; logged out
الرئيسية / تحول الموقف الأمريكي بــ "صفقة" استئناف إنتاج وتصدير النفط الليبي مقابل خروج تركيا من المشهد العسكري

العدد 154

تحول الموقف الأمريكي بــ "صفقة" استئناف إنتاج وتصدير النفط الليبي مقابل خروج تركيا من المشهد العسكري

الإثنين، 28 أيلول/سبتمبر 2020

يمثل اكتشاف احتياطات هائلة من الغاز الطبيعي والنفط، منذ عام 2009م، في منطقة شرق البحر المتوسط، التي تضم دول عربية (مصر، وليبيا، ولبنان، وسوريا، وفلسطين) وغير عربية (تركيا، وإسرائيل، واليونان، وقبرص) تطورًا فارقًا في تاريخ هذه المنطقة. فمما لا شك فيه أن هذه الاكتشافات، التي تقدرها هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية بحوالي 345 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي القابل للاستخراج، ونحو 3.5 مليار برميل من النفط، بالإضافة إلى 9 مليارات برميل من سوائل الغاز الطبيعي (بقيمة إجمالية تتراوح بين 750 مليار دولار و3 تريليون دولار حسب التقديرات الشائعة)، تجسد بالنسبة إلى كل هذه الدول "فرصة ذهبية" و"مناسبة تاريخية" لتغطية حاجاتها وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، خاصة فيما يتعلق بتلبية احتياجات محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز الطبيعي. بل ويمكن أن يحصل عدد من هذه الدول أيضًا على موارد مالية هائلة من تصدير هذا الغاز في المدى المتوسط والبعيد، الأمر الذي سينعش بشدة اقتصاداتها المتداعية في السنوات الأخيرة، كما سيساعدها أيضًا في الارتقاء بأنظمتها الاقتصادية، وتسديد ديونها الضخمة، وتحديث منظوماتها العسكرية، وبالتالي تحقيق درجة أعلى من الأمن والاستقرار والرفاهية الاقتصادية.

ولا يمكن فصل ما يجري في ليبيا حاليًا، ولا احتمالات التصعيد العسكري فيها في المدى المنظور، عن التطورات المتلاحقة التي شهدتها اكتشافات الغاز الهائلة في منطقة شرق المتوسط خلال العقد الماضي، خاصة في قبرص ومصر وإسرائيل. حيث أصبحت ليبيا الواجهة التي ظهر من خلالها تشعب المصالح والتحالفات والصراعات في هذه المنطقة، بين أطراف "منتدى غاز شرق المتوسط"، الذي انطلق في يناير عام 2019م، بمشاركة سبع دول (مصر، واليونان، وقبرص، وإيطاليا، والأردن، وفلسطين، وإسرائيل) من جهة وبين تركيا من جهة أخرى. الأزمة الليبية تفاقمت بعدما تزايد التدخل العسكري والسياسي من جانب أنقرة في نهاية العام الماضي، خاصة عقب توقيع تركيا مع حكومة الوفاق الوطني الليبية، برئاسة فايز السراج، في 27 نوفمبر 2019م، مذكرتي تفاهم؛ الأولى بشأن السيادة على المناطق البحرية في البحر المتوسط، والثانية حول التعاون الأمني والعسكري بين البلدين. توهم الأتراك أن هاتين المذكرتين، وما يترتب عليهما من تعميق تحالفهم العسكري والسياسي مع السراج والمليشيات المتحالفة معه، سوف يحقق لهم هدفين رئيسيين:

الهدف الأول هو قطع الطريق على أي إجراء في مسألة غاز شرق المتوسط، لا يأخذ نفوذها وطموحها في مجال الغاز المكتشف بعين الاعتبار، وتحديدًا فيما يتعلق بإمكانية نقل الغاز من قبرص إلى أوروبا. حيث أصبحت المنطقة البحرية المحددة في الاتفاق التركي-الليبي تعترض الطريق أمام مسار أنابيب "إيست ميد"، وفق الاتفاق الثلاثي بين إسرائيل وقبرص واليونان، والذي يقوم على أن يبدأ هذا المسار، الهادف إلى تصدير الغاز المكتشف في شرق المتوسط (من إسرائيل وقبرص بالتحديد)، من المياه الاقتصادية قبالة قبرص وإسرائيل، ثم يتجه إلى اليونان وإيطاليا مرورًا بجزيرة كريت، وفي هذه النقطة تحديدًا تقطع الاتفاقية التركية-الليبية الطريق على خط الأنابيب. الرئيس التركي تصور أن اتفاقه مع السراج، وتواجده العسكري والبحري في ليبيا، سوف يمكنه من ممارسة حق الفيتو على مرور أنابيب الغاز الناقلة للغاز من قبرص إلى أوروبا.

