; logged out
الرئيسية / دور شبكات المعرفة العابرة للحدود وخريطة العلاقات الجديدة بين دول الخليج والشرق

العدد 153

دور شبكات المعرفة العابرة للحدود وخريطة العلاقات الجديدة بين دول الخليج والشرق

الثلاثاء، 01 أيلول/سبتمبر 2020

السياق النظامي الاجتماعي العالمي لاتصالات الغاز الطبيعي المسال بين دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا والصين: يتمثل السياق النظامي الاجتماعي العالمي (على النقيض من السياق النظامي البيئي) لاتصالات الغاز الطبيعي المسال بين دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا والصين في صعود الصين وعودة روسيا وتراجع احتياج الولايات المتحدة للطاقة من دول مجلس التعاون الخليجي. هذا هو السياق المنهجي لعلاقات المعرفة العابرة للحدود والمجتمعات المعرفية بين دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا والصين والأطراف الرابعة. هذه العلاقات المعرفية تعكس وتشكل ذلك السياق المنهجي. وعلاقات المعرفة التاريخية هي أساسًا مع الغرب، لكن روابط المعرفة الآسيوية تتطور بسرعة، بل ويجب أن تكون متطورة بسرعة.

تتواجد اليوم المعرفة العميقة العابرة للحدود -والعلاقات ثلاثية التفاعل (إتزكوفيتس، 2008) -بين الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ودول مجلس التعاون الخليجي والغرب، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تعكس قرونًا من الهيمنة الأوروبية وما يقرب من قرن من سيطرة القوة العظمى الأمريكية. غير أن العالم آخذ في التغير، وستعود الصين وغيرها من الاقتصادات الآسيوية الكبيرة الناشئة إلى موقعها النسبي التاريخي في الاقتصاد العالمي (منذ قرنين من الزمان، كانت آسيا تحقق ما يقرب من 60% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي) (بنك التنمية الآسيوي، 2011). إن مستقبل المعرفة العابرة للحدود والعلاقات ثلاثية التفاعل بين مجتمعات دول مجلس التعاون الخليجي والمدن (الذكية) سيكون مع شركاء شرق آسيا بشكل كبير. ونؤكد هنا على شرق آسيا على وجه الخصوص، حيث إن دول مجلس التعاون الخليجي لديها بطبيعة الحال علاقات تاريخية طويلة وأيضًا وثيقة حاليًا مع جنوب آسيا.

وهناك جيلين من المعرفة العابرة للحدود الآسيوية والاتصالات ثلاثية التفاعل. يخضع الجيل الأول إلى سيطرة اليابان منذ السبعينات. فقد كانت اليابان وستظل عميلًا كبيرًا مستوردًا للطاقة من دول مجلس التعاون الخليجي. وفي السبعينات، تعرضت اليابان إلى أزمة نفط شديدة، واعتمدت بشكل كبير على واردات الطاقة إلى جانب الطاقة النووية، ولذلك، بدأت اليابان في الاستثمار في إنشاء علاقات ذات قوة ناعمة مع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال قسم الدراسات اليابانية بجامعة القاهرة منذ السبعينات، والذي قام بتدريب العلماء والمعلمين اليابانيين العرب الذين يخدمون في جميع أنحاء المنطقة. مثال على ذلك، أستاذ كرسى "ماروبينى" للدراسات اليابانية بجامعة قطر، وأستاذ/ عصام حمزة. وعند مقارنتها مع العلاقات الصينية ــ الخليجية، فمن الأهمية بمكان أن نضع في الاعتبار كيف أصبحت اليابان ما بعد الحرب، ومازالت، حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة، ولذلك فهي ليست منزعجة من موقف الولايات المتحدة في مجلس التعاون الخليجي.

