; logged out
الرئيسية / العلاقات السعودية ـ الجزائرية: تثبيت وتطوير المبادئ وتوازن المصالح

العدد 156

العلاقات السعودية ـ الجزائرية: تثبيت وتطوير المبادئ وتوازن المصالح

الأحد، 29 تشرين2/نوفمبر 2020

تمثل منطقة شمال إفريقيا ودول اتحاد المغرب العربي منطقة حيوية لمستقبل التعاون الدولي لما تملكه من عناصر جذب جيوستراتيجية، سواء من حيث المجال الحيوي الذي يمتد على شريط ساحلي بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي والبوابة البرية لعمق الساحل الصحراوي، أو من جهة الموارد ذات البعد العالمي حيث تمتلك دول المنطقة موارد متنوعة من الغاز، النفط، اليورانيوم، وموارد طاقوية لامتناهية. والملاحظ أن هذه الأوراق الجيوستراتيجية لم يتم ترجمتها في الواقع إلى عامل قوة وتكامل بين دول المنطقة لعدة أسباب متكاثفة وتتغير حسب كل حالة، فالحالة الليبية لا تزال رهينة النزاع الدولي والإقليمي حول تقسيم المصالح والنفوذ، بينما تعيش تونس حالة عسر التحول الديمقراطي وتصاعد الاستقطاب الإقليمي بين النخب السياسية المتصادمة، كما يستمر النزاع الدبلوماسي الجزائري-المغربي حول مستقبل قضية الصحراء الغربية وانعكاساتها على استقرار وأمن المنطقة المغاربية مع تجميد مؤسساته التكاملية منذ سنة 1994م، التي تلقي بتأثيراتها المستقبلية على المنطقة المغاربية والعربية.

وعليه نتساءل عن مستقبل العلاقات السعودية مع دول المنطقة المغاربية في ظل الفرص الجيوستراتيجية التي تمنحها هذه المنطقة للتعاون الدولي السعودي -المغاربي وما تطرحه من تحديات جيوسياسية نتيجة الأوضاع الداخلية في ليبيا وتونس والعلاقات البينية المتأزمة بين دولتا القلب، الجزائر والمغرب، وما هي الفرص المستقبلية التي يمكن أن تحركها الدبلوماسية السعودية مع دول المنطقة ولا سيما الجزائر في المساهمة في وضع حد للتدخلات الخارجية ومكافحة التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود في ليبيا، والعمل على إعادة بناء الدول بعد مرحلة الربيع العربي؟

أولا، الدور السعودي بين الثقل الجيو-حضاري والجيو-ستراتيجي

تمتلك المملكة العربية السعودية مجموعة من القدرات التي تؤهلها لبناء علاقات قوية بالدول العربية في منطقة شمال إفريقيا، أولى هذه المحددات يكمن في البعد الجيو-حضاري، بحيث تمثل أرض الحرمين الشريفين بما تحويه من أماكن مقدسة قبلة المسلمين وأرض الإسلام التي يحج إليها المسلمون من بقاع العالم كل سنة لإتمام الركن الخامس من أركان الإسلام، وبذلك فهي تمثل الدولة الأساس في الجغرافية الحضارية للإسلام، تعطيها سمعة دولية لخدمة الإسلام والمسلمين في كافة أنحاء العالم، كما تمثل المملكة العربية السعودية استمرارًا لدعاء سيدنا إبراهيم" إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ" (سورة البقرة-آية 126)، بما يؤهلها لتصدير قيم الأمن والاستقرار لدول العالم الإسلامي.

أما المحدد الثاني الذي يشكل عنصر قوة المملكة العربية السعودية فيتمثل في البعد الجيوستراتيجي، حيث يمثل موقعها المطل على البحر الأحمر عامل حيوي لمستقبل المكانة الجيوستراتيجية في آفاق 2030 من خلال المشاريع السياحية التي تمتد على مساحة 28 ألف كلومتر مربع، التي تضم أرخبيلا أزيد من 90 جزيرة وبحيرة بكر المزمع افتتاحها في سنة 2022م، بمجموعة من الفنادق والمنتجعات، مع فتح مطار دولي بجوارها، يدفعها إلى ذلك قوتها الجيوستراتجية باعتبارها عضوًا في مجموعة العشرين، وفاعلاً في منظمة الأوبك، ومحركًا لمجلس التعاون الخليجي ومن بين المؤثرين في منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية، وهو ما يجعلها تحظى بالقدرة على تنويع شركائها الاستراتيجيين بين واشنطن، موسكو وبكين.

