; logged out
الرئيسية / اتحاد الإفريقي وليبيا: الإرادة والتحديات و 4 تحديات تعترضه لتحقيق المصالحة الليبية

العدد 154

اتحاد الإفريقي وليبيا: الإرادة والتحديات و 4 تحديات تعترضه لتحقيق المصالحة الليبية

الإثنين، 28 أيلول/سبتمبر 2020

إيجابية التحول: أعطى تشكيل منظمة الوحدة الإفريقية (OAU) في 25 مايو 1963م، الأمل في أن تتحد البلدان الإفريقية في القضاء على الاستعمار، وكذلك تسهيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية. علاوة على ذلك، فإن إنشاء آلية منع النزاعات وإدارتها وحلها في عام 1993م، كفل وجود هيكل مؤسسي لصون السلام والأمن في القارة. ومع ذلك، فشلت منظمة الوحدة الإفريقية إلى حد كبير في معالجة التحديات، التي واجهتها القارة، مما أدى إلى دعوات لتحويل منظمة الوحدة الإفريقية إلى الاتحاد الإفريقي. وهكذا قوبل إنشاء الاتحاد الإفريقي في 9 يوليو 2002م، بمستويات عالية من التفاؤل والنشوة، وتوقع أن الهيئة القارية ستعالج الآن بشكل كامل المشاكل في القارة. وكان من التطورات المهمة تشكيل مجلس السلم والأمن (PSC)، في 25 مايو 2004م، باعتباره مكونًا رئيسيًا للهيكل، الذي عُقِدَ عليه الأمل في أن يتحقق السلام والأمن في إفريقيا، إذ قدم هذا التطور فرصة لمزيد من إضفاء الطابع المؤسسي على المثل العليا لعموم القارة، على أمل أن تتمكن من تحقيق وحدة أوثق. ومع ذلك، لا يزال هذا المجلس يواجه، في الوقت الحالي، تحديات عديدة، بعضها متأصل في الهيكل التنظيمي للهيئة القارية، بينما تأتي بعضها من الخارج. ويعزو البعض هذه التحديات للافتقار إلى وحدة الهدف، وكذلك الإرادة السياسية بين الدول الأعضاء للتعامل مع الصراعات، التي تعصف بالقارة الإفريقية، كما يتضح من التطورات خلال الأزمة الليبية.

لقد كان من المأمول، عندما بدأت الأزمة في ليبيا، أن يكون الاتحاد الإفريقي هو من يتعامل معها بموجب مفهومه الجديد، الذي طوره حديثًا، القائل بوجوب "الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية". وقد اتخذ الاتحاد بالفعل تدابير كثيرة، لكن عدها البعض فاترة في رد فعلها، خاصة أن أعضاؤها لم يتحدثوا، في البداية، بصوت واحد عن كيفية حل الأزمة الليبية. وحاولت جهات عالمية عدة إظهار الاتحاد الإفريقي أنه بخلاف الكلام، لا يملك القدرة على الاستجابة بفعالية للأزمات، التي تواجه قارة إفريقيا. وحتى معمر القذافي، الداعم الأول لفكرة الاتحاد، تجاهل الدعوة الإفريقية لإنهاء الأزمة سلميًا، مما أدى في النهاية إلى تجاوز الاتحاد من قبل القوى الغربية، التي اختارت الحل من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. كما أن الأحداث في بلدان؛ مثل، انهيار الدولة في الصومال، والإبادة الجماعية في رواندا، في التسعينيات من القرن الماضي، كانت من بين العوامل، التي دفعت القادة الأفارقة إلى التفكير في كيفية اتباع نهج عملي مختلف تجاه الأزمة الليبية.