الجيل الثاني من المعرفة العابرة للحدود  هو بين آسيا ودول مجلس التعاون الخليجي والعلاقات ثلاثية التفاعل ينظر إلى الصين بوصفها القوة الصاعدة في النظام الدولي. إن الصين، التي تُعد من أكبر دول العالم من حيث عدد السكان، بل أصبحت بعد مرور 30 عامًا من النمو الهائل أحد أكبر اقتصادين في العالم حتى الآن مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبحت أكبر مستورد للطاقة في العالم وهي أيضًا مستورد كبير للطاقة من دول مجلس التعاون الخليجي. وثمة أمران ينبغي وضعهما في الاعتبار عند النظر إلى المعرفة العابرة للحدود بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي والعلاقات ثلاثية التفاعل. أولًا: كون الصين منافسًا استراتيجيًا للولايات المتحدة الأمريكية، ولذلك فإن أي دور إضافي للصين في أي مكان في العالم قد يكون على حساب الولايات المتحدة. ثانيًا: لقد تأثرت الصين ومجال البحث والتعليم فيها بشكل كبير بالثورة الثقافية وقد تعافت من ذلك. وبالإضافة إلى كونها مجتمعًا منغلقًا، فإن هذا يجعل المشاركة الفكرية الصينية مع العالم الخارجي أقل تأثيرًا من المشاركة الأمريكية أو الغربية.

ومن مجالات المعرفة العابرة للحدود بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي والعلاقات ثلاثية التفاعل، نجد أعمال البحث والتطوير والابتكار لشركات الطاقة المملوكة للدولة في الصين مثل مؤسسة البترول الوطنية الصينية والمؤسسة الوطنية الصينية للنفط البحري في الشرق الأوسط وما وراءه.

ويتسم عالمنا اليوم بالعمليات المستمرة والناشئة للعولمة وانتقال القوة من الغرب إلى الشرق، حيث يشهد العالم تحولاً عن النظام الدولي بقيادة الغرب. وهو التحول المدفوع بصعود الصين والاقتصادات الآسيوية الناشئة الأخرى. وفي الوقت نفسه، تضغط العولمة الزمان والمكان بين المجتمعات (هارفي، 1989). وتنتقل القوة من الدول الغربية إلى الدول الشرقية ومن الدول إلى الجهات الفاعلة غير الحكومية، مدفوعة بصعود الصين وخاصة اقتصادات النمو الآسيوية الأخرى (ناي، 2011).  ولقد أثر هذا التحول أولاً وقبل كل شيء في القوة الاقتصادية على دول مجلس التعاون الخليجي على مدى عقود من الزمان، أولًا مع اليابان والآن مع الصين باعتبارهم عملاء رئيسيين للطاقة.

وتتمثل الاستراتيجية الكبرى للصين في هذا التحول في مبادرة الحزام والطريق، حيث تكون دول مجلس التعاون الخليجي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بطريق الحرير الجديد عبر آسيا الوسطى إلى غرب آسيا والحزام البحري الجديد عبر مضيق ملقا وعبر المحيط الهندي. ففي مؤتمر الدائرة القطبية الشمالية في ريكيافيك في أكتوبر 2017م، أدخلت الصين مفهوم طريق الحرير القطبي، الذي يربط الطريق البحري الشمالي بمبادرة الحزام والطريق الخاصة بها. ويدمج طريق الحرير القطبي الموارد الطبيعية الروسية ذات الأهمية هنا والطريق البحري الشمالي للملاحة الدولية في مبادرة الحزام والطريق.

وتؤثر هذه العمليات والتحولات العالمية بشكل كبير على دول مجلس التعاون الخليجي. لقد عملت دول مجلس التعاون الخليجي، منذ ما يقرب من نصف قرن، في سياق جيوستراتيجي حيث ضمنت الولايات المتحدة الأمريكية أمن دول مجلس التعاون الخليجي مقابل إمدادات نفطية مستقرة لها ولحلفائها. ولكن اليوم، تعتمد الولايات المتحدة بشكل أقل على النفط الخليجي بسبب النفط الصخري في الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه أضحت الصين، باعتبارها المنافس الاستراتيجي للولايات المتحدة، العميل الرئيسي للطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الخليج.