أما المحدد الثالث فيرتكز على القوة الاقتصادية والمالية، باعتبارها أول قوة اقتصادية في الشرق الأوسط والرتبة العشرين عالميًا، بإنتاج داخلي خام وصل إلى 782 مليار دولار سنة 2019م، وتمثل 50 بالمائة من مجموع الإنتاج الداخلي الخام لدول مجلس التعاون الخليجي، وتستند الثروة السعودية على عائدات النفط التي تعد أول مصدر عالمي بنسبة 18 بالمائة سنة 2019م، وثاني منتج عالمي. وهو ما جعلها تتميز بموقع جيوطاقوي حيوي في العالم تحدد مستقبل توازن السوق الطاقوي بين المنتجين والمستهلكين.

وفيما يخص المحدد الرابع، فإنه يستند على الرؤية الاستشرافية لمكانة المملكة السعودية التي ترجمتها في "رؤية 2030" التي تعكس طموح المملكة للانتقال من الاقتصاد الريعي التوزيعي إلى الاقتصاد المنتج، يقوم على فسح المجال للقطاع الخاص لخلق القدرة التنافسية والإبداعية، وإدخال العصرنة من خلال إصلاحات هيكلية قائمة على تنويع المداخيل والإلغاء التدريجي للدعم، بحيث يوفر المخطط الاستراتيجي رؤية 2030 وظائف جديدة للشباب السعودي حيث 75 بالمائة منهم أقل من ثلاثين سنة. وهو ما جعل السلطات السعودية تعلن في يناير 2019 برنامجًا طموحًا بقيمة مالية معلنة 427 مليار دولار للاستثمار في قطاعات الصناعة، البنية التحتية والخدمات، بغرض تقليص التبعية لعائدات النفط.

ثانيًا: العلاقات الجزائرية-السعودية: بين المبادئ وتوازن المصالح.

ترتبط الجزائر في علاقاتها بالمملكة العربية السعودية بالأبعاد التاريخية، الحضارية والجيوستراتيجية، مما يرجحها مستقبلاً أن تعرف ديناميكية تجمع بين تثبيت المبادئ وتطويرها وتوازن المصالح بما يخدم المشاريع الاستراتيجية لكلا البلدين. فمن الناحية التاريخية، تبقى الجزائر تحفظ للملكة العربية السعودية دورها الإيجابي في دعم الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي، ماليًا ودبلوماسيًا، وعليه فإن الذاكرة التاريخية الجزائرية لا تزال تحفظ للملك سلمان بن عبد العزيز دوره في رئاسة لجنة جمع التبرعات للجزائر سنة 1956م، عندما كان أمير الرياض، كما تبينه الوثيقة التاريخية للنداء الإغاثي الذي وقعه بنفسه، مضمون ما جاء فيه يعبر عن التضامن الإنساني والحضاري مع الشعب الجزائري :" أيها المواطنون، لستم بحاجة إلى أن أذكركم بهذا، وإلى أن ألفت انتباهكم إلى ما خلفته هذه الحرب غير المتكافئة من عشرات الآلاف ممن يعانون مرارة الفاقة والبؤس والشقاء، أرامل وأطفال وعجائز أصبحت دون مأوى ومأكل وملبس.. لقد صدرت الأوامر الكريمة بتخصيص أسبوع للجزائر، يبتدئ في يوم 5/10/1379 هـ، واتخذت الترتيبات لجمع التبرعات التي تجودون بها وفقًا لقرار سمو رئيس مجلس الوزراء". كما ساهمت المملكة السعودية في دعم الثورة الجزائرية في المحافل الدولية، حيث تبقى رسالة الأمير فيصل بن عبد العزيز المؤرخة في 12/5/1374هـ الموافق 5/1/1955م  الموجهة لمجلس الأمن الدولي أول طلب خطي يطالب بتسجيل القضية الجزائرية في مجلس الأمن، باعتبارها حركة تحررية وليست مسألة داخلية كما يدعي الاستعمار الفرنسي، وكان الاعتزاز السعودي بالثورة الجزائرية تشهد عليه الكثير من المواقف الحضارية والتاريخية، كما تظهره صورة  الملك سعود بن عبد العزيز وهو يحمل العلم الجزائري داخل مبنى الأمم المتحدة بنيويورك سنة 1957م، دعمًا للقضية الجزائرية.

