; logged out
الرئيسية / مستقبل العلاقة الكويتية-العراقية واضطرابات الربيع العربي

العدد 85

مستقبل العلاقة الكويتية-العراقية واضطرابات الربيع العربي

السبت، 01 تشرين1/أكتوير 2011

الوضع العربي مقبل على تغيرات ضخمة بدت بوادرها بتونس ومن ثم مصر واليوم تشهد سوريا حركة احتجاج كبيرة، وما يحدث في البلاد العربية أو ما يسمى بالربيع العربي له تداعياته المحلية والإقليمية والعالمية، ولعل ما يحدث في سوريا له انعكاساته المباشرة على المنطقة الخليجية نتيجة للعلاقات الخاصة بين سوريا وإيران، فالإقليم الخليجي يتعرض لهزات بين الحين والآخر، وأحداث البحرين ليست بمنأى عن تشابك الأحداث، فالحركة المناهضة للنظام أظهرت ارتباطها بالمصالح الإيرانية في الخليج، وما يؤيد هذا المنحى المطالب التي رفعت لقيام جمهورية إسلامية في البحرين وهنا يتبادر إلى الذهن طبيعة الحكم في العراق وارتباطه في هذه المعادلة الخاصة التي تتحرك أو تتركز على جوانب دينية بحته ذات أهداف سياسية بحته تدعونا جميعاً إلى القلق والارتباك من جانب ومن جانب آخر كيف نعمل سوياً باعتبارنا منظومة خليجية لتحقيق استقرار ومصالح المنطقة دون تجاهل لمصالح أي طرف في المعادلة الخليجية.

الحدث السوري له تداعياته الخاصة وما نقصده أن الترابط المصلحي بين سوريا وإيران من جانب والعلاقة الخاصة بين النظام في العراق والتوجهات الحاكمة في إيران تعيد للأذهان الخوف من لجوء أطراف هذه المعادلة نحو زج الإقليم الخليجي بتوترات يكون هدفها تشتيت الانتباه أو ربما الدخول بمقايضة تستهدف استقرار سوريا وبقاء النظام في السلطة. وعندما نتحدث عن العلاقة الكويتية-العراقية وما تشهده من توترات في الآونة الأخيرة والتي مرجعها الخلاف حول ميناء مبارك الكبير ومدى تضرر العراق من قيام هذة المنشأة الكويتية والمقامه على أراضٍ كويتية تقع ضمن حدودها الدولية، فهنا يتبادر إلى الذهن طبيعة التوتر ولماذا جاء في هذا الوقت؟ كما نعرف أن الكويت هي الدولة الرخوة في المنطقة، ونقصد بذلك طبيعة النظام البرلماني الذي استوجب الانفتاح وحرية الصحافة وتأسيس محطات فضائية مما دعى البعض سواء من الداخل أو الخارج بأن يتمكن من تكوين نفوذ وتعزيز لقوة النفوذ من خلال الأدوات الإعلامية المختلفة، ويتبادر إلى الذهن أن الوضع الكويتي دعا بعض من دول الأطراف في الإقليم الخليجي لتكوين روابط قوية تحقق مصالح مختلفة وأحياناً قد تكون مضرة بالمصلحة الوطنية الكويتية، فمجمل الوضع الكويتي تنعكس فيه طبيعة التوترات التي تشهدها المنطقة العربية وبالأخص الإقليم الخليجي الذي مازال يعتبر أحد أعم بؤر الصراع لكونه مركزاً للثروة النفطية العالمية.

الخلافات الكويتية-العراقية لها جذورها التاريخية، وهي ليست مرتبطة فقط بنظام صدام حسين، فهي خلافات توارثها النظام السياسي منذ استقلال الكويت، وترتفع حدتها وتنخفض وفقاً للظروف الإقليمية، فالخلاف الحالي بين الدولتين والذي يتوجه نحو التصعيد من قبل العراق وخصوصاً بعد إعلان الحكومة العراقية إغلاقها منفذ صفوان لكي تضغط على الكويت وتدفعها نحو وقف مشروع بناء ميناء مبارك الكبير، لا يعكس مصالح عراقية بحته حيث يبدو أن تشابك المعادلة السورية الإيرانية له بصماته في طبيعة النزاع الذي تشهده الدولتين، فالكويت من حقها القانوني بناء ما تشاء على أراضيها طالما أن قوانين السيادة والاتفاقيات الدولية هي المرجعية، فالميناء يقام في حدود الدولة الكويتية كما أن الموافقة على مبدأ التعاون في تبادل المصالح المستقبلية بين الدولتين تمت مناقشتها لكون الميناء يحقق مصلحة الكويت والعراق. فالقول بأن قيام الميناء يغلق أو يضيق الخناق على العراق أو يعيق حرية وحق الملاحة للجانب العراقي ليس له منطقه القانوني بل دراسات الجدوى أثبت أن الميناء يخدم مصالح الدولتين، فالخلاف اليوم خرج عن مساره القانوني نتيجة لما تشهده المنطقة من اضطراب بالرغم من محاولات الأطراف المسؤولة من الجانبين لاحتوائه وحله ضمن القنوات المشروعة والحوار الذي يخدم استقرار البلدين.