تعد الولايات المتحدة قوة بحرية كبيرة تستند استراتيجيتها الكبرى على فرض القوة البحرية والتجارة المنقولة بحرًا. بينما تعد الصين قوة قارية، حيث تنعكس تلك القوة الجوهرية في استراتيجيتها الكبرى لمبادرة الحزام والطريق التي تشق طريقها عبر أوراسيا. ويتعين على دول مجلس التعاون الخليجي باعتبارهم دول تمتد عبر آسيا وقارة أوقيانوسيا وما وراءها، أن تنتقل بين هاتين الاستراتيجيتين الكبيرتين المتنافستين لأكبر قوتين اقتصاديتين وعسكريتين حتى الآن في النظام الدولي. لقد أصبحت علاقات المعرفة العابرة للحدود بين دول مجلس التعاون الخليجي والغرب في يد المجتمعات الغربية المنفتحة ذات الحرية الأكاديمية، والتي تستفيد منها المجتمعات الخليجية المنغلقة، بينما ستجري علاقات المعرفة العابرة للحدود بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين بين المجتمعات المنغلقة بدرجات متفاوتة، مما سيثير مشاكل في الجودة الأكاديمية.

واليوم، يتشكل النظام الدولي بيد العولمة (ضغط الزمان والمكان بين المجتمعات حول العالم) (هارفي، 1989) وانتقال القوة المزدوجة من الدول الغربية إلى الدول الشرقية ومن الجهات الفاعلة الحكومية إلى الجهات الفاعلة غير الحكومية (ناي، 2011). تعمل كل من العولمة وانتقال القوة على تشكيل دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا اليوم وهما يمثلان الأطر المنهجية الدولية. لقد أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي عالقة في انتقال الوجهة حيث حلت الصين (وآسيا) محل الولايات المتحدة بشكل كبير كعميل للطاقة، بينما ظلت الولايات المتحدة الضامن الأمني وأصبحت العلاقات السياسية العسكرية مع الصين وآسيا غير مؤكدة ومتخلفة النمو. وبالمثل، يتعين على دول مجلس التعاون الخليجي (مثل العديد من المناطق الأخرى) أن تنتقل بين الاستراتيجية البحرية الأمريكية الكبرى للشراكة العابرة للمحيط الهادئ والشراكة التجارية والاستثمارية العابرة للمحيط الأطلسي والاستراتيجية القارية الصينية الكبرى لمبادرة الحزام والطريق، حيث تقترب الصين من غرب آسيا عبر آسيا الوسطى. ولذلك، ستضع هذه الورقة المعرفة العابرة للحدود والعلاقات ثلاثية التفاعل ضمن السياق التاريخي النظامي الدولي والسياق الحالي مع كل تحدياتها وإمكانياتها.

الغاز الطبيعي المسال كنظام عالمي يربط بين دول مجلس التعاون الخليجي والقطب الشمالي الروسي وشرق آسيا

تواجه الجهات الفاعلة العامة والخاصة في النظام العالمي للغاز الطبيعي المسال، بما في ذلك الاتصالات بين دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا والصين، نظامًا يتميز بالتعقيد وعدم اليقين، حيث يكون تنسيق الاستراتيجيات والسياسات المؤسسية والعامة الدولية ذو أهمية كبيرة. ويتم شحن الغاز الطبيعي المسال من دول مجلس التعاون الخليجي والقطب الشمالي الروسي إلى جميع أنحاء العالم، وخاصة إلى شرق آسيا. وتعتبر النرويج هي ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي إلى أوروبا بعد روسيا، أي كلا من الغاز الطبيعي المنقول بالأنابيب والغاز الطبيعي المسال. وتقوم البنية التحتية لخطوط الأنابيب الأوراسية بتوزيع الغاز الطبيعي من آسيا الوسطى إلى روسيا والصين. كما ان ألاسكا لديها آمال كبيرة لتصدير الغاز الطبيعي المسال إلى شرق آسيا. ولذلك، فإنهم يشكلون معًا نظام عالمي متكامل لإنتاج الغاز الطبيعي (الغاز الطبيعي المسال) والتجارة فيه، حيث تعتمد مناطق الإنتاج على بعضها البعض مثل دول مجلس التعاون الخليجي، وآسيا الوسطى، وروسيا (القطب الشمالي الروسي)، والنرويج، وألاسكا، والمستهلكين خاصة في شرق آسيا.

تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي منطقة رئيسية لإنتاج الغاز الطبيعي المسال (والنفط) ولديها علاقة توريد استراتيجية ومتبادلة وطويلة الأمد مع دول شرق آسيا الكبرى. وتعد روسيا واحدة من أكبر منتجي النفط والغاز الطبيعي في العالم، حيث يتم تصديرهما عبر خطوط الأنابيب والناقلات. ويعد القطب الشمالي الروسي موردًا كبيرًا للنفط والغاز إلى الاقتصاد الروسي القائم على تصدير النفط والغاز. كذلك يعد القطب الشمالي الروسي موردا رئيسياً كبيراً للغاز الطبيعي المسال إلى شرق آسيا؛ أولاً من حقل يامال للغاز ومنشأة الغاز الطبيعي المسال، حيث الصين هي المستثمر الرئيسي في هذا المشروع بقيمة 27 مليار دولار أمريكي. وقريبًا سيتبع مشروع يامال للغاز الطبيعي المسال مشروع الغاز المسال-2 في القطب الشمالي. كما ان هناك مشروع لإنتاج الغاز ومشروع للشحن العابر في جزيرة سخالين في أقصى شرق روسيا.

وتمتلك آسيا الوسطى أيضًا موارد هامة من الغاز الطبيعي والنفط وتقوم بالتصدير بشكل متزايد إلى الصين بالإضافة إلى روسيا (على أساس البنية التحتية السوفيتية). وتأتي النرويج كثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي إلى أوروبا بعد روسيا وتتمتع بإمكانيات متزايدة لتصدير الغاز الطبيعي المسال إلى شرق آسيا عبر الطريق البحري الشمالي (الممر الشمالي الشرقي بشمال روسيا) بسبب تغير المناخ (سيتم مناقشته فيما بعد). وتعد ألاسكا محطة رئيسية مصدرة للنفط، غير أن إنتاج النفط قد تراجع على مدى فترات زمنية طويلة، مما يتسبب في وضع اقتصادي خطير للدولة. ولطالما كان لدى ألاسكا آمال كبيرة في تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى شرق آسيا، وسيتم تناول هذا الموضوع فيما بعد.

العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا مع التركيز على الغاز الطبيعي المسال

روسيا لديها مصالح استراتيجية طويلة الأمد في منطقة الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي والتي يرجع تاريخها إلى قضية مضيق البوسفور أو الوصول المباشر إلى الخليج. وقد اشترك الاتحاد السوفيتي بشكل كبير في الحرب الباردة كراعي ومورد للأسلحة لعدد من الدول العربية. وقامت دول الخليج بدعم المجاهدين في أفغانستان أثناء الحرب الكارثية للاتحاد السوفيتي هناك في الثمانينيات. واليوم، تنخرط روسيا مرة أخرى بقوة في الشرق الأوسط على المستوى الاستراتيجي، وهو أمر واضح خاصة في سوريا. إن روسيا، كمنتج ومصدر رئيسي للطاقة، لا تحتاج إلى التجارة في الطاقة مع دول مجلس التعاون الخليجي، ولكن باعتبارهم موردي الطاقة الرئيسيين، فإنهم يعتمدون على قرارات الإنتاج والتطورات في الأسعار. تُعيد روسيا المجتمعات العلمية القديمة لتكون بمثابة قوة ناعمة وشبكات المعرفة العابرة للحدود مع مناطق ذات أهمية استراتيجية، حيث يوجد في القطب الشمالي الجمعية الجغرافية الروسية، وفي الشرق الأوسط الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية.

العلاقة بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين مع التركيز على الغاز الطبيعي المسال

الصين هي أكبر مستورد للنفط الخام في العالم، حيث تعتبر المملكة العربية السعودية مع روسيا وجمهورية أنغولا أكبر موردي النفط الخام. وترتفع واردات الصين من الغاز الطبيعي المسال بشكل سريع، ومن المحتمل أن تتفوق الصين على اليابان كأكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم. وتأتي كوريا الجنوبية كثالث أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم. وتمتلك الصين موارد الغاز الطبيعي المحلي وتقوم باستيراد الغاز الطبيعي المنقول عبر الأنابيب من آسيا الوسطى، ولذلك يعتبر الغاز الطبيعي المسال بالنسبة للصين غطاء للزيادة في الاستهلاك والمشتريات في السوق الفورية، بدلاً من العقود طويلة الأجل مع اليابان وكوريا الجنوبية. وكان الموردين الرئيسين للغاز الطبيعي المسال إلى الصين، قبل أن تبدأ محطة يامال في القطب الشمالي الروسي بتوريد الغاز الطبيعي المسال في أواخر عام 2017م، هم قطر، وأستراليا، وماليزيا، وإندونيسيا، والولايات المتحدة الأمريكية.