أقلمة الحلول:

تعتبر الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية أحد الإنجازات الرائعة لتحول منظمة الوحدة الإفريقية إلى الاتحاد الإفريقي. وساعد هذا النهج، من خلال جهاز وآليات الاتحاد، على الاستقرار والحفاظ على بيئة سلمية ومستقرة تضمن سلامة أرواح وممتلكات جميع الأشخاص، الذين يعيشون في القارة الإفريقية. وقد جرى تحقيق ذلك من خلال القوة الاحتياطية المصممة لكل منطقة من مناطق القارة الخمس؛ مدفوعة بالقوى الفاعلة بين تلك الدول؛ مثل، نيجيريا في غرب إفريقيا، وجمهورية جنوب إفريقيا في جنوب القارة. وبالتالي، فإن هذه الآلية هي نهج نوعي من خلال استخدامات إمكانيات دول القارة الكبرى لزيادة مدى كفاءة وفعالية الاتحاد الإفريقي نحو تحقيق أهداف نهج الحلول الإفريقية لمشاكل وأزمات القارة. وبالمثل، فإن العائق المحتمل، الذي يؤثر على المنظمة في سياق تحقيق أهدافها هذه، كان هو نوع العلاج، الذي يُقترح عادة من خارج القارة، بما في ذلك "وَصْفَات" الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

ففي خلال قمة الاتحاد الإفريقي، في يوليو 2012م، في أديس أبابا، صرح جان بينغ، الرئيس السابق لمفوضية الاتحاد الإفريقي، أن "حلول المشكلات الإفريقية موجودة في القارة وليس في أي مكان آخر". ومما لا شك فيه أن تشكيل الاتحاد الإفريقي؛ ليحل محل منظمة الوحدة الإفريقية السابقة، كان يهدف، على وجه التحديد، إلى تعزيز القناعات والآليات نحو تحقيق الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية. وقد نُظِرَ إلى الأمر بأنه يثير قضية حاسمة تَحِدُّ من التدخل المباشر للقوى المهيمنة، التي تميل إلى إبعاد الأصوات الإفريقية من صنع القرار الرئيس حول القارة، مما أدى كثيرًا إلى انتقاد الاتحاد لعدم قدرته على حل التحديات الماثلة. رغم أن إحجام المؤسسات العالمية، والجهات الفاعلة الغربية، عن تقديم الدعم للتدخلات في القارة، ظل يُوصف كسببٍ رئيسي لمطالب الهيئات الإقليمية الإفريقية لاستكشاف الحلول المحلية لهذه التحديات، واعتماد الاتحاد الإفريقي؛ ممثلاً في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، ودول "سادك" في الجنوب الإفريقي، نهج مراجعة إصلاحي لجعل قواتهم نشطة وفاعلة في التدخل لإدارة مشاكل القارة.

ليبيا كحالة اختبار:

على الرغم من أن الاتحاد الإفريقي تعرض لانتقادات حادة، بداية عام 2011م، لأنه لم يكن سباقًا بما يكفي لحل الأزمة الليبية، إذ أن تدخل منظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" جعل الأفارقة مجرد متفرجين. إلا أن الحجة كانت ترتبط بشكل الفوضى وفشل الدولة، اللذان كانا، وما يزالان، يهددان استقرار ليبيا، وإلى حد كبير كذلك، استقرار المناطق المجاورة لها، مما استوجب الحل العسكري المفاجئ، الذي طُبِّقَ لحماية الانتفاضة ضد شراسة نظام معمر القذافي. فقد أدى إلى تردد الاتحاد الإفريقي في التدخل لإيجاد حل للأزمة الليبية إلى خلق مجال لكل من الأمم المتحدة وحلف "الناتو" لإيلاء المزيد من الاهتمام لموقف جامعة الدول العربية، والمنظمات الأخرى. إذ إن تردد الاتحاد الإفريقي، على الرغم من التزامه المعلن بفكرة الحلول الإفريقية، اتسم باللامبالاة، فلم يتدخل، ولم يهدد بالتدخل، ولم يفرض أي شكل من أشكال العقوبات على ليبيا، مهما كانت رمزية، طوال فترة تسعة أشهر من الصراع الليبي. في واقع الأمر، كان الاتحاد الإفريقي منقسمًا بشدة بين بعض الدول، التي تعترف بالثائرين على النظام، أو تجلس على الحياد.

