; logged out
الرئيسية / تبنى المركز أول مبادرة لـ "الخليج الأخضر" حظيت بدعم الأمم المتحدة والجامعة العربية

العدد 151

تبنى المركز أول مبادرة لـ "الخليج الأخضر" حظيت بدعم الأمم المتحدة والجامعة العربية

الخميس، 09 تموز/يوليو 2020

مكنت عائدات النفط والغاز دول مجلس التعاون الخليجي من تحقيق تنمية متسارعة واستثنائية في جميع مناحي الحياة. وتحولت هذه الدول إلى أقطاب رئيسية تتركز فيها العديد من المجالات النشطة، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر، الجيوسياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والصناعية، والبناء، والسياحة. وبالرغم من ذلك، فقد تسبب تزايد حجم إنتاج واستخدام النفط والغاز، والتوسع الحضري والتحول الصناعي، في إحداث مشاكل بيئية جسيمة بالمنطقة.

تواجه دول مجلس التعاون الخليجي عدة تحديات بيئية "تقليدية"، من بينها التصحر وفقدان التنوع الأحيائي، والتلوث في الأراضي والمناطق البحرية والساحلية، وتلوث الهواء، وندرة المياه وتدهور نوعيتها. وخلال السنوات القليلة الماضية، برزت إلى الوجود عدة مشكلات أخرى، وخاصة تلك المتعلقة بحطام البناء والهدم، والنفايات الإلكترونية، وتغير المناخ، وأمن الطاقة.

جدير بالذكر أن كافة التهديدات البيئية سواء الناشئة حديثًا أو التقليدية، هي في واقع الأمر مترابطة، فعلى سبيل المثال، يتسبب التصحر في فقدان التنوع الأحيائي؛ وتتسبب زيادة الثروة الحيوانية والإفراط في الرعي في زيادة معدل التصحر؛ وتتسبب ممارسات إلقاء النفايات في إطلاق غاز الميثان، والذي يتسبب بدوره في زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري، والتي تؤدي بدورها كذلك إلى زيادة معدل التصحر، وندرة المياه، والعديد من الكوارث البيئية الأخرى.

إن البيئة بوصفها عنصرًا أساسيًا للاستدامة تعد موضوعًا بالغ الأهمية في عصرنا الحالي، خاصة بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي؛ فقد تسبب النمو الملحوظ في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي في زيادة معدل الاستهلاك للموارد الحيوية، مثل المياه والطاقة والأغذية، ما يُنذر بأهمية التحول العاجل نحو نمو يراعي البيئة واستراتيجيات التنمية المستدامة.

ويستهدف برنامج أبحاث الاستدامة والأمن البيئي التابع لمركز الخليج للأبحاث البحث في قضايا البيئة والاستدامة في منطقة الخليج، ويسعى نحو توثيق المعلومات ذات الصلة بمخاوف مُحددة تتعلق بالخليج العربي من أجل تعميق الوعي وزيادة الإدراك بالقضايا البيئية الرئيسية التالية، ومنها على سبيل المثال:

  • الاتجاهات العالمية عن حالة البيئة والموارد الطبيعية.
  • المُبادرات الرئيسية المُتبعة لمعالجة تلك القضايا، وكيف يمكن دعمها في المستقبل.
  • التهديدات البيئية التقليدية، مثل: أزمة المياه، والتصحر، بالإضافة إلى التهديدات الناشئة والجديدة، مثل: التغير المناخي، وحطام البناء والهدم.
  • أهداف التنمية المستدامة.
  • الاقتصاد المراعي للبيئة، الإنتاج والاستهلاك المُستدام، الحكومة البيئية والطاقة المُتجددة في منطقة الخليج العربي.
  • القضايا البيئية باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من السياسة وصناعة القرار على كافة المستويات.
  • المشكلات والقضايا البيئية باعتبارها المُحرك الرئيسي لرؤى دول مجلس التعاون الخليجي.
  • البيئة باعتبارها قضية أمنية غير تقليدية.
  • التلوث المُرتبط بصناعة الغاز والنفط.
  • التكنولوجيا النظيفة والمُتجددة باعتبارها حلًا للتنمية المُستدامة في المنطقة.

