; logged out
الرئيسية / توحيد الموقف الخليجي للتعامل مع التهديدات قبل ظهور بؤر صراعات جديدة

العدد 156

توحيد الموقف الخليجي للتعامل مع التهديدات قبل ظهور بؤر صراعات جديدة

الأحد، 29 تشرين2/نوفمبر 2020

تعيش دول الخليج العربي وسط منطقة إقليمية مضطربة يسودها عدم الاستقرار واختلال التوازن. وفي ظل تشابك قضايا الأمن الإقليمي تواجه هذه الدول تحديات أمنية ديناميكية مُعقَّدة تتخذ منحىً تصاعديًّا، ولا بديل أمامها إلا أن تُعزز من وحدتها وتعضِّد من تماسكها، وأن تنتهج سياسة أمنية تتناسب مع حجم التهديدات الحالية والمستقبلية. وتقود السعودية هذه المجموعة بما لها من قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية، وموقع استراتيجي، ورؤية مستقبلية منفتحة، ومن شأن التعاون الوثيق بين أعضائها وحلفائها أن يحقِّقَ المقدرة على التحكم في الظروف الإقليمية المحيطة لضمان الأمن الاقتصادي والعسكري للدول الخليجية في المدى المنظور والمدى البعيد.

الوضع الأمني والعسكري في منطقة الخليج

تشهد منطقة الخليج ذات الأهمية الاستراتيجيَّة أوضاعًا دولية معقَّدة دائمة التشكُّل والتداخل، ومعها تتنامَى وتتراكم التحديات والمخاطر. ومنها ما يرتبط بالأنشطة الإيرانيَّة المتمثلة في برنامجها النوويِّ وصواريخها البالستية ودعمها للحوثيين في اليمن، ومنها الأدوار والمصالح الأمريكية في منطقة الخليج، ومنها المعضلة الفلسطينية والأزمات المتفاقمة في سوريا ولبنان، والحرب على التنظيمات الإرهابية كالقاعدة وداعش، وتدخلات الأطماع التركية. ويضاف إلى ذلك أزمات تصدير النفط وتقلبات أسعاره، وتداعيات الصراع الطائفي الشيعي -السُّنِّي، ناهيك عن الخطط الخارجية الساعية لتفتيت دول المنطقة. وتقف تلك الظروف الإقليمية المعاكسة حائلاً أمام الحلم الخليجي بالوحدة الاقتصادية، التي تتحرَّك ببطء شديد.

لا تزال النزاعات المختلفة تشكل مصدرًا كبيرًا لعدم الاستقرار في المنطقة كما تؤثر على العلاقات الدولية على نطاق أوسع. أما الصراع في اليمن وأطرافه من الجهات الفاعلة الإقليمية المتعددة، فقد دخل عامه السادس بلا أية بوادر للتراجع، وقد أدى القتال إلى تفاقم الأزمة الإنسانية هناك وتسبب في نزوح جماعي للسكان المدنيين. التهديد الأكبر هو الاشتباك الحدودي مع المتمردين الحوثيين في شمال اليمن وهم يقاتلون القوات الحكومية اليمنية. وتشير الدراسات العسكريَّة إلى عامل التهديد السيكولوجيِّ للدول والشعوب الخليجية المحاطة بعدد من القوى الإقليمية العدوانية، وقد تحوَّلت منشآت وأنابيب النفط الخليجيِّ إلى هدف لجميع أطراف الصراع في المنطقة، ولا يمانع الخليجيون في عقد علاقة دفاعية مشتركة مع الجانب الأمريكيِّ في مقابل ضمان النفط الخليجيِّ لصالحه، ولتأكيد استقرارهم السياسيِّ. ويمكن القول بأن النفط سيبقى محدِّدا أساسيًا في المجال الأمني، يؤدي دورًا حاسمًا في معركة التوازنات الإقليمية والدولية.