 

أما الهدف الثاني لأنقرة من وراء تحالفها مع السراج، من زاوية المصالح النفطية والغازية، فهو "الطمع" في الحصول على جزء من "كعكة" الثروات النفطية والغازية في المياه واليابسة الليبية. فالرئيس أردوغان يدرك جيدًا امتلاك الليبيين لثروة نفطية وغازية هائلة، يمكن الاستحواذ عليها بشكل متعدد (سواء من خلال حصول الشركات التركية على امتيازات التنقيب عن النفط والغاز أو من خلال بيع الأسلحة وتوفير الإرهابيين والمرتزقة وغير ذلك من أشكال الدعم العسكري والأمني). حيث تقدر احتياطيات النفط في ليبيا بحوالي 48 مليار برميل، وتعد الأكبر على الصعيد الإفريقي، والتاسعة على المستوى العالمي، كما تقدر احتياطيات النفط الصخري في ليبيا بحوالي 26 مليار برميل، في حين تشكل صادرات النفط والغاز حوالي 90 % من الإيرادات الليبية. وفي ضوء هذا الهدف، ربط الرئيس التركي دومًا بين المعارك الميدانية والسيطرة على الثروات الليبية من النفط والغاز، وكشف عن "حساسية" عملية السيطرة على مدينة سرت، الواقعة بين مدينتي بنغازي وطرابلس، مشيرًا إلى أهميتها الاستراتيجية بسبب وجود آبار النفط والغاز، فهي تمثل بداية الطريق تجاه المنطقة المعروفة باسم "الهلال النفطي"، شرقي البلاد.

وفي هذا السياق، أصبحت تركيا تراهن، في تحقيق هذين الهدفين، على قدرة حليفتها حكومة "الوفاق"، على الصمود في مواجهة الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، والمدعوم من معظم أطراف "منتدى غاز شرق المتوسط" وعلى رأسهم مصر واليونان وفرنسا. ومن هنا، قدمت أنقرة كافة أنواع الدعم لحكومة "الوفاق"، بدءًا من استقدام آلاف الإرهابيين والمرتزقة من سوريا، وصولاً إلى الإمدادات العسكرية واللوجستية، وتوفير الطائرات المسيرة التي لعبت دورًا بارزًا في ساحات المواجهة الليبية.  كما كشفت صحيفة "يني شفق" التركية، القريبة من الدوائر الحاكمة في أنقرة، أيضا عن اعتزام الرئيس التركي إقامة قاعدتين عسكريتين غربي ليبيا، وتحويل المليشيات والمرتزقة إلى جيش لحكومة الوفاق، المدعومة من جماعة الإخوان الإرهابية. ونتيجة للدعم التركي لميليشيات حكومة "الوفاق"، تمكنت هذه الميليشيات، في شهر يونيو الماضي، من استعادة السيطرة على كافة المحاور التي تقدمت باتجاهها قوات الجيش الوطني الليبي في العاصمة طرابلس وضواحيها، بل وبدأت بالتقدم نحو مدينة سرت الساحلية، للوصول إلى حقول النفط المحمية من جانب قوات الجيش الليبي. وفي مقابل ذلك، هددت مصر – التي تدعم المشير حفتر مع روسيا والإمارات -بنشر قوات في ليبيا، إذا تخطت القوات المدعومة من تركيا "الخط الأحمر" وهو خط "سرت – الجفرة". وفي ظل هذه الأوضاع، بدأت الأطراف المتصارعة على الأرض الليبية في حشد وتعبئة حشود عسكرية ضخمة حول مدينة سرت الساحلية، وهو تطور لا ينذر بخير، لأن حجم القوات والعتاد والمعدات العسكرية أصبح كبير جدًا، ولم تشهد ليبيا له مثيلاً منذ الحرب العالمية الثانية.