 

 

أما فيما يخص التقارب الحضاري، فإن الجزائر تعتز بانتمائها للفضاء العربي-الإسلامي بما يتطلبه هذا الفضاء من الوقوف إلى جانب القضايا الإنسانية العادلة ودعم الشعوب المستعمرة، حيث سميت الجزائر بعد الاستقلال بمكة الثوار بسبب دعمها الكامل والمطلق للقضايا التحررية في العالم، وتلتقي الجزائر مع المملكة السعودية في مساندة الشعب الفلسطيني في كفاحه ضد الاحتلال الاستيطاني الصهيوني، حربًا وسلمًا، حيث شاركت الجزائر إلى جانب السعودية في استخدام سلاح النفط في حرب أكتوبر 1973م، لكسب أوراق استراتيجية في الصراع العربي-الإسرائيلي، كما شاركت الجزائر إلى جانب القوات العربية في إطار تفعيل المبادرة العربية للدفاع في حربي 1967 و1973م، ويحسب للجزائر احتضانها إعلان قيام الدولة الفلسطينية في سنة 1988م. أما فيما يخص مشاريع التسوية، فإن الجزائر لا تزال متمسكة بالمبادرة العربية التي طرحها الملك الراحل عبد الله، في قمة بيروت 2002م، والقائمة على التنسيق العربي المشترك من أجل تطبيق مبدأ الأرض مقابل السلام، بالانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة مقابل السلام في إطار الشرعية الدولية وقرارات الأمن ذات الصلة، لا سيما القرارين رقم242 و338، مع الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، باعتباره حقًا غير قابل للتصرف أو السقوط بالتقادم.

أما فيما يخص تسوية النزاع في ليبيا، فإن الجزائر تنظر للقضية الليبية انطلاقًا من مقاربتها الدبلوماسية والأمنية الشاملة الرافضة للتدخلات العسكرية الأجنبية، والسعي لتسوية النزاعات بين الأطراف المتنازعة بالوسائل السلمية بما يخدم الحفاظ على السيادة الوطنية للدولة الليبية، والدفاع عن وحدة الشعب وعدم تقسيم أو تجزئة أي قطعة من ترابه الوطني. باعتبارها دولة ذي الجنب مع ليبيا وذي القربى مع الشعب الليبي، فقد عملت في إطار آلية دول الجوار العربي، مع مصر وتونس لتكريس هذه الخيارات المبدئية، كما ساهمت في إطار مؤتمر برلين لتسهيل بناء السلم والأمن من خلال المسارات الثلاثة، المسار السياسي، المسار الأمني والعسكري والمسار التنموي، حيث دعمت الحوار السياسي الذي احتضنته تونس في شهر نوفمبر من السنة الجارية، تطبيقًا لمخرجات برلين باعتبارها طرفًا شريكًا في العملية السياسية. وتتوافق هذه المقاربة الجزائرية مع الرؤية الاستراتيجية السعودية حيث عبر عنها وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، خلال لقائه بالرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، أثناء زيارته للجزائر في 28 يوليو 2020م، بقوله:" تلتزم المملكة السعودية بالتنسيق مع الجزائر للتوصل لحل سلمي للأزمة الليبية لكي يسمح لهذا البلد من استرجاع أمنه واستقراره"، وقد كان التوافق بين البلدين على حماية الشعب الليبي الشقيق من انتشار الجماعات الإرهابية والتدخلات الخارجية. وقد تجسدت تطابق المقاربة الجزائرية مع الرؤية الاستراتيجية السعودية في أول زيارة لرئيس الجزائر إلى المملكة العربية السعودية، التي كانت أول زيارة للرئيس عبد المجيد تبون إلى الخارج بعد توليه الرئاسة، بدعوة من الملك سلمان بن عبد العزيز، وتم مناقشة القضايا العربية والإقليمية، والتوافق على دعم دول الجوار الليبي والتنسيق السعودي معها من أجل بناء السلم والاستقرار في المنطقة، التي تعتبرها السعودية امتدادها الجيو-حضاري، انطلاقًا من مسؤولياتها التاريخية في تسوية النزاعات العربية وحل القضايا العربية بالوسائل السلمية.

