array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 156

دول الخليج وإفريقيا: أدوار تُجدد التفاؤل بالمستقبل

الأحد، 29 تشرين2/نوفمبر 2020

شهد العقد الماضي تحولات كبيرة في العلاقات العالمية، تميزت بظهور لاعبين جدد وتشكيل تحالفات غير تقليدية. وعلى نحو متزايد، تعمل الاقتصادات الناشئة على تجديد العلاقات القديمة لتعزيز الشراكات الاقتصادية القائمة والجديدة، وتطوير التعاون في المشاريع الاستراتيجية. ومع توقع نمو أبطأ في بعض الاقتصادات المتقدمة، إضافة إلى الركود، الذي يلوح في الأفق في بلدان أخرى بسبب جائحة كورونا، يعيد المستثمرون بشكل صحيح توجيه تركيزهم نحو الأسواق الناشئة. وتوفر العلاقات التاريخية، إلى جانب المستوى غير المسبوق للنمو الاقتصادي وإصلاحات الأعمال في إفريقيا، بيئة مواتية ومربحة بشكل متزايد للشركات والمستثمرين في المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية الأخرى. فالتوقيت مثالي بين هذه الدول الخليجية ونظرائها الأفارقة، للاستفادة من أوجه التآزر والتكامل فيما بينهم وتعزيز مستقبل الرخاء المشترك.

إن تعامل دول الخليج العربية مع دول القرن الإفريقي ليس بالأمر الجديد. ومع ذلك، فقد أصبحت إفريقيا جنوب الصحراء، والقرن الإفريقي خاصة، خلال العقود الأخيرة، منطقة ذات أهمية جغرافية استراتيجية واقتصادية متزايدة. أثبتت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية مؤخرًا أنهما يمكنهما الاستفادة من العلاقات لتحقيق نتائج إيجابية، وسيكون التطوير المستقبلي لهذه العلاقات أمرًا حاسمًا لكل من شواطئ البحر الأحمر، والتي من المحتمل أن تصبح مساحة مشتركة من الاستقرار. ورغم أن الاقتصاد مصدر تفاؤل دائم، إلا أنه تاريخيًا، كان يمكن تلخيص التجارة والاستثمار بين دول الخليج العربي وإفريقيا في سطر واحد؛ النفط يسير في اتجاه، وبعض المنتجات الزراعية تسير في اتجاه آخر. والجديد أن هذا يتغير الآن حيث أن التنوع المتزايد لرأس المال يتحرك في كلا الاتجاهين. وتُظهر أرقام الأمم المتحدة أن إجمالي تجارة البضائع بين إفريقيا والإمارات وحدهما ارتفع من 5.6 مليار دولار أمريكي في عام 2005م، إلى 17.5 مليار دولار أمريكي في عام 2014م، وإلى أكثر من ذلك بكثير فيما تلاه من أعوام.

 

خصوصية الدور:

تساؤلات كثيرة قد تطرأ كلما تجولنا بفكرنا حول علاقات دول الخليج العربي بالقرن الإفريقي خاصة، وإفريقيا جنوب الصحراء على وجه العموم، نبتدرها: بما هو الدور، الذي لعبته، ويمكن أن تلعبه؟ لم توقع إثيوبيا وإريتريا اتفاق سلامهما في أديس أبابا، أو أسمرة، ولكن في المملكة العربية السعودية؛ جنبًا إلى جنب مع الإمارات. فهل يعني هذا أن المصالح الاقتصادية والعسكرية صارت تربط دول الخليج والقرن الإفريقي معًا بشكل متزايد؟ فالمعلوم أن عرض البحر الأحمر، الذي يفصل إفريقيا عن شبه الجزيرة العربية، يبلغ 355 كيلومترًا، أي 220 ميلاً، في أوسع نقطة فيه. وقد يكون طريق النقل الرئيسي كنزًا اقتصاديًا دفينًا لأي قوة إقليمية، لكن على مدى سنوات القرصنة الصومالية الماضية، كان الطريق المائي الممتد من خليج عدن في الجنوب إلى قناة السويس في الشمال يصعب التنقل فيه. يُضاف إلى ذلك، النزاعات الحدودية، التي كانت بين إريتريا وجيبوتي، ومحاولة إثيوبيا غير الساحلية للوصول إلى البحر الأحمر، والحرب المستمرة في اليمن، جعلت المنطقة متقلبة. لذلك، لا عجب في أن اتفاق السلام لعام 2018 بين المتحاربين منذ فترة طويلة إثيوبيا وإريتريا قد لقي ترحيبًا حارًا في المنطقة. بالنسبة لحلفاء المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، كان ذلك انتصارًا. توسطت الدولتان العربيتان الخليجيتان في اتفاق سلام بين دول القرن الإفريقي المجاورة في مدينة جدة السعودية. علاوة على ذلك، فقد جعلوا جيبوتي تجلس على طاولة المفاوضات مع منافستها الحدودية إريتريا، التي سبق لدولة قطر أن توسطت بينهما لإنهاء خلافاتهما الحدودية.

