; logged out
الرئيسية / دول الخليج تسعى للشراكة في ترتيبات مستقبل ليبيا لمساندة الشعب الليبي

العدد 154

دول الخليج تسعى للشراكة في ترتيبات مستقبل ليبيا لمساندة الشعب الليبي

الإثنين، 28 أيلول/سبتمبر 2020

حين كتبت ماهي الأزمة الليبية؟ ردت أداة البحث: هو عارض حاد مهدِّد للحياة جراء احتباس الدم نتيجة انسداد أحد الشرايين مما يؤدي إلى ضررٍ أو موتٍ كاملٍ؛ ولوتمت ترقية مصطلح " الأزمة القلبية "-التي وقعت فيها بالخطأ -من معناه اللغوي لتصبح مصطلحًا سياسيًا لاحتوت الأزمة الليبية بيسر فقد بدأت الأعراض عقب الثورة سنة 2011م، وبعد سقوط الطاغية القذافي بين أربع منظمات متناحرة تسعى للسيطرة على ليبيا، وهي مسلحة وخارج سيطرة الحكومة. ثم بدأ المشهد بالوضوح جراء تساقط العديد من الطامعين في الوصول للقلب (طرابلس) وانحصر في شريانين هما الشريان التاجي الأيسر، والشريان التاجي الأيمن، وكلاهما يعاني الانسداد، وتقاذف المسؤولية التي منعت الدم من الوصول للقلب، حيث أن الصراع اشتعل بين حكومتي فايز السراج ومقرها العاصمة طرابلس المعترف بها دوليًا. أما الحكومة الأخرى فمقرها طبرق وتحظى بدعم الجنرال خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي. ومن أبرز فصول   الأزمة الليبية الاتفاق على مسودة اتفاق برعاية الأمم المتحدة لكنه بقي دون تنفيذ. حيث أن شريان السراج وشريان حفتر فيهما الكثير من الخثر الخطر، ففي كل شريان قاعدة انِطلاقٍ للهِجرة غير الشرعيّة نحو أُوروبا، وسلاح منفلت، وجماعات إرهابية، ومرتزقة، وتدخلات إقليمية ودولية، وإحداث فوضى فى نظام ليبيا السياسي، وانقسام يصعب رأب الصدع فيه أو التئامه كي يتم إعادة تدفق الدم لا بمضادات التخثر، ولا بنفخ بالون البالون، مُتيحًا للدم الانسياب.

 

التدخل الخارجي سبب تجدُّد الصراع

 

حال تعرض ليبيا للأزمة بعد الإطاحة بالطاغية القذافي تشكلت وحدة عناية ليس لمراقبة حالة المريض عن كثب تحسبًا لمختلف التطورات، وتقديم إجراءات الوقاية المتمثلة بإزالة العوامل التي قد تجرّ المزيد من النوبات، بل لاقتناص الفرصة لتنفيذ اجنداتها في الجسد المريض، لذا لم نشاهد تدخل بناء لمصلحة الشعب الليبي ووحدة تراب أرضه، بل عبرت عن ذلك بالسيل الجارف من بيانات الشجب والدعوة إلى التهدئة والحوار، والتي لا تعكس الرغبة الحقيقة المطلوبة منهم لمآلات الأحداث. ولم تكن دول الخليج-كما يشاع-هي الوحيدة المسببة لعدم استقرار الجسم الليبي وإنما الدول الأجنبية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والشركاء الأوروبيين وتركيا ثم دخلت روسيا المعترك أيضًا بمرتزقتها عبر شكرة "واغنر" كما يضاف لذلك استمرار الأعمال الحربية والتعقيد في السياسيات بين الدول والتصادم في المصالح للدرجة التي يمكن القول معها بفشل المساومات كالوضع في سوريا والعراق واليمن. لقد كان لدخول القوى الخارجية إقليمية ودولية دور كبير، فهم يديرون المشهد بناء على مصالحهم ويؤثرون فيه، وصارت الأزمة الليبية انعكاسًا للخلاف الروسي التركي والتركي الفرنسي والتقرب الأمريكي المتقلب الحذر، وبين الإمارات والسعودية ومصر من جانب، وتركيا وقطر من جانب آخر. ولهذا تسعى تلك الدول للتأثير على سير الأحداث وفرض نفوذها في ليبيا. حتى إن صحيفة "الغارديان" البريطانية اعتبرت أن الدعم الذي حصل عليه الجنرال خليفة حفتر، والسراج هو سبب تجدُّد الصراع فالمؤثر الخارجي هو من جعل الحمى تركب الجسد الليبي؛ وسيستمر؛ فالدول حين عدم قدرتها على الوصول إلى تموضع استراتيجي صحيح، تلجأ للتدخل في شؤون الآخرين.وسيستمر رغم وضوح هذه الحقيقة في العلاقات الدولية، عبر تصريحات الإعراب عن القلق من تطوّرات الأوضاع في ليبيا كقاسِم مُشترك لجميع البيانات والتّصريحات التي تصدُر عن الجهاتٍ الإقليمية والدوليّةٍ.

