; logged out
الرئيسية / إسرائيل مطالبة بالتطبيع الواقعي وفقًا للمبادرة العربية والأرض مقابل السلام

العدد 154

إسرائيل مطالبة بالتطبيع الواقعي وفقًا للمبادرة العربية والأرض مقابل السلام

الإثنين، 28 أيلول/سبتمبر 2020

 

  • يوم الخميس: ١٣ أغسطس الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوصلَ لاتفاقية تطبيع للعلاقات بين إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة. تبعه، بعد ٢٩ يومًا يوم الجمعة ١١ سبتمبر، إعلان آخر من الرئيس الأمريكي، في المكتب البيضاوي، عن توصل ِكلٌ من البحرين وإسرائيل إلى اتفاق ثنائي لإقامة علاقات كاملة بينهما.

 

الفرق بين حالتي الإمارات والبحرين: الملاحظ أن هناك فرقٌ، بين الاتفاقيتين، له أبعادٌ سياسيةٌ وقانونيةٌ ودبلوماسيةٌ وغير رسميةٍ، ربما لا يَلتفت له الكثيرون. يُفهم ذلك من صيغةِ اللغة، التي صدرت من البيتِ الأبيض، بالذات تلك التي جاءت على لسان الرئيس الأمريكي، نفسه، عند الإعلان عن الاتفاقين. لقد وصف الرئيسُ ترامب اتفاقَ البحرين وإسرائيل، بأنه اتفاقٌ تاريخيٌ آخر، في إشارةٍ إلى الاتفاق الذي سبقه، بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل. إلا أن الرئيس الأمريكي، يبدو أنه كان متحمسًا أكثر لاتفاق إسرائيل مع الإمارات، حيث لم يصفه بالتاريخي فقط، بل حرِصَ على الإشارة إليه بالمعجزة التاريخية، لأنه كان اتفاقُ تطبيعٍ، وليس مجرد اتفاق سلام وإقامة علاقات، سواءً كانت دبلوماسية أم كاملة، كما جاء في الاتفاق الأخير بين البحرين وإسرائيل.

الرئيسُ الأمريكي، كان دقيقًا في انتقاء كلماته، عند إعلانه عن الاتفاقين، وفي الوقت نفسه، مُقَيّمَاً لجهوده وجهود إدارته، للتوصل إلى الاتفاقين. وصف الرئيس دونالد ترامب الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل بأنه معجزة تاريخية، لكون الاتفاق يحقق التطبيع، وليس السلام فقط. اتفاقات السلام تتضمن اعترافًا دبلوماسيًا متبادلاً، بين طرفين. دوليين، قد ينهي حالة حرب قائمة. أو يبدأ علاقات دبلوماسية، تتضمن اعترافًا متبادلاً. اتفاقات السلام إذًا: تقتصر فقط على الجوانب الرسمية، شأنها شأن اتفاقات السلام، التي عٌقدت بين إسرائيل والأردن وموريتانيا، بما فيها اعتراف تركيا، بإسرائيل ١٩٤٩م.

أما اتفاقات التطبيع، فهي أشملُ من تلك التي تتضمنها اتفاقات السلام التقليدية، لنصها، بل عنونتها بكلمة التطبيع، مثل تلك التي أعلن عنها بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة.  ربما صيغة العلاقات الكاملة، التي جاءت في الاتفاق بين البحرين وإسرائيل، كانت حلاً وسطًا بين صيغة اتفاقية سلام واتفاقية تطبيع، حيث تتضمن الحالة الأولى (السلام).. وبصورة غامضة، غير مباشرة، تشير إلى الحالة الثانية (التطبيع).

 

اتفاقية التطبيع

 

فعلاً تُعَدُ اتفاقية التطبيع، بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، غير مسبوقة بين إسرائيل وأي دولة عربية، أخرى... بل قد لا نبالغ إذا ما ذهبنا إلى أن صيغة اتفاقيةَ التطبيعِ تُعَدُ سابقةٌ سياسيةٌ وقانونيةٌ في العلاقاتِ الدولية، ولم تَرِدُ صراحةً بين أي طرفين دوليين. ولم يُشار إليها في أي معاهدات دولية، تنظم حقوق والتزامات أطرافها، مثل: اتفاقية ڤينا للعلاقات الدبلوماسية (١٩٦١م).  

