array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 155

العالم يتطلع أن تشهد قمة الرياض جهدًا خلاقًا لإصلاح منظمات التجارة والعمل

الأحد، 01 تشرين2/نوفمبر 2020

يتمثل جوهر هذا المقال في أنه، عرض عام لـ"عولمة" أسواق العمل والتجارة العالمية، في محاولة لفهم بعض الدروس المستفادة من الأزمة المستمرة لجائحة الفيروس التاجي "كورونا"، وهي مسألة يُظَنُّ أن مؤسسات بريتون وودز تلعب فيها الدور الأكبر. وفي نطاق اختصاصها الحالي، تتمتع مجموعة العشرين بقدرات سياسية واقتصادية خاصة تُؤهلها لتوجيه هذه المؤسسات لتنفيذ جدول أعمال أكثر طموحًا. وإذا كان ضعف النمو الاقتصادي العالمي بعد الأزمة المالية العالمية، في عام 2008م، قد أدى إلى دفع السياسيين، وصانعي السياسات، إلى التركيز بشكل متزايد على أهمية مصادر النمو طويلة الأجل، فإن جائحة "كورونا" تراجعت بالتوقعات بما يتجاوز الهدف المباشر المتمثل في تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي والحفاظ عليه. والسؤال هو: كيف يمكن لمجموعة العشرين أن تحفز على النمو؟ وكيف يمكن أن تشجع مجموعة العشرين أعضاء مؤسسات بريتون وودز على متابعة الاتفاقيات والسياسات، التي تقلل من تأثير عدم اليقين على جهود البحث والتطوير في مجالات المال والأعمال والابتكار؟ ويجب أن يشمل هذا التشجيع اتفاقية منظمة التجارة العالمية، وذلك لتحييد التعزيز المتصاعد لحقوق الملكية الفكرية، وسياسات الإفصاح والترخيص لبراءات الاختراع الأساسية القياسية، وتنفيذ الإصلاحات التنظيمية الداعمة الأخرى؛ وزيادة حوافز الائتمان الضريبي، والإعانات المباشرة للتخفيف من الآثار السلبية لما يتبقى من عدم اليقين. ويتوقع العالم أن تُعنى مجموعة العشرين بمناقشة أسواق رأس المال العالمية، التي يلعب فيها صندوق النقد الدولي دورًا كبيرًا، في محاولة لتطبيق بعض الدروس المستفادة من الأزمة الراهنة. ولن تغيب عن المجموعة قضايا التجارة في السلع والخدمات، التي تمارس فيه منظمة التجارة العالمية دورًا حاسمًا؛ وبعد ذلك، يتوقع أن تُحظى التنمية بنصيبها المستحق، حيث يتولى البنك الدولي زمام القيادة بين المنظمات الدولية. وقد تُستدعى منظمة العمل الدولية إلى الذاكرة الجمعية لمجموعة العشرين لما لقضايا العمل والعمال من أهمية على المستوى العالمي.

هيمنة العولمة:

