; logged out
الرئيسية / وضع نهج للقضايا الإقليمية لتعزيز الثقة ومناقشة المخاوف وتأسيس معايير للأمن

العدد 156

وضع نهج للقضايا الإقليمية لتعزيز الثقة ومناقشة المخاوف وتأسيس معايير للأمن

الأحد، 29 تشرين2/نوفمبر 2020

على مدى السنوات الخمس الماضية، دخلت العلاقات الثنائية بين الهند والسعودية مجالات لم يسبق لها مثيل: حيث توفر المملكة ما يقرب من 20 في المائة من واردات النفط الهندية. وقدرت العلاقات التجارية بين البلدين بحوالي 33 مليار دولار في 2019-2020م، وعاهدت المملكة العربية السعودية باستثمار 100 مليار دولار في تطوير البنية التحتية للهند. واعتبرت الهند "الشريك الاستراتيجي" للمملكة في إطار "رؤية المملكة 2030"، وهو المشروع الطموح للبلاد الذي يهدف لجعلها جزءًا رئيسيًا من الاقتصاد العالمي.

وتستضيف المملكة أيضًا ما يقرب من ثلاثة ملايين مواطن هندي، يعملون بصفتهم مهنيين وفنيين وعمال، والذين بدورهم يقومون بتحويل ما يقرب من 11 مليار دولار إلى الهند سنويًا. وفي عام 2019م، رفعت المملكة العربية السعودية حصة الحجاج القادمين من الهند، بحيث أدى مائتا هندي مناسك الحج في ذلك العام، وهو ما يعد ثاني أكبر حضور أجنبي إلى المدن المقدسة.

وينعكس التزام قادة البلدين في استكشاف مجالات جديدة للتعاون باستمرار ووضع ترتيبات مؤسسية لتعزيز هذه المجالات في البيانات المشتركة التي تم التوصل إليها بعد التفاعلات الثنائية الهامة.

 

التعاون على صعيد المناطق الحدودية

 

حدد بيان أبريل 2016م، الصادر خلال زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى الرياض، إلى جانب تعزيز العلاقات في المجالات التقليدية مثل الطاقة والتجارة والاستثمار وتطوير البنية التحتية، أيضًا مجالات جديدة للتعاون بين البلدين؛ وشملت هذه المجالات: الطاقة المتجددة وتكنولوجيا الفضاء وعلم البيئة الصحراوية والتكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. كما أشارت الوثيقة إلى الأمن الغذائي باعتباره قطاع جديد للدعم المتبادل بين البلدين.

ونصت اتفاقية فبراير 2019م، على إنشاء "مجلس الشراكة الاستراتيجية" بقيادة رئيس الوزراء الهندي وولي العهد السعودي. وانعقد الاجتماع الأول لهذا المجلس في الرياض في أكتوبر 2019م، مع وضع ركيزتين للمجلس على المستويات الوزارية:

(1) الأمن السياسي والاجتماعي والثقافي

(2) الاقتصاد والاستثمار.

وفي إطار هاتين الركيزتين، يوجد عدد من فرق العمل المشتركة في مختلف القطاعات، وقد عقد الطرفان عدة اجتماعات بشكل منتظم على مستوى المسؤولين. وقد حققت هذه الاتفاقيات نتائج جوهرية. وتشارك أرامكو السعودية وأدنوك الإماراتية في تطوير مشروع مصفاة الساحل الغربي والبتروكيماويات بقيمة 44 مليار دولار أمريكي في ولاية ماهاراشترا. وفي أغسطس 2019م، أعلنت أرامكو السعودية أنها تخطط للاستحواذ على حصة تبلغ 20% في أعمال تحويل النفط إلى الكيماويات الخاصة بمجموعة ريلاينس الهندية مقابل 75 مليار دولار.

وأعلن صندوق الثروة السيادي في المملكة العربية السعودية، وهو صندوق الاستثمارات العامة، أنه سيستثمر 1.5 مليار دولار في شركة الاتصالات "جيو بلاتفورمز" التابعة لريلاينس، وهي منصة الخدمات الرقمية الرائدة في الهند. ومرة أخرى، استثمر "صندوق رؤية" التابع لمجموعة سوفت بنك المدعوم من صندوق الثروة السيادي السعودي عدة مليارات من الدولارات في الشركات الهندية الناشئة مثل شركة ديلهفري وشركة فيرست كراي وشركة جروفيرز وشركة أولا وشركة أوه واي أوه وشركة باي تي إم وشركة بوليسي بازار.