التوجُّه الإيراني التوسعي

تسعى إيران لتطوير علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع بعض دول الخليج اتساقًا مع نزعتها التوسعية في المنطقة. وفي رؤيتها للأمن في الخليج تؤكد إيران على ضرورةِ تصفية المنطقة من التواجد العسكري الأمريكي، وبالذات في العراق ومياه الخليج، وتنتقد التعاونَ والتنسيقَ الأمني الخليجي-الأمريكي بينما تُعزز علاقاتها العسكرية والأمنية مع حليفها الروسي. وتُراهن الاستراتيجية الإيرانية في بُعدها الخارجي على القوة الناعمة باستهدافها الشعوب بدلًا من الحكومات، ولكنها لم تستغنِ عن استراتيجية القوة الصلبة في تفاعلاتها الإقليمية والدولية ودأبت على المُضيِّ في برنامجها النووي، وتعظيم قدراتها العسكرية، والحشد الشعبي، والدعم العسكري واللوجستي لحزب الله في لبنان، والطائفية في العراق، والحوثيين في اليمن، ونظام الأسد في سوريا.

كذلك تغير المشهد العامُّ للشرق الأوسط منذ احتلال العراق، ليضع المنطقة العربية أمام تحديات كبرى إذ سعت إيران إلى ملء الفراغ الأمني والسياسي الذي خلَّفه الاحتلال الأمريكيُّ في العراق، وقامت بتوظيف الجماعات والميليشيات المسلَّحة لخدمة سياساتها في المنطقة، وعمدت إلى تكوين أحزاب وحركات سياسية وعسكرية لخدمة أجندتها الطائفية، وإطلاق الجماعات الشيعية في مختلف دول الخليج العربي للعبث بالأمن القومي العربي والخليجي، مستغلة تردِّي السياسات الأمريكيَّة في الشرق الأوسط. وفي غضون ذلك أقنعت القوى الدولية لتوقع" الاتِّفاق النووي " في أبريل 2015م، "خطة العمل المشتركة الشاملة" في يوليو 2015م، وحصلت على ضمانات من هذه القوى بالاحتفاظ بمناطق نفوذها في العراق وسوريا واليمن، بل وعمدت إلى التوسع في هذا النفوذ. إن برنامج إيران النووي لا يزال يشكِّل تهديدًا حقيقيًّا للمنطقة، إلى جانب تطويرها وسائل تهديد أخرى، على رأسها الصواريخ الباليستية البعيدة المدى، كما أن إيران لم تكتفِ بعملية التصنيع والتطوير، بل أرسلت هذه الأسلحة والصواريخ المتطورة إلى حلفائها، وهو ما يشكِّل تهديدات مضاعفة للأمن الإقليمي والدولي. أشار تقرير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات أن طهران تُنفق سنويًّا أكثر من 16 مليار دولار لدعم الأنظمة والميليشيات الموالية لها. تعتبرُ إيران نفسها أكبر قوةَ إقليمية مهيمنة في الخليج العربي، وتعمد إلى تكرار المناورات والاستعراضات العسكرية في مياه الخليج متضمنة منظوماتٍ صاروخية، في تهديدٍ واضحٍ لدول الخليج ومصالحها الحيوية بالمنطقة.

الدور السعودي في تحقيق التوازن والردع بالمنطقة

في إطار استراتيجية التنمية السعودية لرؤية 2030 الطموحة سيتم تنفيذ استثمارات ضخمة وتطوير البنية التحتية. تسير السعودية على طريق التغيير، وقد بدأت في تنفيذ سياسة اقتصادية ناجحة للغاية تعمل على تنويع الاقتصاد الوطني. وتلعب دورًا محوريًا في استقرار المنطقة إذ تتصدى لمعضلات كبيرة وقضايا سياسية عالمية مثل مكافحة الإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية وتسعى للتعاون القائم على الاحترام المتبادل ومكافحة التطرف من أي أصل.

