array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 156

السعودية عمود الخيمة الخليجية وحائط الصد لإفشال مخططات إيران وتركيا

الأحد، 29 تشرين2/نوفمبر 2020

لا بد من البدء بذكر متغيرين أساسين قبل الدخول في تفاصيل الموضوع، الأول أنه بشكل عام أصبح من شبه المؤكد في الدارسات السياسية أن (علاقات دولة بالدول الخارجية) لا تنفصل عن مجمل سياستها الداخلية وتطورها الاقتصادي والبشري، والأساس الثاني هو أن المملكة العربية السعودية هي (عمود الخيمة) بالنسبة إلى الدول الخليجية العربية المجاورة لها، بل ومؤثرة بشكل كبير على الجوار العربي في الشرق (اليمن جنوبًا والعراق والشام شمالاً) وتصل إلى مصر ودول العالم.  اخذًا بهذين العاملين فإن مركزية السياسة السعودية الخارجية وتأثيرها لا مجال لإنكاره. ومن جهة أخرى وجود الحرمين الشريفين على أرض المملكة جعلها قبلة (المسلمين) والمسلمون اليوم هم في مكان صعب من التطور السياسي والاجتماعي ومحط (فهم خاطئ) لدى قوى سياسية ودول غربية وشرقية على حد سواء، تخلط بين الإسلام وبين تصرف بعض المسلمين، حتى أصبح مشاعًا القول بـ (الإرهاب الإسلامي) فالعبء هنا مضاعف والذي تتحمله المملكة العربية السعودية بصبر ولكن بوعي.

المشهد الداخلي: في العقود الخمسة الماضية على الأقل شهدت المملكة العربية السعودية تطورًا (تراكميًا) في مجالات الاقتصاد و الاجتماع و التعليم، ما لبث أن أصبح ( نوعيًا) في السنوات الاخيرة مع الإعلان عن خطة التنمية الشاملة و هي ( رؤية 2030) و التي أطلقها ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان مصحوبة في مسيرتها بجملة إصلاحات متميزة في المجالات المختلفة منها الاقتصادي، حيث انطلقت مجموعة شركات عملاقة في السياحة و مجالات التصنيع و الترفيه و التعليم و الخدمات، كما انطلقت إصلاحات اجتماعية مشهودة، خاصة في مجال تمكين المرأة و إصلاح التعليم  وتطوير التعليم العالي و الشراكات الدولية الواسعة بين دول غربية وشرقية على السواء  في عدد  واسع من المجالات، كما أن التفكير جاد في إصلاحات سياسية قريبة ومتوقعة من أجل إكمال عقد التحديث في مؤسسات التشريع.  في الجانب العلمي خطت المملكة العربية السعودية خطوات مشهودة ،وخاصة في تطوير قطاع ( الاقتصاد المعرفي) فساهمت العديد من الجامعات السعودية في البحث العلمي حتى غدا بعضها من الجامعات المرموقة عالميًا بل فاق الإنتاج العلمي لمنسوبي تلك الجامعات دول أخرى أكثر عراقة تاريخيًا في مجال التعليم في المنطقة، وفي الصناعة التي توجهت إلى توطين الصناعات الحربية و الصناعة التحويلية وقامت بإنشاء عدد من الشركات العملاقة السعودية وكذلك تكوين العديد من الشركات الفرعية للقيام بمساندة تلك النشاطات و التخديم عليها وبمشاركة فعالة مع القطاع الخاص المرن و النشط في نفس الوقت، حيث وفرت الدولة لهذا القطاع القوانين المرنة التي تساعده على النمو . لقد كان هذا البناء التحتي الفاعل هو الذي مكن المملكة ومؤسساتها من مواجهة  آثار ( وباء كورونا) بنجاح ملحوظ ،وقد وفرت ميزانيات هائلة  لمواجه  الجائحة لجميع السكان بمن فيهم  غير المواطنين  حتى من هم موجودون بصورة  غير قانونية دون مسائلة، ووقف العالم باحترام عندما قررت السلطات السعودية أن تقيم موسم الحج في ( هذا العام الصعب)، في الوقت الذي امتنع العالم و الذي يقيم مثل تلك المراسم الدينية  أو شبيهها من القيام بها، كما واجهت الوباء بحزمة سياسيات  تحفيزية غير مسبوقة لتعضيد المؤسسات الاقتصادية و الخدمية  المتضررة  . فنحن أمام ( بنية تحتية) في الدولة تؤهلها سكانيًا و اقتصاديًا و بناء قانوني و شبكة بيروقراطية معتمدة في مجالات عديدة  على التقنية الحديثة، يؤهلها لقيادة المنطقة بما تضعه من قواعد أخلاقية في التعامل مع الجوار و العالم ،وبالتالي فإن المشهد الداخلي السعودي أصبح من المتانة و التفاف جمهور واسع حول المشروع التحديثي يساعد على الإقلاع الداخلي و مواجهة التحديات الخارجية و قيادة المنطقة او المساهمة في قيادتها بشكل فعال، خاصة إن  علمنا أن نسبة كبيرة من المواطنين السعوديين هم في مرحلة الشباب الطامح إلى الالتحاق بالعالم المتقدم مما يزيد من التفاؤل بالمستقبل.