لقد بدأ تطور التفاعل المالي بتوسع اقتصادات الخليج إلى أبعد من مجرد التعامل مع شمال إفريقيا فقط، إذ تمتد العلاقات الآن من كيب تاون، في جمهورية جنوب إفريقيا، إلى العاصمة المصرية القاهرة. وهذا ينبئ بأن هناك زيادة مؤكدة في الاهتمام بإفريقيا ككل من قبل اقتصادات الخليج، مع ملاحظة تباطؤ الاستثمار الأجنبي المباشر من وإلى أوروبا، وأماكن أخرى من العالم. وتتطلع دول الخليج إلى إفريقيا لوضع رأس مالها الخارجي، كما يستفيد الاستثمار، الذي يركز على إفريقيا من اتجاه آخر في دول الخليج. إذ إنه على مدى العقود القليلة الماضية، تم إنشاء العديد من الصناعات الخليجية، ليس فقط لخدمة السكان المحليين، ولكن أيضًا لتوسيع اقتصاداتها، بعيدًا عن صادرات الموارد البحتة كالنفط. الآن، مع نضوج هذه الصناعات، فإنها تحتاج إلى أسواقٍ جديدة لتنمو، وعلى وجه الخصوص، وجدت الشركات ذات الصلة بالبنية التحتية أرضًا خصبة عبر 54 دولة، التي تشكل القارة الإفريقية.

ومن بين أبرز المستثمرين الخليجيين شركة الاتصالات السعودية، التي تمتلك 75 في المائة من شركة سيل سي، مشغل الهاتف المحمول في جنوب إفريقيا. وخصصت مؤسسة دبي للاستثمار 300 مليون دولار في شركة أسمنت "دانقوتي "Dangote - في نيجيريا، وهي واحدة من أسرع الشركات توسعًا في إفريقيا؛ بينما اشترت طيران الاتحاد 40 في المائة من شركة طيران سيشل. بينما نجد أن شركة راني للاستثمار، ومقرها دبي، مستثمر رئيس في صناعة السياحة في موزمبيق حيث تدير فنادق فاخرة. فالسياحة مغرية بشكل خاص للمشغلين الخليجيين الممارسين، ومشهد الضيافة الإفريقي الناشئ. وتساهم العلاقات المتنامية بين دول مجلس التعاون الخليجي وإفريقيا في تطوير اقتصاداتها من خلال إقامة تعاون قائم على المنفعة المتبادلة والأهداف المشتركة. فقد عملت التجارة؛ قديمًا وحديثًا، كمحور اتصال دائم، وممر جاذب بين دول مجلس التعاون الخليجي وإفريقيا، وأقامت شراكة قوية في العديد من المجالات، مثل النقل والضيافة والعقارات والنقل الجوي والتعدين. ومعروف، أنه بالنسبة لبعض البلدان، تتعلق التجارة ببساطة بالقرب، وفي هذا الحال تُعَدُّ الإمارات والسعودية الوجهة الرائدة لصادرات اللحوم الإثيوبية، حيث تستحوذ على 60 في المائة، بينما تبلغ حصة المملكة العربية السعودية 38 في المائة، ويتم تصدير الباقي إلى دول الخليج والشرق الأوسط الأخرى، وفقًا لاتحاد مصدري ومنتجي اللحوم الإثيوبية. وقد أصبح هذا السوق مهمًا للغاية لدرجة أن معهد تطوير صناعة اللحوم والألبان الإثيوبي قال إنه يتخذ مخصصات خاصة لتلبية القفزة في الطلب المتوقعة خلال شهر رمضان من كل عام، إذ ترتفع العمليات العادية، التي تبلغ 1500 طن من صادرات اللحوم شهريًا إلى دبي والسوق السعودية، إلى أكثر من 2600 طن في رمضان.

