array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

التجربة البرلمانية الكويتية: دراسة في تجربة خليجية رائدة

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2011

تنبع أهمية التركيز على التجربة الكويتية ودراسة المحطات الرئيسية التي شكلت خط مسارها من حقيقة أساسية هي أن دولة الكويت سبقت دول الخليج العربية الأخرى في تبني النظام الديمقراطي البرلماني، وكانت البذور الأولى لهذا النظام قد زرعت قبل مرحلة الاستقلال ومن ثم عززها الاستقلال وزاد من فاعليتها وحركيتها.

إن الهدف الأساسي الذي تسعى إليه هذه الورقة هو التعرف إلى أهم المحطات التي عرفتها ومرت بها التجربة البرلمانية الكويتية والكوابح وعوامل الإخفاق التي واجهتها ومن ثم الآفاق المستقبلية التي تنتظر هذه التجربة الديمقراطية الواعدة.

ويمكن أن يؤشر عام 1921 إلى بداية أول تجربة ديمقراطية انتخابية في الكويت وذلك عندما نُظمت أول انتخابات تشريعية في الكويت لانتخاب أعضاء المجلس التشريعي الكويتي الذي تم عقده في عام 1938، لكن أمير الكويت الراحل الشيخ أحمد الجابر المبارك الصباح عمد إلى حل هذا المجلس في عام 1939، ولم تعاود التجربة البرلمانية الكويتية الظهور إلا في عام 1962 وذلك بعد نيل الاستقلال، إذ أجريت ثاني انتخابات تشريعية في عام 1962 فالتأم بذلك المجلس التشريعي الثاني في الكويت (المجلس التأسيسي) والمكون من (20) عضواً والذي صار يُعرف لاحقاً باسم مجلس الأمة. لقد نص الدستور الكويتي لعام 1962 على أن الدعوة للانتخابات تجري في مدةٍ أقصاها أربع سنوات وضمن الدستور لأمير الكويت حق حل البرلمان في حالات استثنائية وغالباً ما كان يتم التوسع في استخدام هذا الحق، ورغم ذلك فقد عُقدت أولى جلسات مجلس الأمة الوليد في عام 1963، كما أجريت الانتخابات التالية في الموعد المقرر لها في أعوام 1967 – 1971 - 1975، وبعد هذا التاريخ عُطل دور مجلس الأمة ولم تجر انتخابات تشريعية في الكويت حتى عام 1981 ومن ثم في عام 1985 ومن ثم عاد المرسوم الأميري ليعطل إرادة البرلمان في عام 1986 بعد اندلاع موجة من الاحتجاجات الشعبية، وبقي معطلاً لاسيما بعد أن نظمت

الحكومة انتخابات اعتبرها الكثيرون في الكويت انتخابات صورية لتأتي بمجلس أمة جديد لم يكن ليتمتع بكثير من المصداقية والمشروعية. ولقد عملت القوى الوطنية الكويتية على تحدي وجود هذا البرلمان الصوري من خلال تنظيم الاحتجاجات والتظاهرات والعمل على مقاطعة الانتخابات، وبعد الغزو البعثي الصدامي حصل التلاحم بين القوى الشعبية الكويتية وبين الأسرة الحاكمة وهو التلاحم الذي أبرز صورة الكويت الحقيقية وسعيها لأن تعيش كدولة آمنة مستقرة مزدهرة تحترم فيها حقوق الإنسان وحرياته، وتصان فيها المسؤوليات والواجبات التي تقع على عاتق الفرد وجهاز الحكم، وسرعان ما أجريت أول انتخابات تشريعية بعد الغزو في عام 1992، ومن ثم أجريت انتخابات تشريعية أخرى في عام 1996، وصدر مرسوم أميري بحل البرلمان في عام 1999، لكن كان هذه المرة طبقاً لإجراءات قانونية ودستورية سليمة، وأعقبت هذا الحل انتخابات تشريعية أجريت في يوليو 1999. كما أعقبتها الانتخابات التي جرت في عام 2003 وهي الانتخابات التي تمخضت عن مجلس صدرت الإرادة الأميرية بحله في عام 2006 وهذه المرة أيضاً كانت طبقاً لإجراءات دستورية وقانونية.