تُرشدنا الكثير من الأدبيات أن "العولمة" ليست فقط شبكة الإنترنت ووسائل الاتصالات، بل هي أيضًا الطريقة الأكثر تقليدية، التي يفهم من خلالها الاقتصاديون تفصيلات علاقات العمل، وتجارة السلع، إلى التجارة في الخدمات والأصول. لكن الجديد هو أن السوق بات "مأزومًا" بالقدر، الذي يمكن للأقوى أن يُسيطر عليه، ويستخدم حتى قوانينه المحلية في التحكم فيه، كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية اليوم. بينما الحالة النظرية للتجارة الحرة، تسمح للبلدان بالتركيز على الأنشطة، التي تتمتع فيها بميزة نسبية وتخضع الشركات لنظام سليم للمنافسة الأجنبية. وهذا يعني زيادة الإنتاجية وزيادة مستويات المعيشة، بينما يتمتع المستهلكون بإمكانية الوصول إلى مجموعة متنوعة من السلع والخدمات بتكلفة أقل. إن هذا صحيح ليس فقط من الناحية النظرية، بل صحيح أيضًا في الممارسة، إذ اعتمد الازدهار، بعد الحرب العالمية الثانية، في جزء كبير منه، على التوسع السريع في التجارة الدولية في السلع والخدمات، التي نمت عامًا بعد عام بسرعة أكبر من الإنتاج. لذا، فإن الحجة النظرية لحرية حركة رأس المال هي في الأساس نفس حجة التجارة الحرة في السلع، إذ يمكن توجيه الأموال إلى أكثر الاستخدامات ربحية في جميع أنحاء العالم، وتمويل فرص الاستثمار المنتج حتى عندما تكون المدخرات المحلية نادرة. ومع ذلك، جعلت الأزمات الأخيرة، بما فيها جائحة الفيروس التاجي "كورونا"، هذا الاقتراح أكثر إثارة للجدل.

إن الهيمنة باسم "العولمة" يمكن أن تخلق الخاسرين، وكذلك الرابحين، ومن الطبيعة البشرية أن يكون أولئك، الذين يخسرون، أكثر صراحة من أولئك، الذين يربحون. وتثير التجارة الحرة مخاوف من أن تؤدي المنافسة من الاقتصادات ذات الأجور المنخفضة إلى إزاحة العمال من وظائف المصانع ذات الأجر الجيد إلى أعمال أقل جاذبية في قطاع الخدمات، وهي عملية يميل الأوروبيون إلى رؤيتها فيما يتعلق بمؤسسات أمريكية؛ مثل، ماكدونالدز، ولكنها تنطبق أيضًا على تحول التشغيل نحو الوظائف المرتفعة، كالصناعات التقنية. كما يُنظر إلى العولمة على أنها قيد على السياسات الاقتصادية الوطنية، إذ ارتبطت التقلبات الهائلة في تدفقات رأس المال بأزمات مالية حادة، واضطرابات اقتصادية في سلسلة من اقتصادات السوق الناشئة سريعة النمو، في السابق. وهناك مخاوف أخرى، لا سيما بشأن التجانس الثقافي، وأن الحديث يدور بأصوات عالية بأن المنظمات العالمية؛ بما فيها مجموعة العشرين، على مفترق طرق، فإما أن تتراجع إلى إعادة تأكيد تعددية مسترشدة بأولوية الرخاء الاجتماعي، أو الالتزام بمبدأ التبعية، وهيمنة أحادية جديدة.

وإذا ركزنا على مؤسسات بريتون وودز، وخاصة على الدروس، التي نستخلصها الآن من أزمة الجائحة المستمرة، التي وُصفت مرارًا بأنها أزمة "العولمة"، فإن اللافت للنظر أن معظم صانعي السياسة قاوموا أصوات صفارات الإنذار، التي حثتهم على نبذ خطايا هذه "العولمة"، وإغلاق أسواق رأس المال واقتصاداتها المتداخلة، والتراجع إلى العزلة. ولكن الثبات المثالي، الذي تحلت به الكثير من دول العالم الثالث تحت وطأة الجائحة، وما تولد عنها من أزمات، يستحث العالم، ومجموعة العشرين خاصة، على المضي قدمًا بعزم في إصلاحات النظام المالي الدولي. ويتمثل التحدي، الذي يواجه البنك وصندوق النقد الدوليين، والمنظمات الدولية الأخرى، في مساعدة البلدان على التمتع بمزايا العولمة، مع تقليل المخاطر، التي تنطوي عليها، والتكاليف، التي تفرضها على الفئات الضعيفة من المجتمع. وسيكون محمودًا لمجموعة العشرين إذا اتجهت بجدية لدعم اقتصاد عالمي مفتوح أقوى، لأنه إذا فهم المزيد من الناس وشعروا أن لهم مصلحة في نجاحه سيكونون جزءًا فاعلاً منه. الأمر الذي يستوجب عليها أيضًا أن تفعل ما في وسعها لضمان رؤية وفهم المزيد من الناس لفوائد هذه العولمة، في إطار تعددي جديد.