الفرصة الإفريقية:

لقد وقع في منتصف يونيو من عام 2015، حدث هام، سيشكل بلا شك مستقبل إفريقيا، إذ مَهَرَ 26 من القادة الأفارقة توقيعاتهم على اتفاقية التجارة الحرة الثلاثية التاريخية، ووصل العدد حتى هذا العام 2020، إلى 51 دولة. وبهذا ربطت الاتفاقية البلدان الإفريقية؛ بإجمالي ناتج محلي جماعي يبلغ 2.6 تريليون دولار، في اتحاد جمركي من شأنه أن يخفف الحواجز التجارية، ويمهد الطريق لنمو اقتصادي غير مسبوق بالنسبة للقارة. كما أنها خطت الخطوة الأولى للانضمام، بعد عقود من التقاعس، إلى أهم حركة جغرافية اقتصادية في العالم منذ الثورة الصناعية؛ فصعود الأسواق الناشئة، ونمو طبقة وسطى عالمية جديدة، والتحضر السريع، سيستمر في دفع المحركات الاقتصادية القوية لإحداث تحول جذري في عالمنا خلال العقود العديدة القادمة، وسيرفع الملايين من غائلة الفقر، وإعادة تشكيل أنماط التجارة العالمية، وتغيير التحالفات الجيوسياسية. الأمر الذي يستوجب على دول الخليج الأخرى؛ الكويت، وسلطنة عُمان ومملكة البحرين، أن تحذو حذو السعودية والإمارات وقطر، وتنضم إلى النظر إلى إفريقيا كفرصة هائلة لنمو التجارة والاستثمار، بدلاً من جهودها السابقة المُقدَّرة في حملات الإحسان الخيرية لإنقاذ القارة من طوارئها المختلفة.

إن على جميع دول الخليج إدراك أنه في عام 2000م، بلغ إجمالي الناتج المحلي للقارة بأكملها 600 مليار دولار، وهو ما يعادل تقريبًا الناتج الاقتصادي لإسبانيا في نفس العام، بينما بلغ إجمالي الناتج المحلي الإجمالي لإفريقيا جنوب الصحراء، عام 2019م، اقترب من 2.6 تريليون دولار. وتمتلك إفريقيا سبعة من أسرع 10 اقتصادات نموًا في العالم. ويتجاوز عدد سكانها الآن المليار، ويتزايد بمعدلات عالية. ويتوقع أنه، بحلول عام 2030م، سيعيش واحد من كل خمسة أشخاص في العالم في إفريقيا، التي ستكون أصغر قارة على وجه الأرض، وستحتضن بحلول عام 2040م، ما يقارب الـ25 في المائة من القوة العاملة العالمية. إن أهمية إفريقيا بالنسبة للاقتصاد العالمي سترتفع جدًا. ويمثل ما يجابهها من تحديات جسام الآن فرصًا استثمارية لدول الخليج وغيرها. علاوة على ذلك، فإن القارة متنوّعة، قد لا تتوفر في أماكن أخرى من العالم، الذي تَشَبَّع بمستويات النمو العالية.