وأجريت آخر انتخابات تشريعية في الكويت في 29 يونيو 2006 والتي شكلت علامة فارقة ومميزة في تاريخ الحياة التشريعية في الكويت، إذ سجلت فيها مشاركة المرأة للمرة الأولى في الانتخابات كمرشحة ومقترعة، وشارك في هذه الانتخابات حوالي 340 ألف كويتي كان من بينهم 195 ألف امرأة، وأما عدد المرشحين فقد بلغ 253 مرشحاً من بينهم 28 امرأة ورغم مشاركة المرأة ومنذ حقبة بعيدة في الحياة الثقافية والاجتماعية الكويتية إلا أن أي واحدة من المرشحات لم تفز بمقعد واحد داخل المجلس، وتكررت هذه الحالة في انتخابات عام 2008، ولكن انتخابات عام 2009 شهدت وللمرة الأولى في التاريخ المعاصر للكويت وصول أربع نساء إلى مجلس الأمة.

لقد ضمن الدستور الكويتي حق التصويت للمواطنين الكويتيين البالغين من العمر 21 عاماً مع استثناء أولئك الذين يعدون أعضاء في القوات المسلحة الكويتية، كما منع الدستور من خلال مذكرته التفسيرية العائلة الحاكمة من فرع مبارك من المشاركة في الانتخابات كمرشحين وهذا يعني الفصل التام بين الجهاز التنفيذي الحاكم والسلطة التشريعية الموازية، كما أعطى الدستور الحق للمجنسين أن يشاركوا في الانتخابات مع رفع شرط السن إلى 30 عاماً. وضمن أيضاً حق المرأة في الترشح والترشيح كما ذكرنا آنفاً في عام 2005، ولقد قبل الإسلاميون بعد فترة من الزمن مشاركة المرأة في الحياة السياسية، ولكن مع تطبيق الأطر والتشريعات الإسلامية ومنها فصل المراكز الخاصة بالاقتراع بالنسبة للجنسين.

لقد تم تقسيم الكويت إلى 25 دائرة انتخابية وكل واحدة من هذه الدوائر تنتخب عضوين ليقوما بتمثيلها في المجلس، لكي يبلغ بذلك عدد أعضاء المجلس (50) عضواً إلى جانب وجود أعضاء إضافيين، ويحق للناخب أن يمنح صوته لمرشح واحد أو مرشحين اثنين، ويحق للمرشحين الذين حصلوا على أعلى نسبة وثاني أعلى نسبة من الأصوات أن يترشحا كعضوين في المجلس.

وجرى تعديل في عدد الدوائر الانتخابية في عام 2006، إذ تم تقسيم الكويت إلى خمس دوائر انتخابية، وأضحى هنالك حق للناخبين أن يمنحوا أصواتهم لأربعة مرشحين بدلاً من اثنين كما كان يجري في السابق، كما أضحى لكل دائرة انتخابية عشرة مرشحين يمكن أن يجلسوا تحت قبة المجلس. ومثل هذا التعديل طفرة نوعية في طبيعة الحياة السياسية والبرلمانية الكويتية إذ قلص وإلى حدٍ كبير إمكانية شراء الأصوات، وقلص أيضاً من أهمية الولاءات القبلية والمذهبية والعائلية في الانتخابات.

والواقع يدل على أن التجربة البرلمانية الكويتية تواجه تحديات تقوم على وجود ولاءات قبلية وعشائرية قد تحول دون بروز تمثيل ديمقراطي صحيح وسليم، إذ يحرص وجهاء قبيلة أو عشيرة معينة على ضمان دعم مرشحيهم من أبناء التجمع القبلي أو عدم تقديم أكثر من مرشحين بغية حشد أكبر عدد ممكن من الأصوات لهما، ولعل مثل هذه الآلية تحرم الأفراد الذين لا يتمتعون بثقل عشائري وعائلي كبير من الفوز بمقعد داخل المجلس، كما ينأى بالانتخابات عن أن تكون أداةً لاختيار الأكفأ الأبعد بدلاً من الخامل الأقرب.

ويستطيع المتتبع لواقع الحياة البرلمانية والتشريعية الكويتية أن يؤشر إلى قدر كبير من النزاهة والشفافية في ممارسة الحق الانتخابي والتعبير عن الرأي بنحو فاق بلدان عربية أخرى سبقت الكويت في الممارسة البرلمانية، ولم يحصل أن تدخلت الحكومة في سير الانتخابات أو في عملية الاقتراع باستثناء ما حصل في انتخابات عام 1967، إذ تدخلت الحكومة في سير الانتخابات وعملية فرز الأصوات في بعض الدوائر الانتخابية. كما تعمل الأجهزة الإعلامية الكويتية على تغطية الانتخابات والحملات الانتخابية السابقة لها، كما تعطى للمرشحين الحرية والمجال الكافيان للقاء ناخبيهم وعرض مشاريعهم الانتخابية، ولعل صغر حجم الدوائر الانتخابية يُسهل اللقاءات المباشرة بين المرشحين والمقترعين، ويتمتع المرشحون بالحرية الكافية لاتخاذ مواقف سياسية قد تبتعد كثيراً عن المواقف الرسمية، كما تُغطي أجهزة الإعلام الكويتية كافة المقابلات واللقاءات التي يجريها المرشحون أثناء الحملات الانتخابية.