وعند انطلاقه، تبنى برنامج أبحاث الاستدامة والأمن البيئي التابع لمركز الخليج للأبحاث مبادرة رائدة تحت عنوان "الخليج الأخضر 2020"، وهي بمثابة متابعة لمشروع "دراسة الخليج الأخضر" الأولي التابع لمركز الخليج للأبحاث ويحظى بدعم برنامج الأمم المتحدة للبيئة وجامعة الدول العربية، وتُركز على اقتراح خطة شاملة للتنمية المُستدامة تُغطي كافة القضايا البيئية في منطقة الخليج العربي، ومن بينها فقدان التنوع الأحيائي، وتدهور التربة الزراعية، والبيئة الساحلية، وندرة المياه وتدهور نوعيتها، وتلوث الهواء، وكيفية إدارة النفايات الصلبة.

وكذلك، فقد تبنى برنامج الأبحاث عدداً من الدراسات الأخرى التي تُركز على تقييم الوضع البيئي في مناطق مُحددة بمنطقة الخليج العربي، ومن بينها تلك التي أُنجزت في إطار التعاون مع مركز الدراسات والبحوث البيئية في جامعة السلطان قابوس بعنوان "مشروع دراسة الجبل الأخضر" بالقرب من العاصمة مسقط بعمان (2009-2010).

الطاقة المُتجددة

يُشكل الطلب المحلي المُتنامي بكثافة على الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي تحديًا خطيرًا لأمن الطاقة، ولذلك فإنه من المهم للغاية إعادة التفكير في السياسات والاستثمارات التي تضمن أن تتجه المنطقة في طريقها الصحيح نحو الاستدامة والاستخدام الأمثل للمصادر المُتجددة وغير المُتجددة.

أضف إلى ذلك، أن الإمكانات الهائلة للطاقة الشمسية والطاقة المُتجددة يُمكنها أن تلعب دورًا رئيسيًا في التحول نحو الاعتماد على الاقتصاد المُراعي للبيئة في دول مجلس التعاون الخليجي. ونظرًا للدور الرئيسي الذي يلعبه قطاع الطاقة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وخاصة في دول منطقة الخليج، ينبغي علينا أن نقول إن التحول بشكل متزامن في قطاع الطاقة مع القطاعات الأخرى هو شرط مُسبق للتحول نحو اقتصاد مُراعي للبيئة؛ حيث أن قطاع الطاقة يؤثر بالفعل على جميع القطاعات الأخرى، لذلك فمن المرجح للغاية أن يكون لقطاع الطاقة المُراعي للبيئة تأثير غير مباشر على القطاعات الأخرى أيضًا.

ومن منظور بيئي بحت، تُنتج الطاقات المُتجددة نسب ضئيلة للغاية من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، كما تُقدم مصادر الطاقة المُتجددة حلًا عمليًا ومُراعي للبيئة تجاه تلبية الطلب المحلي المُتزايد على الطاقة. بالإضافة إلى أن توسيع الاعتماد على مصادر الطاقة المُتجددة وتعزيز كفاءتها قد يُسهم في إتاحة المجال نحو الابتكارات التكنولوجية وخلق فرص عمل والمُساهمة في نمو الاقتصاد المراعي للبيئة.

جدير بالذكر أن دول مجلس التعاون الخليجي تمتلك العديد من المُبادرات والخطط والمشاريع التي تستهدف زيادة حصة الطاقة المُتجددة في دول منطقة الخليج، مثل برنامج الأسطح الشمسية "مصدر" في دولة الإمارات العربية المتحدة والبرنامج الوطني للطاقة المُتجددة في المملكة العربية السعودية.