عدا ما قد يتطور في حالة إعادة العلاقات الدبلوماسية، بعد قطعها أو تعليقها، حيثُ يُنَصُ، أحيانًا، لعبارة: اتفق الطرفان على عودةِ العلاقات بينهما إلى حالتها الطبيعية، التي كانت عليها قبل قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما أو تعليقها... بل وأحيانًا، يُنص في اتفاقيات إعادةِ العلاقات: الدعوةُ لتعزيزها وتقويتها.   

صحيح أن إسرائيل عقدت، مع أطرافٍ عربية، خلال الأربعة عقود الماضية، ثلاث معاهدات سلام... مع مصر (١٩٧٧م) والأردن (١٩٩٤م)، واتفاقيات أوسلو، ١ و٢ مع منظمة التحرير الفلسطينية (١٩٩٣، ١٩٩٥م)، وأخيرًا مع موريتانيا (١٩٩٩م).  إلا أن أيً من تلك المعاهدات لم تتطرقْ، وبالتالي لم تصلْ لمستوى التطبيع، بأبعاده الرسمية وغير الرسمية (الشعبية)، وإن كان هناك مؤشراتٌ للتطبيعِ، فإنها كانت من جانبِ إسرائيل وحدها. بل أن التطبيعَ بمعناهُ غير الرسميِ (الشعبي)، سواءٌ كان اقتصاديًا أم اجتماعيًا أم ثقافيًا، كان غير موجود في تلك الدول العربية، التي عقدت اتفاقات أو معاهدات سلام مع إسرائيل، حتى أن اتفاقيات السلام تلك أُطلقَ عليها السلام (البارد)، لأنه لم يصل لمستوى "الحميميةِ" في البعدِ غير الرسمي (الشعبي والإنساني).

من هنا فكرَ الإسرائيليون، ومعهم الأمريكيون، أن تكونَ صيغةَ أي معاهداتٍ بين أي دولة عربية وإسرائيل مستقبلاً تقوم على أساسِ التطبيعِ، وليس السلام فقط، والتطبيعُ من وجهة النظر الإسرائيلية يتطلبُ إقامةَ علاقاتٍ طبيعيةٍ، في كافةِ المجالات الرسمية وغير الرسمية (الشعبية) وإنهاء حالةَ العداءِ، على الأقل من جانبها.  

 

 

إنهاء حالة العداءِ

 

إسرائيلُ لا يمكن أن تتجاهل ما يفرضه عليها موقعها الجغرافي وثقافة شعبها، بخصوص استراتيجيتها الأمنية. صعبٌ على إسرائيل أن تتخلصَ من قلقها الأمني، وتتحررَ من خلفيتها التاريخية والدينية لثقافتها التوراتية تجاهَ العرب. طبيعة الجوار الجغرافي للعربِ تظل قائمةٌ، في الذهنيةِ الإسرائيلية. وتتحكم في سلوكِ مؤسساتِ ورموزِ الدولة الإسرائيلية. بينما تمكنُ اتفاقاتُ السلامِ من وقف أو حتى إنهاء حالةَ الحربِ، إلا أنها قد لا تحققَ الأهدافَ الاستراتيجيةَ كاملة من إدارةِ إسرائيلُ لصراعِها مع العرب، بإنهاء حالة العداء، من جانبها للعرب.  

صحيح أن اتفاقات السلام مع العرب، أبعدت احتمالَ الحروبِ النظاميةِ بين العربِ وإسرائيل. وضَمِنَت تفوقًا استراتيجيًا لإسرائيل في الأسلحة التقليدية وغير التقليدية. ومكنتها من التمسك، وإن كان بتكلفة عالية جدًا، بالأمر الواقع، كما هو على الأرض وحالت، للآن دونَ قيامِ أيةِ دولةٍ فلسطينية، بأيِ شكلٍ كان.

كل ذلك يُشكلُ نجاحًا إسرائيليًا، في إداراتها للصراع، على الأقل حتى الآن. إلا أن نجاح إسرائيل، هذا، لا يمكن أخْذَه، على إطلاقِه.  اتفاقياتُ السلامِ، التي وقعتها إسرائيلُ مع ثلاثِ دولٍ عربية، بالإضافةِ إلى اتفاقاتِ أوسلو مع الفلسطينيين، لم تحُققَ نصرًا استراتيجيًا لإسرائيل، على العرب.  