مؤسسات بريتون وودز:

أدركت دول الحلفاء، في بيئة ما بعد الحرب العالمية الثانية، أن أحد المكونات الرئيسة لتحقيق أي درجة من السلام والتعاون العالمي؛ سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، هو إيجاد إطار عمل متعدد الأطراف للتغلب على الآثار المزعزعة للاستقرار الاقتصادي العالمي، والتخفيف من حِدة المعارك التجارية. فقد استندت فكرة إنشاء البنك وصندوق النقد الدوليين إلى مبادرة ثلاثة من الخبراء؛ وزير الخزانة الأمريكي هنري مورغانثو، وكبير مستشاريه الاقتصاديين هاري ديكستر وايت، والاقتصادي البريطاني جون ماينارد كينز، الذين أرادوا إنشاء نظام اقتصادي على أساس مفاهيم صنع القرار التوافقي، والتعاون في مجال العلاقات التجارية والاقتصادية. ليتكون بعدها نظام الأمم المتحدة، المعروف بصفة غير رسمية بـ"أسرة الأمم المتحدة"، الذي ضم العديد من المنظمات التابعة، التي تسمى برامج وصناديق ومفوضيات ووكالات متخصصة، ولكل واحدة منها أعضاؤها وقيادتها وميزانيتها.

ففي خطابه الافتتاحي في مؤتمر بريتون وودز، بولاية نيو هامبشاير، الأمريكية، الذي عُقِدَ في يوليو 1944م، وحضره ممثلون لـ43 دولة، قال مورغانثاو: إن "الحيرة والمرارة" الناجمين عن الكساد أصبحا "منشئين للفاشية، وأخيرًا الحرب". ورأى أنصار المؤسسات الجديدة أن التفاعل الاقتصادي العالمي ضروري للحفاظ على السلم والأمن الدوليين. وستسهل هذه المؤسسات، على حد تعبير مورغانثو، إنشاء "مجتمع عالمي ديناميكي يمكن فيه لشعوب كل أمة تحقيق إمكاناتهم بسلام". من هنا، أصبح البنك وصندوق النقد الدوليين يُعْرَفان بمؤسستي بريتون وودز، وكانت أهدافهما المعلنة هي المساعدة في إعادة بناء اقتصاد ما بعد الحرب الممزق، وتعزيز التعاون الاقتصادي الدولي. وتقرر أن يعملا كمنظمات مستقلة تعمل مع الأمم المتحدة من خلال اتفاقيات.

لقد كان الهدف أن يخلق صندوق النقد الدولي مناخًا مستقرًا للتجارة الدولية من خلال تنسيق السياسات النقدية لأعضائه والحفاظ على استقرار التبادل، وأن يكون قادرًا على تقديم مساعدة مالية مؤقتة للبلدان، التي تواجه صعوبات في ميزان مدفوعاتها. من ناحية أخرى، كان القرار أن يعمل البنك الدولي على تحسين قدرة البلدان على التجارة من خلال إقراض الأموال للبلدان الفقيرة، التي مزقتها الحرب من أجل مشاريع إعادة الإعمار والتنمية. ويركز البنك على الحد من الفقر، وتحسين معايير المعيشة، في جميع أنحاء العالم من خلال تقديم قروض ذات فوائد منخفضة، وقروض ائتمانية بدون فوائد، ومنح للبلدان النامية، لاستخدامها في التعليم والصحة والهياكل الأساسية والاتصالات. وكان القصد من ذلك هو تسوية ساحة التنافس التجاري وتقليل مجالات الخلاف الاقتصادية، لأن عدم المساواة في هذه المجالات يمكن أن يؤدي إلى صراعات أكثر خطورة، فوافقت الدول على العمل معًا لتعزيز التجارة الحرة، ودخلت في اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف.

