; logged out
الرئيسية / دول الخليج.. الأمن والإصلاحات في مقدمة الأولويات

دول الخليج.. الأمن والإصلاحات في مقدمة الأولويات

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2011

جاءت القمة التشاورية لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، في دورتها الثالثة عشرة في العاشر من مايو الماضي بمدينة الرياض، في وقت بالغ الحساسية ليس لدول المجلس فقط، بل للعالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط لما تشهده المنطقة من تحولات غير مسبوقة وغاية في الأهمية لن تمر تداعياتها مرور الكرام، بل ستؤثر في مستقبل المنطقة لسنوات عديدة، حيث حملت الشهور الخمسة الأخيرة ما لم يكن في الحسبان للكثيرين، كما أن توابع ما حدث تدعو دول مجلس التعاون إلى ترتيب الأولويات لمواجهة التحديات الداخلية والإقليمية، وهذه الأولويات تنطلق بداية من داخل كل دولة خليجية في الأساس لتهيئة الدول الست للتعامل والتعاون المستقبلي انطلاقاً من أرضية صلبة، ومن أجل البحث عن آليات مثلى لتأمين المنطقة وتحصينها ضد مخاطر الأجندات الإقليمية والدولية، بما تحمله من بذور للفتن الطائفية، وفرض الهيمنة، واستنزاف الموارد.

وجاءت القمة بعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً على إنشاء مجلس التعاون الخليجي، ومع بداية تسلم الأمين العام الجديد للمجلس الدكتور عبداللطيف الزياني مهامه على رأس جهاز الأمانة العامة، حيث من الضروري إعادة النظر في هيكلة الأمانة العامة بما يتناسب مع التطورات التي اختلفت كثيراً عما كانت عليه عند تأسيس المجلس، وهذا ما يتطلب استحداث إدارات جديدة في جهاز الأمانة وضرورة تدريب وتأهيل موظفي الأمانة لتطوير الأداء بما ينسجم مع التحديات الجديدة.

لقد جاء البيان الصادر عن القمة منسجماً مع طبيعة التحدي الأهم لدول المجلس في المرحلة الراهنة وهو (أمن المنطقة) وما تمثله إيران من تحدٍّ واضح لتثبيت الأمن والاستقرار عبر محاولاتها العلنية للتدخل في الشؤون الداخلية لدول المجلس عبر البوابة الطائفية، وتجسد ذلك في محاولاتها زعزعة أمن مملكة البحرين عبر الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة.

واللافت أن زعماء دول المجلس أكدوا عنصرين مهمين الأول: اتهام إيران صراحة بسعيها لإشعال فتنة الطائفية بين أبناء دول المجلس من خلال التآمر على الأمن الوطني الخليجي، وبث الفرقة بين أبنائه في انتهاك لسيادة هذه الدول واستقلالها. والثاني: التأكيد على أن أمن دول المجلس هو مسؤولية جماعية باعتبار أن أمن دوله جزء لا يتجزأ.

لقد كشفت أحداث البحرين الأخيرة أن إيران تسعى إلى الهيمنة على الخليج بغطرسة من دون إقامة أي وزن للأعراف والعلاقات الدولية والتعالي على الرأي العام الدولي والإقليمي، وتجلى ذلك في التصريحات المستفزة  التي أطلقها مؤخراً رئيس الأركان الإيراني حسن فيروزبادي بشأن هوية الخليج العربي، كما أن طهران تجاوزت دورها كجارة وسمحت لنفسها بالتدخل المباشر في الشأن الخليجي عندما هاجمت وصول وحدات قوات (درع الجزيرة) إلى البحرين الدولة العضو في مجلس التعاون الخليجي، والمشاركة في تأسيس هذه القوات، وأخذت تنفخ في بوق التحريض وإطلاق الاتهامات لدول المجلس، واعتبرت نفسها وصية على شعب البحرين.

هذه الأحداث تفرض على دول مجلس التعاون الخليجي تفعيل مقررات القمة الخليجية في دورتها الثلاثين التي عقدت في الكويت في ديسمبر 2009 م، والتي أقرت تشكيل قوة مشتركة للتدخل السريع لمواجهة الأخطار الأمنية. ومن الضروري أيضاً أن تعيد دول الخليج النظر في عديد وعتاد قوات (درع الجزيرة) بما يتناسب مع مساحة هذه الدول ومدى الحاجة لتأمين مصالحها الحيوية، انطلاقاً من سياسة الردع والتوازن الاستراتيجي لتأمين المنطقة ضد الاستقطاب أو الابتزاز أو الارتهان لرغبات المغامرين.

وهذا لا يعني أن دول المجلس تقرع طبول الحرب أو تسعى إلى الدخول في مواجهة مسلحة مع إيران، لأنها ببساطة تعتبر إيران دولة إسلامية وجارة، ويجب أن تكون العلاقات بين الجانبين قائمة على الاحترام المتبادل وعدم تدخل أي طرف في شؤون الآخر، والكف عن سياسة التهديد والتلويح باستخدام القوة احتراماً لحق الجوار والعيش المشترك، لكن من الضروري وجود منظومة أمنية لتأمين هذه البقعة المهمة من العالم، ولعله من أهم تحديات المرحلة الراهنة أيضاً ما يتعلق باستكمال مسيرة الإصلاح التي بدأتها الدول الست على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والمضي في محاصرة الفقر والبطالة والفساد وحل مشكلات الإسكان والتوظيف، وتحسين التعليم والخدمات الصحية وغيرها من الاحتياجات التي تمس واقع المجتمعات الخليجية التي تتميز بكونها مجتمعات شابة في مجملها من حيث التركيبة السكانية ما يتطلب المضي قدماً على طريق الإصلاحات التي تحقق تطلعات شعوب المنطقة، وتكون حائط صد أمام محاولات الاختراق الخارجية عبر التأثير على أبناء هذه الدول.

