; logged out
الرئيسية / دور مجموعة العشرين في دعم الدول الإفريقية: 3 ركائز أساسية للتعاون

العدد 155

دور مجموعة العشرين في دعم الدول الإفريقية: 3 ركائز أساسية للتعاون

الإثنين، 26 تشرين1/أكتوير 2020

تشكلت مجموعة العشرين في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين استجابة للتحديات الاقتصادية والمالية التي مست اقتصاديات دول جنوب شرق آسيا والمكسيك بسبب الأزمة المالية التي كانت تداعيتها  أليمة جدًا في عصر العولمة القائمة على الترابط الاقتصادي والمالي العالمي، حيث يشبه هذا الترابط بما جاء في الحديث الشريف" كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر"، ونتيجة لعجز الدول الصناعية السبعة الكبرى عن إيجاد الحلول المناسبة، بسبب حدة ودرجة الأزمات المالية وعدم قدرتها على الاستجابة لثقل التحديات الملقاة على عاتق الدول الغربية ومؤسسات برتن وودز، كان لزامًا أن يتم توسيع الدائرة الاقتصادية الغربية للدول الاقتصادية الصاعدة وذات الثقل المالي في محيطها الإقليمي والدولي، بغرض توسيع الحوار المتعدد الأطراف حول مستقبل الاقتصاد والاستقرار المالي العالمي، بحثًا عن الحلول التي تتجاوز الإطار الوطني والإقليمي، وأضحت بذلك المجموعة العشرين أكبر منتدى دولي للتعاون والتشاور في الميدان الاقتصادي والمالي.

أولا: مجموعة العشرين ثقل جيواقتصادي وجيوستراتجي.

أثبتت المجموعة الاقتصادية أهميتها ومكانتها عقب انفجار الأزمة المالية العالمية لسنة 2008م، من خلال الحوار والتشاور لإدارة الأزمات المالية العالمية وإيجاد الحلول المشتركة لأزمات تتجاوز قدرات الدولة الوطنية والاقتصاديات الغربية، بما فيها مجموعة السبعة، التي فقدت شرعيتها من حيث ثقلها المالي والاقتصادي وعدم تمثيلها الحقيقي للقوة الاقتصادية العالمية. وعليه، فإن الأدبيات المهتمة بدراسة وتحليل قوة مجموعة العشرين كثيرًا ما تشير إلى عناصر القوة الاقتصادية والمالية حيث تستحوذ على 90 بالمائة من الإنتاج الداخلي الخام العالمي، وتهيمن على 80 بالمائة من حجم التبادلات التجارية العالمية بما فيها التجارة الأوروبية البينية، كما تمثل ثلثي سكان العالم، حيث يتوزع أعضاؤها جغرافيًا على خمس قارات، وينتمي ثلاث دول منها لاتفاق التبادل الحر لأمريكا الشمالية وأربع دول أخرى لتكتل الاتحاد الأوروبي وثلاث دول إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، وهو ما يضفي عليها صفة التمثيل الجيو-اقتصادي، والجيواستراتيجي.

وضعت مجموعة العشرين مجموعة من الركائز تسعى من خلال القمم الدورية إلى تحقيقها، وتتمثل أساسًا في: تعزيز وتنمية الاقتصاد العالمي، إصلاح المؤسسات المالية الدولية وتحسين النظام المالي العالمي، تنمية الميكانيزمات الموجهة لإنشاء مناصب الشغل، مع تفعيل مبادرات التبادل المفتوح.

ثانيًا: اتفاق الشراكة مع إفريقيا نموذجًا للتعاون والشراكة: الفرص والتحديات.