وعلى ضوء هذه التطورات العسكرية على الأرض، رأى بعض المراقبين أن تركيا حققت "نجاحات" كبيرة في منطقة شرق المتوسط، وأصبحت في وضع أفضل ليس فقط في ليبيا، بل ربما أيضًا في صراعها مع دول "منتدى غاز شرق المتوسط". وفي مواجهة هذا الرأي، يميل معظم الخبراء في شؤون منطقة شرق المتوسط إلى التأكيد على أن التحسن النسبي لقوة تركيا في هذه المنطقة، نتيجة مساندتها لحكومة السراج في طرابلس، تلقى "نكسة" كبيرة خلال شهر أغسطس الماضي، نتيجة ثلاثة تطورات رئيسية:

التطور الأول هو تلقي أنقرة "هزيمة مدوية" في المنطقة بسبب توقيع مصر في 6 أغسطس الماضي اتفاقية لترسيم الحدود وتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة مع اليونان، وهو ما أبطل اتفاق ترسيم الحدود الذي وقعته تركيا في نوفمبر الماضي مع حكومة الوفاق في ليبيا، والذي سعت من خلاله تركيا إلى قطع الطريق على مخططات نقل الغاز من شرق المتوسط إلى أوروبا.

أما التطور الثاني فهو أن أنقرة، قد منيت أيضًا بـ "صفعة سياسية" عنيفة في ليبيا بعد إعلان رئيسا المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق" فائز السراج، والبرلمان المستشار عقيلة صالح، كل على حدة، في 21 أغسطس الماضي، عن وقف إطلاق النار، وجعل منطقة سرت-الجفرة منزوعة السلاح على أن تحميها قوة مشتركة من الشرطة، والسعي لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في مارس 2021م. وهو الأمر الذي يعني فشل أنقرة في تحقيق نصر سياسي أو اقتصادي في ليبيا بالسيطرة على موارد الطاقة في "الهلال النفطي"، وهو أحد أهداف تركيا الأساسية من تدخلها في ليبيا.

أما التطور الثالث فهو بروز تحول ملموس في الموقف الأمريكي تجاه السياسة التركية في ليبيا. ويستند هذا التحول إلى "صفقة"، يتم بموجبها رسميًا إعادة استئناف إنتاج وتصدير النفط في ليبيا، مقابل خروج تركيا من المشهد العسكري. حيث تبدو إدارة الرئيس الأمريكي الحالي مصرة على تحييد ملف النفط في الصراع المسلح الجاري في ليبيا. وفي هذا السياق، عبرت واشنطن عن انزعاجها الشديد بسبب تصاعد حدة النزاع في ليبيا، مؤكدة على معارضة التدخل العسكري الأجنبي فيها، بما في ذلك استخدام المرتزقة والمتعهدين العسكريين الخواص من قبل جميع الأطراف، في إشارة إلى تركيا وروسيا. وأعتبر مستشار مجلس الأمن القومي الأمريكي، روبرت أوبراين، أن محاولات القوى الأجنبية استغلال الصراع، من خلال إقامة وجود عسكري دائم أو السيطرة على الموارد التي يمتلكها الشعب الليبي، "تمثل تهديدات خطيرة للاستقرار الإقليمي والتجارة العالمية، وتقوّض مصالح الأمن الجماعي للولايات المتحدة، وحلفائنا وشركائنا في منطقة البحر الأبيض المتوسط". وفي هذا الإطار، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 4 أغسطس الماضي، حلاً للأزمة الليبية يتضمن إخلاء قوات الجيش الوطني الليبي مواقعه الحالية في مدينتي سرت والجفرة، والاستئناف الفوري لإنتاج النفط المغلق منذ يناير 2020م، وتحييد ملف النفط عن الصراع السياسي والعسكري في البلاد.