 

الخليج في المد العسكري والجزر السياسي بليبيا

 

وقبل التطرق بشكل تفصيلي إلى طبيعة وأبعاد الدور الخليجي، سنقوم بالرجوع بعقارب الزمن قليلاً إلى الوراء ففي زمن القذافي لم يكن هناك حديث في ليبيا إلا الثورة؛ حيث لم يسمح بمؤسسات مجتمع مدني، ولا هياكل سياسية أو اجتماعية، حتى إنه مزّق تقارب القبائل في مجتمع ليبيا القبلي، وعندما هوى النظام هوت الحياة المدنية متشظية، فلم يكن هناك هياكل ينضوي تحتها الشعب إلا الميليشيات التي ظهرت كالفطر فجأة.في ذلك العهد، لم يكن الخليجيون والليبيون في المعسكر نفسه، فقد كان العقيد الثوري يرى أنه هو التقدمي ونحن الرجعيون، وكان مرتبطًا بالمعسكر الشرقي وكنا نحن مرتبطين بالغرب. فرغم نجاح مساعي السعودية، لإنهاء الحصار تعليق العقوبات ثم رفعها نهائيًا والذي فرض على الشعب الليبي بسبب تفجير طائرة بان آم Pan Am Flight 103 الأمريكية فوق مدينة لوكيربي "Lockerbie " الاسكتلندية 1988م، والتي توجت بالنجاح إلا أن هفوات الطاغية "القذافي" لم تتوقف فقد أيد احتلال العراق للكويت 1990م؛ ثم مع السعودية بمشادة كلامية في مؤتمر هنا ومؤتمر هناك تبعتها أزمات أخرى كاتهامه الرياض أن النهج السلفي للسعودية هو سبب خروج الأصولية المتطرفة مثل"القاعدة" وبعد ذلك اتهام ليبيا بالتورط في مؤامرة لاغتيال الأمير "عبد الله بن عبد العزيز" ، وتوج بقرار المملكة طرد السفير الليبي ديسمبر 2004م.

 

وبالنهج نفسه يبدو كأن القذافي قد أورث عقليته للكثيرين في ليبيا الآن حيث تتم عملية شيطنة دول الخليج؛ ونوصف بكل الموبقات في قاموس طرفي الأزمة بحكم وجودنا نحن الخليجيين على طرفي الأزمة. رغم أن محركات الخليجيين في الأزمة الليبية مبررة لعدة دوافع:

 

1-الدافع الإنساني، وهو الدافع الرئيسي المحرك لدول الخليج لوقف قتل الناس من نساء واطفال وكهول ومدنيين، وتدمير البنى التحتية في المدن والقرى، وحرمان السكان من مقومات الحياة، والقيام بإجراءات دولية تستهدف رفع المعاناة عن الليبيين، لقد دعت دول الخليج، لوقف العمليات العسكرية في ليبيا؛ داعية الأطراف المتنازعة في هذا البلد إلى اغتنام الفرصة للتوصل إلى حل سلمي للأزمة القائمة. ودعمت إعلان القاهرة للوصول لحل للازمة الليبية ورفع المعاناة عن الشعب الليبي.كما لم يخل البيان الختامي في القمم الخليجية بين قادة الخليج عن دعوة صريحة لرفع المعاناة عن الشعب الليبي وانتهاج الحل السلمي وخروج الأجانب.

 

2-الدافع السياسي، أدى سقوط الأنظمة الهَرِمَةُ لنهوض الخليج، فقد قويت شوكة دول الخليج حتى أصبح مشهد الصراع الليبي ومثله استقرار اليمن وسوريا، والتحركات التركية والمناورات الإيرانية في العراق ولبنان أمرًا خليجيًا مهم سماعه، وليس مرد ذلك كما يرى البعض ثروات مادية تتمتع بها دول الخليج سهلت لبعضها لعب دور إقليمي، حيث يمكن الرد بأن الوفرة المالية في دول الخليج ليست أمرًا طارئًا فقد مر أكثر من نصف قرن على هذه الثورة ولم تكن بعض دول الخليج تتدخل أما الآن فقد تغير الوضع، ومرد ذلك:

 

-هناك رغبة دول الخليج للعب دور أساسي مؤثر على المستوى الإقليمي، والحصول على مكانة سياسية بدل الهامشية التي عاشتها سواء إبان العزلة البريطانية المريحة خلال الحماية أو في ظلال توازنات الحرب الباردة. وهو أمر ممكن ويمكن أن تتشكل طموحات "قوة عظمى" للخليجيين في الموانئ والطاقة خصوصًا في ليبيا.

