; logged out
الرئيسية / فرنسا تتراجع عن خيار حفتر وتدعو للمفاوضات وانتخابات جديدة للحلّ في ليبيا

العدد 154

فرنسا تتراجع عن خيار حفتر وتدعو للمفاوضات وانتخابات جديدة للحلّ في ليبيا

الإثنين، 28 أيلول/سبتمبر 2020

في الأيام التالية لفشل الحملة العسكرية للمارشال خليفة حفتر ضد طرابلس كان يجب على فرنسا أن تغير موقفها الدبلوماسي حول القضية الليبية، فبسبب تغيّر ميزان القوى على الأرض بعد التدخل التركي في بداية العام الحالي، وانهيار استراتيجية حفتر في ساحة المعركة اقتربت باريس من موقفي ألمانيا وإيطاليا اللتان دعتا كل أطراف الصراع إلى تنفيذ اتفاق السلام، أي ما يسمى بـ "عملية برلين". ويثبت هذا التطور الجديد بالنسبة إلى السياسة الفرنسية في الملف الليبي بشكل واضح ضعف التأثير الفرنسي في هذا البلد العربي بالمقارنة مع الدور التركي والروسي أو التأثير الإماراتي ولفهم هذه النتيجة وأسبابها من اللازم أن نرى استراتيجية باريس في الإطار الإقليمي والتاريخي وخصوصًا منذ انهيار نظام معمر القذافي بعد التدخل العسكري لحلف الناتو عام ٢٠١١م.

 بدا إسقاط الزعيم الليبي السابق معمر القذافي في عام ٢٠١١م، نصرًا مشهديًا لفرنسا ولرئيسها السابق نيكولا ساركوزي الذي لعب دورًا مركزيًا في شنّ التدخل الغربي ولكن للأسف تفاقم الوضع السياسي والأمني في البلد بسرعة بعد نهاية الحرب وفي الوقت نفسه ساهمت هذه الفوضى في ليبيا بتقوية المنظمات الإرهابية في المنطقة وبزيادة تسلُّحها وبتحضير عملياتها في شمال إفريقيا والساحل. بالتالي بعد فوز فرنسوا هولاند في الانتخابات عام ٢٠١٢م، واجهت الحكومة الجديدة في باريس تحديين رئيسيين في المنطقة ومن الضروري أن نشرح هذه الظروف لفهم سبب الدعم الفرنسي لخليفة حفتر في الصراع الليبي.

 أولا في بداية عام ٢٠١٣م، أدى سيناريو اسقاط السلطة في مالي -من خلال هجمات الحركات الإرهابية تجاه العاصمة باماكو-بفرنسا إلى تدخل عسكري في البلد الإفريقي لإنقاذ الحكومة الشرعية وكان هناك علاقة ارتباطية واضحة بين الأزمة في مالي وعدم الاستقرار في ليبيا الذي كان له أثر على الأمن في الساحل وعلى وجود حركات إرهابية في المنطقة ولاسيما مع غياب سيطرة الدولة الليبية على منطقة فزان الجنوبية حيث جندت الشبكات الإرهابية كثيرًا من مقاتليها لشن هذه الهجمات،  فهكذا أصبحت مالي وكل منطقة الساحل مركز الجاذبية للقوات المسلحة الفرنسية التي بقيت هناك بعد عملية "سيرفال" والتي تلتها  عملية "برخان" الجديدة  التي شملت  نشر ٥٠٠٠ جندي فرنسي في بلدان الساحل (مالي، النيجر، بوركينا فاسو، موريتانيا، تشاد). في هذا السياق، الأولوية الأهم  لباريس في ليبيا لم تكن المفاوضات بلا نهاية بين القوات السياسية المتنافسة في طرابلس بل منع تدفق المقاتلين من ليبيا إلى دول الساحل.

في نفس الوقت كانت النتيجة الأخرى للفوضى في ليبيا زيادة عدد المهاجرين الذين كانوا يحاولون الوصول إلى أوروبا عبر عبور البحر المتوسط وأصبحت هذه الظاهرة مسألة من المسائل الدولية الراهنة للاتحاد الأوروبي بعد عام ٢٠١٥م، وتفسّر هذه المسألة ضرورة عودة الاستقرار إلى ليبيا.

بالإضافة إلى السببين الآنفين يبدو أن الرؤية السلبية الفرنسية عن دور الإسلام السياسي بشكل عام -وتحديدًا العملية السياسية الجديدة في ليبيا -أثرت على صناعة القرار في باريس وخاصة بعد تعميق الانقسام بين الجيش الوطني الليبي التابع لحفتر والمؤتمر الوطني العام في سنة ٢٠١٤م، في هذا الصدد يظهر أن التقارب الاستراتيجي بين فرنسا والإمارات يفسّر اختيار حفتر. في رؤية باريس كما في رؤية أبو ظبي التحدي الأكبر كان إمكانية التوسّع الأيديولوجي والجغرافي لحركات الإسلام السياسي وخصوصًا الإخوان المسلمين.

تشابه الرؤيتين الفرنسية والإماراتية يدلّ على سبب دعمهما للمارشال حفتر الذي قدم نفسه بعد الأزمة السياسية عام ٢٠١٤م، كممثل الوطنيين الليبيين ضد المؤتمر الوطني العام الذي كان يشمل الإخوان المسلمين. هكذا رأت الحكومة الفرنسية خلال هذه الفترة حفتر كالرجل العسكري القوي الذي كان يستطيع أن يؤمِّن الاستقرار في ليبيا ولكن أظهرت الأحداث بعد عام ٢٠١٤م، أن هذا التحليل كان خاطئًا.