وقد جاءت هذه التطورات الثلاثة، والتي أضعفت كثيرًا من أهمية المكاسب التركية في ليبيا وشرق المتوسط، نتيجة تحالف أردوغان -السراج، وسط خلافات إقليمية حادة بين تركيا من جهة وبين اليونان من جهة أخرى، مما زاد من صعوبة الموقف التركي. ففي منتصف شهر أغسطس الماضي، تصادمت سفينتان حربيتان تركية ويونانية في شرق البحر المتوسط مما زاد التوترات في أكثر المواجهات البحرية القابلة للاشتعال منذ عدة عقود. وكانت الأزمة بين أثينا وأنقرة، العضوين في حلف الناتو، قد تفاقمت قبل يومين، عندما أرسلت تركيا سفينة للاستكشاف عن النفط والغاز الطبيعي في المياه بالقرب من جزيرة كاستيلوريزو اليونانية. وتهدد دورة التصعيد العسكري الأخيرة بين أنقرة وأثينا بتحويل المواجهة بينهما إلى صراع متعدد الجنسيات. حيث أرسلت فرنسا سفنًا حربية إلى المياه المتنازع عليها بين الدولتين ووعدت بعمل المزيد لإظهار دعمها القوي لليونان ضد تركيا. كما أعربت مصر وإسرائيل، اللتان تجريان تدريبات عسكرية مشتركة مع اليونان، عن تضامنهما مع أثينا. ومع كل إجراء تركي مستفز في شرق المتوسط، تكتسب الجبهة المصرية-اليونانية -القبرصية -الإسرائيلية دعمًا عسكريًا متزايدًا من فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة، وهي الدول التي أصبح لديها استثمارات اقتصادية كبيرة في غاز شرق المتوسط. ومع مشاركة فرنسا ومصر في صراع مفتوح مع تركيا في ليبيا، يخشى المراقبون في جميع أنحاء العالم من قدرة أي تصعيد إضافي في شرق البحر المتوسط على تفجير مواجهة عسكرية عنيفة في المنطقة.

على أية حال، لن يتم تحقيق الاستفادة المثلى من الاكتشافات الهائلة من الغاز الطبيعي في شرق المتوسط أو موارد ليبيا الغنية من النفط والغاز إلا من خلال حفظ الأمن والاستقرار في هذه المنطقة، وهو الأمر الذي أصبح مشكوكًا فيه نتيجة التحركات التركية المستفزة، والتي تمثل تحديًا كبيرًا أمام استفادة العالم من هذه الاكتشافات والموارد. فأنقرة ما تزال مصرة على مواصلة إرسال المرتزقة والإرهابيين والأسلحة إلى ليبيا من أجل خلق بؤرة جديدة للإرهاب الداعشي والإخواني، هذا إلى جانب استمرارها في التنقيب غير المشروع عن النفط والغاز في المياه اليونانية والقبرصية. كما تواصل تركيا أيضًا استعراض عضلاتها العسكرية في المنطقة، من خلال إجراء العديد من المناورات العسكرية، والتي كان آخرها مع قبرص الشمالية في شهر سبتمبر 2020م.

وبالتالي، سيكون من الضروري، في المدى المنظور، كبح طموحات أنقرة التوسعية والاستعمارية في المنطقة من جهة والعمل بسرعة على التوصل إلى تسوية سياسية مقبولة للأزمة الليبية من جانب الشعب الليبي من جهة أخرى. ولن يتحقق ذلك، على الأرجح، إلا من خلال تطبيق المبادرة المصرية الأخيرة لتسوية هذه الأزمة، والتي تهدف إلى التعامل مع معضلة هياكل الحكم في ليبيا، ولا سيما المجلس الرئاسي، الذي كان العائق الرئيس أمام إحراز أي تقدم نحو تسوية سياسية في ليبيا. كما توجد أيضًا حاجة ملحة إلى تثبيت وقف إطلاق النار على خطوط التماس الحالية في ليبيا، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لمنع تدفق السلاح والمرتزقة من تركيا إلى ليبيا. ومن جهة أخرى، يجب حرمان أنقرة من الاستفادة من عائدات تصدير النفط والغاز الليبي. وفي ضوء ذلك، يجب أن ترتبط مسألة إعادة ضخ النفط الليبي، وعدم التصرف في عوائده إلا بعد التوصل إلى تسوية شاملة للأزمة الليبية، وهذه بدورها مرهونة بشروط جوهرية، أبرزها أن يتم التوصل إلى نظام محاسبي موثوق فيه بإشراف أممي لا يسمح لأي طرف كان بتحويل الأموال إلى حكومة الوفاق الحالية، والتي تحول الملايين تلو الملايين من الدولارات إلى أنقرة والشركات التركية.  