وَرَدًّا على تهديدات إيران قال الأمير محمد بن سلمان:” السعوديَّة لا تريد الحصول على أي قنبلة نووية، لكن من دون شك إذا طوَّرت إيران قنبلة نووية فسنحذو حذوها في أسرع وقت ممكن“. ومنذ فترة وجيزة جرى توقيع عديد من الاتِّفاقيات والشراكات الاستراتيجية مع بريطانيا في المجالات العسكرية والاقتصادية والأمنية. وعبَّرت الحكومة البريطانية عن دعمها للتوجُّهات السياسية السعوديَّة الجديدة في منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها مشروع رؤية المملكة لعام 2030م، وجهودها في مكافحة الإرهاب. وتواصل المملكة العربية السعودية انطلاقها نحو مستقبل مختلف، ويشمل ذلك ما تنفقه من المليارات على المعدات العسكرية الأجنبية. في عام 2020م، احتلت المملكة العربية السعودية المرتبة 17 من بين 138 دولة حسب التقرير السنوي لمؤشر القوة النيرانية العالمية Global Fire Power, GFP. وتمثِّل السعودية صمام الأمان في المنطقة، وضابطَ الإيقاع في العلاقات والمبادرات والتحالفات العسكرية.

تتَبَنَّي الحكومة السعوديَّة سياسة وطنية لبرنامج نووي سِلْمِي تأكيدًا للدور السعوديِّ في موازنة النفوذ الإيرانيّ المتصاعد في الشرق الأوسط. وقد أجرت مع الولايات المتَّحدة محادثات دبلوماسية بشأن صفقة استثمارية لبناء 16 مفاعلًا نوويًّا في المملكة، على مدى الـ20-25 سنة المقبلة، بتكلفة تزيد على 80 مليار دولار. وعلى طريق تحقيق الطموحات النووية في المملكة لا بد من الإشارة إلى ضرورات استراتيجية تتمثل في توافر البنية التحتية، والبنية العلمية والتكنولوجية، والتوافق الإقليمي والدولي على مشروعية هذه السياسات، وإدراك أهمية وجود رادع قوي لوقف طموحات إيران النووية.

أما الصواريخ البالستية فهي مجال حيوي لابد من اقتحامه، كأداة تكنولوجية مهمة. وتمثِّل بداية التأهيل لمركبات إطلاق الأقمار الاصطناعية، ومن المنتظر في المستقبل القريب أن يكون الفضاء مسرحًا لتطبيقات كثيرة مدنية وعسكرية. وكما يفعل الغرب في صناعاته المتطورة إذ تختص كل دولة بإنتاج جزء ما، ثم يجري تجميع واختبار العنصر الكامل في دولة أخيرة، يمكن تقسيم المشروعات الكبيرة بين دول الخليج وجاراتها، لإنتاج صاروخ عربي أو طائرة عربية أو قمر عربي لاستيعاب التكنولوجيات البازغة، وتحقيق الردع المناسب أمام أية عدائيات. إنه طريق طويل، لابد من البدء فيه استعانة بالخارج والإمكانات المحلية، والعناصر البشرية المؤهلة، والإنفاق السخيِّ عليه واستكماله مهما امتد به الوقت.