لقد فاتت على معظم دول شمال إفريقيا العربية قصة النمو الإفريقي جنوب الصحراء إلى حد كبير، وركزت وسائل الإعلام في العالم العربي، بشكل أكبر، على الأزمات المتعددة في منطقة الشرق الأوسط، والسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وعقابيل الانتفاضات العربية في سوريا واليمن وليبيا، وغيرها من التحديات والمهددات. غير أن دول الخليج العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة قطر هي الاستثناء، إذ برزت هذه الدول الثلاث كشريك تجاري واستثماري رئيس لإفريقيا، ودعمت استثمارات الكيانات المملوكة للدولة فيها البنيات التحتية، كالطرق والجسور والمطارات والموانئ، في العديد من دول إفريقيا جنوب الصحراء، ونشطت في أسواق التنمية العقارية والفنادق، وعقد شراكات لخطوط الطيران، وفي الزراعة؛ بشقيها النباتي والحيواني، واستثمرت الكثير في غير هذه المجالات. وللتمثيل فقط، نجد أن للسعودية اهتمام واسع بمسألة الأمن الغذائي، مما دفعها لعقد شراكات زراعية مع عدد من الدول الإفريقية، وأن لموانئ دبي العالمية اتفاقيات تعاون واعدة، ولشركة اتصالات الإماراتية مساهمات في القارة، على الصعيدين الداخلي والعالمي، واستثمرت شركات الطاقة الإماراتية في إمدادات الكهرباء والمياه في عدد متزايد من الأسواق الإفريقية. وتعمل شركات الطيران الإماراتية؛ مثل، طيران الإمارات والاتحاد وفلاي دبي، على تنمية شبكاتها الإفريقية، وبرزت طيران الإمارات على وجه الخصوص باعتبارها الناقل الأجنبي الأكثر أهمية في العديد من أكبر أسواق القارة. أصبح مطار دبي الدولي "مركزًا افتراضيًا لإفريقيا"، وظهرت المدينة كبوابة لوجستية ومالية رئيسية تربط آسيا بإفريقيا. وعلى هذا المنوال تعمل قطر عبر الديار العقارية، وشركة حصاد ومواشينا، توسيع شراكتها مع إفريقيا، إضافة للخطوط القطرية، التي وسعت شبكة رحلاتها في القارة.

إن المؤكد هو أن إفريقيا تزخر بفرص لا حصر لها، وأن العديد من الدول الإفريقية تقف على مفترق طرق؛ مدفوعة بطبقة وسطى صاعدة ومتحضرة بشكل متزايد، ونمو مطرد وتكامل قاري أكبر، إلا أن بعضها يشارك الدول العربية تحدياتها. ويقول أفشين مولافي، مدير مبادرة الأسواق الناشئة والنمو بجامعة جونز هوبكنز، بواشنطن: "إننا نشهد أيضًا أعباء ديون أقل بكثير، وأرصدة ميزانية أفضل، وأسعار صرف واقعية، ومعدلات تضخم منخفضة، وفي معظم البلدان في إفريقيا، كانت صورة الاقتصاد الكلي أكثر ملاءمة وواقعية. فالاقتصادات الحضرية لا تنمي فقط الكثير من النمو في القطاع غير الرسمي، لكنهم يحققون مكاسب في القطاع الرسمي أيضًا".  ويوافقه في ذلك بيتر لويس، في الجامعة ذاتها، بقوله: إنه "في جميع أنحاء إفريقيا، نرى المزيد والمزيد من البلدان منفتحة على الأعمال"، مع سياسة أكثر ملاءمة وبيئة تنظيمية. ومع ذلك، تواجه العديد من الدول الإفريقية التحدي الهائل للإرهاب. فقد مثل صعود بوكو حرام انتكاسة لنيجيريا وأجزاء أخرى من وسط وغرب إفريقيا، ولكنه يمثل أيضًا نكسة للإنسانية؛ فوحشية وفساد الجماعة نافس تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في العراق وسوريا، الذي بايعه. وتهدد جماعات الشباب دول شرق إفريقيا، كما أطلت عناصر متطرفة بأسماء مختلفة في مالي والنيجر، وحتى في موزنبيق. وبالتالي، فإن الحكومات والمجتمعات المدنية في دول الخليج وإفريقيا لديها عدو مشترك، لذا يجب أن يصبح التعاون الأمني والاستخباراتي جزءًا لا يتجزأ من مشاركتها الاقتصادية. ويجب أن تلعب دول الخليج دورًا أكثر نشاطًا في كبح جماح التطورات الخطيرة، التي تحاول أن تُعيد تشكيل إفريقيا، فضلاً عن الحركات المتطرفة، التي تحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

