array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 156

تقليص المسافات بين المملكة والاتحاد الأوروبي هدف للتفاعل مع شريك على درجة عالية من الأهمية

الأحد، 29 تشرين2/نوفمبر 2020

خلال شهر نوفمبر الحالي ترأس سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله-قمة قادة دول مجموعة العشرين، ويأتي ذلك تجسيدًا للدور الريادي، والمكانة السياسية والاقتصادية التي تتمتع بها المملكة على المستوى الدولي.

وتزامن ذلك مع الذكرى السادسة لبيعة خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- وتوليه مقاليد الحكم، والذي عزز عهده الزاهر والميمون من نجاحات المملكة على مختلف الصُّعُد وفي كافة المجالات، وأكد الاستقرار السياسي الذي تتمتع به المملكة، والتنمية المستدامة، وشهِد إطلاق رؤية السعودية 2030 بإشراف ومتابعة صاحب السمو الملكي الأمير محمد ابن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع -حفظه الله- المرتكزة على اقتصاد مزدهر، ومجتمع حيوي، يعظّم فوائد الموقع الاستراتيجي للمملكة بكونها محور ربط بين ثلاث قارات، وتمتلك الكثير من الموارد الطبيعية، إضافةً إلى التنوع الثقافي والمعرفي، والرغبة الطموحة لقوة استثمارية رائدة، وجميع هذه العوامل هي بمثابة مغناطيس الجذب للشركاء الدوليين حول العالم، ومن ضمنهم الاتحاد الأوروبي الذي بدأت علاقة المملكة الدبلوماسية به عام 1967م، واستشرفت مستقبله منذ ذلك التاريخ حيث لم يكن يضم يومها سوى الأعضاء الستة المؤسسين له قبل أن يصبح كيانًا مميزًا بشكله القانوني الحالي وعدد أعضائه الحاليين.

هذا التكتل المكون اليوم من 27 عضوًا -بعد انسحاب بريطانيا- تمكن من تطوير ذاته عبر العقود اللاحقة لتأسيسه، واستطاع خلق كيانات تشريعية وتنفيذية وقضائية خاصة به، وأصبح عضوًا فاعلاً ومؤثرًا على الساحة الدولية، وله هويته المميزة، ومواقفه المعتبَرة في مختلف القضايا، وحقق نجاحات ملموسة خصوصًا في الشأن الاقتصادي، وتمكن من إنجاز سوق موحدة تضمن حرية انتقال وحركة السلع والأموال والأيدي العاملة، وفرض نفسه في المقدمة عالميًا من حيث الناتج الإجمالي الذي بلغ عام 2019م، أكثر من 15.5 تريليون دولار بحسب تقديرات البنك الدولي -جاء ثالثًا بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

وتتويجًا للعلاقات المميزة للمملكة مع الاتحاد الأوروبي، ورغبةً في تعزيز هذه العلاقات ارتأت الإرادة السامية الكريمة تأسيس بعثة مستقلة للمملكة لدى الاتحاد بداية عام 2018م، وتشرفت بأن أكون أول رئيس لها، وقد لاقَت هذه الخطوة تقدير واستحسان المسؤولين الأوروبيين الذين التقيت بهم، وأشادوا بذلك.

وتشاركَت المملكة والاتحاد العديد من المواقف في القضايا السياسية، لا سيما ما يخص المواقف المبدئية والثابتة للمملكة في الحرب ضد الإرهاب ومكافحة التطرف، وتقوم البعثة في هذا الجانب بدورها في إبراز المواقف الصحيحة للمملكة، وتقريب وجهات النظر سواء من خلال اللقاءات المباشرة مع المسؤولين العاملين في مؤسسات الاتحاد أو من خلال التنسيق للقاءاتهم مع نظرائهم في المملكة، وتجدر الإشارة هنا إلى موافقة مجلس الوزراء على التباحث والتوقيع على مشروع ترتيبات التعاون بين وزارة الخارجية في المملكة وجهاز العمل الخارجي في الاتحاد الأوروبي وجاري العمل حاليًا مع الجانب الأوروبي لإتمامها.