كذلك سجلت رؤية 2030م، إشارات واضحة حول صناعات الدفاع السعودية تقول: "هدفنا هو توطين ما يزيد على 50% من الإنفاق العسكري بحلول عام 2030م بإذن الله. ولقد انطلقنا فعلاً، فبدأنا بتطوير بعض الصناعات الأقل تعقيدًا من قطع غيار ومدرعات وذخائر، وسنواصل هذا المسار إلى أن نصل إلى توطين معظمها، وسنوسع دائرة الصناعات الوطنية لتشمل الصناعات الأكثر تعقيدًا مثل صناعة الطيران العسكري، وسنبني منظومة متكاملة من الخدمات والصناعات المساندة بما يسهم في تحسين اكتفائنا الذاتي ويعزز من تصدير مننتجاتنا العسكرية لدول المنطقة وغيرها من الدول". وفي إطار تنفيذ مشروع توطين الصناعات اتخذت المملكة خطوات جادة، بالتعاون مع كبريات الشركات العالمية المتخصصة في مجال تصنيع الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية على اختلاف أنواعها، في أمريكا وروسيا وفرنسا وإسبانيا والهند وجنوب إفريقيا وغيرها، لإقامة صناعة محلية داخل المملكة، وعقد اتفاقيات التعاون المشترك، وتوقيع مذكرات تفاهم معها. وأبرمت المملكة مع موسكو مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق بمبلغ مليار دولار للاستثمار في مجال التكنولوجيا، ووقعت عقودًا لتوريد نظام الدفاع الجوي المتقدم S 400، وراجمات الصواريخ وراجمات القنابل. كما عقدت اتفاقات مع الجانب الصيني بقيمة 60 مليار دولار، وتشمل تصنيع الطائرات العسكرية بدون طيار. وشهد معرض القوات المسلحة (أفد) الذي استضافته الرياض توقيع اتفاقيات عالمية لتأسيس شركات متخصصة في مجال نقل وتوطين تقنيات صناعة الطائرات العسكرية والمدنية والأقمار الصناعية والرادارات والطاقة النظيفة. ووقعت الشركة السعودية للصناعات العسكرية مذكرات تفاهم مع شركات عالمية كبرى مثل بوينج، لوكهيد مارتن، رايثيون، جنرال دانيامكس، لدعم عمليات التطوير في الشركة. وتأسست شراكة مع شركة تاليس الفرنسية بنسبة توطين 70%، ومع شركة بوينج لتوطين أكثر من 55% في أعمال الصيانة والإصلاح وعمرة الطائرات الحربية. وسوف تورد شركة نافانتيتا البحرية الإسبانية خمس سفن حربية بنسبة توطين 60% مع شراكة لتوطين كافة الأعمال المتعلقة بأنظمة القتال على السفن. كما وقعت اتفاقية لصناعة المركبات المدرعة مع شركة سى إم آى بنسبة توطين 50%، واتفق على إنشاء شركة سعودية في مجال الدفاع البحري مع مجموعة نافال الفرنسية.

سيناريوهات التحالفات المستقبلية في منطقة الخليج

كشفت الهجمات على بعض المنشآت في دول مجلس التعاون الخليجي، تصدع البنية الأمنية المرتكزة على الغرب في منطقة الخليج. وبدت هناك ضرورة ملحة لإيجاد آليات بديلة لضمان السلم والأمن في المنطقة، وما تمثله من مصالح اقتصادية حيوية. إن تَحَوُّل القوة الاقتصادية من الغرب إلى الشرق على مدار العقدين الماضيين يمهِّد لحدوث تغيُّر في المشهد السياسي والأمني العالمي، لن يستثني منطقة الخليج. لقد تجاوز إجمالي قيمة التبادل التجاري بين دول الخليج والدول الآسيوية، قيمة التبادل التجاري بين دول الخليج والاتحاد الأوروبي وأمريكا مجتمعين. وجَّهَتْ دول مجلس التعاون الخليجي أنظارها نحو الدول الآسيوية ليصيروا من بين حلفاء المستقبل. وتقوم العلاقات معهم على أنشطة اقتصادية تبادلية تؤثر على البيئة الجيوسياسية وربما تهيئ لترتيبات أمنية جماعية للخليج برعايتهم في المستقبل. ومع أن البعض لا يرى بديلاً عن مظلة الحماية للولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل القريب أو حتى المتوسط للمنطقة، غير أن ذلك قد يتغير في المديين المتوسط إلى البعيد.

يجري الحديث عن اثنين من السيناريوهات بشأن الأمن في المنطقة. يرى الداعون إلى السيناريو الأول ضرورة انسحاب القوى الخارجية من الخليج، إذ أنها ساهمت في خلق الأزمات بدلاً من حلها، ولا يمكن لأي منظومة دائمة للأمن في الخليج أن تنجح إلا إذا بُنِيت على مبادرة إقليمية. وهو سيناريو غير واقعي مع غياب أي ترتيبات أمنية أخرى غير أمريكية، ومن المستبعد إمكانية إنشاء نظام محلي بديل وقابل للاستمرار للأمن في المنطقة. أما السيناريو الثاني فيدعو للمزيد من التدويل لشؤون المنطقة، بإقامة علاقات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية مع دول أخرى وليس الاعتماد فقط على القوة العسكرية الأمريكية. إن الأطراف الأخرى ومنها روسيا، والصين، والهند، والاتحاد الأوروبي أيضًا عليها النهوض بدور هام. وعلى المسؤولين عن السياسة الخارجية أن يسعَوا إلى تعزيز العلاقات مع هذه الأطراف، والمنطقة بحاجة إلى ضمانات نابعة من الإرادة الجماعية للمجتمع الدولي. وهناك احتمالات لإنشاء منظومة أمنية جماعية جديدة، تشارك فيها كل من الدول الآسيوية والغربية، تسجِّل بُعدًا أمنيًا استراتيجيًا يتواكب مع متانة العلاقات الاقتصادية والسياسية القائمة.