طموحات قيادية:

يمكن اعتبار الرياح المفعمة بالأمل دائماً كرياح تغيير إيجابي. ووفقًا للمحللين، تقوم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشكل مشترك بوضع نفسيهما كمراكز قوة رئيسية بين الدول العربية في الخليج العربي. وتعتقد إليزابيث ديكنسون، المحللة في شؤون شبه الجزيرة العربية في مجموعة الأزمات الدولية، أن المملكة العربية السعودية تكثف مشاركتها السياسية الدولية". فالمملكة العربية السعودية مانح رئيسي، وتنظر إلى إفريقيا كأولوية دبلوماسية جديدة". وترى ديكنسون أن الإمارات تتصرف على نفس المنوال. وتشرح قائلة: "لقد وضعت الإمارات نفسها كمستثمر رئيسي محتمل في مجال الخدمات اللوجستية والموانئ وتطوير التجارة". ففي أغسطس 2018م، أعلنت إثيوبيا أن الإمارات لديها خطط للاستثمار في خط أنابيب نفط بين إريتريا وإثيوبيا. كان هذا بعد شهر واحد فقط من ترحيب الرئيس الإريتري، إيزياس أفورقي، برئيس الوزراء الإثيوبي الإصلاحي أبي أحمد في العاصمة الإريترية، أسمرة، لأول مرة منذ 20 عامًا. فمن الناحية النظرية، كان يجب أن يجعل هذا إريتريا جذابة اقتصاديًا للسعوديين والإماراتيين، لأنهم كانوا بحاجة إلى الأمن على الجانب الإفريقي من البحر الأحمر لمواصلة تطوير الطموحات الاقتصادية.  ومعروف أن منطقة القرن الإفريقي ليست ذات أهمية اقتصادية لدول الخليج فحسب، بل هي أيضًا ذات أهمية عسكرية. تعد المنطقة قاعدة لبعض أكبر التدخلات العسكرية في إفريقيا، وللإمارات قاعدة في إريتريا، وتستضيف جيبوتي القوات السعودية، من بين آخرين.

وبالسؤال عن: ما هو توجه السعودية في إفريقيا؟ يمكن القول إن إفريقيا تمثل نقطة مضيئة، لأنها تحمل وعدًا بأمن وازدهار أكبر للمملكة، في الوقت، الذي تسعى فيه إلى التكيف مع الظروف العالمية المتغيرة. وببطء ولكن بثبات، بدأت الرياض تتجه نحو إفريقيا جنوب الصحراء، بعد سنوات من المشاركة المتواضعة نسبيًا مع دول شرق إفريقيا، تعمل المملكة العربية السعودية اليوم على وضع استراتيجية طموحة للمشاركة مع القارة. ولهذا السبب، أكثر من أي سبب آخر، من المؤكد أن اهتمام المملكة العربية السعودية بإفريقيا، ووجودها هناك، سيستمر في النمو في السنوات المقبلة.

على مدى السنوات العديدة الماضية، عمقت المملكة بشكل كبير حصتها المالية في القارة. اعتبارًا من عام 2018م، احتلت المملكة العربية السعودية بالفعل المرتبة الخامسة كأكبر مستثمر دولي في إفريقيا، حيث تم تخصيص ما يقرب من 4 مليارات دولار في مشاريع في جميع أنحاء المنطقة. لكن الاهتمام المتزايد من قبل الرياض في الآونة الأخيرة أدى إلى مشاركة اقتصادية أكبر في الشؤون الإفريقية في كل شيء من قطاع الطاقة في جنوب إفريقيا إلى التعاون الدفاعي مع السودان. وهذه المشاركة مدفوعة بالاحتياجات المحلية لإفريقيا ضرورية للمملكة لأسباب اقتصادية، خاصة إذا علمنا أن اثنين في المائة فقط من إجمالي الأراضي السعودية صالحة للزراعة. ونتيجة لذلك، تعتمد البلاد بشكل كبير على واردات الغذاء من مصادر أجنبية. حاولت الرياض التخفيف من هذه التبعية التاريخية على مدى العقد الماضي من خلال الاستثمار بعمق في الشراكات الزراعية في شرق إفريقيا كجزء من مبادرة الأمن الغذائي الرسمية والمستمرة. وقد استتبع ذلك، من بين أمور أخرى، شراء آلاف الهكتارات من الأراضي في إفريقيا من قبل الشركات السعودية لغرض الزراعة فيما يأمل المسؤولون في الرياض أن يتوسع في النهاية ليصبح جزءًا أساسيًا من بنائهم الاقتصادي.