وفي عام 2010م، شارك برنامج أبحاث الاستدامة والأمن البيئي التابع لمركز الخليج للأبحاث في إنشاء شبكة تكنولوجية للطاقة النظيفة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي. واستعرضت هذه الشبكة قضايا الطاقة النظيفة بداخل دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، وكانت أبرز تلك القضايا ما يلي:

  • إنشاء شبكة من الكيانات التابعة لدول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي تضم الجامعات، ومعاهد الأبحاث، والقطاعات الصناعية، والمرافق، من أجل دعم والعمل على الموضوعات ذات الاهتمام المُشترك في مجال الطاقة النظيفة تحت خمسة عناوين رئيسية:
    • مصادر الطاقة المُتجددة وكفاءة الطاقة وإدارة الطلب، والتوصيلات الكهربائية ودمج الأسواق، وتكنولوجيات الغاز الطبيعي النظيف، واستخلاص الكربون وتخزينه.
  • دعم فعاليات تعزيز القدرات وتبني أنشطة بحث مشتركة.
  • تعميم المعلومات في دول مجلس التعاون الخليجي وتوسيع المعرفة بسياسات الاتحاد الأوروبي في مجال الطاقة النظيفة وتعزيز المشاريع المُشتركة في هذا المجال.
  • وضع استراتيجية للإستدامة.

ويُعد منشور "الطاقة المُتجددة في دول مجلس التعاون الخليجي: المصادر والإمكانيات والآفاق" هو أحد إصدارات مركز الخليج للأبحاث في هذا المجال.

البيئة والأمن

وتستطيع موارد البيئة أن تُعامل باعتبارها سببًا وضحية في الصراع المُسلح في منطقة غرب آسيا؛ حيث تبرُز قضايا المياه والهواء والنظم البيئية، التي هي بالفعل هشة في تلك المنطقة، بالإضافة إلى التنوع الأحيائي، باعتبارهم الضحايا الحقيقيون للصراع العسكري في المنطقة. وتتسبب العمليات العسكرية في تلويث وتدمير المياه والتربة، ما يجعلها غير مناسبة للزراعة والسكن، وبالتالي، فقد بدأت العلاقة بين البيئة والأمن تحظى باهتمام مُتزايد من القادة في المنطقة من أجل حماية الموارد الطبيعية التي تُعد القاعدة الرئيسية للتنمية، وبالطبع من أجل إيجاد حلول سلمية لهذه الصراعات.

ويحظى مركز الخليج للأبحاث بدور ريادي في مجال أبحاث البيئة والأمن، فقد شارك المركز في مشروع دراسة "دعم إمكانية التخطيط لوقف النزاعات في الشرق الأوسط على المدى الطويل" بالتعاون مع مبادرة إدارة الأزمات في فنلندا، ومركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية، ومركز لبنان للبحوث والدراسات الاستراتيجية، ومركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية خلال الأعوام (2009-2012). وقاد المركز فريق عمل البيئة والأمن.

السياسيات البيئية العالمية

وتُعد دول مجلس التعاون الخليجي الست نشطة على المستوى الدولي في العديد من المحافل الدولية والاتفاقات البيئية مُتعددة الأطراف من أجل تبادل المعرفة وتبني سياسات بيئية تُساعد البشرية والمنطقة في تبني مستقبل مستدام، نظرًا لأن القضايا البيئية هي ذات طبيعة عالمية ولا تعترف بالحدود.

ولذلك، مُنح مركز الخليج للأبحاث طبيعة استشارية خاصة لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، الأمر الذي مكن المركز من حضور جميع مؤتمرات الأمم المتحدة، وأن يطلب من الأمين العام وضع بنود ذات أهمية خاصة في جدول الأعمال المؤقت لمجلس، وتعيين مُمثلين للمركز بمقر الأمم المُتحدة في نيويورك ومكاتب الأمم المُتحدة في جنيف وفيينا، بالإضافة إلى تقديم البيانات المكتوبة والتقارير الشفهية للمجلس.

