; logged out
الرئيسية / الإصلاح السياسي والدستوري في دول الخليج العربية: معضلة تبحث عن حل

الإصلاح السياسي والدستوري في دول الخليج العربية: معضلة تبحث عن حل

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2011

عملية التغيير والحراك السياسي التي شهدتها معظم دول مجلس التعاون، تذهب عند تناولها من أبعاد تتجاوز المطلب الداعي للديمقراطية كأساس للتعامل الدولي، إلى أبعاد داخلية بالأساس تعكسها طبيعة التحولات السياسية والاقتصادية التي تشهدها تلك المجتمعات. فهذا النمط من الحكم رغم عدم ديمقراطيته بـ (المفهوم الغربي) يتسم بمحافظته على التوازنات القبلية والتركيبة المجتمعية، التي تمثل خطوطاً حمراً لأي حاكم لا يمكن تجاوزها.

عندما سمحت تلك النظم بوجود مساحة لممارسة ديمقراطية كانت في أضيق الحدود بحيث إنها لم تتكامل أو تتصل لتكون حلقة ديمقراطية تستتبعها حلقات متتالية، بل كثيراً ما كان يتم قطعها قبل أن تكتمل، فالنظم الخليجية وإن كانت سمحت بزيادة مساحة الدور للمجالس الاستشارية (برلمان) كإجراء انتخابات للمرة الأولى في بعضها وتمثيل نوعي بين الأعضاء كوجود مشاركة نسائية إلا أنها سلبت تلك الإصلاحات. من ناحية أخرى جعلت الانتخابات لنصف الأعضاء أو تأجيلها وعند انعقادها بصورة متزامنة وحتى إن تم إكسابها بعض السلطات التشريعية أو الرقابية تكون مرهونة بتوافقها مع النظام بحيث إن سلطاتها الرقابية إذ تقاطعت مع النظام السياسي يكون حل البرلمان هو الإجراء النهائي. وفي هذا السياق تبدو الحالة القطرية في الوسط بين تجارب تسبقها مثل الكويت وسلطنة عمان وحالات مساوية مثل البحرين(المرشحة لأخذ خطوات متسارعة على طريق الانفتاح السياسي) وحالات أقل مثل السعودية والإمارات، فالخطوات الإصلاحية التي اتخذتها بعض النظم الخليجية كإجراء (انتخابات جزئية وغير مباشرة) لمجالسها التشريعية ما لبثت أن عدلت عنها بانتهاء دوراتها المنتخبة السابقة، بل تراجعت عما اتخذته من إصلاح. وبعد أن كان الحديث عن تطور في العملية السياسية في مرحلة لاحقة أصبح الآن الحديث عن مراجعة لما اتخذ من خطوات إصلاحية سابقة حسبما تم التعبير عنه في المرسوم الملكي الذي صدر بتأجيل الانتخابات البلدية في المملكة العربية السعودية، حيث كان من المقرر إجراء انتخابات الدورة الثانية لانتخاب أعضاء المجالس البلدية هذا العام، أو أن لا حاجة لتلك الانتخابات والإبقاء على التشكيلة التي أفرزتها نتيجة الانتخابات في الدورة السابقة كما هو الحال في دولة الإمارات.

لقد اكتسبت عملية الإصلاح السياسي والدستوري في دول الخليج العربية أهمية خلال السنوات القليلة الماضية، فقد سمحت تلك الإصلاحات بتطوير المؤسسات التي تنامى دورها في عملية صنع السياسات بصورة محدودة، وفي الوقت نفسه أدت هذه الإصلاحات إلى تعزيز السلطات المطلقة للأنظمة السياسية في هذه المنطقة، فقد شهدت دول الخليج مجموعة من الظواهر والعمليات السياسية التي تدفع بالمشاركة السياسية الشعبية لمواطنيها، فكان إجراء أول انتخابات في كل من الإمارات 2006 والسعودية 2005، والسماح للمرة الأولى في تاريخ الكويت للمرأة بالمشاركة السياسية في 2005، وصدور دستور جديد في كل من البحرين 2001 وقطر 2003 يمنح المرأة حق الترشيح والانتخاب، وإجراء الانتخابات في سلطنة عمان بمشاركة نسائية عام 1995 كأول مشاركة سياسية للمرأة الخليجية، وإشهار جمعيات حقوق الإنسان في كل من الإمارات والسعودية والكويت. إضافة إلى ذلك تزايد الحديث في الخطابات السياسية عن تقوية الممارسات الديمقراطية، وتوسيع المشاركة في الحياة السياسية والعامة، وتعزيز دور مكونات المجتمع المدني وتوسيع مشاركة المرأة في المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والتعليمية من جانب بعض القادة والمسؤولين الخليجيين.

كل تلك الشواهد عبرت بصورة أو أخرى عن أن هناك ميلاً حكومياً تجاه توسيع قاعدة المشاركة السياسية واتساع مساحة عملية الإصلاح السياسي في تلك الدول. إلا أن تلك الشواهد والآمال ما لبثت أن تبددت وانطفأ بريقها، وقد برزت تلك الحالة في كل من السعودية والإمارات بصفة خاصة على اعتبار أنهما البلدان الخليجيان اللذان لم تشهدها أي تجربة انتخابية خلال تاريخها الحديث على السواء إلا في عامي 2005 - 2006 على التوالي، وعلى الرغم من تشابه الحالتين أو التجربتين الانتخابيتين في كل من الإمارات والسعودية من كونهما انتخابات جزئية لاختيار نصف أعضاء مجلسيهما (ذوي الطابع الاستشاري)، إلا أنهما يختلفان في طبيعة المشاركة (النسائية) في تلك العملية، فالإمارات سمحت للمرأة بالمشاركة السياسية انتخاباً وترشيحاً بل استطاعت المرأة خلال تلك العملية الانتخابية الفوز بمقعد واحد في تلك الانتخابات، أما السعودية فلم تسمح في تلك الانتخابات بمشاركة المرأة سواء بالترشيح أو الانتخاب، وجرت الانتخابات لاختيار نصف المجالس البلدية بنصف المواطنين السعوديين.