كما تضمنت اتفاقية بريتون وودز الأصلية أيضًا خططًا لمنظمة التجارة الدولية، ولكن هذه الخطط ظلت كامنة حتى تم إنشاء هذه المنظمة في أوائل التسعينيات. إلا أن ما بدأ باتفاقية واحدة "الجات" قد تطور في النهاية إلى منظمة التجارة العالمية، التي كانت هي الأداة الوحيدة المتعددة الأطراف، والتي تحكم التجارة العالمية من عام 1946م، حتى عام 1995م، ونظرًا لصعوبة محاولة تنظيم التجارة بين أكثر من مائة دولة، وفقًا لوثيقة واحدة، كان لزامًا ظهور منظمة التجارة العالمية، إذ أصبح من الواضح أن اتفاقية "الجات" غير قادرة على التكيف مع عولمة الاقتصاد العالمي. وعندما انطلقت جولة أوروغواي لمفاوضات "الجات" في سبتمبر 1986م، كانت أكبر جهد عالمي لهيكلة التجارة في التاريخ. واليوم، لا تزال اتفاقية "الجات" موجودة بصفتها مظلة منظمة التجارة العالمية للتجارة في السلع، لكنها لم تعد الاتفاقية التجارية العالمية الوحيدة الملزمة قانونًا. وفي السنوات الأخيرة، جعلت منظمة التجارة العالمية من أولوياتها مساعدة الدول النامية والأسواق الناشئة في اكتساب الخبرة الفنية اللازمة للتعامل مع اتفاقيات تجارية شاملة ومعقدة للغاية، وتزودهم بالتدريب والدعم الضروريين، مما يضمن أن المنظمة شاملة ومنصفة تجاه كل من الدول الفقيرة، وتلك الأكثر ثراءً في العالم.

تطلعات للإصلاح:

تركز مجموعة العشرين، تقليديًا، على قضايا السياسة الاقتصادية؛ بما فيها النمو الاقتصادي والاستقرار المالي، إلى جانب العمل على ربط التقدم الاجتماعي ربطًا وثيقًا بالتقدم الاقتصادي. ويتطلع العالم أن تشهد قمة الرياض، في نوفمبر 2020م، جهدًا خلاقًا لإصلاح المنظمات الدولية ذات العلاقة بأنظمة التجارة والعمل، والمشاركة الإقليمية من أجل إدارة عمالية وتجارية عالمية أكثر فعالية وكفاءة. ومن أجل تحقيق ذلك، لا بد من إقرار تعددية حقيقة تعزز رخاء الإنسان. وهذا يتطلب أن لا يصبح الانشغال الوحيد بقضايا السياسات الاقتصادية، الذي من غير المرجح أن يساعد في تهدئة السخط العام المنتشر بسبب الأزمات المختلفة. إذ إن التقدم الاقتصادي والاجتماعي لا ينفصلان عن بعضهما، وذلك فيما نلاحظ من خلال تزايد التفاوتات في الدخل، وعدم تكافؤ الفرص، وتفكك الانتماءات الاجتماعية. ومن هذا المنطلق، يصبح من المناسب لمجموعة العشرين تَخيُّر الأهداف، التي يتعين تحقيقها، لتشمل الازدهار المرن والتعددي والشامل والمستدام. وذلك لا يتأتى إلا بأخذ مفهوم الاحتياجات البشرية، على نطاق أوسع، مما يستدعي رؤية جديدة للعالم تُوَلِّد القبول الاجتماعي للتعاون متعدد الأطراف، في معالجة المشاكل المتعددة الأبعاد، مع السماح لمختلف البلدان بتحفيز مجتمعاتها بإيجابيات هذا التعاون.

