; logged out
الرئيسية / البرلمانات الخليجية في ظل ضعف مؤسسات المجتمع المدني المستقلة

البرلمانات الخليجية في ظل ضعف مؤسسات المجتمع المدني المستقلة

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2011

لقد عاش العرب في خارج شبه الجزيرة العربية خلال العقود الماضية بعد التحرر من الاستعمار حالة من القهر المفروضة عليها قسراً من قبل أغلب الأنظمة الحاكمة نتج عنها تغييب للإرادة الشعبية، وحلت محلها إرادات مزيفة ومفبركة ومزورة تمثلت في برلمانات ممسوخة جيء بها لتصبغ وجه السياسة بأصباغ تبدو زاهية، لكن في حقيقتها كانت برلمانات مزيفة لأنها جاءت بالتعيين المباشر أو البرلمانات المزورة التي تدخلت فيها أيادي منتفعين لتصبح اليد المشرعة والمعطلة للنظام.

أصبحت البنى التشريعية مهلهلة ليس لها قرار، وكانت الانتخابات المزورة فاقدة للتمثيل الشرعي والشعبي، ورضي أعضاء البرلمان بأن يقوموا بدور الكومبارس للطبقة الفاسدة المنتفعة.

مثل هذه البرلمانات، التي لم تأت عبر انتخابات نزيهة (يقول فيها الشعب كلمته)، لم تقنع الشعب ولم يثق بها، وأصبح يطلق على كل من يدخل تلك البرلمانات اسم (حماة النظام) أو (بوق تلميع النظام)، وإن كانت هناك بعض الأصوات المعارضة فيها،  فما هي إلا مجرد ديكور لسد الذرائع كي تظهر أمام العالم بالمظهر الديمقراطي الحضاري، ورغم ذلك هي أيضاً مهمشة أو محاصرة أو مهددة لأنها محاطة بأبواق ذات أصوات عالية.

وقد ظهرت دعوات كثيرة معارضة تطالب بالحرية والمساواة والإصلاح السياسي الشامل، لكن مثل هذه الأنظمة كانت تشكك، وتزعم بأن الشعوب العربية غير مهيأة أو ليست مؤهلة للديمقراطية، وأن أمامها أجيالاً حتى تصبح جاهزة، لكن الاستفتاء المصري على التعديلات الدستورية بعد إسقاط نظام حسني مبارك جرى في مشهد ديمقراطي حقيقي خلال أيام معدودة، وفي جو من الحرية لم تعرفه مصر منذ عقود طويلة، وشهد له العالم بالنزاهة والنظام والديمقراطية وهو رد على تلك المخاوف التي كانت ضرباً من الخيال.

فأي برلمان يتشكل بالتعيين أو بشبه التعيين هو برلمان مسخ يدل على احتقار الشعوب وهي شكل من أشكال الدكتاتورية.

وفي دول الخليج قد يختلف الأمر نوعاً ما، فهناك انتخابات في دول مثل الكويت منذ زمن طويل، وفي البحرين، لكن أغفلت دول الخليج التي يتم فيها انتخاب أعضاء البرلمان أو يتم تعيينهم بأنها بحاجة إلى تفعيل المجتمع المدني ومؤسساته كي تكون قادرة على تطوير أداء السلطات التشريعية من خلال إشاعة ثقافة المشاركة المدنية في الرقابة على أداء السلطات التشريعية باعتبار أن ذلك جزء لا يتجزأ من عمليات الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي واحترام المواطنة وحقوق الإنسان.

إن تأسيس شبكة مدنية للرقابة على البرلمانات هو أولوية تسبق انتخاب أعضاء البرلمانات، ويؤدي إلى توسيع مظلة المؤسسات المدنية ترسيخاً لمبادئ الشفافية والمساءلة وهي بمثابة تنامي وعي المواطن الخليجي وضرورة مشاركته في عمليات التطوير والبناء بما يؤدي إلى التكامل بين السلطات على اختلاف وظائفها.

وعندما ينضج وعي المواطن يكون قادراً على ممارسة الدور الرقابي على السلطة التشريعية، وفي الوقت نفسه إشعار السلطة التنفيذية بأن هناك من يتابع أداءها وينبهها إلى الأهم من القضايا.

ومن حق مؤسسات المجتمع المدني الإطلاع على أداء دور المجلس التشريعي ومتابعة أداء الدور المرتقب منه.