ملحق معلومات عن أهمية قطاع النفط والغاز في ليبيا

تملك ليبيا أضخم احتياطيات نفطية مؤكدة في إفريقيا، وهي مورد مهم للخام الخفيف منخفض الكبريت. كما أن طرابلس عضو في منظمة "أوبك". ويمثل النفط نحو 95 في المائة من إجمالي إيرادات الدولة الليبية، ويغطي 70 % من إجمالي الإنفاق قبل الحصار الذي فرضته القبائل الليبية والجيش الليبي على حقول وموانئ النفط في يناير 2020م، بحسب مصرف ليبيا المركزي.

وتتركز الثروة النفطية الليبية فيما يعرف بمنطقة الهلال النفطي، وفيها أيضًا أهم مصافي التكرير وأهم محطات تصدير النفط إلى الخارج. وتقع منطقة الهلال النفطي منذ عام 2014م، داخل نطاق نفوذ قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر ومجلس النواب الذي يتخذ من طبرق مقرًا له.

والبلد منقسم منذ عام 2014م، بين معسكرين متنافسين في طرابلس والشرق، لكل منهما مؤسساته الخاصة به. وخلال السنوات الست الماضية استغلت الفصائل المتناحرة في البلاد المنشآت النفطية كأوراق للمساومة على مطالبها المالية والسياسية، وجرى إغلاق حقول وموانئ في الشرق في الفترة بين عامي 2013 و2016م. وفي عام 2016م، سيطر الجيش الليبي، بقيادة المشير حفتر حفتر، على معظم المرافق النفطية في شرق ليبيا، وتوغلت قواته هذا العام إلى الجنوب لتبسط سيطرتها على حقلي الشرارة والفيل النفطيين الرئيسيين.

وقد قامت قوات موالية لخليفة حفتر بإغلاق مرافئ وحقول النفط في 18 من يناير 2020م، وهو ما خفض تدريجيًا إنتاج البلاد من الخام إلى أقل من 70 ألف برميل يوميًا. وفي نهاية شهر أغسطس 2020م، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا عن قيمة الخسائر جراء استمرار إغلاق المنشآت النفطية في البلاد ووقف عمليات الإنتاج والتصدير منذ 18 يناير 2020م، مشيرة إلى أنها بلغت حوالي 9.1 مليار دولار. وقد تراجع إنتاج النفط بشكل كبير منذ منتصف يناير 2020م، إلى ما دون 100 ألف برميل بعدما كان يقترب من 1.2 مليون برميل يوميًا، في نهاية عام 2019م، وبعدما وصل إلى حوالي 1,6 مليون برميل يوميًا في نهاية عهد الرئيس السابق معمر القذافي.

Libya Crude Output (Mn b/d)

وتحتكر حكومة الوفاق المتمركزة في الغرب جميع العائدات المالية لمؤسسة النفط الليبية، فيما توجد أغلب الحقول النفطية في شرق البلاد الذي تسيطر عليه قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.

ويعود إغلاق الحقول والموانئ النفطية، منذ منتصف يناير الماضي، إلى الحراك الشعبي، الذي تقوده القبائل المؤثرة في مواقع الإنتاج والتصدير بالمنطقتين الشرقية والوسطى، والتي تتهم حكومة السراج والأجهزة الخاضعة لها بتبديد إيرادات النفط في استجلاب المرتزقة وتهريب السلاح وتمويل الميليشيات وأمراء الحرب في محاولتها للتصدي لتقدم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر. ويتمسك شيوخ هذه القبائل بقرار غلق الحقول والموانئ النفطية والمصارف إلى حين تشكيل حكومة موحدة قادرة على حماية مقدرات الليبيين وضرورة وضع حد للعبث القائم بمؤسسات الدولة المالية، وعلى رأسها مصرف ليبيا المركزي وجهاز الاستثمارات الخارجي.