اتفاقات السلام تلك لم تضمن لإسرائيل قبولاً حقيقيًا بها في المنطقة. ولم تحقق ضمانًا حقيقيًا لوجودها، ذاته... دعك من توفرِ شرعيةٍ سياسيةٍ وأخلاقيةٍ، كونها دولةً يهوديةً خالصة، كما تعتقد بأن عاصمتها القدس الموحدة. هذا العنصر الأخير الخاص بشرعيةِ الدولةِ العبرية، لا ينحصرَ في العربِ فقط... بل يحكمُ علاقةَ إسرائيل، بدولٍ كثيرة، منها دولٌ غربية، مثل: بريطانيا ودولُ الاتحاد الأوروبي. وكثيرٌ من دول آسيا، غير الإسلامية، ودولٌ عدة في أمريكا اللاتينية وأستراليا.

بل حتى مؤسسات السياسة الخارجية الأمريكية، بالرغم من موقف الرئيس ترامب وإدارته، كما تبلور في قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس والاعتراف بضم الجولان لإسرائيل، مازلت تتحفظ على فكرة الاعتراف بإسرائيل كونها دولة يهودية خالصة، تضم أراضٍ عربية محتلة. وزارة الخارجية الأمريكية، على سبيل المثال، مازالت عند موقفها التقليدي من الأراضي العربية، التي تحتلها إسرائيل، بما فيها القدس. وتتمسك بموقفها الثابت، بعدم سحب اعتراف الولايات المتحدة بإسرائيل إلى ضم الأراضي العربية التي احتلتها في حرب الأيام الستة (١٩٦٧م).. كما تعارضُ مواصلةَ إسرائيل بناءَ المستوطنات في الأراضي المحتلة... وتؤكدُ على أن هذه القضايا الحساسة يتوقف حلها عن طريق التفاوض، لا عن طريق فرض الأمر الواقع.

 

 

معادلة: السلام مقابل السلام

من هنا تطورَ عند الإسرائيليين مفهوم السلام مقابل السلام. فإسرائيل تقدمُ سلامًا، يتناسب مع رؤيتها للسلام طالما أن هناك قبول بذلك، وبواقعِ ما تفرضه بالقوةِ على الأرض. أيُ إخلالٍ لمعادلة السلام على الأرض.

بموجبِ معادلةِ السلامِ مقابلَ السلام الإسرائيلية، والتي تطورت في مواجهة المعادلة العربية: الأرض مقابل السلام، الذي مازال النظام العربي يأخذ بها، بما في ذلك الدول العربية، التي عقدت معاهدات سلام مع إسرائيل، يصبح العربُ هم، في نظرِ ساسة إسرائيل وقادتها العسكريين، هم الذين يطلبون السلام مع إسرائيل، بعد أن كانت إسرائيل هي التي تتودد للعرب لمَنْحِها الاعتراف، والسلام!

للإنصافِ: التطبيعُ هو فكرة عربية، في الأساس، وليس إسرائيليةٌ أو أمريكية، تفتق عنها الفكر السياسي واستراتيجيات إدارة الصراع مع العرب، عند الإسرائيليين وداعميهم الأمريكيين. العربُ، في بداية الألفية الجديدة، رأوا أن يقفزوا ميلاً إضافيًا، للأمامِ، لـ "إحياءِ" جهودِ السلام والتعبير للعالم، وليس للإسرائيليين والأمريكيين فقط، عن حبهم للسلام ونيتهم الصادقة في حل ما يسمى بأزمة الشرق الأوسط، حتى ولو كان الثمن ليس فقط الاعتراف مع إسرائيل، بل التطبيع معها. 

في قمةِ بيروتَ العربية ٢٠٠٢م، أطلقَ العربُ مبادرةَ السلامِ العربية، التي تقوم على مقايضة السلام مقابلَ الأرض. مضمون مبادرة السلام العربية، تلك: انسحاب إسرائيل من بقية الأراضي العربية، التي احتلتها في الأيام الستة (١٩٦٧م).. وإقامة الدولة الفلسطينية، التي احتلتها في تلك الحرب، بما فيها القدس، التي ستكون عاصمة الدولة الفلسطينية الوليدة. فور إعلان القادة العرب لمبادرتهم تلك، أعلنت إسرائيل رفضها لها مع أنه خيار صالح لإقامة السلام الدائم والعادل في الشرق الأوسط ويحقق قيام الدولة الفلسطينية مقابل الاعتراف والتطبيع مع إسرائيل.