واعتُمد مركز الخليج للأبحاث منذ نوفمبر 2005م، لدى مجلس إدارة برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وبالتالي مُنح صفة منظمة دولية غير حكومية. وأتاح هذا الاعتراف للمركز إمكانية تعيين مُمثلين للمُشاركة في الاجتماعات المُتعلقة بقضايا البيئة التي يستضيفها مجلس إدارة برنامج الأمم المتحدة للبيئة وفروعه باعتبارهم مُراقبين.

وأصبح المركز منذ عام 2010م، أحد الجهتين العالميتين المُمثلتين للمجموعة الرئيسية للعلوم والتكنولوجيا. وفي عام 2018م، انتُخب الدكتور محمد عبد الرؤوف، مُمثل مركز الخليج للأبحاث في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، لرئاسة لجنة تسيير المجموعات الرئيسية (MGFC).

وتُعد تلك اللجنة هي اللجنة الرئيسية التي تُسهل وتُنسق المشاركة الفاعلة لجميع المجموعات التسع الرئيسية في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أي تلك اللجنة التي تضم المُجتمع العلمي، والمنظمات غير الحكومية، والنساء، والشباب، وما إلى ذلك، في اجتماعات برنامج الأمم المتحدة للبيئة وفروعها.

أضف إلى ذلك أن مركز الخليج للأبحاث يُشارك في تنظيم وتسيير المُنتدى العالمي للمجموعات الرئيسية في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وكذلك فعاليات "الخيمة الخضراء" التي تضم كافة المجموعات الرئيسية وأصحاب المصلحة الآخرين.

ويُصدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة كل ست سنوات تقريبًا تقريرًا بشأن التوقعات البيئية العالمية (GEO)، يُقدم من خلالها تقييمًا واضحًا للوضع الراهن للحالة البيئية العالمية، والتحديات التي نواجهها، ومدى قدرتنا على التعامل معها، مع إيلاء أهمية خاصة لنوع الجنس، ومعارف الشعوب الأصلية، والأبعاد الثقافية الأخرى.

ويضع التقييم الأساس للتقييمات الاجتماعية والبيئية المُستمرة في النطاقات ذات الصلة، مع التركيز الموضوعي والمُتكامل وتمكين التحولات الاجتماعية، وتتبع أهداف التنمية المُستدامة، وكذلك الأهداف البيئية الدولية المُتفق عليها سابقًا.

ويستهدف تحليل السياسات المُحَدًث في توقعات البيئة العالمية إلى مساعدة الدول الأعضاء على توجيه نفسها على أكثر المسارات فعالية لتحولها نحو مستقبل مُستدام.

ويفخر مركز الخليج للأبحاث بكونه جزءًا من الفريق المُشارك في إعداد الإصدار الخامس والسادس من توقعات البيئة العالمية (GEO 5 - GHEO 6)، كما كان المركز هو المؤلف الرئيسي لقسم الحوكمة البيئية في فصل غرب آسيا من الإصدار الخامس والسادس لتوقعات البيئة العالمية. وتُعد الحوكمة البيئية ذات أهمية كبرى لدى دول مجلس التعاون الخليجي باعتبارها المفهوم في النظام الإيكولوجي السياسي والسياسات البيئية الذي يدعو إلى تبني الاستدامة باعتبارها المفهوم الأمثل لإدارة كافة الأنشطة البشرية، السياسية منها والاجتماعية والاقتصادية. وتتضمن الحوكمة البيئية الحكومة وقطاع الأعمال والمُجتمع المدني، وتُشدد كذلك على أهمية إدارة النظام، وتبني الأهداف المُوحدة، وتصميم وتنفيذ الأنشطة.