وعلى الرغم من أن التعاون الثنائي قد اكتسب الآن نمطه الخاص، مع وجود هيآت متعددة المستويات مهمتها إزالة العقبات ورصد التقدم المحرز والسعي للبحث عن أفكار جديدة، فإن الساحة الآن مهيأة للبلدين لمواجهة التحدي الجديد، المتمثل في تعزيز الأمن الإقليمي، معًا.

التعاون الاستراتيجي

يشير كل بيان من البيانات الهندية السعودية المشتركة إلى "الشراكة الاستراتيجية" بين البلدين في سياق حالة الأمن الإقليمي، ويؤكد "مسؤوليتهما عن تعزيز السلام والاستقرار والأمن في المنطقة". كما ألزم بيان أبريل 2016م، البلدين "بتعزيز الأمن البحري في منطقة الخليج والمحيط الهندي".

 

على الرغم من التصريحات الواضحة في مختلف البيانات المشتركة، لم تبذل الهند والمملكة العربية السعودية أي جهد لحل القضايا الأمنية المختلفة التي تربك الحيز الاستراتيجي المشترك بينهما، إذ يبدو وكأن اهتمام البلدين مقصور على الشؤون الثنائية. ويعتبر هذا نهجًا باليًا، لا يرجى منه فائدة. وفي الواقع أشار البيان المشترك الصادر في أبريل 2016 بوضوح إلى أن الزعيمين أقرا "بالارتباط الوثيق بين الاستقرار والأمن في منطقة الخليج وشبه القارة الهندية وضرورة الحفاظ على بيئة آمنة وسلمية". ومن المهم أن يؤازر هذا الفهم النهج الثنائي للبلدين في مواجهة التحديات الإقليمية.

هناك عدة عوامل تحدد آفاق التعاون بين الهند والمملكة العربية السعودية من أجل تعزيز الأمن الإقليمي:

أولاً، يشكل المشهد بأكمله من الهند إلى البحر الأبيض المتوسط ​​ومن ثم عبر شمال إفريقيا مساحة أمنية متصلة بسلاسة: ففي أفغانستان، بينما تستعد الولايات المتحدة للمغادرة، تشعر الهند وباكستان وإيران والعديد من دول الخليج بقلق عميق إزاء الاستقرار والسلام في البلاد. وبالمثل، تشارك عدة دول، إقليمية وأجنبية، في الصراع السوري، في حين تلعب دول من الخليج وغرب آسيا وشمال إفريقيا دورًا سياسيًا وعسكريًا مباشرًا في ليبيا. وبالتالي، ينبغي أن تكون جهود السلام الرامية إلى حل هذه الخلافات بالضرورة إقليمية بدلًا من أن تكون محلية.

ثانيًا، بسبب الصراع الأهلي، انهار نظام الدولة في العديد من الدول الإقليمية مما جعلها ساحة للصراعات الطائفية بالوكالة. وقد أصبحت سوريا واليمن والعراق ساحات قتال لمثل هذه الخلافات.  

ثالثًا، ساهمت الصراعات الإقليمية في انتشار القوى المتطرفة: وعلى الرغم من أن تنظيمي القاعدة وداعش لم يعودا قوة فتاكة كما كانا في السابق، إلا أن آثارهما الخبيثة لا تزال قائمة، ولا تزال العديد من الهجمات التي يشنها من يسمون بالراديكاليين "المنفردين" تحدث في مناطق مختلفة في جنوب آسيا أو حتى في أوروبا.

رابعًا، تُبدي الولايات المتحدة القليل من الحماس لأن تلعب دور قوات الدرك في غرب آسيا: حيث تبنى رئيسيها أوباما وترامب -على شدة اختلافهما -نفس الفكرة الداعية الى تحمل الدول الإقليمية مسؤولية الأمن الإقليمي.

أخيرًا، سرعت جائحة كورونا من وتيرة الاتجاهات التي كانت قد نشأت بالفعل مؤخرًا، ونقصد هنا إعادة تشكيل النظام العالمي، حيث أكدت الصين وروسيا معًا على دورهما الجديد على رأس الطاولة العالمية. ورغم أن نتيجة هذه التأكيدات لا تزال غير واضحة، إلا أنه لا يسع المرء سوى ان يتوقع اضطراب اكيد في السيناريو الإقليمي والعالمي، حيث تسعى الولايات المتحدة من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى إلى إيجاد شركاء لدعم مواقفهم، لا سيما في جنوب وغرب آسيا. وهذا من شأنه أن يؤجج حدة النزاعات الإقليمية الجارية، ويزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة. 