إن حالة التصعيد العراقية ليست بالضرورة تعكس توجهات حكومية مدروسة بقدر ما هي تعكس حالة الانفلات والتشتت الداخلي حيث يشهد العراق اليوم نزاعات حزبية كبيرة وهي تقترب من أن تُكون لنفسها مكونات الدولة في داخل الدولة العراقية، فهذه الأحزاب لها أنصارها وهي معسكرة ولها نفوذها وقوتها وسياساتها التي ليست بالضرورة تعكس مصلحة العراق الدولة بقدر ما تمثل نفوذ أجنبي يسيطر على القرار العراقي ويوجهه نحو أهدافه الخاصة، ولعل بعض المناوشات العسكرية التي حدثت أو الاضطرابات الحدودية تؤكد لنا صحة ما نقول. وهنا يبدو لنا المأزق العراقي الذي يهدد استقرار المنطقة بأكملها وليس فقط الكويت، وهذه الحالة المشوشه تضر بمستقبل العلاقات بين الجانبين إضافة إلى أنها تفقد العراق الفرصة نحو التطور للنموذج الديمقراطي. فاليوم لا نريد للعراق أن يكون (لبنان ثاني) في المنطقة ولا نريده أن يحكم بكيانات سياسية تقترب من نموذج الدولة والذي بالضرورة لو كتب له المسار فسنجد التطاحن والقتال هو ما يهدد المنطقة.

 

الدور الكويتي التاريخي:

نحن نعرف أن العراق كان يحكم بقبضة حديدية وكان الاستبداد هو عنوان العراق والتحول الذي حدث في العراق وجعل من الحزب الحاكم يصل ويحتل قمة السلطة يتجسد في إزاحة الطاغية صدام حسين، وما كان لهذا الطاغية أن يزاح لولا الدور الكويتي التاريخي بوقوفه مع العراق الحر، حيث كانت دولة الكويت هي الدولة التي سمحت للقوات الأمريكية بالمرور بأراضيها واستخدام كل ما يساعد على إزاحة الطاغية وإعادة العراق لأهله، وجعل حزب الدعوة يحكم العراق، فإذاً كان للكويت دورها التاريخي الذي يجب أن يحفظ في الذاكرة العراقية.

ما يحدث في العراق من تعثر وتوتر من حيث التحول نحو الديمقراطية هو انعكاس لطبيعة الثقافة السياسية السائدة، فهذه الثقافة التي ترفض الاستبداد هي نفسها التي تنتجه مرة أخرى على أيدي من رفضوا استبداد صدام حسين، وهذا ما نعتبره محنه عربية وليس عراقية، فالاستبداد شكل الشخصية العربية وثقافة الاستبداد أفرزت لنا قيم مرتبطة بالنظم الاستبدادية وهذا ما يجعلنا نقلق على مستقبل الربيع العربي الذي اعتبره الكثيرون بمثابة تحولات جذرية أو انتقال العرب إلى مرحلة جديدة ولكن بالنسبة لنا ما زالت الصورة غامضة ومشوشة ولعل تطور الأحداث في مصر وتونس وليبيا وما تصل إليه نعتبرها بمثابة التحليل المستقبلي الذي نستنبط منه مؤشرات التطور الديمقراطي للبلاد العربية.

سقوط جدار الصمت:

كان الغرب يخاف الحركات الإسلامية الراديكالية من أن تستولي على الحكم في المنطقة العربية، فهي الحركات المؤهلة سياسياً لكونها منظمة ولها شبكاتها الاجتماعية واليوم يفاجأ العالم بانتفاضات عربية مازال تفسيرها يشوبه الغموض، وما يهمنا أن هناك حركات اجتماعية على أرض الواقع لا ترتبط بالحركات السياسية العربية التقليدية وهي تعبر عن تحولات اجتماعية أو بالأحرى هي تحديات تحتاج إلى تفكير نحو ماذا سيحدث في البلاد العربية.

التناقض الكبير الذي وقعت فيه بعض الأنظمة العربية يتجسد في تعامل النظام مع الانفتاح العالمي أو التواصل العالمي، فالنظام كان يتوق للانفتاح كوسيلة لجذب الاستثمار الأجنبي في الوقت الذي كشفت فيه الظروف الأخيرة أن التواصل العالمي جاء بحركات اجتماعية جديدة تملك رؤية مختلفة عما يفهمه الغرب حيال المجتمعات العربية. الثورات العربية هي بمثابة زلزال نتج عنه تغيرات علينا التعامل معها وليس تجاهلها. فسقوط جدار الصمت العربي يعيد للأذهان سقوط جدار برلين لكون سقوطه أحدث تحولات عالمية كبيرة واليوم أمام الظاهرة العربية التي علينا أن نفهم أبعادها وندرك تداعياتها المسقبلية لكونها تشكل لنا تحولاً في طبيعة المجتمعات العربية من حيث طبيعة الحركات الاجتماعية الشابه التي نجدها اليوم تقود التحول السلمي نحو مستقبل أفضل يحقق مطامح الشباب. فالعالم لا يملك سوى أن يستوعب طبيعة التغير والقوى الدافعة به ويستوعب أن هذه الحركات تعبر عن تحولات جديدة وأن المنطقة العربية لم تعد تحكم بمفاهيم تقليدية وأن الخطر من استيلاء القوى الإسلامية الراديكالية الذي أخذ كحجة لمنع التحول نحو الديمقراطية لم يعد يملك قوة المنطق وأن المجتمعات العربية بنهاية المطاف هي مجتمعات متحركة تريد أن تجد موقعها في النظام العالمي.

