; logged out
الرئيسية / تعزز الصين قوتها في الشرق الأوسط بالاستثمار وتمويل المشاريع وإبرام صفقات التصنيع

العدد 152

تعزز الصين قوتها في الشرق الأوسط بالاستثمار وتمويل المشاريع وإبرام صفقات التصنيع

السبت، 01 آب/أغسطس 2020

أنظر حولك، ستجد شيئًا ما كتب عليه صنع في الصين، يتحدث العالم أجمع عن الصين ليس فقط كمنتج رئيسي لعالم اليوم، بل كفاعل أساسي في النظام الدولي، وقوة من الصعب تجاهلها، وبالرغم من محدودية وبطء النموذج الصيني حيث اختزل كافة ما يقدمه في النموذج الاقتصادي، إلا أنه، وحتى الآن قد تقدم بشكل ملحوظ في العديد من المواقف. يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للصين: 13.61 تريليون دولار أمريكي عام 2018م، حسب البنك الدولي.

يعيش العالم اليوم حالة غير مسبوقة، في ظل شبه الشلل التام في الحركة الإنسانية والنشاط الاقتصادي والتنقل والترقب والتوجس الذي اجتاح العالم بسبب فيروس كوفيد 19. ما أدى إلى إشكاليات اقتصادية عالمية؛ وبالرغم من المزاعم بأن الصين هي التي تسببت بتلك الكارثة العالمية، إلا أنها استطاعت أن تبرهن للعالم أن لديها الحس العالمي لمساعدة الدول المنكوبة، أو ما يسميه البعض "دبلوماسية الأقنعة"، على الرغم من التضارب الذي ساد في المرحلة الأخيرة.

تعزز الصين اليوم قوتها في الشرق الأوسط، من خلال الاستثمارات وتمويل المشاريع التنموية في شتى المجالات، لا سيما فيما يتعلق بتمويل المشاريع والبنى التحتية، وتسعى كذلك إلى إبرام صفقات التصنيع متفوقة بذلك على أي منتج عالمي من ناحية الكم والقدرة على رفع الجودة، بينما يبقى الاختراع والإبداع أحد العوائق التي تواجه وستواجه الصين خلال الثلاثون عامًا القادمة.

تستهدف الصين العالم كذلك بقوتها الناعمة، من خلال الثقافة الصينية وطرح نموذج تعايشي فلسفي متمثلاً في الكونفوشية والطاوية والشرعوية (يمكن الرجوع لكتابات وائل القاسم للتعرف على تلك الفلسفات)، ويتجلى ذلك بشكل مؤسسي من خلال مؤسسة كونفوشيوس التي تسعى إلى نشر اللغة الصينية والثقافة الصينية العتيقة، حيث ينتشر أكثر من خمسمائة مركز حول العالم، وتقوم الصين كذلك بإعطاء منح دراسية للدراسة داخل الصين حيث قدر عدد الطلاب الذين يدرسون في الصين من الخارج ما يقارب 442,431 طالب وطالبة. علاوة على قنوات cctv التي تم الاستثمار بها لتكون شبكة تلفزيونية عالمية من 24 قناة متنوعة إحداها باللغة العربية تحت مسمى سي جي تي إن العربية.

تتوسع الصين في الجغرافيا ابتداء من بناء الجزر الصناعية بالقرب من الحدود البحرية الفلبينية، مرورًا بالتواجد التجاري في إفريقيا وكذلك البحرية الصينية التي أصبحت أكثر نشاطًا في المحيط الهندي والشرق الأوسط. حيث تشكل القاعدة البحرية الخارجية في جيبوتي في القرن الإفريقي حجر الزاوية في امتدادها المتزايد. وصولًا إلى اتفاقيات التعاون والحماية الخاصة بالمنشآت النفطية في إيران. تجني الصين اليوم ثمار، لعبها الحذر والمتأني لرقعة الشطرنج المعقدة في الشرق الأوسط، وذلك بالوصول إلى المعادلة الصعبة؛ وهي العلاقات التي يمكن وصفها بالجيدة مع الفاعلين والكيانات الهامة في الشرق الأوسط.

والسؤال الذي لا بد أن يطرح هو التالي: ماذا تريد الصين من منطقة تخوض صراعات عدة، وتعيش توترات مستمرة؟

لا يمكن إغفال الأهمية الحضارية والدينية لكل الأديان السماوية؛ حيث تشكل منطقة الشرق الأوسط الرابط الجغرافي الأهم، الذي يربط الشرق مع الغرب، وقد انعكس ذلك في أكثر من مسار تم وضعه في مبادرة الطريق الذي يمر عبر البر والبحر، علاوة على ذلك تمثل منطقة الشرق الأوسط أهمية كبرى في الاقتصاد العالمي، ليس فقط من ناحية الإنتاج البترولي ، بل حتى من الناحية الاستهلاكية أيضًا. كما يعتبر النفوذ في منطقة الشرق الأوسط يحتم نفوذا أقوى لدى كل من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية للسببين أعلاه.

لذا نقلت الصين تحركاتها في رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط بحذر وتأني، وكان هنالك تفاعلاً بدأ مع كل من المملكة العربية السعودية حيث توسعت وتطورت العلاقات السعودية الصينية مؤخرًا اقتصاديًا، وأيضًا في اتخاذها جانب إضافي وهو الجانب الثقافي والتعليمي، علاوة على التبادل التجاري والتعاون العسكري.

