لمنطقة الخليج العربي، وعليه ينبغي ألا يبقى العراق والكويت يعيشان أزمة علاقة، وينبغي عليهما أيضاً أن يعرفا، أنهما بلدان مهمان في المنطقة وأي تعطيل لهذه العلاقة سيكون له تداعياته الخطيرة على أمن المنطقة ومستقبلها، لأن المسألة الأساسية في العلاقات الدولية هي المصالح، فلماذا لا نرتقي إلى مستوى صياغة علاقات عراقية-كويتية تأخذ في الاعتبار مصالح العراق والكويت والمنطقة بشكل عام وكسر الحاجز النفسي، كي تنطلق العلاقات العراقية-الكويتية في آفاق مستقبلية رحبة، وهي ترسم غداً مشرقاً للأجيال القادمة.

ينبغي العمل على تعميق العلاقات الاجتماعية بين المجتمعين العراقي والكويتي

ثالثاً: نحو إطار جديد للعلاقات العراقية- الكويتية

إن التاريخ يفرض على قادة البلدين، العراق والكويت، أن يؤسسوا قاعدة قيم جديدة لعلاقات متكافئة قائمة على الاحترام المتبادل، ونبذ كل الأفكار السلبية، وأن يتحلى الجميع بالشجاعة، والاعتراف بالأخطاء ومراجعتها ومعرفة أسبابها من أجل غربلة التراث الثقافي والاعتراف بأحقية الدولة الكويتية على العيش بسلام، ونبذ كل الأفكار التي تتعارض مع ذلك، وينبغي أن تؤسس ثقافة جديدة تأخذ بها الأجيال القادمة وهي تطوي صفحة الماضي وأخطاءها ومآسيها، التي دفع ثمنها الشعب الكويتي أولاً ثم الشعب العراقي ثانياً والعرب جمعياً ثالثاً، وعليه لا يمكن تحقيق خطوات ناجحة في بلورة إطار جديد للعلاقات العراقية – الكويتية، ينهي إلى الأبد حالات القلق والشكوك القائمة بين البلدين، دون إعادة الاعتبار للشعب الكويتي أولاً وللشعب العراقي ثانياً، بعد ويلات الحرب، وأن تحقيق ذلك لا يمكن أن يتم دون إرادة سياسية وشعبية معاً وإزالة كل بؤر التوتر ابتداءً من تخطيط الحدود وتثبيتها وفق القوانين الدولية، مروراً بدراسة إنشاء ميناء مبارك الكبير فنياً وعلمياً دون أي حسابات سياسية، ومعرفة مدى آثار إنشائه على مصالح البلدين وانتهاءً بالعمل الجاد على ترسيخ قيم التسامح، فالمنطق يفرض على الجميع، الابتعاد عن أي إجراءات تسبب توتراً مستقبلياً بين البلدين الشقيقين، قد تدفع ثمنه الأجيال القادمة. إن تأسيس واقع جديد إيجابي من العلاقات بين البلدين يمكن أن تنبثق منه منظومة قيم جديدة تحترم إرادة الشعوب واستقلالها، تسير عليه الأجيال وهي مطمئنة على مستقبلها، وهو ما ينبغي على قادة الشعبين التأسيس له، ويشير الدكتور عبدالله خليفة الشايجي رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت في مقالة بعنوان: الكويت والعراق ظلم التاريخ والجغرافية، منشورة بتاريخ 30/مايو / 2011 على موقع جريدة الاتحاد الإماراتية، إلى (العلاقة المعقدة والمرتبكة بين الكويت والعراق التي ترفض أن تتقدم إلى المستقبل، وتبقى عالقة في الماضي، تستحضر أشباحه ومظالمه وعقده وهواجسه حتى بعد مرور أكثر من عقدين على أكبر كارثة بين البلدين من غزو واحتلال الكويت وعقوبات وحصار وحرب وإسقاط النظام العراقي، وهذا يكرس جدلية العلاقة بين البلدين). ويرى الدكتور الشايجي أيضاً، (أن الكارثة فجرت تغييرات جارفة في تضاريس توازن القوى في الخليج العربي والشرق الأوسط وفي موازين القوى في المنطقة، في اعتداء غير مسبوق في حجمه وأبعاده وتداعياته على البلدين، وكذلك على الأمن القومي والوحدة والتضامن العربي، حيث أخرج العراق من معادلة الأمن الإقليمي والعربي).فالخسارة التي حلت بالعرب قد فتحت الأبواب أمام القوى الخارجية في توسيع دائرة مصالحها وتوسيع نفوذها العسكري والسياسي في منطقة الخليج العربي ومحيطه الإقليمي، وأضحى التدخل الخارجي أمراً مقبولاً في أكثر الأحيان من أجل تحقيق مصالح محلية وأخرى مصالح قوى دولية، لاسيما ما يتصل بتوسيع دائرة نفوذها وتحقيق مواقع متقدمة لها في المنطقة، حتى يتسنى لها إدارة الصراع مع خصومها، إذ أصبحت المنطقة العربية من أكثر مناطق العالم ضعفاً واستباحة، ناهيك عن ما ينتظرها من تغيرات لا يعرف مداها من جراء ما تشهده من انتفاضات وثورات شعبية، قد يقود بعضها (تحت لائحة الحقوق المشروعة للإثنيات)، تفككاً خطيراً في جغرافيتها وثقافتها الوطنية، فها هو العراق يواجه خطر التقسيم، وقد انقسم السودان إلى شمال وجنوب وربما في المستقبل إلى شرق وغرب، كما يمر القرن الإفريقي والأوضاع في الصومال بظروف اقتصادية سيئة وتتعرض البلاد إلى مزيد من التفتت الاجتماعي والثقافي، كما أن التغيرات الجارية الآن في العديد من البلدان العربية قد تؤدي إلى حالة من الفوضى السياسية من جراء حالة الصراع بين مئات الأحزاب والحركات التي تتفاعل في بيئة تقليدية لا تستطيع تجاوز ثقافتها المحلية وبالتالي سيتصارع الجميع على السلطة والنفوذ، كما أن بعض التغيرات الجارية، قد تؤدي إلى صراعات إقليمية ستدفع ثمنها شعوب المنطقة، قبل ترتيب الأوضاع، لتدخل خارجي يكون لإسرائيل فيه دور محوري، وكل هذه التداعيات جاءت بعد كارثة 1990 وناتجة عنها، لذا أضحى الكلام عن منظومة الدفاع العربي، كلاماً قديماً بعد أن فقدت حيويتها وتعرض الأمن القومي العربي إلى هزات عنيفة، كما أن الأوضاع الاقتصادية والسياسية والثقافية قد تدهورت في أغلب البلاد العربية، لذا ينبغي إعادة حسابات العلاقات العراقية – الكويتية ومراجعتها بشكل عقلاني، لأن المرحلة القادمة تحمل كثيراً من التعقيدات على المستوى الإقليمي، لاسيما أن المشرق العربي يعيش حراكاً شعبياً، وما يمكن أن تؤول إليه أوضاعه بمشاهد جديدة، ولاسيما في سوريا، وما قد ينتج عنه من صراعات سياسية، قد تقود إلى التقسيم، الأمر الذي قد يؤدي إلى ظهور أوضاع صراع جديدة، إقليمياً ودولياً، يصعب السيطرة عليها، قد يدفع ثمنها العرب، بضريبة خسارة أكبر وأوسع من ضريبة كارثتهم في الأندلس.

مجلة آراء حول الخليج