إن مقاربات شاملة لتحسين الدعم العام للتعاون متعدد الأطراف مطلوبة جدًا في هذه اللحظة الراهنة، إذ يريد الناس أن يسمعوا صوتًا مباشرًا من مجموعة العشرين، يُلامس قضايا الدول النامية، أكثر من مجرد كلام "الكبار" المعمم حول صنع السياسات. إن شعوب هذه الدول، محبطون من مؤسسات بريتون وودز، بما في ذلك منظمة التجارة العالمية، كما اتضح من الأزمات المالية الأخيرة، والتحولات في الأنظمة الاقتصادية في هذه المؤسسات، التي تتطلب إصلاحات جذرية، خاصة المشاكل المتعلقة بالعمالة والتجارة. ويمكن تقديم حجة قوية مفادها أن فشل المنظمات العالمية في معالجة مشكلة القروض المتعثرة في النظام المصرفي، في أوائل تسعينيات القرن الماضي، هو الذي أدى إلى عائق كبير أمام استئناف النمو الاقتصادي؛ في جانبي العمل والتجارة، لكثير من دول العالم.

إن ما يتوقعه الناس من قادة مجموعة العشرين، في قمة الرياض، هو الالتزام بتهيئة الظروف لإنشاء عملية شاملة وتشاركية للناس في كل المجتمعات، وذلك عبر تلقي التوصيات ذات الصلة من منظمات المجتمع المدني العالمية المعنية، التي تأتي في مقدمتها "مجموعة الفكر - Think20"، المسؤولة عن الاتصال والتعاون مع مراكز الفكر الإقليمية والدولية، والتي تُعدُّ "بنك الأفكار"، لما تُقدمه من توصيات السياسات العامة القائمة على البحوث. وتعمل على تسهيل التفاعل بين مجموعة العشرين ومجتمع هيئات الفكر والدوائر البحثية، والتواصل مع الجمهور على نطاق أوسع حول القضايا ذات الأهمية العالمية. وتحضيرًا لقمة الرياض هذا الشهر، نوفمبر من عام 2020م، تقوم مجموعة الفكر بإعداد توصيات فرق العمل التابعة للمجموعة، وسيتم تعميمها على قادة مجموعة العشرين للنظر فيها، وتضمينها في بيان القمة.

 

أفضليات التجارة:

لقد صُمِمَت مؤسسات بريتون وودز للتحكم في الاقتصاد المهيمن للنظام العالمي، إذ ليس لها تأثير يذكر على الدول الصناعية الكبرى، ولكن يمكن أن تؤثر على البلدان النامية في أوقات الأزمات الاقتصادية، وخاصة عندما تسعى تلك البلدان إلى موارد إضافية من النقد الأجنبي. لهذا، فإن مجموعة العشرين مُطالبة اليوم بإيجاد نظام عادل ومفتوح، لأن الأسئلة، التي تثار حول الأدوار الحالية والمستقبلية لصندوق النقد والبنك الدوليين هي الأكثر أهمية في ضوء الأزمات المالية الأخيرة في العالم، وما يصاحب جائحة الفيروس التاجي "كورونا" الآن من ركود، قارب مرحلة الكساد في بعض البلدان الهشة، ويجب أن تغطي هذه الأسئلة مجموعة واسعة من القضايا المهمة للمرحلة الراهنة. وتعتقد الدكتور آن أوسبورن كروجر، الباحث المشارك حول التجارة الدولية والاستثمار والتمويل الدولي وأستاذ الاقتصاد الكلي بجامعة ستانفورد الأمريكية، أن وجود نظام تجاري مفتوح صحي يُعَدُّ أمرًا بالغ الأهمية لتقدم الاقتصاد الدولي. وهو مهم بشكل خاص في توفير بيئة تستطيع فيها البلدان النامية إصلاح سياساتها بنجاح، وتحقيق نمو اقتصادي سريع، ورفع مستويات المعيشة للجميع.