النظام الإقليمي الجديد

إن النظام الذي يمكن للهند والمملكة العربية السعودية بموجبه تحقيق مصالحهما الأمنية على مسارات متوازية يتراجع الآن. ويتشكل أمام أعيننا سيناريو أكثر غموضًا وإثارة للجدل. وهو ما يستدعي أفكارًا ونهجًا جديداً. إنه، في الواقع، ما يطلق عليه الأكاديميون "ثقافة استراتيجية" جديدة، ترسم رؤية للسلام الإقليمي. ولأجل تحقيقها لابد من تبنى نهجًا استراتيجيًا شاملًا من ناحية الإدراك، وطويل الأمد من ناحية التطبيق.

يتمثل الشاغل الأكبر لأولئك المهتمين بالقضايا الأمنية اليوم في حقيقة أن النظام الجديد يمكن أن يكون ثنائيًا وصداميًا على حد سواء، كما يتضح من مصطلح "الحرب الباردة الجديدة" الذي يُطبق بشكل متزايد على السيناريو العالمي الحالي. ومن المؤكد أن إدارة ترامب ساهمت في ذلك من خلال سياساتها المتمثلة في عسكرة العلاقات الخارجية واعتماد خطاب المواجهة مع الصين.

أشارت كاري لي، التي كتبت مؤخرًا في فورين أفيرز، إلى أن النهج الأمريكي الحالي تجاه التطورات العالمية يتمثل في النظر إليها بشكل شبه كامل "من خلال تصورات التهديد العسكرية ". ولقد كان هذا الأمر خطيرًا للغاية بالنسبة للصين لأن سياسة ترامب الخارجية، كما كتب تشينغ لي، "تدفع كلا البلدين إلى الاقتراب أكثر فأكثر من الصراع". ولم تختف غيوم الحرب مع التغيير الوشيك في البيت الأبيض لأن العديد من العوامل (والشخصيات) التي تشجع على التنافس والمواجهة لا تزال قائمة.

إن العالم الذي دمره هذا الوباء، والمترنح بفعل ضربات متعددة للاقتصاد الوطني، لا يحتاج إلى حرب باردة جديدة أو إلى احتمال تواجه القوى العظمى. وستحتاج القوى الوسطى، مثل الهند والمملكة العربية السعودية، إلى اتباع نهج جديد للأمن الإقليمي وتحمل مسؤوليات لم تتحملها من قبل. وينبغي الآن دمج نهجهما معا في المسار الموازي للأمن الإقليمي ليصبح واحدًا، أي متفق عليه بشكل متبادل وداعم للطرفين.

الخطوات التالية

تتمثل الخطوة الأولى التي يتعين على الهند والمملكة العربية السعودية اتخاذها في تفعيل "الحوار الأمني ​​الشامل"، الذي أُعد في فبراير 2019م، تحت قيادة مستشاري الأمن القومي في البلدين. وأن يتبادل الجانبان بشكل مفصل التقييمات والمصالح والمخاوف فيما يتعلق بالمنافسات والصراعات الإقليمية. ولسوف يُفضي ذلك الى تبني نهج مشتركة لحل القضايا التي تشكل مصدر قلق في الوقت الحاضر، والتي تتمثل في إيران بالنسبة للمملكة العربية السعودية وباكستان بالنسبة للهند وأفغانستان لكليهما، وكيفية ضمان أن الصين تعلب دورًا في تعزيز السلام والازدهار في النظام العالمي الجديد، وليس الحرب الباردة الجديدة.

 

من خلال هذه المناقشات، سوف يتعين وضع نهج جديد للقضايا الإقليمية. ونظرًا لتعقيد القضايا التي تؤدي إلى نشوب النزاعات، سيتطلب هذا النهج إحراز تقدم تدريجي في تعزيز تدابير بناء الثقة، ومن ثم إجراء اتصالات هادئة لمناقشة المخاوف المشتركة بين الأطراف المتنازعة، وأخيرًا تنظيم أكبر تجمع إقليمي للتفاوض بشأن المعايير المتعلقة بالأمن الإقليمي وآليات ضمان الامتثال للاتفاقيات.

ويعتبر ذلك دورًا فريدًا ومسؤولية غير مسبوقة للقوتين. وسيتطلب منهما ابتكارًا والتزامًا وموائمة، ناهيك عن التفاهم والمثابرة، بل وفي كثير من الأحيان، روح الدعابة. وسيتمثل الدافع وراء ذلك في إدراك أن البديل عن السلام الإقليمي هو الصراع العالمي، تكراراَ لما حدث في عام 1914م، إذ قادت "عقيدة الهجوم" العالم إلى "ان يسير نائمًا" نحو الحرب.

مقالات لنفس الكاتب