كما أن عملية الإصلاح السياسي والدستوري في دول مجلس التعاون الخليجي لم تترافق مع تعزيز الديمقراطية التي تحتاج إلى تطور اجتماعي وثقافي وسياسي طويلة الأمد  لا تزال دول المنطقة في بداياته، ولا أدل على ذلك من أنه على الرغم من تأكيد القيادتين السياسيتين في كل من الإمارات والسعودية على أن الدورة المقبلة من الانتخابات سواء للمجلس الوطني أو المجلس البلدي سوف تشهد توسيعاً للمشاركة السياسية واختيار مجمل أعضاء المجلس، إلا أنهما اتفقتا على موعد وتوقيت تأجيل الانتخابات في كلتا الدولتين، ففي الإمارات صدر مرسوم يقضي بتأجيل الانتخابات المزمع إجراؤها العام الحالي ومد عمل المجلس الوطني الاتحادي بأعضائه الأربعين لمدة عامين مقبلين، وفي السعودية صدر مرسوم ملكي يقضي بتأجيلالدورة الثانية للانتخابات البلدية للعام 2009 لمدة عامينأيضاً من أجل دراسة الدورةالأولى بشكل أوسع بهدف الخروج بنتائج أفضل في الدورة الثانيةللانتخابات.

إن المتأمل للوضع التشريعي وعملية الإصلاح السياسي في تلك الدول يجد أن الإمارات، ومنذ إعلان قيام اتحادها في عام 1971 لم تجر أي عملية انتخابية فيها حتى إنها ظلت تعمل بالدستور المؤقت قرابة ربع قرن، ولم يتم تحويله إلى دستور دائم إلا في عام 1996، وظلت تلك الصيغة السياسية مقبولة ومتوافقاً عليها من جانب الشعب الإماراتي اللهم إلا من جانب بعض التيارات الإصلاحية التي لا تشكل تياراً إصلاحياً بقدر ما تشكل أفراداً. كما أن الإمارات ظلت تعمل بصيغة المجلس الوطني الاتحادي وهو مجلس استشاري يعين أعضاؤه الـ 40 ولم يطرأ على تلك الصيغة السياسية أو العقد المبرم بين الشعب والحاكم أي تغيير إلا في عام 2006 من حيث طريقة اختيار أعضائه وإجراؤها أول انتخابات لنصف أعضاء مجلسها الوطني وبمشاركة نسائية للمرة الأولى.

أما المملكة العربية السعودية فقد تم إصدار قانون ينظم عمل البلديات والقرى في فبراير 1977، ونص على أن السلطات البلدية تتولاها جهتان: المجلس البلدي ورئيس البلدية. وجاء في النظام أن يتم اختيار نصف أعضاء المجلس البلدي بالانتخاب، ومنذ ذلك الحين لم يتم إجراء أي عملية انتخابية، بل بقي الأمر كما هو عليه، ويختار وزير الشؤون البلدية والقروية النصف الآخر. وفي أكتوبر2003 أقر مجلس الوزراء السعودي بتوسيع مشاركة المواطنين في إدارة الشؤون المحلية عن طريق الانتخابات، وذلك بتشغيل المجالس البلدية وفقاً لنظام البلديات والقرى، وفي فبراير 2005 أجريت الانتخابات لانتخاب نصف أعضاء المجلس البلدي فقط (178 مقعداً) والمكون من 356 مقعداً (الحكومة ستعين النصف الثاني من أعضاء المجلس) على ثلاث مراحل زمانية ومكانية.

لقد فرضت التطورات الإقليمية والدولية على دول مجلس التعاون الخليجي ضرورة إجراء إصلاحات سياسية وتشريعية تدفع بالعملية الديمقراطية في تلك الدول، بل تم إطلاق المبادرات بشأن الإصلاح والديمقراطية في المنطقة من جانب الولايات المتحدة والدول الغربية. وكان لأحداث 11 سبتمبر 2001 وما تبعها من ضغوط أمريكية على النظم السياسية في تلك الدول وخاصة النظام السعودي الذي تبين أن 15 من الخاطفين الـ 19 الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر كانوا سعوديين، أن عملت على ضرورة التعاطي والتجاوب مع تلك المطالب الأمريكية ولو بصورة مرحلية أو مؤقتة، من أجل امتصاص تلك الضغوط في تلك المرحلة، وهذا ما عبرت عنه التطورات الأخيرة في كل من الإمارات والسعودية اللتين أجلتا إجراء الانتخابات التي كان من المقرر لها أن تجرى عام 2009.

لقدفرضت المعطيات الجغرافية والميراث التاريخي لدول تلك المنطقة أعباء على حكوماتها، بحيث أصبح البعد الأمني أحد أبرز محددات العملية السياسية فيها ومقنناً لأي عملية إصلاح سياسي، فالهاجس الأمني مثل العنصر البارز في أدوات تشكيل السياسة الداخلية والخارجية لدول المنطقة، وهذا العامل يشكل قيداً على عناصر توسيع المشاركة السياسية أو انتقاداً للممارسة الديمقراطية.

 

 

مقالات لنفس الكاتب