إسرائيلُ، التي خبرت تجربة "السلام البارد" مع العرب لم تَرُقْ لها فكرةَ التطبيع، بصيغته العربية، لتطورَ نسختها الخاصة لمفهوم التطبيع، كأساس لأيِ اتفاقياتِ سلامٍ مستقبليةٍ مع الدول العربية، لمواجهة التحدي السياسي والأخلاقي، لمبادرة السلام العربية، التي تقوم أساسًا على معادلة: الأرض مقابل السلام.  لدرجة أنه لا يسُتبعد أن تُطالبَ إسرائيلُ بإجراءِ تعديلاتٍ أو إضافة ملاحقَ على اتفاقيات السلام التي وقعتها مع مصر والأردن وموريتانيا، للتغلبِ على هذا "العَوَارَ" السياسيِ والمنهجيِ والقانونيِ والاستراتيجيِ والأمنيِ، من وجهةِ نظرها، الذي لم يُلتفت له في معاهدات السلام تلك. في هذه الأثناءِ: تتمسك تل أبيب بمفهومها للتطبيع، وفق معادلتها (السلام مقابل السلام).

إسرائيلُ، بموجب مفهومها للتطبيع، تعرضُ سلامًا على العرب لا يتضمن إنهاء حالة العداء التي تتبناها تجاه العرب. فإسرائيلُ حتى في حالة عقد اتفاقيات تطبيع مع العرب، لن تتخلى عن منطلقات استراتيجية إدارة صراعها مع العرب، إلا باستمرار تفوقها العسكري، التقليدي وغير التقليدي. أو حتى الاقتراب، ولو من بعيد، إلى إمكانية تطور أي رادع عربي لهيمنة إسرائيل الإقليمية. وما اعتراضُ إسرائيلَ على ما أُشيعَ من صفقةِ طائرات الجيل الخامس الأمريكية (  F35 ) للإمارات العربية المتحدة، التي وعدت إدارة الرئيس ترامب بها أبو ظبي، وما لم يجف بعد مداد اتفاقية التطبيع بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، إنما يأتي اتساقًا مع مفهومِ التطبيع عند الإسرائيليين.

كما أن مفهومَ التطبيعِ عند الإسرائيليين، يقومُ على أساسِ، عدم الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، خاصة القدس. وعدم السماح بإقامة الدولة الفلسطينية، بأي شكلٍ كان. وأخيرًا: الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية خالصة، عاصمتها القدس الموحدة أبديًا، بكل ما يعنيه ذلك من تبعات سياسية ودينية وتاريخية وثقافية وحضارية وجغرافية وإنسانية.

 

التمثيل الدبلوماسي والتطبيع

في الأحوال الطبيعية: إقامة العلاقات الدبلوماسية يقتضي إقامةَ علاقاتٍ طبيعيةٍ. فلا يقتصرَ الاعتراف المتبادل على الاتصالات الرسمية، بل ينسحبُ على مجالات الثقافة والاقتصاد والتعليم والتكنلوجيا والصحة وقضايا البيئة وحرية التجارة وفتح الأسواق وتوحيد التعرفة الجمركية والأخذ بمبدأ الدولة الأولى بالرعاية والسماح بحرية تحرك الأفراد والسلع والخدمات ورؤوس الأموال، تعزيزًا لروابط الصداقة والتعاون وخدمة المصالح المشتركة.  في كل الأحوال: قرار إقامة علاقات دبلوماسية بين دولتين، هو في الأساس، شأنٌ سياديٌ، للطرفين، تترتب عليه التزامات. وتتبعه خدمة مصالح مشتركة لأطرافه، على أساسٍ من الندية.

إلا أنه، في أحيانٍ معينة، لا يخضع قرارَ إقامة طرفٍ دوليٍ علاقات دبلوماسية مع طرفٍ دوليٍ آخر للاعتبارات الداخلية فقط، بما فيها متغير السيادة. في استراتيجيات التحالفات الإقليمية والدولية، قد تفرض التزامات العضوية في تلك التحالفات، سواء كانت دفاعية أم تكاملية، على اعتبارات السيادة الوطنية. أحيانًا قد يترتب على عضويةِ الطرف الدوليِ في المنظمات الدولية والإقليمية، التزامات تتحكم في سلوكه الدبلوماسي. بل إنه في حالةِ اندلاعِ حربٍ، قد يضطر الطرفُ الدولي لقطع علاقته الدبلوماسية مع أطراف دولية أخرى، حتى لو كان هذا الطرف الدولي لا يشارك في الحرب، بصورة مباشرة.