وكان عدم الاتساق أكثر وضوحًا في استجابة الاتحاد الإفريقي لقرار الأمم المتحدة رقم 1973م، الذي منح الموافقة على منطقة حظر طيران، عندما "صوت ثلاثة أعضاء أفارقة غير دائمين في مجلس الأمن الدولي؛ الجابون، ونيجيريا، وجنوب إفريقيا، لصالح القرار، وجرى تشكيل ثلاثة مواقف رئيسة من قبل الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي؛ إذ قبلت مجموعة واحدة بقيادة أوغندا وجنوب إفريقيا وكينيا القرار 1973، لكنها زعمت أن تصرفات "الناتو" تجاوزت حدود القرار؛ وكانت مجموعة أخرى، تقف خلفها رواندا، تدعم بالكامل التدخل العسكري؛ بينما عارضت المجموعة الثالثة، برئاسة زيمبابوي والجزائر، التدخل باعتباره خدعة من الدول الغربية لإزاحة القذافي من السلطة وتغيير النظام. وردًا على تردد وتناقض الاتحاد الإفريقي، اتخذت الأمم المتحدة قرارًا أحاديًا بأن ليبيا دولة عربية، وليست إفريقية، واتجهت إلى الجامعة العربية، وكأن "الاتحاد الإفريقي ليس له سلطة على شمال إفريقيا". الأمر الذي أثبت أن عبارة "حلول إفريقية للمشاكل الإفريقية" لا تستند إلى أي فكرة عن تكتل عنصري، بل على أخلاق تحررية. ورغم أن هذه العبارة مرتبطة بالاتحاد الإفريقي، وتُستخدم على نطاق واسع؛ إلا أنها لا تهدف إلى عزل أجزاء إفريقيا عن بعضها، ولا عزل إفريقيا عن المجتمع الدولي، وإنما هي محاولة لتشجيع الشراكات الإفريقية، الداخلية والخارجية، في نهج ديناميكي لإيجاد حلول لمشاكل القارة.

وللدفاع عن موقف الأفارقة من الأزمة الليبية، قال السيد جان بينغ، رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي وقتئذ، إن قضية تدخل الاتحاد في ليبيا هي مثال كلاسيكي على كيفية عدم الإبلاغ عن الجهود الإفريقية لحل تحديات القارة، أو تحريفها لتناسب أجندة معادية. ولطالما عانت القضايا الإفريقية إما من نقص الظهور في وسائل الإعلام الرئيسة، والتهميش والتحريف، أو من الإسكات الصريح. وذكر بأن مفوضية الاتحاد الإفريقي شعرت بالحيرة من التقارير الخاطئة، التي تفيد بأن تحركات الاتحاد الإفريقي في ليبيا كانت مدفوعة بالرغبة في حماية نظام العقيد معمر القذافي، وأن الاتحاد، عقب سقوطه، كان يؤخر الاعتراف بالسلطات الليبية الجديدة من أجل فرض ضم أنصار الزعيم الليبي السابق في الحكومة الجديدة. ورفض بشدة صحة هذه الإدعاءات، قائلاً إنه "لا يوجد شيء أبعد عن الحقيقة من هذه التأكيدات. إنها تتعارض مع القرارات، التي اتخذتها أجهزة الاتحاد الإفريقي ذات الصلة بشأن المسألة الليبية، كما تتعارض مع إجراءات المتابعة، التي اتخذتها المفوضية." معلنًا، في ظل هذه الخلفية، أنه قرر، نيابة عن المفوضية، أن يتناول علنًا القضية الرئيسة المتعلقة بتدخل الاتحاد الإفريقي في ليبيا.

رصد البدايات:      