حسب الصحف الفرنسية يبدو أن التقارب بين فرنسا وحفتر بدأ في نهاية عام ٢٠١٤م، ولعب جان إف لودريان دورًا حاسمًا في هذا الملف. كان لودريان وزير الدفاع وصديقًا مقربًا للرئيس الفرنسي السابق هولاند ولذلك كان  لديه تأثير واضح على صناعة القرار الاستراتيجي. باسم البراغماتية اعتبر لودريان ومستشاريه حفتر كحلّ للأزمة الليبية والتقى بالضابط السابق في جيش معمر القذافي عدة مرات منذ عام ٢٠١٤م، وخلال هذه الفترة بدأ التعاون السري حول تسليح فرنسا لقوات حفتر، فحسب عدة مصادر صحفية تسللت القوات الخاصة الفرنسية إلى أراضي ليبيا عام ٢٠١٦م، لدعم حفتر لوجستيًا بصواريخ موجهة مضادة للدروع "جافيلين"، على الرغم من حظر الأمم المتحدة توريد الأسلحة إلى ليبيا. فبعد فوز إيمانويل ماكرون في الانتخابات الفرنسية عام ٢٠١٧ بقي لودريان في الحكومة وظل يُدافع عن هذا الموقف الفرنسي نحو الملف الليبي وبالتالي زاد التوتر بين باريس والعواصم الأوروبية الأخرى ولاسيما روما حيث كان المسؤولون السياسيون يعتبرون حكومة فايز السراج كالممثل الشرعي في ليبيا وحفتر كزعيم عسكري خطير.  بعد شهرين من انتصار ماكرون الانتخابي في يوليو عام ٢٠١٧م، استقبل الرئيس الفرنسي الجديد حفتر والسراج لاجتماع دبلوماسي في باريس وعبر هذه الدعوة الفرنسية الرسمية لحفتر على نفس المستوى البروتوكولي مع السراج أصبح المارشال الليبي مسؤولاً سياسيًا شرعيًا وموثوقًا في العملية الدبلوماسية. هكذا سهّل ماكرون و لودريان رمزيًا الاعتراف الدولي بحفتر ومن الممكن انّ الدعم الفرنسي الدبلوماسي والدعم غير المباشر عبر المساعدة العسكرية لعبا دورًا مهمًا في حساب حفتر الاستراتيجي و في قراره  شنّ عملية عسكرية ضد طرابلس في أبريل ٢٠١٩م، ففي بداية الحرب الأهلية الجديدة ما أدانت الحكومة الفرنسية هجوم حفتر رسميًا وفي الواقع  يبدو أن المسؤولين الفرنسيين كانوا يتوقعون سقوط طرابلس و انتصار حفتر بسرعة، لكن بعد سلسلة هزائم لقوات المارشال اكتشفت باريس خطأ تقديراته و في بداية عام ٢٠٢٠م، تغيرت ساحة المعركة كليًا مع التدخل العسكري التركي لدعم حكومة السراج و هذه التعزيزات أدت إلى هجوم مضاد ضد جيش حفتر و بعد عدة شهور قلبت  السلطة في طرابلس الموقف لصالحها و يظهر الآن انّ حفتر يواجه حالة عسكرية يائسة.

         

اليوم يجب على الدول مثل فرنسا والإمارات ومصر التي كانت تعتبر حفتر كحلٍّ للحرب الأهلية في ليبيا أن تُكيِّف موقفها وبالنسبة إلى باريس أعلنت وزارة أوروبا والشؤون الخارجية أن "فرنسا تدعو للعودة إلى المسار السياسي" وهكذا مالت الحكومة الفرنسية أخيرًا إلى الموقف الأوروبي المتمثل بمبادرة ألمانيا للحوار التي ما دعمتها باريس سابقًا. لكن في الوقت نفسه أكد الرئيس ماكرون إن التدخل التركي في ليبيا غير مقبول من الدول الأوروبية التي تريد الحفاظ على مصالحها وأن "الرئيس أردوغان يلعب دورًا خطيرًا في ليبيا" فنرى عبر تطور الصراع الليبي البعد الإقليمي ولاسيما النزاع بين فرنسا وتركيا الذي بدأ في ليبيا واليوم توسّع إلى المنطقة الشرقية للمتوسط بعد أن زاد التوتر التركي-اليوناني حول حدود المناطق الاقتصادية الخاصة بهما والقرار الفرنسي بدعم اليونان عبر نشر سفن حربية. في هذا السياق أظهرت القضية الليبية عمق التنافس بين باريس وأنقرة وفي نهاية المطاف  يبقى مستقبل ليبيا غير واضح.

 يمكننا أن نفترض التحديات الشديدة لباريس إذا بقي التأثير التركي قويًا في المسرح السياسي في طرابلس وخصوصًا من خلال دعم الحركات القريبة من الإخوان المسلمين. في هذا السياق يبدو أن الحكومة الفرنسية لم تعد تتصور خيار المارشال حفتر ناجحًا وتعتبر العودة إلى المفاوضات وتنظيم انتخابات جديدة الحلّ الوحيد لمستقبل ليبيا، إذًا هل ستؤدي المفاوضات الليبية السابقة في المغرب في شهر سبتمبر إلى هذه النتيجة؟  سؤال تجيب عنه الأسابيع القادمة.

مقالات لنفس الكاتب