; logged out
الرئيسية / الاتجاهات المستقبلية للعلاقات العراقية – الكويتية

العدد 85

الاتجاهات المستقبلية للعلاقات العراقية – الكويتية

السبت، 01 تشرين1/أكتوير 2011

تسالم البحاثة في قضايا المنطقة العربية على تصديق صورة نمطية عند وصفهمللعلاقات السياسية والدبلوماسية بين عراق صدام حسين ودولة الكويت، بأنها كانت أكثر من حميمية ومستقرة، وأن هذا الاستقرار، ظل سمة العلاقة بين الطرفين إلى ما قبل غزو العراق لدولة الكويت (1990-1991)، وهو الحدث الذي أعاد العلاقة إلى نقطة الصفر.

إلا أن تتبع رتم العلاقة بين البلدين آنذاك، يُثبت أن العلاقات العراقية-الكويتية لم تكن في أفضل حالاتها مع عراق صدام حسين. بل تُثبت الوقائع المختلفة أن العراق مثَّل العقدة الأكبر للكويت طوال فترة سيطرة حزب البعث على حكم العراق، حيث تتحرك العلاقة بين مد وجزر، وظل التوتر سيد المشهد السياسي والأمني إلى أن توج باجتياج العراق الشامل للأراضي الكويتية، واعتدائه السافر على سيادتها الوطنية.

على أن هذه الصورة تبدلت بشكل جذري بعد سقوط النظام السابق، وقيام حكومة ديمقراطية منتخبة جديدة، ويظهر أن آثار الغزو العراقي الذي عُدَّ هو ومتوالياته أسوأ حدث مرَّ على المنطقة العربية خلال القرن الفائت آخذة بالتلاشي تدريجياً، ليحل محلها علاقة تقوم على التعاون والشراكة بين البلدين.

إن رصد مسار العلاقات العراقية الكويتية منذ تحرير الكويت وحتى اللحظة الراهنة، يوضح أيضاً صورة مغايرة لما يرصده البعض من توتر عالي الحدة بين البلدين حول عدد من الأمور مثل التعويضات والحدود وميناء مبارك، إذ إن تفحص هذه الخلافات وغيرها يوضح بما لا لبس فيه أنها لا ترقى لمستوى نقض التعاون الاستراتيجي بين البلدين، أو تعطيل بناء هيكل لعلاقة آمنة ومستقرة معه، وإنما هي تقع ضمن الخلافات المقبولة والمستحقة نتيجة لإرث الأزمة الذي خلفه سلوك النظام العراقي السابق، وهو إرث يحمل الكثير من ذكريات المرارة على المستويين السياسي والاجتماعي.

عوائق محتملة

ثمة عقبات لا يمكن تجاهلها تُعرقل التطور النوعي في العلاقات العراقية- الكويتية، وتحول دون انتقالها إلى شراكة حقيقية على الأرض تعود بالنفعوالفائدة على البلدين، على رأسها غياب رؤية استراتيجية مشتركة للعلاقة بين البلدين، بالنسبة للعراق فإن أبرز عقبة تعرقل تطور علاقته مع الكويت، تتمثل في تعدد مراكزالقرار في الدولة العراقية الحديثة، بما يجعل السياسة الخارجية العراقية محل تجاذب حزبي ومذهبي مستمر.

إن توحيد مركز القرار في السياسة الخارجية، سوف يساهم بشكل تلقائي في توحيد الخطاب السياسي للدولة العراقية الجديدة مع جيرانها، ويبعث برسائل اطمئنان لدول الجوار من شأنها أن تزيل كافة العراقيل الكامنة التي تعطل المشاريع البينية للعراق مع جيرانها، ومن المؤكد أن حالة الكويت مع العراق مختلفة عن بقية دول الجوار، وذلك لتعرضها لاحتلال شامل لفترة تزيد على السبعة أشهر، وينتظر أن يبلور القادة العراقيون خطاباً نوعياً تجاه دولة الكويت يساهم في ردم الفجوة العراقية-الكويتية التي خلفتها الحقبة السابقة.

من جهة أخرى يثير نزاع التيارات السياسية مع الحكومة في الكويت خلال السنوات الأخيرة، مشكلات استثنائية، إذ نادراً ما يتفق الفرقاء في الساحة الكويتية حول القضايا المطروحة. ولا يكاد يتحمل أي طرف مسؤولية آرائه وقراراته، وإن كانت لها آثار سلبية على مصالح الدولة وعلاقاتها الخارجية، إذ يمكن لأي طرف التنكر لمواقفه السابقة، نظراً لغياب تنظيم العمل الحزبي، ولذا فإن أغلب ما يطرح من قبل النواب بالشأن العراقي كما في غيره من الشؤون يخضع لمنطق اللحظة المتبدل والمتحول حسب الاجتهادات الفردية وليس طبقاً لمعايير التفكير الاستراتيجي بالشأن الخارجي.