إنصافًا للاتحاد الإفريقي، لا بد من النظر في سجله الخاص؛ خاصة مع بداية الأزمة، ولا شك أن حديث قادته في ذلك الوقت جاء في سياق رد فعلهم العام على ما أصبح يعرف الآن باسم "الربيع العربي"، وكان من المهم بالنسبة لهم أن يبدأوا بوضع جهود الاتحاد الإفريقي أمام الرأي العام. ففي حين أن الاتحاد الإفريقي، مثل اللاعبين الدوليين الآخرين، لم يتوقع هذه التطورات، إلا أن تحركه، حسب وصف السيد جان بينغ، "كان رد فعل خلاق"، إذ أظهر الاتحاد الإفريقي المرونة اللازمة باستجابته، ليس على تفسير دوغمائي للنصوص الحالية، بل على الحاجة إلى المساهمة في تحقيق هدف الاتحاد الإفريقي الشامل المتمثل في تعزيز الديمقراطية في القارة، وتمثل ذلك بترحيب القادة الأفارقة بالتطورات في تونس ومصر. ولكن، ولعدد من الأسباب، اتبعت الثورة في ليبيا مسارًا مختلفًا، فكان أي على حل للأزمة أن يستند إلى تحقيق التطلعات المشروعة للشعب الليبي. ومن هذا المنطلق، سعى الاتحاد الإفريقي إلى تأمين إجماع ليبي على إنشاء مؤسسات انتقالية شاملة من شأنها إدارة البلاد حتى يحين موعد إجراء الانتخابات. وكان هذا يعني بوضوح وجوب تخلي العقيد القذافي عن السلطة لتلك المؤسسات الجديدة. وكما قال بينغ "كان هدفنا النهائي هو تجنب الحرب"، لأن الاتحاد الإفريقي كمنظمة إقليمية، تمتشق سلاح الدبلوماسية بشكل رئيس، وتعتبر أن استخدام القوة هو دائمًا "الملاذ الأخير عندما يتم استنفاد جميع الخيارات الأخرى".

وحسب الوثائق المتاحة، فقد سعى الاتحاد الإفريقي، منذ البداية، على بناء توافق حول عناصر الحل الشامل للأزمة الليبية، واستند في عمله على الحاجة إلى المساهمة في تحقيق الأهداف العامة، التي يسعى إليها الاتحاد. فيما أعرب مجلس السلم والأمن (PSC) في وقت مبكر، أي يوم 23 فبراير 2011م، عن قلقه العميق إزاء التطورات في ليبيا، وأدان بشدة الاستخدام العشوائي والمفرط للقوة ضد المتظاهرين السلميين. كما أكد على شرعية تطلعات الشعب الليبي. تم تبني أول قرار لمجلس الأمن الدولي بهذا الشأن، والذي أحال الوضع في ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية، وفرض عقوبات على الأفراد والكيانات الليبية، بعد ثلاثة أيام. وفي اجتماعه رقم 265، الذي عُقِدَ، في 10 مارس 2011م، على مستوى رؤساء الدول والحكومات، وافق مجلس السلم والأمن على خارطة طريق لحل الأزمة الليبية، تمحورت حول العناصر التالية: أولاً، الوقف الفوري لجميع الأعمال العدائية؛ وثانيًا، تعاون السلطات الليبية المعنية لتيسير إيصال المساعدة الإنسانية في الوقت المناسب إلى السكان المحتاجين؛ ثالثًا، حماية الرعايا الأجانب، بمن فيهم العمال المهاجرون الأفارقة، الذين يعيشون في ليبيا؛ ورابعًا، الحوار بين الأطراف الليبية وتشكيل حكومة انتقالية توافقية وشاملة. وأنشأ المجلس لجنة خاصة؛ عالية المستوى، لمتابعة تنفيذ خارطة الطريق، التي كان الهدف الرئيسي منها هو ضمان تحقيق التطلع المشروع للشعب الليبي إلى الديمقراطية.

وللحقيقة، فإن الاتحاد الإفريقي سبق الأمم المتحدة في سعيه لإيجاد حل للأزمة، فبعد أسبوع من اعتماد مجلس السلم والأمن لخارطة الطريق، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 1973 (2011م)، الذي فرض فيه منطقة حظر طيران فوق ليبيا لحماية السكان المدنيين، وشدد على الحاجة إلى تكثيف الجهود لإيجاد حل للأزمة. غير أنهم أقروا رسميًا بدور اللجنة الإفريقية الخاصة، التي جعلت قرار مجلس الأمن يحظى بدعم جميع الأعضاء الأفارقة فيه، الذين كانوا مدفوعين حقًا بالالتزام بحماية المدنيين في ليبيا، لأنه لو امتنع واحد منهم عن التصويت، لما كان هناك مثل هذا القرار. من جهته، شارك رئيس المفوضية في عدد من الاجتماعات المخصصة للأزمة الليبية، وسافر أيضًا إلى كثير من العواصم، بما في ذلك باريس، ولندن، وبروكسل، وواشنطن، وروما، لشرح خارطة طريق الاتحاد الإفريقي، والسعي للحصول على دعم الشركاء الدوليين لها.

