; logged out
الرئيسية / النزاع في منظمة الصحة العالمية وتأثيره على قمة مجموعة العشرين

العدد 153

النزاع في منظمة الصحة العالمية وتأثيره على قمة مجموعة العشرين

الخميس، 27 آب/أغسطس 2020

بداية ظهور فيروس كورونا وتأثيره على عملية مجموعة العشرين: أعلنت المملكة العربية السعودية عند تولي رئاسة مجموعة العشرين في ديسمبر 2019م، عن جدول أعمالها للمجموعة عن عام 2020م. ويعتبر وضع جدول الأعمال إحدى المسؤوليات الأساسية لرئاسة مجموعة العشرين، بالإضافة إلى تنظيم اجتماعات العمل الخاصة بالمجموعة على مدار العام، والتي تُعقد على المستوى الوزاري وتتوج بالقمة السنوية ببيان جماعي من قادة الدول ذوي أكبر عشرين اقتصادًا حول الأولويات المشتركة وخطط العمل من أجل الاستقرار الاقتصادي والمالي الدولي. ومع ذلك، وفي الوقت الذي تمت فيه صياغة جدول الأعمال 2020م، في ديسمبر، لم يكن بإمكان الأمانة العامة السعودية لمجموعة العشرين أن تتوقع أنه بعد فترة قصيرة فقط سيقوم جدول أعمال غير متوقع بفرض نفسه، ليس على الدول الأعضاء في مجموعة العشرين فحسب، بل وعلى العالم أجمع! وأن عام 2020م، سيشهد ظاهرة واحدة من شأنها أن تعيث فسادًا في الصحة العامة والأنظمة الاجتماعية على مستوى العالم وتسبب اضطرابات غير مسبوقة في الاقتصاد، والسفر، وسلاسل التوريد الدولية. وفي الواقع، أصبح دعم الاستجابة العالمية لفيروس كورونا والتخفيف من آثاره الاقتصادية السلبية أحد أولويات رئاسة المملكة العربية السعودية لمجموعة العشرين. وبعد أسبوعين من إعلان منظمة الصحة العالمية رسميًا أن فيروس كورونا يُعد وباءً، نظمت المملكة العربية السعودية قمة القادة الاستثنائية الافتراضية لمجموعة العشرين في 26 مارس، حيث أكد رؤساء دول مجموعة العشرين دعمهم لمنظمة الصحة العالمية وأعلنوا أنهم "سيعززون الصلاحيات المخولة لمنظمة الصحة العالمية بتنسيق الجهود الدولية الرامية إلى مكافحة الوباء".

ولأسباب مختلفة، يمكن القول أن الولايات المتحدة والصين، أكبر اقتصادين في مجموعة العشرين، تلقا المزيد من ردود الفعل الإعلامية العنيفة ضد إجراءاتهم للاستجابة لفيروس كورونا أكثر من أي دول أخرى في العالم، وحتى الآن فإن كلاً منهما مصمم على تجنب احتلال المركز الأخير في المنافسة المحتدمة حول كيفية إدارة كل بلد للوباء. فمن ناحية، تُعد الصين هي بلد المنشأ للفيروس، وقد اتهمتها العديد من وسائل الإعلام الدولية بأنها المسؤولة عن الانتشار المبكر للفيروس عن طريق إسكات المبلغين عن المخالفات مثل الطبيب الصيني الشهير لي وينليانغ الذي توفي لاحقًا بسبب الفيروس. ومن ناحية أخرى، تسجل الولايات المتحدة حاليًا أكبر عدد من حالات الإصابة والوفيات بفيروس كورونا عالميًا، حيث يتم إلقاء اللوم على رد الفعل البطيء للرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الوباء وتردده في تنفيذ تدابير الاستجابة الصارمة حتى بعد أن أصبح انتشار فيروس كورونا خارج الصين أمرًا واضحًا. وبدأت الولايات المتحدة في الظهور كمركز الوباء العالمي للفيروس في نهاية شهر مارس، وذلك عندما بدأت الصين، في المقابل، في عكس صورتها من بؤرة للفيروس الخطر إلى البطل المخلص منه، وذلك عن طريق إرسال مساعدات إلى مختلف الدول الأوروبية لمكافحة فيروس كورونا بعدما أصبحت نسبة الإصابة بالفيروس بالانتقال المحلي صفر تقريبًا في فترة زمنية قصيرة نسبيًا. وفي الوقت نفسه أيضًا، قام المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس بمعارضة الرئيس ترامب للمرة الأولى، بعد تغريدة ترامب في 21 مارس التي تؤيد العلاج المحتمل لفيروس كورونا هيدروكسي كلوروكوين (Hydroxychloroquine) وأزيترومايسين (Azithromycin). وبعد يومين من تغريدة ترامب، صرح الدكتور تيدروس خلال مؤتمر صحفي لمنظمة الصحة العالمية أن "استخدام العقاقير غير المختبرة بدون أدلة صحيحة يمكن أن يبعث أملاً زائفًا بل ويضر أكثر مما ينفع".