إن هذه الاحتياجات تنمو بسرعة. من المتوقع أن يصل عدد سكان المملكة الحالي البالغ اثنين وثلاثين مليونًا إلى ما يقرب من خمسة وأربعين مليونًا بحلول عام 2050، وسيؤدي هذا النمو حتمًا إلى زيادة الطلب على الغذاء. إن إفريقيا، بمساحاتها الشاسعة من الأراضي الصالحة للزراعة وتربتها الخصبة، هي الحل المنطقي لهذا الازدهار المتوقع. ومثلما ظل حلم الاستفادة من أراضي السودان الخصبة والشاسعة يراود العرب باعتباره "سلة غذائهم"، أطلت دول أخرى مثل يوغندا، التي تستطيع وحدها إطعام ما يزيد عن مائتي مليون شخص، أي أكثر من أربعة أضعاف ونصف عدد سكانها. كل هذا جعل السودان ويوغندا وجيرانهما في الروافد الشرقية للقارة شركاء رئيسيين للمملكة.

توقعات مستقبلية:

إذا تساءلنا حول ماذا سيحمل المستقبل لدول الخليج بشكل عام والمملكة العربية السعودية على وجه التحديد، وأية سيناريوهات يمكن أن نلحظ من خلال تجلياتها ملامح هذا المستقبل؟ فاليقين سيحملنا بالتفاؤل إلى أن الغد أفضل، إذا صيغت الأهداف وفقًا لخطط صحيحة المقدمات، ويمكن عندها القول إن السيناريوهات الخاصة بالمنطقتين؛ الخليج وإفريقيا، كثيرة جدًا، على الرغم من عدم وجود أي منها بشكل مؤكد، فالمنطقة مقبلة على فرص عديدة، مثلما تكتنفها تحديات متنوعة. فقد أدى صعود دول الخليج بالفعل إلى تحول عميق في نظام الجغرافيا الممتدة من الجزيرة العربية إلى قلب القارة الإفريقية. إن التوقيت مثالي للمملكة العربية السعودية ونظرائها الأفارقة للاستفادة من أوجه التآزر بينهم. ومما لا شك فيه أن العلاقات التاريخية شكلت الحاضر، وحديثًا، أي اعتبارًا من عام 2017، كانت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ثاني وخامس أكبر دولة مستثمرة في إفريقيا، على التوالي. ولكن، على الرغم من النمو المطرد لاستثماراتهما في إفريقيا، لا تزال التجارة بينهما منخفضة. ومع ذلك، فإن البيئة الاقتصادية والتنظيمية الحالية مواتية لتعظيم الروابط بين المنطقتين.

وكقوة إقليمية، يجب على المملكة العربية السعودية اغتنام هذه اللحظة لتعميق استثماراتها في القارة، وتحفيز جيرانها في الخليج على فعل الشيء نفسه. وبالمثل، فإن هذا هو الوقت المناسب للقطاعين العام والخاص في البلدان الإفريقية لتحديد الفرص الاقتصادية، التي توفرها رؤية المملكة العربية السعودية 2030 والاستفادة منها بشكل استراتيجي. إذ إن زيادة مستوى التجارة والاستثمار بين المملكة العربية السعودية والقارة الإفريقية لا يؤدي فقط إلى تقوية الروابط السياسية، ولكن أيضًا له معنى تجاري سليم. ومع حجم سوق يبلغ 1.2 مليار شخص، وناتج محلي إجمالي يزيد عن 2.2 تريليون دولار ومن المتوقع أن يصل إلى 2.6 تريليون دولار في هذا العام 2020م، تعد إفريقيا موطنًا لخمسة من الاقتصادات العشرة الأسرع نموًا في العالم. وتهدف منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية إلى إنشاء سوقًا قاريًا واحدًا بقيمة 3 تريليون دولار، ويمثل هذا حقبة جديدة من زيادة التجارة داخل إفريقيا. وتوفر منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية للبلدان الإفريقية وسيلة للعمل بطريقة أكثر تنسيقًا بكثير عبر مصالحها المختلفة ومزاياها النسبية، بينما تقدم أيضًا لدول مثل المملكة العربية السعودية نقطة دخول واحدة للمشاركة في النشاط الاقتصادي في القارة.