العلاقة بين روسيا والصين مع التركيز على الغاز الطبيعي المسال

إن اقتصاد روسيا (وقبلها كان الاتحاد السوفيتي) يعتمد على الموارد الطبيعية بشكل كبير، حيث تلعب إيرادات تصدير النفط والغاز دورًا كبيرًا للغاية للدولة الروسية. وتقدم منطقة القطب الشمالي في الاتحاد الروسي حصة غير متناسبة من عائدات النفط والغاز. وتصف الوثائق الاستراتيجية للقطب الشمالي الروسي بأنه قاعدة للموارد الاستراتيجية لروسيا. ومنذ زمن الاتحاد السوفيتي، قامت روسيا بتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا الغربية بشكل واسع عبر خطوط الأنابيب من خلال أوروبا الشرقية وأوروبا الوسطى. ولطالما كانت هذه العلاقات التجارية مستقرة للغاية، حيث تعتمد أوروبا الغربية على الإمدادات الروسية، وتعتمد روسيا على أسواق أوروبا الغربية. وتختلف البنية التحتية لخطوط الأنابيب الثابتة بشكل كبير من الناحية الجغرافية الاقتصادية عن النفط الخام أو الغاز الطبيعي المسال الذي يتم شحنه عبر الناقلات. وقد تم إصلاح البنية التحتية لخط الأنابيب بتكلفة كبيرة، بينما يمكن للناقلة مبدئيًا تغيير مسارها إلى مشتري جديد في أي وقت. هذا وتتبلور العلاقة بين روسيا وأوروبا حول الغاز باستمرار، وتتركز سياسيًا وتجاريًا في ألمانيا. وقبل بضع سنوات، تم إنشا خط أنابيب الغاز "نورد ستريم" تحت بحر البلطيق لربط روسيا وألمانيا مباشرة، ولا يزال مشروع نورد ستريم 2 قيد الإعداد.

ومن الواضح أن هناك أزمة سياسية عميقة بين روسيا والغرب، وقد تجلى ذلك في جورجيا عام 2008 وأوكرانيا / شبه جزيرة القرم عام 2014م، وقد كانت هناك بعض الاضطرابات العارضة في إمدادات الغاز من روسيا إلى دول أوروبا الشرقية، غير أنه لمن المستحيل، من وجهة نظري، أن تهدد روسيا مصداقيتها كمورد لألمانيا على وجه الخصوص. إذ ان هناك بالفعل أصواتًا قوية في أوروبا الغربية تنتقد الاعتماد على إمدادات الغاز الروسية. وربما تكون بعض هذه الانتقادات حسنة النية بالفعل، غير أن بعضًا منها يمثل إما اصحاب إيجارات العبور في بلدان أوروبا الشرقية وأوروبا الوسطى، أو الموردين البديلين (الأمريكيين) للغاز الطبيعي المسال.

وبسبب أزمة أوكرانيا / شبه جزيرة القرم في عام 2014م، والعقوبات الناتجة عنها، اضطرت روسيا إلى اللجوء إلى الصين كممول ومقدم للتكنولوجيا وعميل للطاقة. وبعبارة استراتيجية عامة، فقد اضطرت روسيا أن تلجأ إلى الصين، على الرغم من أن روسيا اليوم، ما بعد الاتحاد السوفيتي، هي شريك اقتصادي وديموغرافي صغير للصين في أوراسيا والشرق الأقصى الروسي (بيرتلسن، جالوتشي، 2016).