الوضع العربي مازال يعيش حالة الغموض والخوف والتردد وربما البعض يذهب به الخيال في تفسيره لما يحدث بأنها مؤامرة عالمية وبالطبع هذا المنطق لم يعد له مكان حيث إن الثورات العربية التي استولت على الحكم إبان الاستقلال فشلت في تحقيق مطامح الناس وساهمت في وقف عجلة التطور وربما حتى الحركات الاجتماعية السياسية العربية هي كذلك اليوم مطالبة بالكف عن منع التحول السلمي لكونها تشترك مع الأنظمة الدكتاتورية في بعض من الملامح وبالتالي مثل هذه التحولات تجد المقاومة سواء من أنظمة الحكم أو حتى من الحركات المدنية التقليدية.

المشكلة التي نواجهها هي كيف نفهم بعد الحركات الشابة، فهي تختلف عن سابقتها من حركات، كما أنها لا تحمل نفس الفهم التقلديدي، فهي حركات ترفع شعار مقاومة القهر الاجتماعي وتبحث عن الكرامة الإنسانية التي سحقت فهي حركات احتجاجية تسعى إلى كسب الكرامة الإنسانية في ظل نظام عالمي تجاهل هذه الشرائح الاجتماعية الشابة التي تتواصل مع غيرها من شرائح اجتماعية عالمية. فاليوم الحدث يجب التعامل معه وفق رؤية جديدة وربما ما يحدث في سوريا يدفعنا نحو فهم في تعاملنا مع مطالب التغير وخصوصاً أن الرئيس بشار كان ينوي التغير نحو مزيد من الحريات مما يعني استيعاب الحكم لضرورته قبل حدوث الانفجار الذي تشهده الساحة السورية حالياً. فالوضع السوري يشكل نقطة تحول لها تداعياتها العربية والعالمية مما يتطلب من نظام الحكم فهم الواقع الجديد والعمل على حماية سوريا ضمن المنظومة العربية ومستقبلها، لكون الانفراط قد يقود إلى تداعيات لا نملك التنبؤ بها في مرحلة خطرة تمر بها منطقتنا العربية.

نريد أن نحقق أهداف الثورة. هذا الشعار الذي يرفعه إخواننا في العراق، فما هي أهداف الثورة؟ وهل هناك إجماع عليها بين أطياف القوى السياسية؟ لا يبدو ذلك، فالثورة بأهدافها تترنح والفجوة تتوسع والعراق والعراقيون يتيهون ويضيعون بين صيحات الميادين والخوف يعتري الجميع بأن العودة لبناء الدولة الحديثة التي قامت لأجلها الثورة تضيع بدهاليز الصيحات الشبابية.

لأجل بناء الدولة الحديثة يفترض أن يعي الجميع خطورة الانحدار في المشهد العراقي، فالقانون وهيبة الدولة تتآكل، فالثورة لا تبنى بالصراخ ولا بالثأر من رموز النظام السابق، بقدر ما هي بحاجة إلى ضبط وانضباط في حركة الشارع.

العراق يشهد انفلات غير مسبوق ينذر بالخطر على مستقبله، فهو يدخل في دوامة الصراع المقيت الفاقد للهدف، وتتحول فيه معركة محاربة الفساد إلى معركة ضد الوطن، فيهدر حقه وتضيع الطاقات الشابة في صراخ لا يقدم ولا يؤخر، فحالات التمرد والتهم المتبادلة وتراشق الحجارة هي دلالة على حالة الفوضى العارمة التي عمت وخيمت عليه. والمراقب يلاحظ حالة التدهور العامة، فالدعوات الشابة لا تتوجه نحو بناء المجتمع ومقاومة الانحدار بقدر ما تلتصق بالسياسة وتنحو نحو رغبة الثأر من رموز النظام السابق ويطفو عليها طعم الثأر، وهي حالة تعبر عن عدم فهم لمغزى الثورة والتحول نحو الديمقراطية.

فنحن نرى أن الجانبين الكويتي والعراقي عليهما مسؤولية في تطوير العلاقات وإنضاجها نحو خدمة مصلحة الإقليم الخليجي وهي فرصة للدولتين بأن يتخلصا من الإرث التاريخي الذي لوث علاقتهما وينظرا إلى المستقبل نظرة جديدة وخصوصاً أن المنطقة العربية تعيش حالة مخاض ولعل تجربة العراق الديمقراطية تتحول إلى مثال يفرض نفسه على الواقع العربي.

 

مقالات لنفس الكاتب