فالمجتمع المدني إذن هو كيان اجتماعي تندرج داخله التشكيلات الاقتصادية والسياسية من قبل الهيئات الثقافية والمهنية والمؤسساتية فضلاً عن الهيئات السياسية، فهو يضم أوسع شرائح المجتمع الفاعلة، ويعتبر (ماركس) أن مؤسسات المجتمع المدني هي مولد الدولة وأيضاً مولد المجتمع السياسي الذي هو مجال ممارسات للسياسة وتشكيل الوعي والتنافس الأيديولوجي.

وإحدى أهم وظائف المجتمع المدني تقوم على إيجاد تسويات اجتماعية وسياسية، وتقود هذه الهوية الوظيفية إلى اكتشاف نمط العلاقة القائمة بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي باعتباره يمثل إرادة المجتمع التي هي محصلة قوانين سوسيولوجية تعتمل في رحمه الروابط الاجتماعية.

إن مؤسسات المجتمع المدني هي ذات أوجه عدة منها مؤسسة الملكية الخاصة المفصولة عن الدولة، والمؤسسات الوسيطة، والاتحادات الطوعية، ومجال المعلومات العامة المتاحة للجميع من دون استئثار فئة دون أخرى.

ولا يمكن تحقيق هذه الأركان من دون قاعدة أولوية حين تصبح قادرة على تحويل إنتاج الثروات في مجال اجتماعي مستقل عن الدولة وبخاصة الثروات الريعية النفطية من قوة قمع دولتية إلى ثروة اجتماعية. أي أن مؤسسات المجتمع المدني تقوم داخل حقل سياسي تعددي مؤسساتي ودستوري يتسم بالفصل والتمايز التام بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية حتى تتحول إلى قيم سياسية تعتمد التداول السلمي للمناصب والسلطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ويجب أن يدور كل هذا ضمن مفهوم البعد المعرفي ومن دونه ستتحول التعددية إلى أزمة وصراع وإلى عقد سياسية وشعارات أيديولوجية مغلقة تجبر الدولة كل حين على التدخل لإنهاء هذا الصراع (مثال ذلك تدخل أمير الكويت في حل مجلس الأمة مرات عديدة نتيجة لصراع أيديولوجي بين الأطراف).

بينما تهدف مؤسسات المجتمع المدني التعددية إلى أن تتحرر من مجالات الهيمنة والإقصاء واستبدالها بالمشاركة والتفاعل والانصهار في بوتقة واحدة تتيح للمواطن ممارسة مسؤولياته مع عدم إغفال أو إلغاء أن لكل مجتمع بشري حيثيات تاريخية وقواعد ومنظومات سلوك واتساق معرفي لابد من المحافظة عليه حتى لا يؤدي إلى ثورات مضادة أو إلى ارتباك في منظومة السياق الاجتماعي أو انقلاب على منجزات وحقوق تاريخية لها جذور نافذة في المجتمع غير معوقة للتطور بل قد تكون داعمة له.

كما لابد أن ندرك أن الديمقراطية ليست حلاً سحرياً لمشكلاتنا ولأزماتنا، بل هي وسيلة من الوسائل لتحقيق المساواة والعدل والمشاركة، لكن حينما تصبح الديمقراطية مجرد تطبيقها غاية أو لإرضاء المجتمع الدولي أو الداخلي فإنها تتحول إلى أداة تدمير مثلما حدث للأكثريتين النيابية العراقية واللبنانية اللتين لم تتمكنا من تشكيل الحكومة، وما هو أسوأ ما حدث في مملكة البحرين حيث جرت فيها انتخابات نزيهة فازت فيها المعارضة (الوفاق) بكتلة كبيرة في البرلمان الصغير وهي تمتلك مفاتيح البرلمان، لكنها فضلت الاحتكام إلى الشارع، وأعلن حزب (الوفاق) مقاطعته للبرلمان على غرار ما فعله حزب الله في لبنان، ولكنه أخطأ قراءة الحدث في حين أنه ليس في الأصول والممارسات البرلمانية أي شيء نهائي.

لقد اخترعت البرلمانات من أجل نقل النقاشات الوطنية من الشارع إلى الندوات، ومن الغوغاء إلى سقف القانون والدساتير والنصوص والتجارب.