إذا كان الهدف الأساسي من إيجاد مجموعة العشرين يتمثل في البحث الدائم عن الاستقرار المالي العالمي وتجنب العلاقات الاقتصادية الدولية لكثير من الصدمات الفجائية على المديين المتوسط والبعيد، فإن الاهتمام بالدول النامية كان في صلب التفكير الاستراتيجي لقادة مجموعة العشرين، حيث مثل اتفاق مجموعة العشرين مع إفريقيا، الذي انبثق عن اجتماع قمة مجموعة العشرين بألمانيا في مارس 2017م، نموذجًا للتعاون والشراكة بين الدول الاقتصادية الكبرى وعشرة دول إفريقية الذي توسع فيما بعد إلى اثنتي عشرة دولة، الغرض منه ربط إصلاحات السياسات العامة لهذه الدول بتحفيز استثمارات القطاع الخاص، حيث يقوم الاتفاق على ثلاثة ركائز أساسية، أولها، العمل على إيجاد اقتصاد كلي مستقر، ثانيًا، بيئة استثمار مواتية وثالثًا، نظام مالي ومصرفي فعال وشفاف. وهي شروط أساسية لتحفير استثمارات القطاع الخاص التي تلتزم بها مجموعة العشرين.

حسب خبراء البنك العالمي، فإن اتفاق مجموعة العشرين مع إفريقيا يتمتع بمجموعة من المميزات الإيجابية مقارنة بالمبادرات السابقة التي كانت تخضع لصندوق النقد الدولي، منها، أنها مبادرة طويلة المدى، مما يسهل الاستمرارية في الإصلاحات المؤسساتية في الفترة التي تغطيها خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة(2015-2030)، كما يضمن الاتفاق مع إفريقيا آليات الرقابة الدورية المشتركة، الشفافية والمساءلة من خلال الفرق المختصة بمتابعة تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها. ومن جهة أخرى، فإن الاتفاق مع إفريقيا يدمج كل القارة الإفريقية على عكس المبادرات السابقة التي كانت تخضع للتقسيمات الإقليمية والجغرافية بين دول عربية وإفريقية، دول جنوب الصحراء ودول شمال إفريقيا، وأخيرًا، فإن الاتفاق مع إفريقيا يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل دولة إفريقية ويتم الاندماج فيها حسب الطلب ووفق الأولويات التي تحددها الدول الإفريقية، بالمقابل تلتزم مجموعة العشرين والمنظمات المالية الدولية، المتمثلة في البنك العالمي، وصندوق النقد الدولي وصندوق التنمية الإفريقي على التنسيق فيما بينها من أجل زيادة المساعدات الفنية قصد إنجاز الإصلاحات ورفع من قيمة الدعم لإنجاز مشاريع البنية القاعدية.

ويعد الاتفاق مع إفريقيا اتفاقا مكملا لمجموع المبادرات الموازية مثل أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لسنة 2030م، وأجندة الاتحاد الإفريقي لسنة 2063م، حيث تهدف هذه المبادرات على المدى البعيد إلى تحقيق التنمية المستدامة في أبعادها الثلاثة، التنمية الاقتصادية، التنمية الاجتماعية والبعد البيئي، وكما جاء في خطة التنمية المستدامة لسنة 2030م، فإن الأمم المتحدة تسعى إلى تحقيق الهدف الأسمى المتمثل في القضاء على طغيان الفقر بجميع صوره وأبعاده، بما في ذلك الفقر المدقع، وهو أكبر تحد يواجه العالم، وعليه، فإن مجموعة العشرين من خلال الاتفاق مع إفريقيا تسعى إلى المواجهة المشتركة مع الدول الإفريقية للتحديات التنموية من خلال مقاربة تعزيز استثمارات القطاع الخاص، قصد المساهمة في الحد من الفقر والحرمان، القضاء على عدم المساواة داخل الدول وفيما بينها، محاربة البطالة في أوساط الشباب. وقد التزمت مجموعة العشرين لأول مرة في قمة همبورغ يومي 7 و8 يوليو 2017م، بدعم المستقبل الاجتماعي والاقتصادي للقارة الإفريقية عن طريق استثمارات القطاع الخاص مع مساندة قضايا المنظمات غير حكومية في ميداني الصحة والتربية، كما صرحت بذلك المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، صاحبة المبادرة :" لدينا لأول مرة، مخطط للتنمية لإفريقيا ومن أجلها، ويمكننا من الآن وصاعدا أن نعمل مع إفريقيا"، وكان ذلك تصريحًا معبرًا على الإرادة السياسية لمجموعة العشرين أن تضطلع بالتنمية في إفريقيا، حيث تم ترجمته في قمة برلين بتاريخ 12 يونيو 2017م، بوضع الأسس مع ممثلين كل من، كوت ديفوار، إثيوبيا، غانا، المغرب، رواندا، السنغال وتونس في إطار مؤتمر دولي بعنوان :" الشراكة الإفريقية مع مجموعة العشرين: الاستثمار في المستقبل المشترك"، وفي قمة العشرين بتاريخ 8 يوليو 2017م، التزمت دول مجموعة العشرين في البيان الختامي :" بتشجيع القطاع الخاص، استغلال الفرص الاقتصادية الإفريقية بدعم النمو المستدام وإنشاء مناصب الشغل".