وبالتساؤل حول كيف جرى العمل من أجل تنفيذ هذه الخارطة، تقول مضابط الاتحاد الإفريقي إن أعضاء اللجنة الخاصة قد اجتمعوا في نواكشوط، في 19 مارس 2011م، وكانوا يخططون للسفر إلى ليبيا في اليوم التالي للتفاعل مع الأطراف المختلفة. وطبقًا لما يقتضيه القرار 1973 (2011م)، طلبت اللجنة ترخيصًا للرحلات الجوية، التي تقل أعضاءها إلى ليبيا، إلا أن ذلك الطلب رُفِض، لأن الحملة العسكرية لتطبيق القرار 1973، قد بدأت في نفس يوم اجتماع نواكشوط. وبعد ذلك بأسبوع، أي في 25 مارس 2011م، عقد الاتحاد الإفريقي اجتماعًا تشاوريًا، في أديس أبابا، حشد إليه جميع أصحاب المصلحة الدوليين، الذين رحبوا بجهود اللجنة الخاصة رفيعة المستوى، وتوصلوا إلى توافق في الآراء بشأن عناصر خارطة الطريق. وفي 10 و11 أبريل 2011م، تكللت جهود هذه اللجنة الخاصة بزيارة إلى طرابلس حيث أكدت السلطات الليبية آنذاك قبولها لخارطة الطريق، بينما ركزت المناقشات مع قيادة المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي على الحاجة إلى وقف عاجل لإطلاق النار، وضمان الحماية الفعالة للسكان المدنيين، وخلق ظروف مواتية لتلبية مطالبهم المشروعة. وتواصلت هذه الجهود، في 26 أبريل 2011م، إذ استعرض مجلس السلم والأمن، المنعقد على المستوى الوزاري، الوضع في ليبيا، وبعد شهر، ونظرًا لاستمرار تدهور الوضع في ليبيا، عقدت مفوضية الاتحاد الإفريقي جلسة استثنائية، مجددة الحاجة إلى حل سياسي.

في قمة "مالابو"، المنعقدة في يوليو 2011م، وبعد التزام العقيد القذافي بعدم المشاركة في عملية التفاوض، قام المجلس بمراجعة وإقرار المقترحات الخاصة باتفاقية الإطار، التي قدمتها اللجنة الخاصة. وقد نصت هذه المقترحات بوضوح على أنه ينبغي نقل السلطة إلى حكومة انتقالية، يتم تنفيذها فور انتهاء الحوار الوطني المتوخى. وفي منتصف يوليو 2011م، وأوائل أغسطس، التقى الاتحاد الإفريقي مع الأطراف الليبية لتبادل وجهات النظر حول ردود أفعالهم على المقترحات. وفي 21 أغسطس 2011م، بينما كانت جهود الاتحاد جارية، دخل مقاتلو المجلس الوطني الانتقالي إلى طرابلس، وبسطوا سيطرتهم على الدولة بأكملها. وفي اجتماع القمة، الذي عقده في أديس أبابا في 26 أغسطس، أحاط مجلس السلم والأمن علمًا بهذه التطورات الجديدة. وشجع أصحاب المصلحة الليبيين على تسريع العملية المؤدية إلى تشكيل حكومة انتقالية شاملة؛ من شأنها أن تشغل مقعد ليبيا في الاتحاد الإفريقي.