 - رغبة دول التعاون الخليجي في تجنب تكرار النموذج العراقي والسوري في ليبيا، فانفراد تركيا وروسيا وفرنسا لغياب أي دور عربي أو خليجي في تلك الأزمة هو ما أوصلهم إلى ما يعانيه الشعب العربي في تلك الدول من أزمات سياسية واقتصادية.

 -دول الخليج، تريد أن تكون شريكًا أساسيًا في ترتيبات قيام نظام يوحد ليبيا يحقق طموح الشعب الليبي، فهم عرب، والخليج العربي هو معقل عروبة القرن 21 حيث تكتل العرب السنة بإمكانيات اقتصادية ضخمة ومسلحين بذراع عسكري لايستهان به.

 

3 -الدافع الاقتصادي؛ يمكن فهم الكثير من تاريخ القرن العشرين من خلال سعي الدول للحصول على النفط والغاز، والسؤال الذي يشغل بال صناع القرار السياسي هو ماذا يحدث لميزان القوى السياسية العالمي عندما تتوقف الكثير من الدول عن الحاجة لشراء الكثير من النفط والغاز؟ أو توقف في مكان ما ، أو سيطرت عليه قوة متحدية سياسيًا أو اقتصاديًا؟ هذا هو السؤال حيث تخشى دول الخليج من خضوع النفط الليبي للسيطرة الغربية، والتحكم في إنتاج النفط الليبي وفرض الأسعار في أسواق النفط الدولية.  فلجميع الأطراف عين واحدة تنظر بها للنفط الليبي فقد حذرت مجموعة الدول السبع الكبرى الفصائل المتحاربة في ليبيا من استغلال المنشآت النفطية. وقال بيان المجموعة "نذكر بأن منشآت وإنتاج وإيرادات النفط في ليبيا مملوكة للشعب الليبي، وينبغي ألا يستغلها أي طرف لتحقيق مكاسب سياسية".

 

ليبيا في سياق الأزمة الخليجية

 

 لابد من القول إن التقرب الخليجي -في تقديرنا يفتقد تجاه ما يجري في ليبيا إلى الاستجابة المرنة، ويمكننا تفهّم اختلاف المواقف الخليجية حيال تعاطي الأزمة بين مؤيد لأحد الطرفين إلى محايد إيجابي، إلى محايد سلبي، وهو اختلاف تتجاوز محركاته بساطة الصواب والخطأ والقانوني والشرعي، بحكم أن أغلب المواقف في العلاقات الدولية في جلّها مصلحية. وقد ظهرت المعضلة الليبية في سياق الأزمة الخليجية كشظية حادة فالمنطقة الممتدة من الخليج إلى المحيط مجال استراتيجي واحد، وحجم تداخل المصالح بين الدول العربية والخليجية مجال صراع جراء محاولة دول الخليج الامتداد في فراغ الأزمات. لذا لم تكن ليبيا بمنأى عن أزمة الخليج التي اعتبرت فاعلاً رئيسيًا في الحراك السياسي الليبي حيث اتخذ قطبيها موقفين متناقضين حيال الأزمة، فحكومة شرق ليبيا “الحكومة المؤقتة” يدعمها “الجيش الوطني الليبي” بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر المناهض للإسلاميين، والمدعومة من مصر والإمارات والسعودية أعلنت مقاطعتها لقطر. والمقلق أن المواقف المختلفة في ليبيا تنعكس على الأزمة الخليجية وتزيد تعقيدها؛ مما يوجب إعادة النظرة الخليجية الشاملة والتخلي عن تحقيق المكاسب قصيرة الأمد والتي لا تصمد لبناء هدف استراتيجي خليجي. بل إن دول المنطقة قد تكون فوتت وجود الكويت بصفتها عضوًا غير دائم في مجلس الأمن حاليًا للعب دور المحرّك لحل الأزمة الليبية في الأمم المتحدة، بدلاً من تركها في يد القوى الأجنبية؛ فقد وفّقت دول صغيرة في استصدار قرارات حاسمة؛ لأنها نجحت في توظيف الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي لبلوغ ما تريد.