وعلى الرغم من الاستقرار الظاهر في الخطاب السياسي الكويتي تجاه الدول المجاورة، إلا أن كل قرار تتخذه الحكومة يتحول إلى مادة للجدل الداخلي، بحيث تضطر الحكومة إما إلى التراجع عنه إرضاء للأطراف المعارضة، أو التخفيف منه طلباً لحالة التوازن، الأمر الذي ينعكس سلباً على الخطوات التي ينبغي أن تتخذها الدولة لتطوير منظومة علاقاتها الخارجية.

لذا فإن تحرير الكويت علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع دول الجوار من الجدل السياسي المحلي، من خلال وضع رؤية استراتيجية واضحة للسياسات والعلاقات الخارجية، من شأنه حسم الكثير من الملفات لصالح تطوير العلاقة مع دول الجوار، وعلى رأسها العراق والدخول في مرحلة الاستثمار والتنمية.

مساحات مشتركة

بموازاة ذلك، تشير المعطيات السياسية والجغرافية والاجتماعية بين البلدين إلى اتجاه سهم العلاقات الكويتية العراقية صعوداً نحو المزيد من الترابط والتعاون، وتدعم القراءة المتفحصة لبيئات التقارب بين البلدين القول بإمكانية تطوير العلاقة بين الجارين، والانتقال بها إلى مرحلة جديدة في ظرف سنوات قلائل، إذا استطاع المعنيون في الدولتين إدارة هذا الملف بنظرة بعيدة المدى. وتتلخص هذه المعطيات بالتالي:

بيئة الديمقراطية: على الرغم من حداثة التجربة العراقية في مسلك الديمقراطية، والحقوق العامة، وجهودها الحثيثة لإرساء دولة القانون، إلا أنه يمكن القول إنها استطاعت أن تخط قيماً جديدة تقوم على مبادئ المساومة والضغوط السلمية من أجل تحقيق المكاسب والمواقع بأقل قدر ممكن من الصدام المسلح والعنف، وكان هذا ملحوظاً في قدرة الفرقاء في الساحة العراقية على التوصل إلى مخرج لأزمة رئاسة الوزراء دون التورط في حرب أهلية أو الاستخدام المنظم للعنف والعنف المضاد.

قدرة الأحزاب السياسية في العراق على تحييد السلاح، وتقديم لغة الحوار والتفاهم، على الرغم من الممارسات القمعية التي تعرض لها الشعب العراقي على مدى عشرات السنين، أمر يحسب لصالح السياسيين الجدد، فرغم الخروقات الأمنية وانتشار بعض جماعات العنف في العراق، إلا أن الشعب العراقي يبدو مصراً على إنجاح تجربته الديمقراطية، ومواجهة موجات العنف بالمزيد من دفقات الديمقراطية.

إن استقرار الديمقراطية في العراق من شأنه أن يخلق علاقة تفاعلية مع نظيرتها الكويتية، إذ من شأن الشعوب في الدول الديمقراطية أن تقول كلمتها، وربما يكون لمؤسسات المجتمع المدني فيها دور مؤثر في توثيق العلاقات بين البلدين، وينتظر أن تبادر المؤسسات المدنية ومراكز الدراسات بتقديم قراءتها وتصوراتها لتوسعة أفق التعاون والتلاقي. من المهم أيضاً التأكيد على أن الديمقراطيات من شأنها أن تتفاهم، بينما طبيعة الديكتاتوريات التصادم.

ضرورات الجوار: تعد الجغرافيا عاملاً ضاغطاً نحو ضرورة إعادة النظر في نمط العلاقة بين العراق والكويت، إذ ليس بيد العراق أو الكويت تغيير الجغرافيا وإلزاماتها، فهذا القدر لا مفر من مواجهته بتفكير استراتيجي يضمن مصالح البلدين، ويغلق بؤر التوتر، لقد اكتشف الطرفان خلال السنوات الماضية أنه لا يمكن لأحدهما ان يستقر دون استقرار الطرف المقابل، فمزاعم العراق بأنه قوة بشرية وعسكرية وجغرافية ممتدة، لم يحل دون اضطلاع الكويت الدولة الصغرى بعملية التغيير الكبرى التي قضت على نظام البعث، كما أن مزاعم الكويت بأن الكثبان الرملية والخنادق والأسوار من شأنها تأمين حالة الاستقرار الداخلي، انهارت أمام استمرار حالة التوتر والقلق الداخلي عند كل توتر أمني أو أعمال عنف تندلع من داخل العراق، بل تأثرت الإمارة الخليجية بارتدادات النزاعات المذهبية داخل الجار الإقليمي الكبير. أرست هذه الحقائق قناعة لدى الجانبين أن لا تنمية حقيقية، ولا استقرار دائماً في البلدين يمكن أن يتما دون شراكة استراتيجية تؤسس لمستقبل أفضل، ويساهما في دعم نظرية الأمن الإقليمي.