كما أن زيارات واتصالات المسؤولين من الجانبين متواصلة ولم تتوقف حتى في ظل جائحة كوفيد ١٩، حيث كان أخرها بتاريخ 12 أكتوبر الماضي زيارة صاحب السمو الأمير/ فيصل بن فرحان آل سعود، وزير الخارجية، ومشاركته زملاءه وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورج بحضور السيد جوزيب بوريل الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية / نائب رئيس المفوضية الأوروبية وكان لقاء ودي تم التطرق خلاله لكافة المواضيع ذات الاهتمام المشترك.  سبقها زيارة سموه لبروكسل في 29 سبتمبر الماضي وإجراء سلسلة من المحادثات مع عدد من كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي. فقد اجتمع سموه مع كل من معالي رئيس المجلس الأوروبي السيد شارل ميشيل وبالممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية / نائب رئيس المفوضية الأوروبية وتم بحث سبل تطوير العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وتعزيز آليات التنسيق حول مجمل القضايا المشتركة. كما التقى سموه ببعض المسؤولين في الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي، وفي مقر المجلس الأوروبي التقى سموه بأعضاء اللجنة السياسية والأمنية الأوروبية بحضور سفراء ومندوبي الدول الأعضاء الـ 27 برئاسة السفيرة صوفي فروم اميسربيرغ، ومناقشة مختلف جوانب التعاون وسبل تعزيزه وبرامج مجموعة العشرين تحت رئاسة المملكة.

بالإضافة إلى خمس زيارات لمعالي وزير الخارجية السابق الاستاذ/ عادل الجبير للاتحاد الأوروبي بعد تأسيس البعثة ما بين 2018-2019م، التقى خلالها بكبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي وشارك في جلسة لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الأوروبي وعدد من ممثلي المجموعات السياسية، وهذا دليل آخر على اهتمام المملكة بعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي.

كما يجب ألا نغفل الزيارات المتبادلة بين الجانبين كزيارة الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للمملكة والمشاركة في القمة العربية الـ 29 التي عقدت في المنطقة الشرقية في 15 أبريل 2018م، والزيارات المتبادلة لوفود البرلمان الأوروبي ومجلس الشورى السعودي وزيارة المتحدث الرسمي باسم التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن والوفد المشترك من وزارتي الدفاع والخارجية، وغيرها من زيارات المسؤولين في المملكة.

بالمجمل يمكن القول إن العلاقات السعودية ـ الأوروبية يسودها التقارب في وجهات النظر في معظم الملفات والقضايا الدولية الراهنة، ومن جانب نتقاسم المخاوف المتشابهة والمتباينة حيال بعض القضايا ونسعى جاهدين لمعالجتها بالحوار الإيجابي المتبادل، بالتالي تتقلص المسافات وهو هدف جوهري للتفاعل مع الآخر الذي يعتبر شريك على درجة عالية من الأهمية.

التفاعل والتعاون الأوروبي مع منظومة مجلس التعاون مستمرة وفقًا لاتفاقية التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي التي تمت في ديسمبر 1987م. حيث كان لهذا التفاعل العديد من الانعكاسات الايجابية على مستوى العلاقات وانبثقت أغلبها ضمن اتفاق التعاون بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية والمفوضية الأوروبية. وتعمل المنظومتين على التعاون والتنسيق وبناء الشراكات بمختلف الميادين وفقًا للسياسة الخارجية لكل دولة. كما لا يخفى أن للطرفين وجهات نظر متقاربة في عدد من القضايا الجوهرية مثل المبادرة العربية للسلام في الشرق الأوسط التي أقرتها جامعة الدول العربية وبدعم من المجتمع الدولي بما في ذلك الاتحاد الأوروبي.