 

الدعم الخليجي لطرفي الأزمة

 

يتلقى المشير حفتر دعمًا خليجيًا من المملكة العربيّة السعوديّة والإمارات بالإضافة إلى مِصر، فالدول العربية الثلاث التي تدعم حفتر قد نقلت-كما يعتقد البعض-معركتها مع الإسلام السياسي إلى ليبيا وتريد مواجهة الإخوان المسلمين. كما أظهرت مجريات معارك طرابلس بين قوات المشير حفتر من ناحية، وقوات رئيس الحكومة المؤقتة بقيادة الرئيس فائز السراج إلى انعكاس الأزَمَة الخليجيّة على الأراضي الليبيّة. ولم يتوقف الدعم العسكري العربي لقوّات الجيش الوطني الليبي طِوال السّنوات الماضية، واشتمل على دبّابات وعربات مُدرّعة، ومُعدّات عسكريّة مُتقدّمة، بينها طائرات حربيّة، علاوةً على عشرات المِليارات من الدّولارات. كما أنشأت قاعدة عسكرية في مطار الخادم على بعد نحو 100 كلم من مدينة بنغازي في 2016م، تنطلق منها طائرات هجومية من طراز 802-AT وأخرى بدون طيار لدعم قوات عملية الكرامة التي يقودها حفتر.

        لكن تجاوز مأساة تغلغل العيب في معاييرنا العسكرية يتطلب الحذو حذو الكثير من الدول حيث شكّل الاعتماد المتزايد على الجماعات العسكرية الخاصة كأداةٍ للسياسة الخارجية سمةً مميّزة لاستراتيجية القرن 21.  ورغم أن لها مشاكل فسلوكها لا يلائم التعاريف العسكرية النموذجية، فتتداخل أنشطتها بين المقاولين والمرتزقة وكما تفعل القوى الغربية؛ وليس تخليًا عن معاييرنا الأخلاقية العسكرية الخليجية أو الدولية، حين ننفذ طلعة جوية بمسيرة «Drone» بدل طيار شجاع لا يهاب الموت، ولأننا أصلاً نتعامل مع منتدبين للصيانة والتدريب ولم نره عيبًا، فالعيب هو عدم ترقية جاهزيتنا بأساليب غير تقليدية، حين تكون أذرع التحديات الإقليمية جيوشًا موازية وجماعات إرهابية وشركات أمنية خاصة!

 

تركيا والأزمة الليبية

 

 رغم أن مجلس الأمن يمدد كل عام حظر السلاح على ليبيا، حيث أن القرار يسمح لدول الاتحاد الأوروبي بتفتيش السفن في أعالي البحار قبالة سواحل ليبيا، عندما يكون لديها "أسباب معقولة" للاعتقاد بأنها تنتهك الحظر، إلا أن أمر تركيا وسلاحها في ليبيا لايحتاج إلى اتهام، فتركيا أعلنت بشكلٍ مباشرٍ من خلال الرئيس التركي أردوغان عن دعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، ويشمل ذلك الدعم العسكري، فحصلت القوات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق على شحناتٍ كبيرةٍ من الأسلحة والذخائر من تركيا. وهناك جهود تركية ترمي إلى أن تكون قاعدة الوطية الجوية متاحة لهم مع تحصين القاعدة بالطائرات المسيرة والأنظمة الجوية، كما ستتخذ خطوات مماثلة في ميناء مصراتة لتبني فيه قاعدة بحرية. وقد بدأ الدعم العسكري التركي يأخذ طابعًا علنيًا، بعد أن كان محدودًا في بداية المعارك، حيث أُرسلت عربات عسكرية إلى حكومة الوفاق الوطني ثم أعلن أردوغان بأنّ بلاده توفّر أسلحة لحكومة الوفاق بموجب "اتفاق تعاون عسكري"، ولم يحدّد طبيعته فهو يرى أنّ دعم أنقرة العسكري سمح لطرابلس بـ "استعادة التوازن" في ليبيا، في مواجهة قوات حفتر المدعومة من الإمارات ومصر 

 يدفع أنقرة لذلك أنها تلهث بسرعة نحو تعمق قواعدها في المشهد الليبي لأن أردوغان  يرى أنقرة كقوة إقليمية فاعلة  لها حق الفعل ليتحرك الجميع بالفعل ،فهذا هو مفهوم الدولة الإقليمية المحورية وتأثيرها في الأحداث والأزمات، فالمسرح الليبي خير مكان لتجربة هذا المفهوم بين الحلفاء الدوليين لكافة الأطراف ، سواء  حلفاء حكومة الوفاق خصوصًا تركيا وقطر من جانب، وحلفاء الجيش الوطني والمشير حفتر مصر والسعودية والإمارات وربما فرنسا والولايات المتحدة من جانب آخر التي تحدّث رئيسها دونالد ترامب بشكل مباشر مع المشير حفتر.