لقد أظهرت المملكة العربية السعودية بالفعل نيتها في الاستفادة من نافذة الفرص هذه. في مبادرة الاستثمارات المستقبلية، التي التزم فيها الصندوق السعودي للتنمية بالاستثمار في أجندة الأربعة الكبار في كينيا، بالإضافة إلى ذلك، وخططت المملكة العربية السعودية لإطلاق أول قمة سعودية إفريقية، تجمع بين كبار رجال الأعمال والقادة السياسيين وصناع السياسات من كلتا المنطقتين لتعزيز العلاقات بينهما، وكذلك تحديد فرص جديدة للتعاون، ولتحقيق الأهداف الطموحة الواردة في أجندة رؤية 2030م، والانتقال إلى اقتصاد ما بعد النفط، التي توجب على المملكة العربية السعودية الاستفادة من الأسواق الناشئة، بما في ذلك تلك الموجودة في إفريقيا.

ملاحظات خاتمة:

إن مشاركة الرياض لا تحركها الإمكانات الاقتصادية لإفريقيا فقط، على أهميتها، لكن المملكة ترى بوضوح أن وجودها هناك مهم بشكل متزايد لردع التهديدات المحتملة لأمنها. في الواقع، من بين أهداف اتفاقية البحر الأحمر، التي تم توقيعها مؤخرًا، مكافحة القرصنة البحرية، وهي مبادرة تعاونية من شأنها أن تساعد في وضع استراتيجية مستقبلية للأمن الشامل على ضفتي البحر. ووسط هذه الأجندة الاستراتيجية المزدحمة، تمثل إفريقيا نقطة مضيئة، وتحمل وعدًا بمزيد من الأمن والازدهار للمملكة العربية السعودية ودول الخليج، بينما تسعى للتكيف مع الظروف العالمية المتغيرة. ولهذا السبب، وأكثر من أي سبب آخر، من المؤكد أن اهتمام السعودية والإمارات وقطر بإفريقيا، ووجودها هناك، سيستمر في النمو في السنوات المقبلة.

أخيرًا، ما الذي يحمله المستقبل من وجهة نظر سياسية، واقتصادية، واجتماعية؟ ما هي أكبر الاتجاهات، التي ستشكل العلاقات الخليجية الإفريقية؟ فالمؤكد أن هناك تحولات ملموسة في السياسة الخليجية، عبر التنمية والانفتاح في جميع المجالات؛ من احتضان التكنولوجيا، على سبيل المثال، التي هي معيار عالمي وطموح، إلى كل مجالات التجارة والاستثمار المتنوعة. ومن أجل إقامة شراكات مستدامة بينها والأسواق الإفريقية، هناك حاجة إلى المزيد من القنوات الدائمة، التي يسهل الوصول إليها، مثل مجالس الأعمال الحكومية الدولية، والتي تتمثل إحدى الوظائف الرئيسية لها في سد الفجوات المعرفية الحالية من خلال توفير رؤى موثوقة حول متطلبات العمل في كلتا المنطقتين. على سبيل المثال، سيستفيد مصدرو الأغذية الأفارقة من معرفة متطلبات الحلال، التي يجب تلبيتها للتجارة مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وغيرها من مستوردي الأغذية في الشرق الأوسط. وتوجد أمثلة حالية على نجاحات مجالس الأعمال الحكومية الدولية في القارة.

مقالات لنفس الكاتب