فدول الخليج هي ما بين ضغط الشارع وتجربتي البحرين والكويت باعتبارهما اختباراً نموذجياً لتطبيق الديمقراطية في دول الخليج من أجل تطوير حكم القانون والنظام التمثيلي من خلال العمل المشترك بين البرلمان والحكومة، لكن ما حدث في البحرين والكويت لم يكن إحراقاً للمراحل، بل هو إشعال للنار في ثوب البحرين وأطراف المنطقة، ما يعني تهديد الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها.

إن حرية الفرد أو الجماعة هي جزء من حرية الشعب، ويجب ألا تعلو على حرية الشعب أو تفوقها مكانة أو خصائص ومميزات، كما يجب ألا تكون مطالب الجماعات مبالغاً فيها، بل يجب أن تكون مطالب مشروعة، وكذلك في الوقت نفسه لم تعد الشعوب تقبل الأكاذيب من حكوماتها، ولم تعد تقبل أيضاً الشعارات التي كانت تردد سابقاً، مثل الوحدة العربية وغيرها، بل إن الشباب العربي يريد فرصة عمل، أي أن لعبة لا إمبرالية ولا رجعية سقطت، وأصبح يطالب الشباب بالحكم الرشيد الذي يؤمن له المساواة والعدل والحرية وكامل حقوقه الوطنية. فالعرب يعيشون الآن صحوة ثانية ضد القمع استهدفت الإصلاح الداخلي على عكس الصحوة الأولى التي فجرت المشاعر الوطنية ضد السادة الأوروبيين.

والحقيقة أن شعوب الخليج تفتقر إلى الشروط التقليدية لتطبيق الديمقراطية، بما في ذلك طبقة متوسطة كبيرة ومتنامية وناتج إجمالي حقيقي لا يضخمه النفط أو من دون واردات النفط يكون نصيب الفرد فوق عشرة آلاف ريال (ثلاثة آلاف دولار) ومجتمع مدني متقدم من المؤسسات المستقلة حقاً.

فالثورة الديمقراطية نظام طويل، لكن شعوب الخليج تطمح إلى تطبيق هذه الديمقراطية، لكن من خلال مراحل بعيداً عن حرقها حتى لا تحترق مجتمعات الخليج بنار تلك الديمقراطية، فنحن لسنا بحاجة فقط إلى المصداقية، بل بحاجة أكثر إلى الصوابية النسبية للرؤية لأنها هي التي توفر الحد الأدنى من الرؤية الواقعية للأحداث وهي التي تغيب عن كثير من المشاريع الإصلاحية.

إن غياب الرؤية السياسية عن تلك المشاريع الإصلاحية يسمى الفقر المدقع في الرؤية السياسية باعتبار أنها لم تتمكن من فهم العالم أولاً، ولم تفهم حاجات المنطقة ثانياً، كما أن الجمهور ليس لديه الوعي الكافي الذي يمكنه من الحكم على هذه المشاريع الإصلاحية، أو يطالب أصحاب تلك المشاريع ببرامج سياسية واضحة قابلة للتنفيذ حتى لا تصبح برامج فضفاضة عامة غير متجانسة وغير محددة المطالب، ولا تنطلق من الواقع، بل تنطلق مما بات يعرف فقط وهذه أكبر إشكالية تواجه هذه المشاريع وهذا ناتج عن ضعف مؤسسات المجتمع المدني.

فالمجتمعات الخليجية اليوم بحاجة إلى عقد اجتماعي توافقي بدلاً من مجموعات (شللية) سياسية كل منها يقفز من بوابة الشعارات تهدد المكتسبات الخاصة والعامة وتعمل بآلية الهرم المقلوب.

وكل الأطراف تؤمن وتتفق على أن قضايا التطوير ومكافحة الفساد والاستجابة لحاجات المواطنين مطلب وجودي.

إن مؤسسات المجتمع المدني تحافظ على النجاحات التي تحققت في دول الخليج بل مطالبة بتقويتها، ومطالبة كذلك بمعالجة الإخفاقات المزمنة التي تعاني منها الإدارة المجتمعية من تقديم الولاء والعلاقات الاجتماعية على الكفاءات لأن هناك ضجراً لدى النخب في الخليج من التلكؤ غير المبرر في الإصلاح النيابي، ويجب أن يكون الاستثمار في الوقاية من أهم الأولويات في الإصلاح مستقبلاً وهو خير وسيلة لتحصين المنطقة من الثورات التي قد تحدث مستقبلاً نتيجة أي طارئ محلي أو خارجي.

  

مقالات لنفس الكاتب