العلاقة بدول الخليج ذات الحدود المشتركة:

تمتد العلاقة السعودية بجيرانها في الخليج على مدى التاريخ القديم و الحديث، أولاً كجغرافيا وثانيًا ككيانات سياسية، في الدولة السعودية الأولى و الثانية كانت هناك علاقات دائمة بين قلب الجزيرة وحتى أطرفها على امتداد الدولة، أما في الدولة الثالثة (الحالية) التي أنشاها الملك عبد العزيز آل سعود ـ يرحمه الله ـ فإن العلاقة تتشابك بنشوء الدولة  من جهة و الوجود البريطاني على أطرف الجزيرة من جهة أخرى، لقد بدأ الملك عبد العزيز من الكويت في طريقه لاستراد حكم آل سعود، ومن  قبلها مر بكل من قطر و البحرين، فالعلاقة هنا ليست سياسية فقط ولكن أيضًا إنسانية و اجتماعية، كما أن الهجرات من وسط نجد إلى السواحل الخليجية لم تكن تنقطع على مر التاريخ، في مرحلة الوجود البريطاني في الخليج كان هناك مدرستان الأولى ترى بسرعة جلاء وانتهاء ذلك النفوذ، و الأخرى ترى بقاءه للحفظ على الأمن، كانت السياسة السعودية في عهد المؤسس مرنة ولكن غير  مستجيبة لكل الرغبات البريطانية، و لذلك وجد الملك المؤسس أن قوة أخرى  صاعدة تشتبك  اقتصاديًا ولكن لا تتدخل سياسيًا، فكانت تلك القوى هي الولايات المتحدة الأمريكية بعد  انسحاب البريطانيين من الخليج  جدُت الديبلوماسية السعودية في توطيد العلاقات التاريخية على أسس الدولة الحديثة، و دفعت بمرحلة إخاء قدم المصالح البينية مع جيرانها في الخليج على قاعدة النسيج الاجتماعي المشترك و المصالح المشتركة ، فرحبت بقيام دولة الإمارات، و الإصلاحات العمانية و التطور في كل  من الكويت والبحرين وقطر . ثم شجعت فكرة (مجلس التعاون) بداية ثمانينات القرن الماضي، والذي وجد يد راعية من الملك فهد بن عبد العزيز والملك عبد الله بن عبد العزيز ـ يرحمهما الله ـ، ولم يكن الملك سلمان بعيدًا عن هذه المسيرة الخيرة، منذ نشأة مجلس التعاون والدبلوماسية السعودية ترى أن (المشي على خطوات أقل المشتركين في المجلس سرعة) وهذا ما قاله الملك المرحوم فهد بن عبد العزيز لأول أمين عام لمجلس التعاون السفير الكويتي عبد الله بشارة.  إلا أن العلاقة تفوق ذلك فالسعودية كما أسلفت ينظر إليها من كثير من دول الخليج الأصغر أنها ( الظهير الاستراتيجي) بسبب حجمها و ثقلها العالمي، كما أن دول الخليج الأصغر تعتمد في اقتصادها على إنتاج النفط، وتشكل المملكة الدولة الأكبر انتاجًا على المستوى العالمي، فهي اذًا بيضة القبان الاقتصادية لهذه الدول، وتستطيع أن تحافظ على سعر عادل في السوق مما يوفر مصدرًا مهمًا بل الأهم لميزانيات هذه الدول وبالتالي استقرارها، من جهة أخرى فإنه بجانب الحفاظ على أسعار النفط تعمل المملكة على الحفاظ على الأمن الإقليمي  لهذه الدول، وقد كان موقفها مع مملكة البحرين في عام 2011م، مشهودًا، فقد تدخلت فورًا  دون إبطاء لما وجدت أن أمن مملكة البحرين مهدد من قوى خارجية ذات أضلع داخلية، كما أن المساعدات الاقتصادية الضخمة لاقتصاديات دول عربية و إسلامية كثيرة تشكل عاملاً آخر لإعطاء المملكة القيادة في هذا القطاع  يبقى  (المساءلة) القطرية، و هي مساءلة شائكة و محبطة للكثيرين في الخليج ،ورأس الخلاف هنا (العلاقة مع قوى الإسلام الحركي) وقد تفاقم هذا الخلاف حتى أصبح في جزء منه و على الأقل ( إعلاميًا) (ألم في الرقبة) كما يقول المثل الإنجليزي، أي مؤلم بشكل دائم ومؤثر حتى في الجسم القطري وهو جسم لا يستطيع عاقل أن يفصله عن الجسم الخليجي جغرافيًا وانسانيًا و ثقافيًا ..