انطلاقًا من التجربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب واضطلاعها بدور محوري في الاستراتيجية العالمية، فإن الجزائر تعمل على تجريم كل الأعمال الإرهابية وعملت داخل المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب الذي يضم 28 دولة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي على تجريم دفع الفدية للجماعات الإرهابية مقابل إطلاق الرهائن، وتتقاسم مع كندا إدارة الاستراتيجية الأممية في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، كما تحتضن المركز الإفريقي للدراسات والأبحاث حول الإرهاب، حيث أثبتت التجربة التاريخية أن هناك ترابط للأزمات والنزاعات، فبمجرد سقوط نظام القذافي كانت الجماعات الإرهابية العابرة للحدود قد تحالفت مع الجماعات الانفصالية والجريمة المنظمة، وشكلت تحالفًا عضويًا ووظيفيًا، استقرت في شمال مالي مستفيدة من تهريب السلاح والبشر، مما جعل المنطقة مرتعًا لكل أشكال العمليات الإرهابية والجريمة المنظمة ابتداء بعمليات اختطاف الرهائن مقابل الفدية التي أصبحت تجارة مربحة ومغرية، وفق تقديرات صحيفة نيويورك تايمز في يوليو 2014م، فإن بعض الحكومات الأوروبية، لا سيما فرنسا، أسبانيا وسويسرا تعد مسؤولة عن دفع الفدية التي تساهم في تمويل الجماعات الإرهابية، وحسب الصحيفة الأمريكية، فإن فرنسا تكون قد دفعت ما يقارب 60 مليون دولار كفدية ما بين 2008 و2014م، مما تساهم في منح الجماعات الإرهابية القدرة على التجنيد والقيام بعمليات إرهابية ضد مؤسسات الدولة والجيوش النظامية. ويكفي أن نعلم بأنه في سنة 2019م، لوحدها، وحسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن الجماعات الإرهابية قد كبدت الدول الإفريقية الساحلية الثلاث، مالي، النيجر وبوركينافاسو فيما يعرف بالمثلث الحدودي بينهم، أكثر من 4000 قتيل. بالرغم من أن التدخل العسكري الفرنسي منذ 2012م، كان بحجة محاربة الإرهاب إلا أن عملية برخان العسكرية التي جندت 4600 عسكري فرنسي في بلدان الساحل الإفريقي الخمس قد عجزت عن تحقيق الأهداف المعلنة، وأكثر من ذلك فقد تزايدت حالة اللاستقرار الأمني والسياسي وازداد معها السخط الشعبي على التواجد الفرنسي في المنطقة. ويجب التنبيه هنا مرة أخرى، أن ما جرى في ليبيا وما سيجري ستكون انعكاساته مباشرة على منطقة الساحل الإفريقي لتداخل الجغرافيا الليبية وامتداداتها الصحراوية في المنطقة الرخوة التي تنعدم فيها قوة الدولة ومراقبتها للمعابر الصحراوية التي أضحت تديرها جماعات الجريمة المنظمة بالتحالف مع الجماعات الإرهابية، وبنفس المنطق، فإن ما يجري في سوريا والعراق يشكل امتدادًا لاستمرار النزاع في ليبيا، وبالأخص في قضية تصدير المرتزقة وتوظيفهم في الصراع الإقليمي والدولي في ليبيا، وهو التحدي الأمني الذي يطرح حول مستقبل التسوية السياسية للأزمة الليبية الذي طرح تفكيك المليشيات المسلحة وإبعاد المرتزقة من الساحة الليبية.