سعي الولايات المتحدة إلى إجراء تعديلات شاملة على منظمة الصحة العالمية

وحتى تلك الفترة، كان ترامب يشيد بشكل كبير بالصين والرئيس شي جين في استجابته لهذا الوباء. ومع ذلك، وفي سياق وقوع الولايات المتحدة تحت الأضواء الدولية كبؤرة وباء جديدة، إلى جانب تفسير ترامب المتضمن لتصريحات الدكتور تيدروس حول "الأدوية غير المختبرة" باعتبارها انتقادًا مباشرًا له، أعلن ترامب في 14 أبريل أنه سيعلق التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية. وللقيام بذلك، اتهم ترامب المنظمة، وعلى وجه التحديد الدكتور تيدروس، بالمبالغة في الإشادة باستجابة الصين لـفيروس كورونا بينما يكيل الانتقادات إلى الولايات المتحدة. وبعد اتهامات ترامب لمنظمة الصحة العالمية، وقفت وزارة الخارجية الصينية إلى جانب المنظمة، ورفضت أيضًا الانتقادات الأمريكية على استجابتها للوباء. ولكن، في نهاية المطاف، سيتعين إجراء تحقيق مستقل لتحديد ما إذا كانت منظمة الصحة العالمية قد اتبعت البروتوكول بشكل صحيح، أو ما إذا كانت قد مكنت الصين بأي شكل من الأشكال من التقليل من قيمة الفيروس خلال المراحل المبكرة من الوباء، إما عمدًا أو كنتيجة للإهمال. وقد طالبت بالفعل أكثر من 110 دول بإجراء مثل هذا التحقيق.

بل لقد ذهب ترامب إلى ما هو أبعد من تعليق التمويل الأمريكي لمنظمة الصحة العالمية وبدء عملية السحب رسميًا؛ فخلال الأشهر الماضية، حاول ترامب إجراء تعديل شامل للمنظمة بالكامل من خلال الاستفادة من الرئاسة الأمريكية الحالية لمجموعة السبع. ومن المرجح أن تزداد جهوده في الأشهر المقبلة التي تسبق قمم مجموعة السبع ومجموعة العشرين، بالإضافة إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث تعتمد النتيجة بشكل جزئي على رؤية الجمهور الأمريكي لاستجابة ترامب لفيروس كورونا. ونظرًا لأن الصين ليست عضوًا في مجموعة السبع، كان لاتهامات الولايات المتحدة لها في ذلك الاجتماع أن تمر دون رادع؛ ومع ذلك، فقد فشل ترامب في التفاوض بشكل ناجح حول محادثات إصلاح منظمة الصحة العالمية بين أعضاء مجموعة السبع (كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا واليابان، والمملكة المتحدة)، وقد انسحبت فرنسا وألمانيا تمامًا مؤخرًا من محادثات إصلاح منظمة الصحة العالمية. وعلى عكس الولايات المتحدة، أكد أعضاء آخرون في مجموعة الدول السبع أن النقطة السلبية الرئيسية لمنظمة الصحة العالمية لا تتمثل في كونها تتمتع بسلطة مفرطة أو تمويل مبالغ فيه، بل على العكس، فإن زيادة تمويل منظمة الصحة العالمية من شأنه أن يسمح للمنظمة بالعمل بشكل أكثر فعالية. وعلاوة على ذلك، فقد صرحت فرنسا وألمانيا أنه لا ينبغي السماح للولايات المتحدة بقيادة محادثات إصلاح منظمة الصحة العالمية لأنها قد بدأت بالفعل في الانسحاب رسميًا من المنظمة.