وفي هذا الشأن، فقد حضر مركز الخليج للأبحاث كافة جمعيات برنامج الأمم المتحدة للبيئة باعتباره مُنظمة مُراقبة تُمثل المجموعات الرئيسية للعلوم والتكنولوجيا، وانتُخب أيضًا مؤخرًا لرئاسة المجموعات الرئيسية في برنامج الأمم المُتحدة للبيئة، ما مكنه من تنظيم عدة ورش عمل، والمُشاركة في تنظيم المُنتدى العالمي للمجموعات الرئيسية وأصحاب المصلحة، وكذلك تنظيم الفعاليات الموازية لـ "الخيمة الخضراء" في الدورة الرابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.

وأخيرًا، فقد برزت ورشة العمل التي عُقدت في عام 2010م، بشأن "السياسات البيئية في الخليج" باعتبارها جزءًا من الاجتماع السنوي لأبحاث الخليج الذي يُنظمه مركز الخليج للأبحاث، حيث نشر المركز عددًا من الأوراق البحثية المُتعلقة بالسياسات العامة والكتب حول هذا الموضوع، مثل "الأدوات الاقتصادية كأداة للسياسة البيئية: حالة دول مجلس التعاون الخليجي".

التغير المناخي

تُعرف ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي بأنها ارتفاع مُستمر لمتوسط درجة حرارة النظام المُناخي للكرة الأرضية، وقد تم قياسها باستخدام درجة الحرارة المُباشرة وقياسات مُختلفة لمدى تأثيرات الاحتباس الحراري، مثل ارتفاع مستوى سطح البحر، والظواهر الجوية شديدة الوطأة، وغيرها من الظواهر الجوية.

وتُعد دول مجلس التعاون الخليجي من أكثر المتأثرين بشكل مباشر من هذه التطورات، فمن المُرجح أن تختفي الجزر الطبيعية وخاصة تلك التي شيدها البشر في منطقة الخليج العربي ومناطق أخرى، في حال ارتفاع مستوى سطح البحر، وكذلك من المُحتمل أن تفقد مملكة البحرين ما يصل إلى 15 كيلومترًا من ساحلها، إضافة إلى أنه من المُرجح أن تزداد ملوحة المياه الجوفية، واتساع نسبة تدهور التربة الزراعية في منطقة الخليج العربي، وكذلك زيادة تدهور التنوع البيولوجي، ويقول أحد الخبراء أن هناك نتيجتان رئيسيتان وفوريتان، أولهما، أن يؤثر ارتفاع مستويات سطح البحر بشدة على السواحل والحياة البحرية، وقد يؤثر كذلك على محطات تحلية المياه التي تُعد مصدرًا رئيسيًا للمياه في المنطقة، وأضاف أن النتيجة الثانية هي ارتفاع درجات الحرارة، مما سيزيد من الطلب على المياه، ويُخفض من مستويات المياه العذبة وزيادة الملوحة في مياه البحر (ما يؤثر بالتالي على كفاءة محطات التحلية)، ويتسبب كذلك في تزايد احتمالية ندرة المياه بشكل مخيف.

ومن المُرجح كذلك أن تتسبب تلك العوامل أيضًا في التأثير على الحالة الاجتماعية بشدة، حيث ستتسبب في فقدان الكثيرين لوظائفهم في مجالات الزراعة وصيد الأسماك، إضافة إلى بعض الصناعات النفطية التقليدية، نتيجة للتحول العالمي عندئذ نحو الاعتماد على مصادر الطاقة المُتجددة، واختصارًا لما سبق، فإن تغير المُناخ يُهدد بتقويض الجهود العالمية الهادفة إلى القضاء على الفقر وتحقيق أهداف التنمية المُستدامة.