لقد كانت كروجر مهتمة بشكل خاص بالعلاقة بين ترتيبات التجارة التفضيلية، مثل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية "نافتا"، ومنظمة التجارة العالمية. وترى أن المسألة في غاية اليسر؛ بمعنى أن منظمة التجارة العالمية تقوم على مبدأ التجارة المفتوحة وغير التمييزية بين أعضائها، في حين أن ترتيبات التجارة التفضيلية، بطبيعتها، تمييزية. بموجب اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، على سبيل المثال، لا تخضع البضائع، التي منشؤها المكسيك وكندا للرسوم عند دخولها إلى الولايات المتحدة، ومع ذلك تخضع البضائع نفسها من البلدان الأخرى للرسوم الأمريكية. وتنبه كروجر إلى أنه من المهم التأكد من أن ترتيبات التجارة التفضيلية لن تعيق التقدم في التحرير متعدد الأطراف، وتقول إنها تُكمل الآن بحثًا تحلل فيها مقدار التمييز، الذي كان عاملاً في السنوات الثلاث الأولى من اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية. وتضيف أن قلقها الرئيس الآخر هو فيما يتعلق بالمنظمات الاقتصادية الدولية وثيق الصلة بموضوع إصلاحات السياسة الاقتصادية للبلدان النامية، لأنها تُريد أن تعرف الأدوار الحالية والمستقبلية للبنك وصندوق النقد الدوليين في إصلاح السياسة الاقتصادية في البلدان النامية.

ففي حالة البنك الدولي، على سبيل المثال، إلى أي مدى سيحتاج إلى تركيز موارده على البلدان الفقيرة ودعم إصلاحات السياسة الاقتصادية، بدلاً من معالجة "القضايا الجديدة"، مثل النوع الاجتماعي، والعرق، ومشاكل الأقليات. إذ تعرض كل من البنك وصندوق النقد لانتقادات من قبل الكثيرين في ضوء الأزمات المالية الآسيوية في عامي 1997 و1998م، وما تبعها من الأزمة المالية العالمية في عام 2008م، التي دفعت الكثير من الاقتصاديين للمطالبة بإصلاحات للسياسات الاقتصادية، بما فيها اختيار نظام سعر الصرف، وعلاقته بالنمو الاقتصادي. فقد لاحظ المتابعون أنه، حتى قبل عام 1994م، كان هناك ما يدعو للقلق بشأن البلدان، التي تبنت سياسات سعر الصرف على مبدأ "المرتكز الاسمي"؛ إذ حافظت عمدًا على أسعار الصرف الخاصة بها من الانخفاض بالسرعة المطلوبة على أساس فارق التضخم بينها وبين بقية دول العالم. وقد مكنت هذه الأنظمة الأجانب من الاستثمار بشكل مربح للغاية في الأسواق المحلية، لأنهم تلقوا سعر الفائدة المحلي ويمكنهم تحويله إلى عملاتهم الخاصة بسعر الصرف المقدر، حتى أدرك المستثمرون أن التزامات خدمة الديون، التي تراكمت كانت ثقيلة للغاية.

أفكار للغد:

يعتمد تبني مجموعة العشرين لرؤية استراتيجية، وبرامج مبتكرة وتفاعلية للحكم العالمي، على فهم جديد لمضامين "العولمة" وتحدياتها، يبدأ بالتأكيد على أن الزمان لم يتوقف، ولم يختف المكان، ولكن يبدو أن الحياة تتحرك بسرعة لم تكن معهودة من قبل. فآليات "العولمة" مجتمعة تعمل من خلال الاتصالات السلكية واللاسلكية، والألياف الضوئية، والأقمار الاصطناعية، وأجهزة الكمبيوتر، على اختصار الوقت والمسافات، وخفض تكلفة معالجة المعلومات وتخزينها ونقلها، وتُحيل الفضاء إلى قرية كونية افتراضية. وهذه القرية لديها سوق خاص بها على شكل شبكة الإنترنت؛ منتدى للتجارة والمعلومات والترفيه والتفاعل الشخصي، الذي يجعل الوصول إلى المعلومات متاحًا على الفور تقريبًا، وبتكلفة منخفضة للغاية. وتنسحب هذه السرعة والفاعلية على أسواق رأس المال العالمية، فبحكم طبيعتها، لم تكن تدفقات رأس المال سلسة تمامًا، أو يمكن التنبؤ بها. ولكن كما أظهرت فترات الركود في العديد من دول شرق آسيا، كان تقلب تدفقات رأس المال مفرطًا. ولمعالجة هذه المشاكل، هناك حاجة لاتخاذ إجراءات حكيمة في شأن سياسة الاقتصاد الكلي؛ من الحكومات والقطاع الخاص في الأسواق الناشئة، ومن الدول المصدرة لرأس المال؛ ومن المؤسسات الدولية نفسها.

لقد بدا واضحًا أن أداء الأنظمة المصرفية والمالية الضعيفة كان أقل من التوقعات في قلب الأزمات الأخيرة، التي أوجدتها جائحة "كورونا"، وهي بحاجة إلى تعزيز قدراتها إذا أرادت أن تكون شريكًا موثوقًا في المستقبل. ومعلوم أن هذا كان هدف رئيس في البرامج، التي يدعمها صندوق النقد الدولي في بلدان الأزمة الآسيوية، لكنه يتطلب الآن تركيزًا متزايد الأهمية من الصندوق للعمل في البلدان الأعضاء الأخرى، إذ توضح المبادئ الأساسية للجنة أن مكونات النظام المصرفي القوي تشمل مصرفيين جيدين، وإشراف قوي، ومنافسة صحية، خاصة من المؤسسات العالمية الكبرى. مثلما تحتاج دول الأسواق الناشئة إلى تعزيز حوكمة الشركات والتمويل، واعتماد معايير التدقيق والمحاسبة المناسبة، وفرض قوانين صارمة لإعلان الإفلاس. ففي حين أن غالب مسؤولية تنفيذ هذه الإجراءات تقع، في نهاية المطاف، على عاتق الأسواق الناشئة، والبلدان الصناعية نفسها، فإن المنظمات الدولية لها دور مهم في تشجيعها ومساعدتها على القيام بذلك، إذ تُركز بشكل خاص على تطوير المعايير والمبادئ الدولية. وتغطي تلك، التي اكتملت، أو في طور الإعداد، الإشراف المصرفي، وتنظيم أسواق الأوراق المالية، والمحاسبة، والتدقيق، وحوكمة الشركات، والشفافية المالية، ونشر الإحصائيات، وشفافية السياسات النقدية والمالية.

إن أصعب عنصر في إصلاح النظام الدولي، الذي ينبغي أن تعمل عليه مجموعة العشرين، هو مشاركة القطاع الخاص في حل الأزمات المالية، وتشجيع القطاع العام في حل الأزمات الصحية والتعليمية والخدمات الاجتماعية الأخرى، بما فيها ما ترتب ويترتب على جائحة "كورونا". فقد ظهر غياب القطاع العام، في الدول الرأسمالية الكبرى، عن الرعاية الصحية، كما أن القطاع الرسمي، في دول الأسواق الناشئة، لا يسمح للقطاع الخاص بالاعتقاد بأن استثماراته تحمل ضمانة رسمية ضمنية. والطريقة الوحيدة، التي تمكنهما من القيام بهذا الواجب هي التأكد من أن القطاعين العام والخاص يلعبان نصيبهما المناسب في تمويل حل الأزمات. ومثلما تحتل مسألة مشاركة القطاع الخاص مكان الصدارة حاليًا في برامج صندوق النقد الدولي مع العديد من البلدان، فإن التفاتة جادة لدور القطاع العام في الأمن الاجتماعي لا بد أن تكون ضمن الأولويات.