وتواصل روسيا حوارها الاستراتيجي مع الصين على مستويات وسبل عديدة. ولقد حضرت شخصيًا لفترة وجيزة المؤتمر الصيني الروسي لنادي النقاش الدولي فالداي (المنظمة الرئيسية شبه الرسمية للسياسة الخارجية في روسيا) في المركز الصيني الوطني للدراسات الروسية في جامعة نورمال شرق الصين في شنغهاي في مارس 2016م، ولدي عدد من الزملاء الصينيين والروس الذين يتحدثون لغة نظرائهم ولديهم خبرة تعليمية أو بحثية واسعة في البلد الآخر.

الخلاصة: شبكات المعرفة العابرة للحدود حول الغاز الطبيعي المسال بين دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا والصين

تشير هذه الورقة إلى أهمية علاقات الغاز الطبيعي المسال في المثلث بين دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا والصين. إن العلاقات بين الطاقة والغاز الطبيعي هي علاقات معقدة للغاية في حد ذاتها، ولكن بالإضافة إلى ذلك فهي متضمنة في النظم البيئية والاجتماعية العالمية الأكبر والأكثر تعقيدًا، إذ تمثل الحوكمة والتنسيق بين السياسات الدولية تحديًا في ظل هذه الظروف. يشير "هاس" و"أدلر" إلى الدور المحتمل لشبكات المعرفة العابرة للحدود، وإمكانية الوصول بشكل مثالي إلى مستوى المجتمعات المعرفية للمساهمة في التغلب على هذه التحديات.

أيضًا تعتبر كل من دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا والصين-فيما يتعلق بعلاقات المعرفة العابرة للحدود-جزء من النظام الدولي الذي كان يسيطر عليه الغرب حتى الوقت الحاضر، مما يعني أيضًا أن لكل منهما علاقات معرفية مع الغرب أقوي من العلاقات مع بعضهم البعض. هذا يمثل تحدي بالنسبة لهم للتغلب على هذا التقييد بالإضافة إلى اللغة وانفتاح المجتمع لبناء علاقات معرفية عابرة للحدود وعلاقات ثلاثية التفاعل وربما حتى بناء مجتمعات معرفية. على الرغم من أنه تم إعداد خريطة مبدئية فقط لهذه الورقة والبحوث السابقة، فمن الواضح أن العلاقات المعرفية العابرة للحدود بين دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا، أو الصين وروسيا، أو دول مجلس التعاون الخليجي والصين بين الأوساط الأكاديمية، ومراكز الفكر، والحكومات، والجيوش، والشركات، إلخ، تفتقر إلى تلك العلاقات المعرفية العابرة للحدود مع الغرب. ويبدو أن شبكات المعرفة العابرة للحدود للقطاع التجاري غير مألوفة ولا يسهل للباحث الجامعي الوصول إليها.

يتعين أيضًا على دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا والصين، في مجال علاقات المعرفة العابرة للحدود وخاصة في مجال الطاقة، الذي يمثل صناعة هامة لدول مجلس التعاون الخليجي وروسيا وذات أهمية أمنية وطنية رئيسية للصين، التكيف مع العالم المتغير، من الناحية البيئية والاجتماعية. إذ ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي أن تدرك أن تغير المناخ يفتح مصادر طاقة جديدة وهامة في القطب الشمالي الروسي وأنه يمكن شحن هذه الموارد إلى شرق آسيا، والتي أضحت بشكل متزايد نقطة جذب للاقتصاد العالمي. وينبغي على روسيا، كمُصدٍر رئيسي للطاقة -غير ان التصدير كان يعتمد في السابق على الغاز الطبيعي المنقول عبر الأنابيب-أن تفهم عالم الغاز الطبيعي المسال الذي تحتل فيه دول مجلس التعاون الخليجي مكانة رئيسية. أما الصين فقد أصبحت على عِلم بمكانتها في العالم بشكل سريع، مثلما أصبحت بقية بلدان العالم على عِلم بمكانة ودور الصين الجديد. ويتعين على الصين، كعميل دولي سريع النمو في مجال الطاقة، أن تطور علاقاتها المعرفية مع الموردين الرئيسيين ودول مجلس التعاون الخليجي وروسيا.

مقالات لنفس الكاتب