وتحظى دول مجلس التعاون الخليجي بدور ريادي في تحسين جودة الهواء وتفهم المخاطر التي يُشكلها سوء جودة الهواء، وفي هذا الصدد، ثمة مبادرتان رئيسيتان تعملان على معالجة تلك القضايا، من بينها محطات رصد تلوث الهواء في جميع أنحاء المنطقة والقمة العالمية لطاقة المُستقبل (WFES)، واللتان تحظيان باهتمام خاص في العالم العربي بشكل عام ومنطقة الخليج العربي بشكل خاص نظرًا لأن الاعتماد على الطاقة المُتجددة قد يُساعد في تنويع مصادر الطاقة والمُساعدة في تحقيق أمن الطاقة، وكذلك خفض انبعاثات غازات الدفيئة، ما يُمكن المنطقة من الوفاء بالتزاماتها التي تعهدت بها بموجب اتفاقية باريس للمُناخ.

ويُولي مركز الخليج للأبحاث اهتمامًا ملحوظًا لقضايا التغير المُناخي، حيث انضم إلى مشروع بحثي في منتدى معهد غرب آسيا وشمال أفريقيا (WANA) خلال الأعوام من 2008 حتى 2012م، قاد خلالها فريق عمل التغير المُناخي. وفي عام 2011م، برزت ورشة العمل المُخصصة حول "تأثير تغير المُناخ على منطقة الخليج" باعتباره جزءًا من الاجتماع السنوي لأبحاث الخليج في كامبريدج. ونشر المركز بشأن هذا الموضوع العديد من ورقات السياسات العامة والمنشورات مثل "تغير المُناخ في دول مجلس التعاون الخليجي والاستجابات السياسية".

العلاقات البيئية بين دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا

ترتكز العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا على التبادلات الاقتصادية والتجارية، لكن ماذا نستطيع أن نفعل لإنشاء علاقات مُفيدة بين المنطقتين تُؤتي بثمارها على القضايا البيئية؟

فبالرغم من أن ظاهرة الاحتباس الحراري هي مشكلة تؤرق الحكومات الدولية، إلا أنها ليست المصدر الوحيد للقلق في الأزمات التي تُهدد البيئة؛ فقد تسببت أزمة الغذاء العالمية إلى محاولة الدول الناشئة تحقيق أكبر قدر من الاستفادة من أزمة نقص الغذاء من خلال حث مستودري المحاصيل الكبار على تأجير أراضيهم الزراعية بشكل فعال. وليس من المستغرب أن أغلب المستثمرين من دول مجلس التعاون الخليجي ومعظم الدول التي تؤجر أراضيها الزراعية تقع في منطقة آسيا.

ورُغم التشابه في المشاكل البيئية بين دول مجلس التعاون الخليجي وبعض دول آسيا، إلا أنه لا يوجد بينهم تعاون يُذكر في القضايا البيئية، إلا أنه في العقد الماضي شهدت العلاقات تحسنًا ملحوظًا مع بعض الدول مثل اليابان التي أخذت زمام المبادرة من أجل سد الفجوة بين القضايا الفعلية القائمة والحلول وسُبل الدعم المُتاحة.

وتواجه دول مجلس التعاون الخليجي والدول الآسيوية العديد من المشاكل البيئية المُشتركة، خاصة في المياه والهواء والأمن الغذائي، كما تبرُز الطاقة المُتجددة باعتبارها مجالًا رئيسيًا للتعاون بين المنطقتين.

وفي حال اتجاه دول المنطقة نحو الاعتماد على حلول الطاقة البديلة، فقد يُثبت السوق المُتنامي للطاقة المُتجددة أنه يحظى باهتمام الشركات العاملة في صناعة الطاقة. وقد تُسهم كذلك المشاريع البيئية المُشتركة لتحسين تكنولوجيا الطاقة المُتجددة في تسريع عملية التطوير وتوفير الأسواق الضرورية لهذه التكنولوجيات الجديدة.