        على الجانب الاقتصادي يُعد الاتحاد الأوروبي شريكًا رئيسيًا للمملكة، حيث بلغ حجم التبادل التجاري معه عام 2018م أكثر من 61.03 مليار يورو، مرتفعًا خلال 10 سنوات بنسبة تتجاوز 40 %، ويبرز هنا أحد التحديات المتمثل في الرغبة برفع نسبة هذا التبادل إلى الضعف، وهو هدف يمكن أن تعمل رؤية المملكة 2030 على تحقيقه خصوصًا في ظل رغبة المملكة في تعزيز استثماراتها الدولية وشراكاتها الاستراتيجية، وبالمقابل تمثل البيئة الاستثمارية في المملكة بتنافسيتها الجاذبة -نتيجة سلسلة الإصلاحات الضخمة والمتواصلة- عامل جذب لتدفق رؤوس الأموال الأوروبية، بما يجلب معها تقنيات الصناعة الأوروبية المتقدمة ويدعم أهداف الرؤية في أكثر من مجال.  بالإضافة إلى التعاون المشترك لمحاربة التغير المناخي والمحافظة على البيئة، وهو أحد التحديات المشتركة بين الجانبين، خصوصًا في ظل تبني أورسولا فون دير لين الرئيسة الحالية للمفوضية الأوروبية لما أُطلق عليه (الصفقة الخضراء) باستثمار يُقدّر بتريليون يورو للتحول نحو اقتصاد خال من الكربون، يقابلها خططٌ طموحة من المملكة لاستخدام التقنيات الحديثة في استثمار الطاقة النظيفة، وتطوير مشروع للطاقة الشمسية وكذلك خططها لتصبح أكبر منتج ومصدر للهيدروجين الأزرق في العالم، والذي يُنظَر إليه على أنه محوري لمحاربة تغير المناخ.

ولا يمكن الحديث في الوقت الراهن عن أي جهودٍ دولية أو مجالات للتعاون ومواجهة التحديات دون التطرق لما خلّفته آثار جائحة كورونا (كوفيد 19)، وما شكلته من معاناة اقتصادية وصحية للعالم، وما فرضته من وجوب التنسيق والتعاون الدولي لمحاصرة المرض، وتجاوز الآثار المترتبة عليه، وكانت دول الاتحاد الأوروبي من أكثر الدول تضررًا من هذه الجائحة في بداياتها، وتسببت بأزمة حادة داخل الاتحاد، التي أثارت أسئلة وجودية حول مستقبله، ومدى قدرته على التماسك وتلبية مطالب مواطنيه، ونجح في تجاوزها لاحقا بخطة حزمة اقتصادية للتعافي -ولا يزال يعاني آثار ذلك حتى الآن- وكان للمملكة جهودها المشتركة لمواجهة الجائحة على مستوى ثنائي مع دول الاتحاد أو من خلال العمل متعدد الأطراف من خلال المنظمات الإقليمية والدولية، وكان من ضمن تلك الجهود ما قدمه أبناء المملكة المقيمين في دول الاتحاد من الأطباء والممارسين الصحيين بمساهمتهم الفعالة في مكافحة الوباء، والذي نالوا عليه إشادة رسمية وشعبية لقاء مساهمتهم تلك.

ويبقى القول بأن الاتحاد الأوروبي ينظر بإيجابية للتعاون والتنسيق في مختلف المجالات مع دولة محورية ذات ثقل سياسي واقتصادي بلغ الناتج الإجمالي لها ما يقارب 800 مليار دولار حسب تقديرات البنك الدولي-وأعني بذلك المملكة، وسيكون حريصًا على ذلك، وهو ما سبق وأن أكده سمو وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان بعد إجرائه حوارًا موسعًا مع نظرائه في الاتحاد الأوروبي أكتوبر الماضي حين قال: "للمملكة شراكة عميقة ومهمة مع الاتحاد الأوروبي، وأنا سعيد بما لمسته من حرص على تنمية تلك الشراكة، ومن الأهمية بمكان تكثيف عقد المؤتمرات الاقتصادية والاستثمارية المشتركة  في المملكة وفي دول الاتحاد الأوروبي لإلقاء المزيد من الضوء على الفرص الاستثمارية المتاحة والممكنة لدي الجانبين، خاصة التعريف بما تقوم به حكومة المملكة من تقديم تسهيلات  لجذب الاستثمارات الخارجية، وفي ظل المزايا الموجودة في  المملكة خاصة في المنطقة الاستثمارية العالمية العملاقة في نيوم.

مقالات لنفس الكاتب