تشكل المقاربة الجزائرية في مكافحة الإرهاب نقطة التقاء أخرى مع الدور السعودي في مكافحة الإرهاب والتطرف حيث تحتضن العاصمة الرياض المركز العالمي لمكافحة التطرف، الذي يهدف أساسًا إلى محاربة التطرف فكريًا وإعلاميًا ورقميًا مع ترسيخ المبادئ الإسلامية المعتدلة، فضلاً عن إسهاماتها الفعالة في تمويل مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب الذي ساهمت في فترة تأسيسه سنة 2011م، بعشرة ملايين دولار دعمًا لمجهودات الأمم المتحدة في مكافحة الإرهاب وقد تضاعفت المساهمة بعشرة مرات سنة 2014م، بقيمة مالية إضافية 100 مليون دولار، وتشارك الجزائر إلى جانب المملكة العربية السعودية في الهيئة الاستشارية للمركز الذي يهدف أساسًا إلى دعم تنفيذ ركائز استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب بطريقة شاملة ومتكاملة من خلال تطوير خطط تنفيذ استراتيجية وطنية وإقليمية لمكافحة الإرهاب مع تعزيز التعاون الدولي بين المراكز والمنظمات الوطنية والإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب، ويشكل في هذا المجال المركز الإفريقي للدراسات والأبحاث حول الإرهاب والمركز العالمي لمكافحة التطرف نموذجين لتعزيز التجارب الإقليمية والعالمية لمكافحة التطرف والإرهاب، خصوصًا مع تنامي الظاهرة الإرهابية في المناطق العربية التي شهدت ثورات شعبية أدت إلى تكريس فوضى القتال والسلاح وبروز جماعات أيديولوجية انفصالية بدعم مالي وعسكري من الخارج خدمة لأجندات جيوسياسية.

إن هذا التقارب الحاصل في الإدراك الاستراتيجي بين الجزائر والسعودية لطبيعة التهديد الإرهابي العابر للحدود، قد تجسد سلوكًا في دعم الجزائر المطلق للمملكة العربية السعودية في العمليات الإرهابية التي مست المنشآت الحيوية السعودية، من خلال الاعتداءات المتكررة من جانب الحوثيين الذين حاولوا فرض سيطرتهم على اليمن بدعم إيراني من أجل تطويق السعودية في مجالها الحيوي برًا وبحرًا، وقد نعيد قراءة بعض البيانات الدبلوماسية الجزائرية بعد كل اعتداء إرهابي على السعودية، حيث أدانت الدبلوماسية الجزائرية الهجومات الصاروخية التي انطلقت من الأراضي اليمنية ضد العاصمة الرياض ومدن المملكة الشقية الآهلة بالسكان التي خلفت ضحايا مدنيين، وأعربت عن تضامنها ودعمها للمملكة؛ لحكومة وشعب المملكة العربية السعودية الشقيق، في كفاحه ضد كل محاولة للمساس بأمن واستقرار البلد (26 مارس 2018). كما أدانت وزارة الخارجية الجزائرية الهجوم الإرهابي على ناقلة النفط السعودية في البحر الأحمر، معتبرة ذلك مساسًا خطيرًا بقواعد القانون الدولي البحري والحق في حرية الإبحار الذي ينعكس سلبًا على التجارة الدولية (26 يوليو 2018م) كما أدانت الجزائر مرة أخرى الاعتداءات على المنشآت النفطية بالقرب من الرياض التي نفذتها الطائرات المسيرة (16 مايو 2019م). 