ويعكس البيان الختامي، إدراك القوى الاقتصادية الكبرى للتحديات الإفريقية، حيث سيتضاعف عدد السكان في القارة الإفريقية إلى مليارين ونصف في آفاق 2050م، ونصف هؤلاء السكان سيكون سنهم أقل من 25 سنة، مما سيجعل القارة السمراء الأكثر ديناميكية والأكثر شبابًا في العالم، بحيث سيشكل هذا الانفجار الديمغرافي تحديًا بالنسبة للبحث عن فرص العمل والعيش الكريم وفي الوقت ذاته أكبر فرصة للقرن الواحد والعشرين بتحويلها إلى محرك للنمو الاقتصادي والاجتماعي العالمي في السنوات القادمة، وهو ما تحاول مجموعة العشرين استثماره في الاتفاق مع إفريقيا، لإدراكها بأن الحلول على المديين المتوسط والبعيد لقضايا الهجرة غير الشرعية، الإرهاب والجريمة المنظمة والتغيرات البيئية لا يمكن مواجهتها بدون الشراكة مع القارة الإفريقية، وفق قاعدة رابح-رابح، كما طالب بذلك القادة الأفارقة في قمة برلين، وتكون نواتها الصلبة التزاوج بين المتطلبات الاجتماعية والتربوية وخلق فرص الاستثمارات في القطاعات الواعدة، قطاع الفلاحة والزراعة، الصناعة والتكنولوجيات المتقدمة، السياحة، تكنولوجيات الاتصال والطاقات المتجددة وهي ميادين تتطلب الاستثمار الاجتماعي في التعليم والتكوين وإيجاد مناصب شغل للشباب، لأنه بعد خمسين سنة سيكون الشباب في إفريقيا أكثر من مجموع الشباب في بلدان مجموعة العشرين، وعليه، تتطلب السياسات العامة في إفريقيا وشركائها الدوليين وضع استراتيجيات مشتركة من أجل الاستثمار في المجالات التي تدمج الديناميكية الحيوية للشباب في التنمية المستدامة بأبعادها المتعددة، بحيث يمكن لمجموعة العشرين أن تساهم إلى جانب مقاربة التنمية عن طريق استثمارات القطاع الخاص، بدعم الاستثمارات العمومية بما في ذلك تقديم المساعدات للتنمية في قطاع التربية، لاسيما دعم الشراكة العالمية من أجل التربية وصندوق "التعليم لا يمكن أن ينتظر"، لآنه بالرغم من المجهودات التي تبذلها الدول الإفريقية في إطار أهداف التنمية المستدامة في آفاق 2030، إلا أن 34 مليون طفل إفريقي لم يلتحقوا بمقاعد الدراسة الابتدائية، وبالأخص في البلدان الهشة أو تلك التي تعيش حالات النزاعات المسلحة، فضلاً على أن تقديرات الخبراء في مجال التربية والتعليم يؤكدون على أن أغلبية التلاميذ الأفارقة لا يتلقون المعرفة والتعليم القاعدي بعد مزاولتهم الدراسة الإجبارية، بسبب العجز الكبير في الموارد البشرية، المادية والبيداغوجية المطلوبة. لأنه في النهاية، لا يمكن أن نعتمد على الاستثمارات على المدى البعيد إن لم تكن لدينا موارد بشرية مؤهلة ومختصة في المجالات المتعددة التي تستوجبها الاستثمارات الخاصة.