 

تعتقد تركيا أنها حققت نصرًا استراتيجيًا بوصولها إلى ليبيا، وأصبحت موجودة في العراق وسوريا وليبيا والصومال واليمن.  مما يستدعي هذا التدخل السافر وقفة عربية ضد هذا. لكن دول الخليج لم تقف مكتوفة الأيدي فوجود تركيا في ليبيا سيغير شكل المنطقة بالكامل في الاتجاه الاستراتيجي الغربي وبالنسبة لمصر هو تهديد لأمنها القومي، لأنه على الحدود مباشرة. أما على مستوى العالم العربي، فسوف يؤثر على المنطقة بالكامل، لأن هذا الوجود التركي سيغير موازين القوة في المنطقة العربية والشرق الأوسط. كما أن الأوضاع هناك دخلت مرحلة خطرة، فبسبب وصول المرتزقة والإرهابيين يكون الأتراك قد امتلكوا قاعدة عمادها المرتزقة تستطيع نقل عملياتها للخليج كما أن تركيا منافس اقتصادي للخليجيين حيث تستعد لجني ثمار تحركها الاستراتيجي في ليبيا؛ لأن دعمها لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس، يضعها على رأس القائمة لتقديم عطاءات لعقود بمليارات الدولارات. فثمن صد الهجوم الكبير الذي استمر 14 شهرًا، من قبل قوات شرق ليبيا "الجيش الوطني الليبي" بقيادة خليفة حفتر، مسجل في دفاتر الأتراك كسلف ثمنه عقود البناء والطاقة وقطاع المصارف. حيث يرى رجال الأعمال الأتراك إنهم يتطلعون للعب دور رئيسي في إعادة بناء الدولة الغنية بالنفط. وقد عبّرت عن رفضها القاطع للدور العسكري التركي في ليبيا، والذي يعرقل فرص وقف إطلاق النار، ويجهض جهود المجتمع الدولي للتوصل إلى حل سياسي شامل. ويبدو أن التحرك الخليجي ليس عسكريًا حتى الآن فقد اتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الاثنين، “بؤر عداء مصدرها الخليج” بمعاداة بلاده، وأشار إلى أن “أطراف لجأت إلى محاولات لضرب الاقتصاد التركي بعد أن شعرت بالعجز أمام تقدمها تركيا في ليبيا وسوريا”.

 

إن انتقال المشهد السوري لليبيا وارد، فالأطراف المشاركة في ليبيا كان أغلبها في سوريا ولا يمكن تجاوز حقيقة أن ليبيا تشبه دول الخليج في أوجه كثيرة؛ ليس فقط بنفطها وصحرائها ونظامها القبلي، بل وأطماع الغرب وطموح دول الجوار في خيراتها؛ لذا قد تكون قفزات العنف القادمة من ليبيا في أطراف الثوب الخليجي. إن المرونة الغائبة هي أن تنخرط الدول الخليجية في الأزمات متجاوزة حقيقة موقع «الدول الصغيرة» في النظام الدولي؛ حيث إن جُلّ اهتمامها يجب أن ينصبّ على درء المخاوف الأمنية. فتبعات التمرد الخليجي على كونها دولاً صغيرة يجعلها ضحية الدول الكبرى التي اعتادت تحديد الأدوار والسياسات بإشعال حريق ودفع الدول الصغيرة لتكون وقوده حتى يتحقق الهدف، فتخمد الدول الكبرى الحريق برماد الدول الصغيرة. لقد وحّد عمر المختار قبائل ليبيا كلها، فيما عاش القذافي مستثمرًا خلافاتها؛ وهو السيناريو نفسه الذي تكرّره القوى الأجنبية الآن في خلق، ما يقسّم الليبيين عبر زعامات ليبية، مما يوجب على الخليجيين أن يمثّلوا دور عمر المختار لتوحيد الليبيين بمبادرة خليجية؛ لذا نستبشر خيرًا في تحرك سعودي لبلورة استراتيجية عربية موحدة تجاه الحل السياسي في ليبيا، وتذويب الخلافات التفصيلية بين دول الجوار الليبي. حيث أرسلت السعودية وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان إلى كل من مصر والجزائر وتونس، في خطوة تنطوي على رغبة في تسريع التفاهم العربي بشأن آليات التحرك لمواجهة التمدد التركي في ليبيا والمتوسط عمومًا.

مقالات لنفس الكاتب