ومن المحتمل أن يكون فشل الولايات المتحدة في التفاوض بشكل ناجح حول محادثات إصلاح منظمة الصحة العالمية بين أعضاء مجموعة السبع هو مجرد استعراض لما سيحدث في قمة مجموعة العشرين المقبلة التي تستضيفها السعودية في نوفمبر. وعلى عكس مجموعة السبع، فإن الصين عضوًا في مجموعة العشرين، وبالتالي سيكون لدى الولايات المتحدة تأثيرًا أقل على نتائج المناقشة. ومن الواضح أن الهيمنة على مناقشات مجموعة العشرين ستكون أكثر صعوبة بالنسبة لترامب، الذي قد شكك في العديد من المؤسسات المتعددة الأطراف خلال فترة ولايته التي استمرت أربع سنوات، وذلك بعد أن قرر أنها غير مناسبة لمصالح الولايات المتحدة أو لجدول أعماله السياسي. ولذلك قد تجد المملكة العربية السعودية نفسها أمام رغبة أمريكية متزايدة لصياغة جدول أعمال قمة مجموعة العشرين وفقًا للمصالح الأمريكية الخاصة فيما يتعلق بالمناقشات حول منظمة الصحة العالمية والاستجابة لفيروس كورونا، ومع هذا سترغب المملكة العربية السعودية في تجنب أي ضغط متصور على الصين، أكبر شريك تجاري لها.

ماذا يعني الخلاف بين الولايات المتحدة والصين حول منظمة الصحة العالمية بالنسبة للمنظمات متعددة الأطراف بشكل عام؟