إضافة إلى الاستثمارات في التنمية البشرية والاجتماعية، فإن هناك مسؤولية مشتركة بين مجموعة العشرين والدول الإفريقية في تحسين بيئة الاستثمارات، التي تتطلب محاربة الفساد والتهريب الجبائي حيث تقع المسؤولية الكبرى على مجموعة العشرين التي يمكن أن تضع حدًا للفساد السياسي والمالي التي تعرفه بعض البلدان الإفريقية من خلال الكشف عن الحسابات المالية في البنوك الغربية للمسؤولين الحكوميين الأفارقة الذين يثبت تورطهم في الكسب غير المشروع ونهب المال العام من خلال استغلال الوظائف السياسية والإدارية، وهي من بين الآليات التي يجب أن تفعل لبناء الثقة داخل إفريقيا، خاصة في أوساط الشباب الذين يعتقدون حسب تقرير قدمته منظمة الشفافية الدولية ومعهد دراسات أفروميتر سنة 2019م، شمل استطلاع 47 ألف مواطن إفريقي في 35 دولة إفريقية ما بين عامي 2016-2018 م، بأن الفساد يزداد سوًا، وأن سبل حكومتهم في محاربته ضعيفة وغير كافية، وكل مؤشرات قياس الفساد في إفريقيا، من مؤشر إدراك الفساد، ومؤشرات الحوكمة للبنك العالمي والأفروبارومتر، تشير إلى ترتيب الدول الإفريقية ضمن الدول الخمسين الأكثر فسادًا في العالم، وهو العائق الأكبر الذي يواجه التنمية الاقتصادية، السياسية والاجتماعية في إفريقيا، ويمس بتحسين الحياة للأفراد، العائلات والمجتمع من أجل مستقبل أكثر استقرارًا ورفاه، وهو ما يؤدي بدوره إلى تعطيل الأهداف الأممية للتنمية المستدامة في آفاق 2030م، في إفريقيا والعالم كذلك، كما صرح بذلك الأمين العام للأمم المتحدة، أنتونيو غوتاراس، بقوله:" إذا لم تحقق إفريقيا أهداف التنمية المستدامة، فإن العالم لن يحقق أهداف التنمية المستدامة" إلا أن مدير البنك الإفريقي للتنمية، أكينومي أديسينا، بقي متفائلا:" أعتقد بكل ثقة بأن تغيير الإيقاع الذي تستوجبه السرعة المطلوبة، بالمسؤولية المشتركة الجماعية على المستوى العالمي، سيمكن إفريقيا من تحقق أهداف التنمية المستدامة في آفاق 2030". وفي هذا الصدد، فإن الركيزة الأساسية الأولى التي تعتمد عليها مجموعة العشرين في اتفاق الشراكة مع إفريقيا، تهدف إلى تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي، لأنها الشرط الأساسي لتحفيز استثمارات القطاع الخاص، وهي من بين الأهداف التي سطرتها الأجندة الإفريقية لآفاق 2063م، التي تسعى إلى التحول الاقتصادي الهيكلي للقارة الإفريقية بإدماج التحول الشامل في مختلف الميادين الصناعية، الفلاحية وقطاع الخدمات بغرض تحسين وتيرة النمو الاقتصادي السريع، الدائم والمستقر، وحسب بيانات اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة لإفريقيا التي توقعت ارتفاع النمو سنة 2019م، إلى 3.4 بالمائة و3.7 بالمائة سنة 2020 م، طالبت من دول القارة الإفريقية تحقيق النمو القوي والشامل حتى يتسنى لها الخروج من شبكة التبعية للأسواق الدولية للمواد الأولية. إلا إن تلك التوقعات اصطدمت بمتغير بيئي خارجي، تمثل في جائحة كوفيد 19، التي غيرت من كل التوقعات الممكنة والمحتملة، حيث أكدت المؤشرات الأولية على الانخفاض المذهل للنمو في إفريقيا، ففي تقرير أصدره البنك العالمي الخاص بمعدل النمو في منطقة جنوب الصحراء، في شهر أبريل 2020م، توقع أن ينخفض النمو بشكل حاد من 2.4 بالمائة في سنة 2019 إلى ما بين سالب 2.1 بالمائة وسالب 5.1 بالمائة سنة 2020م، وهو أول كساد تشهده المنطقة منذ ربع قرن، مما ستنعكس عنه خسائر مالية تتراوح بين 37 مليار دولار و79 مليار دولار في سنة 2020م، لعدة عوامل متكاثفة أبرزها تعطل التجارة البينية، تراجع تدفقات التمويل الخارجي وتحويلات الجالية الإفريقية في الخارج، تجميد السياحة، نقص الاستثمار الأجنبي المباشر، وتقليص المعونات الأجنبية. وخلال اجتماع صندوق النقد الدولي في بداية شهر أكتوبر 2020م، صرحت كريستالينا غورغييفا، مديرة الصندوق بأن القارة الإفريقية تحتاج إلى 1.2 ترليون دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة (2021-2023) للتعافي من التكاليف الاقتصادية والصحية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا، بالرغم من أن الكثير من الحكومات الإفريقية قد انتهجت سياسات كلفت 2.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن الدول الإفريقية تواجه عجزًا كبيرًا في التمويل بسبب أعباء الديون وفوائدها، وهو ما جعل مديرة صندوق النقد الدولي توجه دعوة لمجموعة العشرين إلى تمديد وقف سداد الديون وإتاحة المزيد من الأموال للإقراض، للسماح للدول الإفريقية المتضررة بالإنفاق الإضافي على القطاع الاجتماعي والصحي.