مَدُّ جسور التعاون مع القوى الخارجية

ظلت أمريكا شريكًا استراتيجيًا وركيزة أساسية لأمن الخليج على مدار الخمسين عامًا الماضية، وعلى الرغم من تكهنات عن تراجعها عن منطقة الخليج والشرق الأوسط، ستظل الولايات المتحدة قوة عالمية رئيسية تشكل أمن الخليج لسنوات قادمة. قد لا يعكس نفط الخليج مصلحة حيوية لها كما كان في السابق، لكن دول الخليج العربي اكتسبت الكثير من الثقل الاستراتيجي والمالي. ولا يزال الدور الأمريكي مطلوبًا لأمن الخليج، الذي أصبح بمثابة شريك إقليمي لا غنى عنه لمن يريد قيادة العالم في القرن الحادي والعشرين. لقد طورت دول الخليج العربي خبرة في التعامل مع المؤسسة السياسية الأمريكية، وتعاملت بنجاح مع 14 رئيسًا ديمقراطيًا وجمهوريًا على اختلاف نزعاتهم وتوجهاتهم على مدار السبعين عامًا الماضية، وحققت معهم أقصى استفادة. كان المفتاح دائمًا هو المصالح المشتركة، وهذه تبقى مصالح حساسة ومتعددة، وليس بوسع أي رئيس أمريكي أن يتلاعب بها.

من شأن العمل مع أطراف أخرى كالاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، أن يساعد في إحراز مزيد من التقدم بشأن المخاوف الأمنية المشتركة في المنطقة، بما في ذلك تعزيز السلام والاستقرار، وكبح الانتشار النووي، ومكافحة الإرهاب، والطاقة والأمن البحري، ووقف تدفقات اللاجئين. وستحتاج الإدارة الأمريكية الجديدة إلى التفكير بشكل شامل في التحديات الأمنية لإيران والخليج العربي بالتنسيق الوثيق مع مجموعة E3 (فرنسا، ألمانيا، والمملكة المتحدة) ومشاركة جميع اللاعبين الإقليميين لبناء الثقة والرقابة الدولية، وتحقيق التوازن بين الاحتياجات الأمنية لجميع الأطراف، وسيكون تأمين الدعم من روسيا والصين مهمًّا لنجاح هذا المشروع. وستزيد المشاركة الملتزمة من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة من فرص الاستدامة. سوف تحتاج مجموعات العمل إلى التوافق حول مجالات أساسية تشمل: الحد من التسلح، والأمن النووي، والأمن البحري، وقنوات الاتصال. إذا ترسخ هذا المسعَى، فقد يؤدي في الوقت المناسب إلى استقرار الصراعات في سوريا وليبيا واليمن، ويبدأ عملية إعادة الإعمار، ويساعد في تعزيز الحكم الرشيد والازدهار والأمن الإقليمي على المدى الطويل.