وعند التركيز على الدول الرائدة في سوق تكنولوجيا الطاقة المُتجددة، تبرز ثلاث دول آسيوية تعمل في مجالات الطاقة الحرارية الشمسية وطاقة الرياح، وهي اليابان والصين والهند. لذا، ففي حال تعاون المجلس مع تلك الدول، فقد تتمكن دول الخليج في تعزيز طموحاتها في مجال الطاقة المُتجددة في حال تعاونهم على المستويات الحكومية والمؤسسية والصناعية، ولقد تناولت أحد مشاريع الدراسات التي أجراها مركز الخليج للأبحاث هذه القضية، وكانت بعنوان "مشروع العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والهند"، حيث برز التعاون البيئي بين دول الخليج والهند باعتباره عُنصرًا رئيسيًا في الدراسة.

جداول أعمال 2030

وفي ظل تزايد المخاوف بشأن مختلف القضايا البيئية وقضايا الاستدامة، فقد طبقت دول مجلس التعاون الخليجي العديد من مبادرات الإدارة البيئية، وطبقت كذلك عدة مبادرات على المستويين الإقليمي والدولي، وتُعد دول مجلس التعاون الخليجي من المشاركين النشطين في الاتفاقيات الدولية التي تتناول الحفاظ على الموارد الطبيعية، وقد وقعت على مختلف الاتفاقيات البيئية مُتعددة الأطراف.

وبالرغم من ذلك، إلا أن أهداف التنمية المُستدامة تُمثل أهمية خاصة لدى دول مجلس التعاون الخليجي من أجل مواجهة تحدياتها المُستقبلية، وتبني اتجاهات مُستقبلية أكثر استدامة، لذلك، فقد شكلت جميع الدول الخليجية رؤى واستراتيجيات مُستقبلية مُستدامة، لخصناها في الجدول (1) أدناه:

الجدول (1): الرؤى والاستراتيجيات المُستدامة في دول مجلس التعاون الخليجي

الدولة

الرؤى والاستراتيجيات

الهدف الرئيسي

السعودية

رؤية المملكة العربية السعودية 2030

تبنت المملكة حزمة من السياسات الاجتماعية والاقتصادية المُصممة من أجل تقليص الاعتماد على صادرات النفط، وبناء مُستقبل اقتصادي مُزدهر ومُستدام من خلال التركيز على قوة البلاد وسياساتها.

الإمارات

رؤية الإمارات 2021، استراتيجية الاقتصاد الأخضر، رؤية أبو ظبي 2030

تبنت دولة الإمارات العربية المُتحدة عددًا من الاستراتيجيات المُستدامة التي تهدف إلى جعلها من بين أفضل دول العالم بحلول يوبيلها الذهبي لاتحاد الإمارات العربية.

الكويت

رؤية الكويت 2030

تبنت دولة الكويت خطة تنمية طويلة الأمد تستهدف تحويل اقتصاد المملكة غير المُستدام إلى اقتصاد مُستدام.

البحرين

الرؤية الاقتصادية 2030

التوجه الواضح للتنمية المُستمرة في اقتصاد المملكة، هو في جوهره، الهدف المُشترك نحو بناء حياة أفضل لكل مواطن بحريني.

قطر

رؤية قطر الوطنية 2030

تستهدف الإمارة تحويل المُجتمع القطري إلى مُجتمع مُتقدم قادر على تحقيق أهداف التنمية المُستدامة بحلول عام 2030. وتنقسم الأهداف الإنمائية للرؤية القطرية إلى أربع ركائز أساسية، وهي: التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية والبيئية.

عمان

رؤية عُمان 2040

تستهدف رؤية السلطنة تنويع أنشطتها الاقتصادية من الاعتماد على قطاع النفط والغاز إلى قطاع السياحة وقطاعات الخدمات الأخرى، أي باختصار، تستهدف تبني تنمية اقتصادية مُستدامة.