بالرغم من مجموع التحديات التنموية التي تعرفها القارة الإفريقية ما قبل كورونا أو ما بعدها حيث تزايدت حدة تلك التحديات، إلا أن الفرص المستقبلية التي تمنحها القارة للاستثمارات الخاصة تبقى قائمة على المديين المتوسط والبعيد، فإضافة إلى القوة الديمغرافية الإفريقية المستقبلية كما تم الإشارة إليها سابقًا، فإنها تمثل فرصة لمستقبل السوق الاستهلاكية العالمية، حيث قدر معهد بوكينغز اتجاهات السوق الاستهلاكية الإفريقية من حيث إنفاق المستهلكين بصورة إيجابية من حيث نمو معدله السنوي، قدر نموه بما يقارب 4 بالمائة منذ عام 2010م، حيث وصل حجم الإنفاق الاستهلاكي 1.4 ترليون دولار سنة 2015م، ومن المتوقع أن يتصاعد إلى 2.5 ترليون دولار بآفاق 2030م، وهو ما يتوافق مع تقديرات البنك الإفريقي للتنمية فيما يخص نمو الطبقة الوسطى في القارة الإفريقية من 350 مليون نسمة سنة 2020م، إلى ما يقارب مليار نسمة بآفاق2040م، كما يمثل المؤشر الديمغرافي من حيث نسبة الفئة الشابة النشطة التي تصل إلى 22 بالمائة، عامل إيجابي ومحفز في التحول الاقتصادي الإفريقي من حيث المشاركة في إنشاء المقاولات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إذ تسجل القارة الإفريقية النسبة الأكبر في معدلات المقاولاتية في العالم، حسب تقديرات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، ويشير تقرير مركز أهداف التنمية المستدامة لإفريقيا الذي تم نشره في يونيو 2019م، إلى أن 35 دولة إفريقية قد أنجزت 50 بالمائة فما فوق الأهداف السبعة عشر التي حددتها الخطة الأممية في آفاق 2030م، كما ستشهد القارة الإفريقية مع نهاية سنة 2020م، وضع مجال التنفيذ اتفاقية منطقة التبادل التجاري القارية الحرة في إطار التحولات الاقتصادية الهيكلية، وهي فرصة استراتيجية لتحفيز الاستثمارات الخاصة بعد رفع الحواجز الحدودية والجمركية، من أجل تنويع الاستثمارات خارج قطاع المواد الأولية التي تشكل لأغلبية الدول الإفريقية عبئًا ثقيلاً على موازنتها المحلية بسبب التقلبات الفجائية والمستمرة التي تشهدها سوق المواد الأولية.

إلى جانب القوة الديمغرافية وما تمثله من إغراءات لتحفيز الاستثمارات الخاصة، فإن القارة الإفريقية تحتوي على موارد حيوية ذات بعد عالمي، حيث تمثل الثروة الفلاحية في إفريقيا فرصة للاستثمارات الخاصة لاستحواذها على60 بالمائة من الأراضي الفلاحية الغير مستغلة في العالم، كما لديها قدرات طاقوية من النفط والغاز، وتراقب ما يزيد عن 50 بالمائة الموارد العالمية من الألماس، وتستحوذ جمهورية الكونغو الديمقراطية لوحدها 58 بالمائة من معدن الكوبالت، الذي يستخدم في المركبات الإلكترونية، بينما تملك جنوب إفريقيا ما يقارب 70 بالمائة من الإنتاج العالمي للبلاتين، وهي كلها موارد حيوية تحفز على الاستثمارات الخاصة من خلال بناء الشراكة العالمية.