لقد كان من أثر التقدم التكنولوجي في آسيا، والارتباط الاقتصادي بجميع القارات فيما يُدعىَ "صعود الشرق" أن حدَّ من القدرات الأمريكية والأوروبية في الهيمنة على العالم. وتربط الدول الآسيوية، وخاصة الصين والهند، بين أهمية منطقة الخليج والقضايا الأمنية العابرة للحدود، ومنها انتشار الأسلحة، والجريمة، والمخدرات والإرهاب. وبالنسبة للصين فهي تُحجِم عن القيام بدور في الشرق الأوسط، ويرجع ذلك إلى أنها تشعر أنها لا تزال تنقصها القدرة للقيام بدور القيادة في تسوية النزاعات الإقليمية الحالية. غير أن "وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية" في 2016م، أعادت التأكيد على التزام الصين بتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. ولدى الهند الاستعداد للمساهمة في استقرار المنطقة، عبر تبادل خبراتها في مكافحة الإرهاب، والأمن البحري، والتدريب العسكري لضمان الاستقرار والأمن على امتداد الدول من الخليج إلى شرق آسيا. ويعبِّر عن مستوى العلاقات الاستراتيجية مع الهند: إعلان الرياض في 2010م، وإعلان أبو ظبي في 2015م، واتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع الإمارات في 2017م، والمناورات البحرية المشتركة مع الإمارات في 2019م. وتقوم علاقات الهند مع دول الخليج على أسس عدم الإملاء أو التدخل، أو إصدار الأحكام، أو الانحياز في النزاعات الإقليمية الداخلية، مما يتيح لها علاقات وثيقة مع كل دول المنطقة. قدمت روسيا مقترحًا للبحث عن منظومة أمنية بديلة لمنطقة الخليج، وينص المقترح الروسي على إنشاء تحالف لمكافحة الإرهاب من دول الخليج، وروسيا، والصين، وأمريكا، والاتحاد الأوروبي، والهند، وغيرها. ويتضمن المطالبة بمنظومة أمنية عالمية وشاملة تراعي مصالح كافة الأطراف الإقليمية وغيرها من الأطراف المشاركة، في جميع مجالات الأمن، ومنها الأبعاد العسكرية والاقتصادية والطاقة. ومؤخرًا -في مناقشات مجلس الأمن -تحطمت أي آمال في قبول اقتراح موسكو بسبب انعدام الثقة بين اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، وبسبب رفض إيران الالتزام بالمعايير المقبولة عالميًا، مثل احترام الحدود والاستقلال السياسي لجيرانها، أو نبذ استخدام القوة أو التهديد لحل النزاعات. وبالإشارة إلى تركيا فقد تصدعت العلاقات بينها وبين السعودية والإمارات. وأقامت تركيا، التي يتزايد ابتعادها عن أوروبا وتتحول أنظارها إلى الشرق، قاعدة عسكرية في قطر وتضطلع بأدوار نشطة في سوريا وليبيا مناقضة للتحركات الأمريكية والسعودية الإماراتية.

بناء القدرات الخليجية الذاتية

تعمل الولايات المتحدة والسعودية بشكل جماعي لتحقيق الهدف المشترك المتمثل في شرق أوسط مستقر وآمن ومزدهر. السعودية شريك حيوي للولايات المتحدة في مجموعة واسعة من قضايا الأمن الإقليمي، وعضو مؤسس في التحالف العالمي لهزيمة داعش. تقود السعودية أيضًا جهود التحالف لتعطيل شبكات داعش المالية والتسهيلية، ودعم قدرة أعضاء التحالف على تحديد واستهداف هذه الشبكات من خلال زيادة تبادل المعلومات وتطوير تدابير هيكلية لمكافحة التدفقات المالية غير المشروعة. وبدعم من جهود التعاون الأمني الأمريكية، أحبطت المملكة العديد من المحاولات الإرهابية ضد أهداف سعودية وأجنبية ونجحت في ردع الهجمات الخارجية. لا تزال الولايات المتحدة ملتزمة بتزويد القوات المسلحة السعودية بالمعدات والتدريب والدعم اللازم للمتابعة، لحماية المنطقة من الآثار المزعزعة للاستقرار ولمكافحة النفوذ الإيراني والتهديدات الأخرى. لتحقيق هذه الغاية، ستواصل الولايات المتحدة التعاون مع السعودية لتدريب قوات العمليات الخاصة ومكافحة الإرهاب، ودمج أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي، وتعزيز الدفاعات السيبرانية، وتعزيز الأمن البحري.