في مناسبات عديدة لا تستطيع الدولة أن تتحجج بمتغير السيادة الوطنية، تحديًا لالتزامات إقليمية ودولية هي طرف فيها. الأمم المتحدة فرضت مقاطعة سياسية واقتصادية وثقافية ورياضية، على نظامي جنوبي إفريقيا وروديسيا العنصريين، ولم تحاول دولٌ كثيرة تحدي ذلك. كما أن دولاً كثيرةً في العالم، منها دولٌ غربية لم تعترف بضم إسرائيل للأراضي العربية ولا بضم القدس لإسرائيل، حتى بعد أن أعلنت إدارة الرئيس ترامب، نقل سفارتها من تل أبيب للقدس.

الدول العربية، بما فيها الدول التي أقامت علاقات مع إسرائيل، بما فيها دولتي الإمارات العربية المتحدة والبحرين، مازالت ملتزمة بمقررات قمة الخرطوم (١٩٦٧م)، ذات اللاآت الثلاث المعروفة (لا اعتراف، ولا تفاوض، ولا صلح مع إسرائيل)، طالما الدولة العبرية تحتل أراضٍ عربية. وقمة بيروت العربية (٢٠٠٢م)، الخاصة بمبادرة السلام العربية، التي ربطت التطبيع مع إسرائيل باستعادة الأراضي العربية المحتلة. وإقامة الدولة الفلسطينية. حتى اجتماع الجامعة العربية الوزاري الأخير، أكد على هذه الثوابت الأساسية للنظام الرسمي العربي. وإن لم يتطرق إلى قرار دولة الإمارات العربية المتحدة بعقد اتفاقية للتطبيع مع إسرائيل، إلا أنه أكد على ثوابت ومنطلقات النظام العربي، تجاه القضية الفلسطينية. والموقف العربي من قضية السلام مع إسرائيل.  

 

الدبلوماسية الشعبية

بالتالي: إن كان التمثيلُ الدبلوماسيُ، وكما اتفقنا هو شأن سيادي بامتياز، فإنه في الأحوال الطبيعية، يتبعه تطبيعٌ في العلاقات. كما أن الإبقاءَ على التمثيلِ الدبلوماسيِ وتطورِهِ الإيجابي، يُعَزِزُ جانبَ مجالاتِ التطبيع... والعكسُ صحيح. لذا: أيُ توترٍ في العلاقات، قد يقود إلى تعليق الاتصالات الدبلوماسية أو قطعها، سرعان ما ينعكس سلبًا على حالةِ العلاقات الطبيعية.

إلا أن عودة العلاقات الدبلوماسية، لا تعني بالضرورةِ، أن الأسبابَ، التي قادت إلى قطعها قد تم حلها جميعها. لذا تعكسُ وتيرةُ حركة العودة للحالة الطبيعية، مدى التقدم في العلاقات الدبلوماسية وتطورها. فالتطبيع هو غاية أي تمثيل دبلوماسي بين طرفين دوليين. وما شكليات التبادل الدبلوماسي وحركة مؤسساته ورموزه، إلا واجهة "بروتوكولية" لمستوى حالة العلاقات الحقيقية بين أي طرفين دوليين. 

لكن مفهوم التطبيع، نفسه، ليس بالضرورة أن يعكس إرادة سياسية مشتركة. يظل مفهوم التطبيع ومستواه والالتزام به والعمل بروحه، يخضع لاعتباراتٍ أبعدُ وأكثرُ عمقًا من الاتصالات الرسمية، ليشملَ ما يُطلق عليه "الدبلوماسية الشعبية".

 

 

الخاتمة

باختصار: التطبيعُ هو محور الاتصالات العربية ـــ الإسرائيلية القادمة، وليس مجرد التوصل لاتفاقات سلام. لكن أيُ تطبيعِ نتحدثُ عنه هنا. هل هو ذلك التطبيع، التي تطالب به إسرائيل. أم تُراهُ ذلك، الذي يدعو إليه العربُ... أو ربما مزيجٌ من هذا وذاك.  

مقالات لنفس الكاتب