إن القارة الإفريقية بالنسبة لمجموعة العشرين تشكل فرص لامتناهية لمستقبل التعاون والاستثمار، وكما كتب الاقتصادي، أيوديلا أودوسولا، من المكتب الجهوي لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية في إفريقيا، "فإن الاستثمار في إفريقيا يمثل فرصة للأعمال الجيدة واستراتيجية للمؤسسة ذات ضمانة ومصداقية، وعلى الدول المتقدمة والصاعدة، لاسيما تلك المجتمعة في نادي العشرين، أن تحفز الحكومات والقطاع الخاص في بلدانها لاستغلال الفرص الجديدة للاستثمار المربح"، ولا تنقص في هذا المجال النماذج المربحة، فمثلا، تكنولوجيات شبكات البعوض التي أنتجتها الشركة اليابانية العتيقة، صوميتومو الكيميائية، ساعدت على مكافحة الملاريا، كما ساهمت شركة سوناطراك النفطية الجزائرية باستخدام تكنولوجية تحلية مياه البحر على تغطية العجز في المياه الصالحة للشرب، لأن في إفريقيا كل هدف من خطة أهداف التنمية المستدامة تعرض حلول تجارية وامكانيات للاستثمار ومساهمة الرأسمال الخارجي في بناء شراكة رابح-اربح. وهذا ما جعل بعض القوى الاقتصادية المنضوية في إطار مجموعة العشرين أن تبني استراتيجياتها تجاه القارة الإفريقية في خضم التنافس الدولي، كما تبينه استراتيجيات التنافس الأمريكي-الصيني-الأوروبي بشكل واضح، ففي المؤتمر الثالث للمبادرة السياسية الاقتصادية للاتفاق مع إفريقيا الذي انعقد ببرلين في نوفمبر 2019م، بحضور اثنتا عشرة دولة إفريقية، حاولت ألمانيا تدارك تأخرها في إفريقيا اقتصاديا، بالرغم من تواجد 800 مؤسسة ألمانية في إفريقيا، فإن نسبة التبادلات التجارية بقيت ضئيلة جدًا مقارنة بالتجارة البينية الإفريقية مع الصين، الولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا، وهو ما جعل المستشارة الألمانية انجيلا ميركل تتخذ بعض المبادرات لتحفيز الاستثمار الألماني في إفريقيا، من بينها إنشاء صندوق النمو الإفريقي بقيمة 170 مليون يورو بمساهمة البنك الألماني لقرض إعادة البناء ومجموعة أليانز، دوره تزويد الموارد المالية لصندوق رأسمال الاستثمار وصندوق رأسمال المخاطر الإفريقية، بهدف تمويل 150 شاب والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لإنشاء 25 ألف وظيفة في آفاق 2030م. كما وقعت شركة سيمنس الألمانية اتفاق مع الحكومة الغانية لبناء مشروع مركز الطاقة الشمسية بقيمة 61 مليون يورو، في الوقت الذي وقعت حكومة البنين مع الحكومة الألمانية برتوكول اتفاق لتمويل بناء طريق الصيد البحري على طول الشريط البحري للبنين الذي برمج ضمن استراتيجيتها السياحية والذي يشمل مركبات سياحية ومحطات للاستجمام وبناء مطار جديد يربط غلو-جيغبي. أما مع السينغال فقد التزمت الحكومة الألمانية بمنحها هبة تقدر ب180 مليون يورو للدعم المالي والتقني، قصد دعم وتشجيع الإصلاحات من أجل ترقية استثمارات القطاع الخاص، وكل هذه المؤشرات تؤكد ما ذكره الأمين العام الأممي، غوتاريس، :"لا يمكن تصور تنمية مستدامة في العالم بدون تنمية مستدامة في إفريقيا".

مقالات لنفس الكاتب