من جانبها، أكدت اللجنة الخاصة، في اجتماع عقد في بريتوريا، في 14 سبتمبر 2011م، على استمرار أهمية العديد من أحكام خارطة الطريق، وألزمت نفسها بالعمل مع المجلس الوطني الانتقالي، وجميع أصحاب المصلحة الليبيين الآخرين. وفي 20 سبتمبر 2011م، في نيويورك، أشار رئيس المفوضية إلى أن "الاتحاد الإفريقي يعترف بالمجلس الوطني الانتقالي كممثل عن الشعب الليبي لأنهم يشكلون حكومة انتقالية شاملة". بعد ذلك، أذن مجلس السلم والأمن، مشيرًا إلى التأكيدات، التي قدمها المجلس الوطني الانتقالي رسميًا، ومع مراعاة الطابع الفريد للوضع في ليبيا، للسلطات الحالية باحتلال مقر ليبيا في الاتحاد الإفريقي. كما قرر إنشاء مكتب اتصال للاتحاد في طرابلس للمساعدة في الجهود الرامية إلى استقرار الوضع في البلاد، وتعزيز المصالحة الوطنية، وتسهيل عملية الانتقال.

البيان بالعمل:

إن الانجاز الملفت للاتحاد الإفريقي كان في جبهة حماية العمال الأجانب واللاجئين والمهاجرين الأفارقة، الذين تقطعت بهم السبل في ليبيا، إذ كان في طليعة من سلطوا الضوء على محنتهم، ودعا إلى اتخاذ خطوات ملموسة لضمان سلامتهم وأمنهم، بل عمل على تسهيل إجلاء الراغبين منهم في مغادرة ليبيا، وقام بترحيلهم، ودعم إعادة اندماجهم الاجتماعي والاقتصادي في بلدانهم الأصلية، ودعا إلى أن تظل هذه القضية على رأس جدول الأعمال الإفريقي والدولي. وغني عن التأكيد على أن عودة أعداد كبيرة من العمال المهاجرين تشكل ضغطًا إضافيًا على البلدان المعنية، مع مخاطر التوترات الاجتماعية، التي يمكن أن تتدهور إلى حالات الأزمات.

لقد شددت قيادة المجلس الوطني الانتقالي، في 5 سبتمبر 2011م، على التوجه الاستراتيجي لسياستهم الإفريقية، وكذلك التزامهم بإعطاء الأولوية للوحدة الوطنية وحماية جميع العمال الأجانب داخل ليبيا، بما في ذلك العمال المهاجرين من دول الاتحاد الإفريقي، وكان هذا ردًا على الطلب، الذي قدمه رئيس مفوضية الاتحاد. ومنذ ذلك التاريخ لم تتوقف جهود الاتحاد الإفريقي تجاه ليبيا، أو خطة حماية المهاجرين واللاجئين الأفارقة داخل أراضيها، بإشراف مباشر من السيد موسى فكي محمد، رئيس الموفضية، وعبر مبعوثه الخاص إلى ليبيا السيدة أميرة الفاضل، مفوضة الشؤون الاجتماعية بالاتحاد. فقد سبق أن كشفت خلال اجتماع عُقِدَ في نيويورك، في سبتمبر 2019م، على هامش المناقشة العامة رفيعة المستوى للدورة 74 للجمعية العامة للأمم المتحدة، عن إعادة حوالي 48 ألف مهاجر أفريقي في ليبيا إلى بلدانهم خلال العام الماضي 2019م. وأوضحت أميرة الفاضل أنه سيتم إعادة توطين حوالي 5000 أفريقي يقيمون حالياً في ليبيا في دول أخرى، بما في ذلك رواندا، بالتنسيق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مشيرة إلى أن الاتحاد الإفريقي يقدر أن 7000 مهاجر آخرين ما زالوا عالقين في ليبيا.