يُعتبر الدفاع والأمن أفضل قطاع صناعة محتملة، وقد بلغت نفقات الدفاع والأمن في السعودية 63.2 مليار دولار في عام 2019م، ومن المتوقع أن تصل إلى 83 مليار دولار في عام 2020م. ويمثل الإنفاق على الدفاع والأمن الداخلي ما يقرب من 35٪ من الميزانية الوطنية. وتنشد السعودية استيعاب تقنيات ومواد دفاعية تشمل الدفاع الصاروخي الباليستي، والأمن البحري، وتحديث الحرس الملكي، والدروع، ونظم القيادة والسيطرة والاتصالات والكمبيوتر والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع C4ISR، ومتطلبات أخرى لتلبية احتياجاتها الدفاعية، ومن المتوقع أن تحافظ على إنفاقها الدفاعي خلال السنوات القادمة.

تسعى دول الخليج إلى توسيع نفوذها الجيوسياسي في المنطقة التي تعد مفترق الطرق بين شرق إفريقيا، والخليج، وجنوب آسيا، وتضم قناة السويس، والبحر الأحمر، ومضيق باب المندب، وخليج عدن، وبحر العرب، وخليج عُمان، والخليج. وفي خضم التحركات الاستراتيجية تحتدم المنافسة على تطوير الموانئ وإنشاء المناطق الاقتصادية ومشروعات القواعد العسكرية في جيبوتي وإريتريا والصومال وقطر والسودان.

وفي إطار تنويع الخيارات الأمنية تسعى كل من السعودية والإمارات لإقامة شراكات مع مؤسسات دفاعية دولية لدعم صناعاتها الدفاعية المحلية والحصول على تجهيزات عسكرية حديثة. كما أعلنت الإمارات إنشاء صندوق لتنمية الصناعات الأمنية والدفاعية، بهدف دعم قطاع إنتاج الأسلحة لتلبية الاحتياجات المحلية وللتصدير. ويشار إلى مبادرة استراتيجية لإنشاء كيان أمني إقليمي لحماية البحر الأحمر وخليج عدن لتعزيز التعاون وتأمين مصالح الشحن الإقليمية والدولية، يشمل المملكة العربية السعودية، ومصر، والأردن، وجيبوتي، والصومال، والسودان، واليمن. وقد استخدمت الإمارات والسعودية طائرات مُسيَّرة صينية في اليمن، وتتعاونان معًا لإنتاج طائرة هجومية خفيفة.

ملاحظات ختامية

- لم تعد أمريكا تمثل القطب الأوحد في العالم، فبإضافة الصين وروسيا أصبح هناك الآن أقطاب ثلاثة. والمجال مفتوح أمام أطراف أخرى كالهند واليابان للمشاركة في نهج تعاون أمني أوسع نطاقًا في الخليج. وسواء حَكَم أمريكا الجمهوريون أو الديمقراطيون فإن المصالح هي الحاكم في كل الأحوال.
- برهنت الأحداث على أن التحالف مع أمريكا ليس كافيًا لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، وعلى ذلك فلا بُدَّ من البحث عن سيناريوهات بديلة لأمن الخليج، وتنويع التحالفات وفقًا للمصالح مع ضمان مصداقية الالتزامات والتعهدات. كما ينبغي أن تواصل دول الخليج عملية التنويع في سياستها الخارجية بما يدعم استقلالها الاستراتيجي.
- من الضروري وجود موقف خليجي موحَّد للتعامل مع تهديدات مختلفة من قِبَل دول وبؤر أخرى للصراعات تنذر بتقويض الأمن والاستقرار في المنطقة. فبالإضافة إلى إيران يوجد خطر الجماعات المتطرفة التي يمكن أن تنفذ عمليات إرهابية تستهدف المواقع الحيوية.
- يمكن على المدى البعيد، استغلال القدرات العسكرية المتنامية للقوى الآسيوية كبدائل ضمن منظومة أمن جماعي أشمل، تشارك فيها الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والقوى الأوروبية.
- من المفيد التوسّع في تنفيذ دول الخليج لمناورات مشتركة مع الشركاء الاستراتيجيين باعتبارها رسائل للردع، لإتقان عمليات التنسيق والمعاونة، وتعميق الخبرات القتالية.
- لا بديل عن تعظيم القوة الذاتية، وتوطين التكنولوجيا الدفاعية على امتداد دول الخليج والجوار العربي، ضمن شراكة مُحكمة تتوافق مع رؤية 2030.

 

مقالات لنفس الكاتب