جدل ساخن حول استئناف ضخ النفط الليبي

يرى الاتجاه المتحفظ على استئناف ضخ النفط الليبي إلى الأسواق الدولية في الوقت الراهن أن وقف تصدير النفط الليبي سوف يحمي عائدات البلاد من عبث حكومة "الوفاق"، التي تقوم بتمويل المليشيات المسلحة والإرهابية من هذه العائدات، كما أن هذا الإيقاف سوف يقطع الطريق أمام مخططات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسيطرة على ثروات ليبيا النفطية والغازية. وفي هذا السياق، أصدر "الجيش الوطني الليبي"، في 11 يوليو الماضي، بيانًا مهمًا، مشيرًا إلى ثلاثة شروط لإعادة فتح الموانئ والحقول النفطية"، وهي:

أولاً-فتح حساب خاص بإحدى الدول تودع به عوائد النفط مع آلية واضحة للتوزيع العادل لهذه العوائد، على كافة الشعب الليبي بكل مدن وأقاليم ليبيا وبضمانات دولية.

ثانيًا -وضع آلية شفافة وبضمانات دولية للإنفاق تضمن ألا تذهب هذه العوائد لتمويل الإرهاب والمرتزقة وأن يستفيد منها الشعب الليبي دون سواه وهو صاحب الحق في ثروات بلاده.

ثالثا-ضرورة مراجعة حسابات مصرف ليبيا المركزي بطرابلس لمعرفة كيف وأين أنفقت عوائد النفط طيلة السنوات الماضية والتي حرم الشعب من الاستفادة منها ومحاسبة من تسبب في إهدارها وإنفاقها في غير محلها.

وفي نفس البيان، أكدت القيادة العامة للجيش الوطني الليبي أنها ملتزمة بحدود التفويض الممنوح لها من قبل القبائل والشعب الليبي بشأن التفاوض لتحقيق هذه المطالب، والتي بدون تحققها لن يكون بالإمكان إعادة الفتح. كما أشارت القيادة العامة أيضًا إلى أنه وفي إطار التعاون مع المجتمع الدولي والدول الصديقة والشقيقة والتي طلبت السماح لناقلة نفط واحدة بتحميل كمية مخزنة من النفط متعاقد عليها من قبل الإغلاق وخشية على الصالح العام وحتى لا تتأثر المنشآت النفطية بطول التخزين، فقد استجابت لذلك مراعية مصلحة الشعب الليبي أولاً وأخيرًا. وشددت على أن إغلاق الموانئ والحقول النفطية سيستمر لحين تنفيذ مطالب وأوامر الشعب الليبي بشأنها، موضحة أنها ملتزمة بذلك كونها المنوط بها حماية مقدرات الشعب والمفوضة منه بذلك مؤكدة استعدادها التام للتعاون مع المجتمع الدولي وكل الشرفاء من أبناء الوطن.

وفي مواجهة هذا التوجه المتحفظ على استئناف تصدير النفط الليبي، يؤكد أنصار الاتجاه الداعم لإعادة ضخ النفط الليبي إلى الأسواق الدولية، في أقرب فرصة ممكنة، على أن استئناف إنتاج وتصدير النفط الليبي سوف يكون بمثابة خطوة في الطريق الصحيح للخروج من الشلل، الذي ضرب القطاع النفطي، وأدى إلى تراجع عائدات البلاد بشكل كبير. وفي إطار هذا التوجه الداعم، أشار مصطفى صنع الله، رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، إلى أن متوسط الإنتاج النفطي الليبي بلغ أقل من 90 ألف برميل يوميًا بعد غلق الحقول والموانئ، مقارنة مع 1.22 مليون برميل يوميًا في بداية العام الحالي، وكانت المؤسسة تأمل في رفعه إلى 2.1 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2024م، لكنه توقع أن ينخفض الإنتاج إلى 650 ألف برميل في اليوم خلال عام 2022م، في ظل عدم الاستئناف الفوري لعمليات الإنتاج، وغياب توفير الميزانيات المطلوبة من قبل الدولة لمواجهة مختلف التحديات الناجمة عن الإغلاق.

على أية حال، يكشف هذا الجدل بوضوح الترابط الوثيق بين النفط والسياسة، والتأثير الكبير لكلاهما في الآخر. حيث يحاول كل طرف من الأطراف المتصارعة السيطرة على المنشآت النفطية من أجل فرض شروطه على الأطراف الأخرى. فالجميع يدرك أن إيرادات النفط هي مصدر قوة الخصم، وبالتالي فإن السيطرة عليها لن تؤدي فقط إلى حرمان الخصم من مصدر القوة لديه، وإنما أيضًا سوف يعني القدرة على توفير الدعم المالي لأي حكومة في المستقبل. فمن يتحكم بالنفط والغاز في ليبيا فسوف يستطيع أن يرسم مستقبلها، وأن يكافئ الدول والجهات الخارجية الداعمة له من خلال توزيع عقود إعادة إعمار ليبيا.