وفي إطار متابعة اجتماع نيويورك، أشارت المبعوث الخاص لرئيس المفوضية، في 20 فبراير 2020م، بقلق إلى الوضع الإنساني والأمني ​​المؤسف والمتدهور في ليبيا. وناقشت في أديس أبابا مع الشركاء الاستراتيجيين التقدم، الذي أحرزه فريق العمل في عام 2019م، وتداولوا بشأن القضايا الناشئة، بما في ذلك حالة آليات العبور في حالات الطوارئ، التي أنشئت في رواندا والنيجر، وحالة برنامج المساعدة على العودة الإنسانية الطوعية من ليبيا دون عوائق. وأكدت المبعوث الخاص في ملاحظاتها التزام فريق العمل المتمثل في محاولة توسيع ولاية الفريق وتغطيته الجغرافية لتشمل الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين، وكذلك لتغطية منطقة الساحل. وأبلغت عن فريق العمل الجديد المشترك بين الإدارات بشأن ليبيا، الذي أنشأته مفوضية السلم والأمن لتنسيق استجابة الاتحاد الإفريقي للأزمة الليبية، وشددت على الحاجة إلى تسريع مبادرات إعادة الإدماج للعائدين من ليبيا، وكذلك تفعيل مراكز الهجرة الثلاثة التابعة للاتحاد الإفريقي في المغرب ومالي والسودان، من أجل مواجهة تحديات عدم كفاية بيانات ومعلومات الهجرة. مشيرة إلى أن إنشاء آلية الانتقال الاقتصادي في رواندا والنيجر كانت تعبيرًا عن التضامن الإفريقي، الذي يتردد صداها في البحث عن حلول أفريقية للمشاكل الإفريقية.

ولكن رغم تواصل المساعي، التي لم تنقطع أبدًا منذ تفجر الأزمة في فبراير 2011م، كيف تم تجميد جهود السلام الإفريقية في ليبيا؟ وربما لا نحتاج لاجتهاد كبير لاستنباط إجابة على هذا السؤال، فالمعلوم أنه مع تدخل القوى الكبرى في العالم بشكل متزايد في ليبيا، وجد الاتحاد الإفريقي نفسه مهمشًا، وجرت محاولات إبعاده من المبادرات، التي تهدف إلى إنهاء الصراع المستمر منذ ما يقرب من عقد في ليبيا. وجاءت أحدث علامة على فقدان إفريقيا لنفوذها في الوقت، الذي حدثت فيه موجة من النشاط الدبلوماسي رفيع المستوى في اسطنبول، وموسكو، وبرلين، لإنهاء الصراع الليبي، الذي أصبح لعبة للقوى المختلفة، ويُنظر إليه من وجهة أوروبية، وخليجية، ومن وجهة نظر روسية، وتركية، بشكل متزايد، متجاهلين جميعهم للحقيقة الأساسة المتمثلة في أن ليبيا دولة أفريقية، وأن الاتحاد الإفريقي، بأجهزته وآلياته كافة، يسهر على إبتداع مخرج سلمي للأزمة، وتنشط في عواصم القارة؛ أديس أبابا، والخرطوم، والقاهرة، وتونس والجزائر، وصخيرات الرباط، ونواكشوط، جهود جبارة لإيجاد حلول توافقية بين الفرقاء الليبيين.

تحديات وعقبات:

على الرغم من أنه يبدو أن هناك الكثير من الجهد، الذي بُذِل للانخراط في حل الصراع الليبي، إلا أن "التحدي الأول" يظل افتقار الاتحاد الإفريقي للمشاركة الفعالة في العمليات اللوجستية والعسكرية الجارية، التي تقودها بشكل خاص الأمم المتحدة، ولكنها تشمل أيضًا دولاً مثل، فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وروسيا، وتركيا، والإمارات، والمملكة المتحدة. فيما لم يستطع الاتحاد، حتى الآن، أن يقنع المتحاربين الليبيين باللجوء إلى القارة من أجل حل، خاصة مع الوجود القوي للجهات الفاعلة غير الإفريقية في كل من عملية السلام والأعمال العدائية في البلاد. إن إقناع الليبيين بإفساح المجال لعملية محتملة بقيادة إفريقية يتطلب أيضًا جلب الجهات الفاعلة غير الإفريقية إلى طاولة المفاوضات نفسها.