ولنشر فوائد "العولمة" على نطاق أوسع، ينبغي على مجموعة العشرين مراجعة التجارب السابقة من كسبها، والإعلان بشفافية ووضوح عما يصلح، وما لا يصلح، عندما يتعلق الأمر بتعزيز التنمية، وتكافؤ الفرص، والحد من الفقر. فالعالم يُدرك بشكل متزايد أن النمو في حد ذاته ليس كافيًا، وأن قضية التنمية في البلدان الفقيرة يمكن أن تتقدم بشكل كبير من خلال السياسات الموجهة للحد من الفقر. لهذا، فإن إصلاحات السوق ينبغي أن تكون مصحوبة بإنشاء وصيانة شبكات أمان اجتماعي مناسبة. وحيثما يكون التخفيض المالي ضروريًا لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد، يجب أن تفعل مؤسسات القطاع العام ما في وسعها لحماية الإنفاق على التوفير الفعال للخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية الأخرى. وبنفس القدر من الأهمية، عليها التأكد من أن المنظمات الدولية، أو مؤسسات بريتون وودز، تعمل معًا بفعالية في دعم الاستراتيجيات، التي تختار الدول تبنيها. كما أن الدعم وليس القيادة هو المفتاح، لأن جميع هذه المنظمات تعلم أن استراتيجيات التنمية تكون أكثر نجاحًا عندما تكون "مملوكة" من قبل البلدان المعنية مباشرة؛ بدلاً من فرضها من الخارج.

الخاتمة:

لقد أوجزت، في هذا المقال، عددًا من السمات والتحديات، التي وضعتها "العولمة" أمام المنظمات الدولية مع بدايات القرن الحادي والعشرين، رغم ما قام به توأما بريتون وودز؛ صندوق النقد والبنك الدوليين، من تعديلات في منظماتهما ومنظوماتهما، وتركيز أنشطتهما، والطرق، التي يتفاعلان بها مع البلدان الأعضاء والجمهور، وكيف ترعرعت منظمة التجارة العالمية واشتد عودها. وركزت على ما ينبغي لمجموعة العشرين استدراكه لإصلاح هذه المؤسسات، وتحقيق المرونة الكافية، التي تمكنها في التفاعل الإيجابي مع قضايا العمل والتجارة، والمشاركة الفاعلة في أوقات الأزمات. إن هذه المرونة تبدو ضرورية جدًا في الحديث عن "العولمة"، لأنه عندما طور مارشال ماكلوهان مفهوم القرية العالمية، أدرك أنه سيتطلب منا جميعًا أن نكون على دراية بتأثير أفعالنا خارج حدودنا الوطنية. مُذكرًا لنا بأن "السرعة الكهربائية في الجمع بين جميع الوظائف الاجتماعية والسياسية معًا في انفجار داخلي مفاجئ رفعت الوعي البشري بالمسؤولية إلى درجة مكثفة". ويمكن لنظام تجاري حر ومفتوح، بفهم قريب من هذا، أن يقدم مساهمة قوية في رفاهية الدول الفقيرة. فهناك الكثير من الأدلة القوية على أن البلدان المنفتحة على التجارة والاستثمار تنمو بسرعة أكبر بمرور الوقت من تلك، التي تحرم نفسها من فرص الاقتصاد العالمي. ويُسَهِّل التخصص الانفتاح، ويمنح البلدان إمكانية الوصول إلى تقنيات أفضل الممارسات. ولكن إذا كانت الدول الأقل تقدمًا ستحقق أقصى استفادة من مشاركتها في الاقتصاد العالمي، فإنها تحتاج أيضًا إلى وصول أكبر إلى أسواق الدول الأكثر ثراءً. ونأمل جميعًا أن تساعد مناقشات مجموعة العشرين في الرياض على تحقيق هذه الغاية.

مقالات لنفس الكاتب