ثالثًا، التعاون الاقتصادي الجزائري-السعودي: الآليات والفرص

يمثل البعد الاقتصادي عامل قوة في توطيد العلاقات الجزائرية-السعودية، التي يزيدها تلاحمًا الأبعاد التاريخية والجيو-حضارية، وقد توافقت إرادة البلدين في إنشاء مجلس أعلى للتنسيق الجزائري-السعودي خلال زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الجزائر في بداية ديسمبر 2018م، ويهدف المجلس إلى تعزيز التعاون في الميادين السياسية، الأمنية الاقتصادية والثقافية. وفي الواقع، فإن العلاقات التجارية والاقتصادية لا تعكس حقيقة التوافقات السياسية والأمنية بحيث لم يتعد حجم التبادلات التجارية بين البلدين 517 مليون دولار خلال العشرة أشهر من سنة 2018م، بالرغم من تزايدها بنسبة تزيد عن 77 بالمائة مقارنة بسنة 2017م، ويميل الميزان التجاري لصالح المملكة السعودية بصادرات تصل إلى 560 مليون دولار مقابل واردات من الجزائر قيمتها ثلاثة ملايين دولار، وهو ما دفع مجلس الأعمال الجزائري-السعودي في دورته الثانية عشرة أن يوسع الشراكة والاستثمار في مشاريع متنوعة، تخص صناعة الكيماويات غير العضوية ومعالجة المعادن وصناعة مواد الكلور والصودا الكاوية والصودا الموجهة لتنقية المياه من قبل الشركة السعودية "عدوان للكيماويات" ومشروع لصناعة الأدوية من قبل الشركة السعودية "تبوك" بطاقة إنتاجية تصل إلى عشرة ملايين وحدة، مشروع صناعة الورق الصحي من قبل الشركة السعودية "بايبر ميل" بطاقة إنتاج 30 ألف طن، ومشروع في مجال الصناعات الغذائية لإنتاج العصائر "شركة عوجان السعودية". ولتطوير مشاريع الاستثمار تم تنظيم لقاء بين الوكالة الوطنية لتنمية الاستثمارات الجزائرية والسلطة العامة للاستثمارات السعودية بالرياض، في شهر يوليو 2018م، أعلن فيه نية البلدين إلى رفع حجم التبادلات والاستثمارات إلى حدود 15 مليار دولار خلال العشر سنوات القادمة مع الإرادة في تحسين بيئة الأعمال في البلدين.

ربما يبقى التعاون والتنسيق الطاقوي الجزائري ـ السعودي، صورة معبرة عن درجة البحث المشترك لإيجاد توازن السوق النفطية، فالجزائر تعترف بالدور الريادي للسعودية في النتائج التي تم التوصل إليها في قرارات أوبك بلوس(+)، وتأمل أن يتم تشجيع الشركات السعودية في المساهمة في المشاريع الضخمة المتعلقة بالانتقال الطاقوي واستخدام الطاقات المتجددة، كما تطمح في الاستفادة من الخبرات السعودية في مجال الصناعات التحويلية. ومن جهتها، تعترف السعودية بالدبلوماسية الطاقوية التي تقوم بها الجزائر من أجل التوصل إلى اتفاقات لتحقيق استقرار سوق النفط، كما عبر عن ذلك وزير الطاقة، الأمير عبد العزيز بن سلمان، بقوله:" للجزائر دور عجيب ليس من حيث حجم إنتاجها النفطي وإنما من حيث قيمتها السياسية وقدرتها على تقريب وجهات النظر بين الدول الأعضاء في منظمة أوبك والدول غير الأعضاء في إطار أوبك، كما أن للجزائر قدرة التواصل مع الجميع" خصوصًا في الظروف الاستثنائية وهي دائما تبحث عن الحلول التوفيقة طويلة الأمد". وبالمقابل، فإن للسعودية دورًا دبلوماسيًا مطلوبًا في تسوية قضايا الأزمات والنزاعات العربية في شمال إفريقيا لما تملكه من ثقل جيو-حضاري، فإلى جانب الأزمة الليبية، فإن الجمود الدبلوماسي الجزائري-المغربي يحتاج إلى تجربة الدبلوماسية السعودية لتذليل العقبات كما سبق وأن قامت بهذا الدور في نهاية الثمانينات من القرن الماضي ، كللت تجربة التطبيع الجزائري-المغربي بمشروع اتحاد المغرب العربي.

مقالات لنفس الكاتب