ويتمثل التحدي الثاني في أن جميع أصحاب المصلحة الليبيين لا يعتبرون الاتحاد الإفريقي، وبعض الدول الأعضاء فيه محايدين. وبينما كان يُنظر إلى بعض هذه الدول الأعضاء على أنها متعاطفة مع الموالين للرجل القوي السابق معمر القذافي، بسبب العلاقات التاريخية، يقال أيضًا إن بعض الدول المجاورة تسعى إلى تأمين مصالحها الأمنية الوطنية على طول حدودها المشتركة مع ليبيا، وتُتهم بأنها أبرمت صفقات ثنائية مع مختلف الأطراف المتحاربة الليبية. ويُنظر إلى بعض مسؤولي الاتحاد الإفريقي رفيعي المستوى؛ المعينين سياسيًا، والمشاركين في عملية السلام الليبية، هم من رعايا البلدان المجاورة، وبالتالي قد لا ينظر إليهم بعض أصحاب المصلحة الليبيين على أنهم محايدون. وهناك تصور بأنهم يمثلون مصالح عواصمهم بدلاً من مصالح الاتحاد الإفريقي ككيان جماعي، بغض النظر عن التزاماتهم الشخصية تجاه عملية السلام. ويفاقم هذا التصور وجود قواعد عسكرية أجنبية ينطلق منها عدد من القوى الأجنبية تدخلات عسكرية في ليبيا.

إن التحدي الثالث، الذي يقف في طريق محاولة إفريقيا لإيجاد حل سلمي للأزمة الليبية هو عدم وجود موقف مشترك بين الأفارقة حول كيفية الرد على الصراع. فقد ظهرت هذه الانقسامات بشكل صارخ في قمة الاتحاد الإفريقي في فبراير 2020م، إذ لم تتمكن الدول الأعضاء من الاتفاق على ما إذا كانت ستنشر بعثة دعم سلام مشتركة بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في ليبيا، أم لا. واختلفت حول ما هي الدول، التي ينبغي إدراجها في مجموعة الاتصال المنشأة حديثًا لليبيا، والتي يُتوقع منها توفير القيادة السياسية، والمشاركة في العمليات الدولية، التي تهدف إلى إنهاء الصراع. ففي البداية، جرى اقتراح أن يرأس فريق الاتصال جمهورية الكونغو وأن تكون الجزائر وجنوب إفريقيا، بصفتهما رئيسًا لمنتدى البلدان المجاورة والاتحاد الإفريقي على التوالي، العضوين الآخرين. لكن الدول الأعضاء الأخرى رفضت ذلك، مما يشير إلى استمرار المنافسة على النفوذ في ليبيا.

وأخيرًا فإن التحدي الرابع، الذي يواجه الاتحاد الإفريقي هو أن هناك عدد من الكيانات الإفريقية المختلفة، التي لديها تفويض لمحاولة حل الأزمة في ليبيا. ففي حين أن الاتحاد الإفريقي لديه لجنة خاصة رفيعة المستوى مكونة من 11 عضوًا بشأن ليبيا، يشارك رئيس مفوضية الاتحاد، ومفوض السلم والأمن، ورئيس مكتب الاتصال، بشكل مباشر في عملية السلام، وبمهام متداخلة على ما يبدو. بينما عين رئيس المفوضية مفوضة الشؤون الاجتماعية أميرة الفاضل مبعوثًا خاصًا إلى ليبيا مع تفويض محدد يتعلق بتأمين مشاركة أفريقية هادفة في موضوع المهاجرين واللاجئين الأفارقة في ليبيا. إذا أراد الاتحاد الإفريقي التغلب على هذه التحديات ويصبح شريكًا قابلاً للحياة في عملية السلام الليبية، فيجب على الجهات الإفريقية الاحتراس من جبهة ممزقة، والتصرف بطريقة منسقة في جهود السلام الخاصة بهم في ليبيا. إذ أن تحديد كيفية عمل أصحاب المصلحة الأفارقة المختلفين معًا أمر بالغ الأهمية. وسيكون دور جيران ليبيا حاسمًا لنجاح أي شكل من أشكال تدخل الاتحاد الإفريقي، إذا قُدِّرَ لعملية السلام في ليبيا أن تُدْمَج في مبادرة واحدة تضم جميع الأطراف الليبية، الذين عليهم إظهار استعدادهم للعمل مع القارة، سواء بقيادة الاتحاد الإفريقي، أو بالاشتراك بين الاتحاد والأمم المتحدة.

مقالات لنفس الكاتب