أهم حقول النفط في ليبيا

حقل الشرارة: ويعتبر أهم الحقول النفطية لدى الشعب الليبي، ويقع على بعد 900 كيلومتر جنوبي طرابلس، وينتج 315 ألف برميل يوميًا، أي ما يقرب من ثلث إنتاج ليبيا الخام، لكنه كثيرًا ما يتعرض للهجوم وتحاصره الميليشيات. وقالت شركة النفط الوطنية في يناير الماضي، إن الصمامات في محطة ضخ أغلقت، ما أدى إلى توقف الإنتاج في الحقل، وكلف ذلك الخزانة أكثر من 5.2 مليار دولار. ونقلت "قناة 218" الليبية في الأسبوع الماضي عن مسؤول قوله إن الحقل سيعود إلى العمل قريبًا، بقوة إنتاجية تصل إلى 20 ألف برميل يوميًا، على أن يزيد الإنتاج في غضون أيام بشكل تدريجي ليبلغ إجمالي الإنتاج 135 ألف برميل أو 40 % من القدرة الإنتاجية الكاملة للحقل. وأضاف أن ضخ النفط الخام سيتم لميناء الزاوية النفطي.

حقل الفيل: يقع في جنوب غربي البلاد. ويعد من أهم حقول شركة إيني الإيطالية، التي تقوم بتشغيله وفق امتياز مشترك مع المؤسسة الليبية للنفط. وتبلغ الطاقة الإنتاجية القصوى له نحو 75 ألف برميل يوميًا من إجمالي إنتاج البلاد الذي يتجاوز 1.2 مليون برميل يوميًا، وفقًا لأرقام مؤسسة النفط. وفي نوفمبر 2016م، أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط، وقف الإنتاج في هذا الحقل بسبب الأعمال العسكرية، ثم أعيد تشغيل الحقل. وفي ديسمبر 2019م، توقف الإنتاج مجددًا بسبب إغلاق صمام في خط أنابيب يمتد لمئات الكيلومترات من الحقل إلى ساحل البحر المتوسط شمالاً. وبحسب المؤسسة الوطنية للنفط سيبدأ الإنتاج في هذا الحقل، خلال 90 يومًا، بقدرة تبلغ 30 ألف برميل يوميًا.

حقل الجرف النفطي البحري: يقع في شمال غرب ليبيا. وقد أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط، في عام 2017م، استئناف تشغيل هذا الحقل بعد إجراء أعمال صيانة، وعاد الإنتاج إلى مستوياته قبل الصيانة، والتي كانت تتراوح من 30 ألف إلى 35 ألف برميل يوميًا.

حقل الوفاء: يقع هذا الحقل على بعد نحو 540 كيلومترًا جنوب غربي طرابلس، ويبعد نحو 160 كيلومترًا جنوب مدنية غدامس ضمن عقد امتياز NC-A16، ويمتد على طول الحدود الليبية الجزائرية. وقد تم اكتشاف الجزء الجنوبي منه في عام 1964 م، من قبل شركة "شل"، أما أقصى الناحية الشمالية فقد تم اكتشافه من قبل شركة سرت للنفط في عام 1991م. وقد دعت خطة تطوير حقل الوفاء إلى حفر 37 بئر للنفط والغاز، والتي دخلت مرحلة الإنتاج في سبتمبر عام 2004م، ومتوسط الإنتاج اليومي لهذا الحقل يصل إلى 37.290 برميل من النفط الخام والمكثفات، و22.503 برميل من الغاز الطبيعي المسال.

حقل البوري النفطي: يقع قبالة ساحل المنطقة الغربية في البلاد، وتشغله شركة "مليته" للنفط والغاز، وهو مشروع مشترك بين المؤسسة الوطنية و"إيني" الإيطالية. وقالت المؤسسة الوطنية المملوكة للدولة في مايو الماضي، إنها أكملت أعمال إصلاح وصيانة حقل البوري البحري الذي ينتح 30 ألف برميل يوميًا.

مقالات لنفس الكاتب