إقليمياً، ظهرت تحديات تمس الأمن الوطني الخليجي بصورة مباشرة، فبالإضافة إلى الأحداث التي شهدتها مملكة البحرين، فهناك تداعيات الأحداث التي يشهدها اليمن، هذه الدولة الشقيقة والملاصقة لدول المجلس، وهذا ما ينسحب على ما شهدته وتشهده الساحة العربية من أحداث في تونس، مصر، ليبيا، وسوريا، وكل هذه الأحداث لا يمكن فصلها عن محيطها العربي والخليجي.

فعلى صعيد الأزمة اليمنية، أحسنت دول المجلس في طرح مبادرتها لإنهاء حالة الاحتشاد والانقسام التي يشهدها اليمن، وإن كانت هذه المبادرة جاءت متأخرة، وجرى تعديلها ثلاث مرات إلا أنها تحمل صيغة مقبولة لإنهاء الأزمة في اليمن، ومع ذلك لا تزال الأزمة تراوح بين مراوغة الأطراف المتصارعة هناك، وهذا من شأنه أن يجعل دول المجلس قد تبحث عن آلية لتطبيق المبادرة أو فرضها بالتنسيق مع جهات دولية أو إقليمية، فيما يظل عنصرا الاستقرار والتنمية أهم التحديات التي تواجه اليمن  بعد تعافيه من أزمته الحالية.

والوضع في بقية الدول العربية الأخرى، التي تعرضت أو تتعرض إلى التغيير، لا يقل تأثيراً على دول مجلس التعاون عن الأوضاع في اليمن، فما حدث في مصر وتونس وما يحدث في  سوريا وليبيا وغيرهما سوف يؤثر في دول الخليج وفي الأمن القومي العربي الذي لا يمكن فصله عن الأمن الخليجي في ظل مرحلة تحمل احتقانات داخلية، وتربصاً إقليمياً، ونوايا دولية غير معلنة مشكوكاً في توجهاتها وأهدافها.

إن دول مجلس التعاون هي المعنية مباشرة بعد شعوب الدول التي تتعرض إلى ظاهرة الاحتشاد السياسي نظراً لاعتبارات عديدة، ولذلك فهي مطالبة في هذه المرحلة التاريخية المهمة بالتحرك بفاعلية على الساحتين الإقليمية والدولية لإيقاف النزيف العربي وإهدار الإمكانات العربية ووضع الدول التي تأثرت بهذه الأحداث على الطريق الصحيح، من خلال الدعوة إلى مؤتمر دولي ترعاه الأمم المتحدة لمساعدة الدول التي تأثر اقتصادها سلباً على أن يتبنى هذا المؤتمر مشروعاً  تنموياً لمساعدة هذه الدول على غرار مشروع (مارشال)، وضرورة الإسراع بإعادة الهدوء والأمن إلى هذه الدول، وإصلاح مؤسساتها وهياكلها التي تضررت خشية انفراط عقدها الاجتماعي وتحولها إلى ساحات للصراع الدولي والإقليمي وتصفية الحسابات بما يضر بمصلحة شعوبها، خاصة أن مواقف الدول الكبرى تجاه المنطقة العربية غامضة ومترددة بل متناقضة، ويجب على هذه القوى أن يتوقف دورها على مساعدة شعوب هذه الدول التي تأثرت بالأحداث على النهوض بعيداً عن التدخل في شؤونها أو فرض الوصاية عليها أو التواجد عسكرياً على أراضيها.

عود على بدء، لابد أن يكون ملف الإصلاحات وملف الأمن في مقدمة الملفات المطروحة  أمام دول المجلس في المرحلة الراهنة، وينبغي عليها أن تبحث عن البدائل المتاحة أو الممكنة لتأمين هذه المنطقة الحيوية التي تؤثر في الاقتصادات العالمية بشكل مباشر، هذه أولويات لا يمكن تأجيلها أو التقليل من تأثيرها أو التعويل على قوى كبرى عالمية في المساعدة على حل بعضها، فالتجارب تؤكد أن القوى الكبرى لا يهمها إلا تأمين مصالحها من دون مراعاة مصالح الآخرين، وأنها مستعدة للانتقال من معسكر إلى آخر مهما كانت توجهات الأخير مادام يمسك بزمام السلطة، ويستطيع تأمين مصالح هذه القوى، والأدلة على ذلك كثيرة ومعروفة، ومن ثم يجب صياغة عقد جديد من التعاون مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي يعتمد على المكاشفة والمصارحة وتحديد أسس الشراكة من كافة جوانبها على أن تراعي مصالح دول المجلس وأمن منطقة الخليج بكل وضوح حتى لا تفاجأ دول المنطقة بمشاريع وفاق أو تقسيم نفوذ دولي وإقليمي بين القوى الكبرى الدولية وإيران على حساب مصالحها الحيوية وأمنها الوطني، خاصة أن إرهاصات هذا الوفاق لاحت منذ عام 2003م، رغم أن السياسة المعلنة تنفي ذلك.

مقالات لنفس الكاتب