المصدر: من إعداد المؤلفين

وتُبين هذه الرؤى بوضوح أن دول مجلس التعاون الخليجي حريصة ومُدركة لأهمية وضرورة التحول نحو اقتصاد أكثر استدامة من أجل الحفاظ على نوعية حياة جيدة للأجيال الحالية والمُستقبلية.

وبعد الإنجازات التي تحققت في مؤتمر الأمم المُتحدة للمناخ في باريس في 12 ديسمبر لعام 2015 م، عندما توصلت 195 دولة إلى اتفاق تاريخي يُلزم جميع الدول بخفض مستوى الانبعاثات، ومكافحة ظاهرة التغير المُناخي، ودعم الاستثمار في الاقتصادات مُنخفضة الكربون، وتبني الدول لمُستقبل أكثر استدامة، ما يُعزز من إمكانية تحقيق تقدم ملحوظ في أهداف التنمية المُستدامة، ويُنتج فوائد هائلة يُمكن اغتنامها في طريقنا نحو الاستدامة.

وقد يُسهم التحول من الاقتصاد البُني، الذي يعتمد بصورة رئيسية على الصناعات المُدمرة للبيئة، إلى الاقتصاد الأخضر، الذي يُراعي البيئة، في تحقيق تنمية مُستدامة بجودة حياة أفضل، وأن يضمن توافر استثمارات حقيقية تُسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية، والأهم من ذلك، أن تُسهم أيضًا في خلق فرص عمل في وظائف تُراعي البيئة.

ولذلك، فقد أجرى مركز الخليج للأبحاث عددًا من ورش العمل التي تناولت قضية الاستدامة في ملتقى الخليج للأبحاث السنوي والمنعقد في كامبريدج، ومن بينها:

  • 2014: ورشة عمل ومنشور حول "الاقتصاد الأخضر في الخليج"
  • 2016: ورشة عمل ومنشور حول "الاستدامة في الخليج: التحديات والفرص"
  • 2019: ورشة عمل بعنوان "نحو الإنتاج والاستهلاك المُستدام في الخليج"

وأخيرًا، أصدر مركز الخليج للأبحاث منشورات إضافية تتناول هذه القضايا الهامة، مثل "الاقتصاد الأخضر في الخليج"، و"الاستدامة في الخليج: تحديات وفرص"، و"تحديات التنمية المُستدامة في دول الخليج العربي".

بناء القدرات

تتمثل مهمة مركز الخليج للأبحاث الرئيسية خلال الآونة الحالية في سد الفجوة المعرفية لدول المنطقة، وذلك من خلال توفير بيانات ومعلومات مُحدثة تتعلق بالقضايا البيئية في المنطقة، مثل:

  • دبلوماسية المياه، وهو الذي يُمكن تعريفه بأنه استخدام الأدوات الدبلوماسية في حل الخلافات والصراعات القائمة أو الناشئة بسبب موارد المياه المُشتركة أو تخفيفها من أجل التعاون والتوصل إلى سلام واستقرار إقليمي. وعُقدت ورشة عمل لبناء القُدرات حول دبلوماسية المياه في الإمارات في أكتوبر لعام 2019م.
  • البصمة المائية، وهو مقياس يوضح كمية المياه العذبة المتوافرة بالنسبة إلى المياه المُستهلكة أو الملوثة. وتسمح لنا البصمة المائية بالإجابة على عدد كبير من الأسئلة لصالح الشركات والحكومات والأفراد. وقد عُقدت دورة تدريبية إقليمية حول البصمة المائية لدول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية في البحرين في عام (2015)، وفي عمان في عام (2014).
  • كيفية فهم برنامج الأمم المُتحدة للبيئة والمفاوضات البيئية في نيروبي، كينيا، في مارس 2019م.

وعُقدت أيضًا عدد من البرامج التعليمية التنفيذية حول "المياه والتصحر" والبيئة بدول مجلس التعاون الخليجي، في سوريا والإمارات العربية المُتحدة في (2006-2010م)

مقالات لنفس الكاتب