المصالح الاقتصادية: مجالات التعاون الاقتصادي وبيئة الاستثمار تبدو في أفضل حالاتها اليوم بين البلدين، لقد اكتشف العراقيون والكويتيون أن استمرار حالة التوتر الأمني والسياسي انعكس على مستوى التعاون الاقتصادي بين البلدين، وحرمهما من خيرات كثيرة كان يمكن لهما أن يحصداها لولا ظروف الحكم في العراق، ودون أدنى شك تعتبر الكويت الدولة الأكثر حظوة للتصدي لمشروع إعادة إعمار العراق، بسبب الإمكانات المالية والسوقية التي تمتلكها الكويت. لاسيما أن فكرة الاستثمار في العراق لا تزال تمثل مطمحاً محبباً عند التجار في الكويت، وعملياً فإنهم يمتلكون مقاطعات زراعية شاسعة، من بينها أملاك تعود لأعضاء من الأسرة الحاكمة.

وينتظر أن تدعم المصالحة الشاملة بين الدولتين المشاريع الاستثمارية الضخمة في المنطقة، إذ يمكن للكويت أن تعود للعب دور الترانزيت أو الوسيط التجاري في المنطقة، وهو أمر لا يتم دون اتفاق وتراض مع دولة العراق، بما يعود بالنفع والفائدة على البلدين. إن استمرار القلق الأمني حول بناء ميناءي مبارك الكبير والفاو، سيعود بالضرر على كلا البلدين، فلا مستقبل لأي منهما دون التنسيق بين الطرفين، إذ يتطلب أي نجاح لمشاريع بهذه الضخامة بيئة استقرار وأمن لكونها محطة تجارة، ورأس المال لا يتحرك بفاعلية إلا في البيئات الآمنة.

وثمة مبادرات أخرى يمكن التفكير فيها بشكل ايجابي ومبتكر لتعزيز العلاقات بين الجارين، منها على سبيل المثال مسألة التعويضات، وهي إحدى بؤر التوتر البارزة بين البلدين، إذ ينبغي التفكير في وسائل توظيف القروض المستحقة على العراق في مشاريع مشتركة لتخفيف العبء على العراق، وضمان حق الكويت، إضافة لإجراءات أخرى يمكن أن تكون مدخلاً ملائماً لتفتيت الكثير من نقاط التوتر، وتساهم في دفع عجلة التفاعل على الصعيد الاقتصادي.

التداخل الاجتماعي: حسب بعض التقديرات فإن ما يقارب الـ (20 في المائة) من شعب الكويت تعود جذوره إلى أصول عراقية، وبغض النظر عن صواب هذه النسبة، حيث يصعب تحديدها بشكل علمي دقيق، فإنها تشير إلى حجم التداخل الاجتماعي بين البلدين، ويبدو لي أن هذا التداخل كان أحد العوامل الرئيسية في سرعة استجابة الشعبين الشقيقين إلى دعوات ومبادرات المصالحة بمجرد انهيار حزب البعث.

من جهة أخرى يشير بعض الباحثين إلى أن نسبة الشيعة في الكويت يعادل 30-35 في المائة من عموم الشعب الكويتي، بما يعني أن نسبة كبيرة تعتبر العراق محطة دينية تُقصد بالزيارة بشكل مستمر طوال أيام السنة، الأمر الذي سوف يساهم تلقائياً في تحلل ما بقي من خلافات، ويهيئ بيئة صالحة اجتماعياً للعمل والتعاون بين الدولتين على المستويين السياسي والاقتصادي.

وفي ظل المرونة التي أبدتها دول الخليج بعد اندلاع الثورات العربية لضم الأردن والمغرب لمنظومة دول الخليج، يكون من الأولى الحديث بجدية عن ضم العراق إلى منظومة مجلس التعاون، وهي خطوة استراتيجية تملك الكويت تحديداً إمكانية الدفع في اتجاهها، خاصة مع تحلل الحواجز النفسية والموانع الاجتماعية التي كانت تمثل عائقاً أمام أي تفكير من هذا النوع.

النتيجة

وفقاً لهذا التصور الجديد لتاريخ وحاضر العلاقات العراقية-الكويتية، نلحظ أن العلاقة المستقبلية بين البلدين تتحرك بشكل مطرد نحو المزيد من الترابط والتعاون على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبينت لنا القراءة المتفحصة لبيئات التقارب بين البلدين إمكانية تطوير العلاقة، على الرغم من اعترافنا المسبق باستمرار غياب رؤية استراتيجية مشتركة للعلاقات، وتأكيدنا على ضرورة الاضطلاع بهذه المهمة من قبل الجهات المعنية في الدولتين، والاستعانة برأي مراكز الخبرة والدراسات ودفعها في هذا الاتجاه.

ومن الطبيعي أن تظل الهواجس حاضرة في سماء العلاقات العراقية الكويتية، لاسيما بعد سنوات مريرة من المعاناة والاضطراب السياسي والأمني بين البلدين، بعد أحداث غزو النظام العراقي السابق لدولة الكويت، وانطلاق القوات الأمريكية من الأراضي الكويتية لإسقاط نظام البعث، لكن تبدو الكفة حسب المعطيات السياسية والاقتصادية والحقائق الجغرافية والثقافية، والتي استعرضناها في الأسطر الماضية، تميل لصالح تعزيز العلاقات وتثوير وسائل التعاون بين البلدين.

مجلة آراء حول الخليج