وكذلك مع إيران، من خلال البناء على العلاقات التاريخية بين البلدين لا سيما في المجال النفطي حيث تشكل الصين شريانًا مهمًا للاقتصاد الإيراني، لا يعيقه سوى العقوبات الأمريكية، والتي تسعى الصين أحيانًا إلى تجاوزها، علاوة على مبادرات التوأمة ما بين المدن، وهو النموذج الذي تطبقه إيران دائما من خلال إهمال الجانب الحكومي التقليدي والولوج إلى الفاعلين ما دون الدولة.

لقد وصلت تجارة الصين مع إيران إلى مستويات منخفضة أظهرت بيانات صادرة مؤخرًا من إدارة الجمارك الصينية أن واردات النفط الإيراني المعلنة في مارس 2020م، بلغت 115 مليون دولار حسب بلومبيرغ، بينما تشير صحيفة العين أن القيمة الإجمالية للصادرات الصينية إلى إيران بلغت قرابة 1.1 مليار دولار أمريكي حتى الربع الثاني من 2019م.

أما العلاقات الصينية التركية، فهي علاقات تاريخية أيضًا، كان يشوبها المد والجزر بحكم العلاقات الاثنية بين الأتراك والصينين الأتراك في بعض المناطق، وبالرغم من ذلك، قام الساسة في أنقرة بإغفال ذلك التضامن أحيانًا، قابلته الصين بضخ سيولة إلى عدد كبير من الشركات التركية المتعثرة وقد بلغ التبادل التجاري بين البلدين عام 2018م، أكثر من 28 مليار دولار.

لا يمكن إغفال العلاقات الصينية الإسرائيلية أيضًا، والتي كانت في أحوال سيئة خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي، بينما تحسنت كثيرًا مع بداية التسعينات، وتجلت قوة العلاقات مؤخرًا في المساعدات التي قدمتها الصين في مجالات الصحة علاوة على التعاون الصيني الإسرائيلي في مجالات الري تحديدًا والاختراع.

وبالرغم من الضغط الأمريكي للحد من تلك العلاقات وتحجيمه، فقد نمت التجارة بين الصين وإسرائيل من 10.9 مليار دولار أمريكي في 2014م، إلى ما يقارب 14 مليار دولار في 2018م. وقد تضاعف عدد الصينيين الذين يزورون إسرائيل ثلاث مرات تقريبًا خلال الفترة من 2015 إلى 2018م، من 50000 إلى 139000.

وفي إفريقيا تقوم الصين بضخ مليارات الدولارات في البنى التحتية في قطاعات مختلفة، من إنشاء مطارات ومشاريع البنى التحتية علاوة على مجالات الأمن وحفظ السلام. وقد توسع ذلك الدور الصيني لا سيما بعد إنشاء منتدى التعاون الاقتصادي الإفريقي عام 2000م، حيث يبلغ إجمالي الاستثمارات والعقود الصينية في إفريقيا 299 مليار دولار في الفترة من 2005 إلى 2018م، وفقًا ل China Investment Global Tracker

والسؤال الذي يمكن طرحه هنا هو: هل تقدم الصين نموذجًا قادرًا على ملئ الفراغ الذي ستحدثه أمريكا، في مواصلتها للانسحاب من المنطقة؟

لا يمكننا هنا الإجابة على هذا التساؤل، لكن يمكن تفكيك بعض العوامل المؤثرة في "صنع" الإجابة، وهي كالتالي:

يمكن أن يكون النموذج الصيني قادرًا على ملئ الفراغ الأمريكي ليس بذاته، ولكن بفعل الانسحاب الأمريكي، أي أنه لا يتمثل عنصر القوة بذاته بل بغياب غيره.

يتحتم على الصين حل كثير من الإشكاليات الداخلية والإقليمية كي تقدم نموذجًا، داخليًا مميزًا قادرًا على التأثير في غيره، فكما نشاهد اليوم المظاهرات في أمريكا بسبب حقوق الشعب الأمريكي وتعامل الشرطة مع المواطنين، وكيف يمكن للشعب التأثير على صناع السياسات وتعديل القوانين لمزيد من الرقابة، فقد يبدو ذلك النموذج بعيدًا عن التطبيق في الصين في الوقت الحاضر.

يمكن أن يكون النموذج الصيني كذلك قادرًا على أن يحظى بفاعلية أكبر وبشكل متأني كعادة الصين، وذلك من خلال زيادة الاعتماد على الصين لا سيما وأن كثير من الدول في الشرق الأوسط انضمت إلى مبادرة الحزام، أو طريق الحرير الجديد.

ومع ذلك، لن تتخلى الولايات المتحدة الأمريكية عن إرثها التاريخي في قيادتها للعالم، ليس لأنها ترغب بذلك أو لأن قادتها يرغبون بذلك، بل لأن الإرث الثقافي والحضاري والقانوني والمؤسساتي سيأخذ وقتًا طويلًا جدًا حتى يحل بديل صيني محله يكون قادرًا على تقديم نموذج يتخطى الجانب الاقتصادي فحسب.

والجدير بالقول، أنه سيتحتم على الصين إذا أرادت أن يكون لها دور عالمي، بالبدء بالتحديات في الداخل الصيني للتعامل مع القضايا الأكثر إلحاحًا على المستوى المحلي مثل قضايا السياسات والديموغرافيا والبيئة ووضع الأقليات، علاوة على إيجاد طريقة ما للتفاعل مع كل من قضيتي تايوان وهونج كونج، وقد يستلزم ذلك تداولات من قبل الحزب الشيوعي الحاكم والمزيد من الوقت بالتأكيد، حتى تقدم نموذجًا داخليًا يمكن "تصديره" أو "ترويجه" عالميًا.

مقالات لنفس الكاتب