لقد طرحت خلال السنوات الأخيرة في الكويت فكرة مكافحة ظاهرة قيام المرشحين من ذوي الدخول المرتفعة بشراء أصوات ناخبيهم، وتم التأكيد على أن مثل هذه الظاهرة سوف تفضي إلى دعم ترشيح مؤيدي الحكومة ووصولهم إلى الحجرة البرلمانية، وبالتالي فقدان الهدف الحقيقي من نشوء برلمان قادر على محاسبة الحكومة وتبيان عوامل تقصيرها والعمل على تعديل مساراتها.

ولعل ما يمكن أن يؤشر إلى التجربة البرلمانية الكويتية والحياة السياسية في الكويت بشكلٍ عام غياب الظاهرة الحزبية، رغم أن البعض يرى في عدم وجود أحزاب سياسية عقائدية دليل حالةٍ صحية في النظام السياسي، إذ يمكن للتيارات السياسية الموجودة أن تلعب دور الأحزاب القائمة من دون أن تدخل البلاد في إطار التنافس الحزبي المقيت، وغالباً ما يتمتع المرشحون للانتخابات الكويتية بدعم وإسناد واحد من التيارات السياسية القائمة في حين يتبنى بعض المرشحين اتجاهات سياسية واضحة مثل الاتجاه الإسلامي أو الاتجاه الليبرالي أو الاتجاه اليساري، في الوقت الذي يرتبط فيه بعض المرشحين بالسياسة الحكومية حتى ليعدون بمثابة نوابٍ للحكومة داخل المجلس. وكشفت الانتخابات التي جرت بعد عام 2003 عن وجود تيار ليبرالي نشط في الكويت إلى جانب وجود التيار الإسلامي السلفي، ويؤشر التنازع بين التيارين حول كثير من التشريعات والقضايا التي تخص المجتمع الكويتي في داخل البرلمان إلى حالة نتمنى أن تسود في الوسط التشريعي الكويتي وهي حالة التفاعل بين مختلف الآراء والاتجاهات من دون الرغبة في التسقيط أو التخوين، وهو ما درجت عليه العلاقة بين تيارات سياسية متناقضة في الشارع السياسي العربي والممارسة السياسية العربية عموماً.

ولابد من القول إن العلاقة التي حكمت الأسرة الحاكمة بالبرلمان الكويتي كانت علاقة يشوبها الطابع التعاوني الصراعي أي تلك العلاقة التي تستبطن عوامل الصراع من داخل أطر التعاون والتنسيق والذي يبرز على السطح، ورغم التقاليد القبلية التي حكمت التاريخ الحديث والمعاصر للكويت وسيادة قيم القبيلة باعتبارها الوحدة السياسية الأساسية في الكويت إلا أن ذلك لم يلغ وجود هيئات استشارية كانت تقوم بدور المعين والمشاور للحاكم في أوقات الأزمات والتحديات التي تواجه الإمارة الناشئة، ورغم ما شاب العلاقة بين مؤسسة الحكم والبرلمان من مدٍ وجزر (حل مجلس الأمة أو محاولة سحب الثقة عن الحكومة) واتهامات متبادلة بمحاولة تجاوز الدستور أو إلغاء الحياة البرلمانية من جانب النواب للحكومة أو محاولة تعطيل التشريعات التي تعود بالنفع على المواطن الكويتي من جانب الحكومة للنواب، إلا أن كافة المؤشرات التي يمكن أن تتوفر للمتابع حول الواقع السياسي في الكويت تدل على إمكانية تجاوز الأزمات التي يمكن أن تنشب في العلاقة بين الحكومة والبرلمان وإمكانية أن يلعب المجلس في دورته الحالية والدورات المستقبلية أدواراً عجزت عن تأديتها المجالس السابقة، كما نأمل بأن يغيب التصنيف المذهبي لنواب الكويت، وأن يتم إدخال تعديلات في بنية النظام السياسي الكويتي بما يُرصن من التجربة البرلمانية الكويتية ويدفع بها خطوات إلى الأمام. 

مقالات لنفس الكاتب