والآن، أصبحت منظمات مثل منظمة الصحة العالمية، التي تم إنشاؤها لتعزيز التعاون الدولي ومنع الصراع، مصدرًا للصراع نفسه وساحةَ للمعركة الأساسية. وبالتالي، ومع استمرار تصاعد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، من المرجح أيضًا أن تشتد اشتباكاتهما عبر ساحات معارك المنظمات الدولية الأكثر نفوذًا في العالم، وسيتعرض مصير منظمات بأكملها مثل منظمة الصحة العالمية للخطر، لتصبح إحدى الخسائر الجانبية على هامش صراع القوة الناعمة بين البلدين. فعلى سبيل المثال، إن السهولة التي أبدى بها الرئيس ترامب استعداده للتضحية بأهم منظمة دولية للصحة العامة في العالم وسط وباء عالمي يمكن أن تشكل سابقة خطيرة لنظام ما بعد الحرب العالمية الثانية متعدد الأطراف. فإذا كان هو، أو غيره من السياسيين في هذا الشأن، قادرين على إقناع الجمهور بأن هذه المنظمات ليست فعالة ونحن في أمس الحاجة إليها، عندها يصبح من السهل التشكيك في شرعيتها بالكامل. وبينما تظل منظمة الصحة العالمية تحت الأضواء في هذا الصدد بسبب التهديد العالمي اللانهائي لفيروس كورونا، تظل المنافسة بين الولايات المتحدة والصين آخذه في التطور على صعيد المنظمات الأخرى أيضًا. فمثلاً، في الرابع عشر من أغسطس، وفي سياق سياسات الضغط القصوى المستمرة تجاه إيران، فشل التصويت على مقترح الولايات المتحدة بتمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث كانت الصين، حليف إيران، إحدى الدول التي صوتت ضد الاقتراح الأمريكي. وبعد التصويت، صرح سفير الصين لدى الأمم المتحدة أن هذا "يوضح مرة أخرى أن النزعة الانفرادية لا تتلقى أي دعم وأن التنمر سيفشل لا محالة". وفيما يتعلق بمنظمة التجارة العالمية، فإن الدعم المحلي من الحزبين لانسحاب الولايات المتحدة يجري حاليًا بعد سنوات من الانتقادات بأن المنظمة تشجع الصين، ومع ذلك فإن مثل هذه الخطوة ستسمح للدول الأخرى بالتمييز ضد السلع الأمريكية بينما، في الوقت نفسه، ستمنح الصين الحرية للتأثير على قواعد الاقتصاد العالمي. وعلاوة على ذلك، ففي السنوات التي سبقت إنشاء الصين للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية في عام 2016م، والذي يتعارض مع البنك الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، ضغطت الولايات المتحدة بقوة على الدول الأخرى لعدم الانضمام كأعضاء في المنظمة الجديدة خوفًا من أن تقوض عمدًا بنوك التنمية متعددة الأطراف الأخرى. ومع ذلك، يتمتع اليوم البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية بثاني أكبر عضوية عالمية بعد البنك الدولي، ومن بين أعضائه، جميع دول مجلس التعاون الخليجي.

الخلاصة

طالما أن أقوى الدول الأعضاء في المنظمات الدولية تعمل على تقويض الحلول المتعددة الأطراف من خلال استغلال مجالات نفوذها داخل تلك المنظمات لوضع أجندة أحادية الجانب، فإن المنظمات نفسها ستعاني. وفي ظل الجهود التي تبذلها المنظمات لتبدو محايدة تجاه كل من الصين والولايات المتحدة، أو لتجنب مواجهة عواقب مماثلة مثل منظمة الصحة العالمية وفقدان قدرًا كبيرًا من التمويل، يمكن أن تصبح المنظمات أقل كفاءة في تنفيذ مهامها بسبب الخوف من اتخاذ خطوات خاطئة وخسارة الدعم إما من الولايات المتحدة أو الصين. وبالطبع، وباعتبارها منتدى دولي وليس منظمة دولية تضم موظفين دائمين أو تتمتع بمقر ثابت، تمثل مجموعة العشرين منصة فريدة للعب هذه المنافسة على القوة الناعمة بين الولايات المتحدة والصين، لا سيما في ظل التوترات المتزايدة بين البلدين. وباعتبار أن البند رقم واحد من جدول أعمال قمة مجموعة العشرين المقبلة التي تستضيفها السعودية غالبًا ما سيدور حول تدابير الاستجابة العالمية للوباء ودماره الاقتصادي، فسيكون من المستحيل مناقشة هذا البند دون الاستعانة بمنظمة الصحة العالمية. ويتساءل المرء كيف يمكن تحقيق الحوار الهادف عندما تكون الولايات المتحدة والصين قد أمضتا الأشهر الخمسة الماضية في إلقاء الخطب العدوانية تجاه بعضهما البعض، لاسيما حول هذه الموضوعات. ومن الواضح أن المعركة المستمرة بين الولايات المتحدة والصين من أجل النفوذ الاقتصادي العالمي ستستمر في تشكيل مستقبل المنظمات متعددة الأطراف والحوكمة العالمية للأفضل أو للأسوأ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كبيرة باحثين ــ مركز الخليج للأبحاث

مقالات لنفس الكاتب