العلاقة باليمن:

اليمن هي الخاصرة الجنوبية للملكة العربية السعودية و تشترك معها أيضًا في النسيج الاجتماعي المحاذي ،وقد كانت اليمن ولا تزال موقع اهتمام استراتيجي للمملكة، منذ حكم الإمام وحتى الحكم الجمهوري، العلاقة هنا لم تكن دائما على وتيرة واحدة، فقد شهدت شد و جذب، إلا أنه بعد الاتفاق المصري/ السعودي في بداية سبعينات القرن الماضي حول اليمن استتب الأمر حتى أحداث عام 2011م، التي عصفت باليمن، فتدخل المملكة العربية السعودية و معها مجلس التعاون لتقديم المشورة و النصح ووضع خطة للخروج من المأزق فيما سمي ( المبادرة الخليجية)، ذلك لم ينجح بسبب التدخل الإيراني النشط  و مناصرة دولة إيران لجناح صغير متشدد ومسلح مما أدخل اليمن في شبه حرب أهلية ولا زالت ، في كل الصعود والهبوط في المشهد اليمني لم تتأخر المملكة العربية السعودية من تقديم يد العون الاقتصادي السخي للأشقاء في اليمن ، في السابق ساعدت في بناء المدارس و الطرق و البنية التحتية، وفي الوقت الحالي ( بعد عاصفة الحزم مارس 2015م) تم إنشاء مركز الملك سلمان للإغاثة و الأعمال الإنسانية) والذي خصص بلايين الدولارات لتقديم العون الإنساني لليمنيين، و أيضًا غيرهم في طول البلاد الإسلامية. إلا أن الحرب الأهلية اليمنية و التي جعلت الشعب اليمني أكثر جوعًا وفقرًا و مرضًا، وأطلقت أشكال من ( المافيات) المختلفة في طول البلاد وعرضها تشكل على الصعيد الأمني  هاجسًا دوليًا و إقليميًا و لكن الأكثر سعوديًا بسبب الجوار و التهديد على أمنها المباشر ،كما تشكل عبئا على اقتصادها الوطني، وما فتئت تحاول جاهدة أن تقلل المخاطر من تلك الحرب، و تحاول رأب الصدع حتى بين القوى اليمنية ذات الموقف المخالف لمشروع الحوثي\ إيران في اليمن، تلك  القوى تشكل صداعًا في راس الديبلوماسية السعودية، لأنها قائمة على تغييب الأولويات الوطنية و تعظيم المصالح المناطقية و الفئوية و ربما أيضًا الشخصية .

العلاقة بإيران:

 أهم ملف شائك ومعقد هو العلاقة مع الجارة الشرقية (الجمهورية الإيرانية الإسلامية) وهو شائك لأنه يتعدى المصالح الطبيعية المتنافرة أو المتفقة بين أي بلدين أو أكثر، ليصل إلى مشروع استحواذي معبأ بالكثير من المشاعر القومية والطائفية وأيضًا المختلط بالخرافة.  أصل المشكلة هو في الخطأ في إدارة المجتمعات المتحولة، فقد اتخذ شاه إيران محمد رضا بهلوي ( 1941- 1979م) بعد صعود أسعار النفط عام 1973م، مجموعة خطوات أسماها ( الثورة البيضاء) كانت في الغالب إصلاحات اجتماعية و اقتصادية، الإصلاحات الاجتماعية لم ترض الشرائح الأكثر  محافظة ( رجال الدين في الغالب) و الاقتصادية لم ترض الاقطاعيين، خاصة أصحاب الحيازات الزراعية الكبيرة، في نفس الوقت لم يقدم ما يغري الفئات الجديدة من المجتمع الإيراني في الشق السياسي أو ما يمكن أن يطلق عليهم ( الليبراليين)  فتم تحالف واسع بعد فترة بين محافظ \ اقطاعي\ مع حديث، من أجل الإطاحة بحكم الشاه ، ولأن  الثورة كما عرفت اعتمدت في التحشيد  والتجنيد على رجال الدين، فتم استيلاؤهم على الحكم بعد ذلك في معركة داخلية سريعة و صفيت القوى الأخرى الأكثر استنارة، النظام الجديد اعتمد أيدلوجية (قومية\ طائفية) ورفع شعار العداء لمن لم يكن على شاكلته، و لكن مع طموح للتمدد في الجوار العربي، وتهيئة ظروف أضعفت الدول المجاورة مما هيأ  فرض التمدد في العراق و سوريا و لبنان و اليمن، ممددًا  طموحه تحت ظل خرافات إلى المملكة العربية السعودية، حيث أن ظهور ( المهدي المنتظر) في رأي قطاع المتشددين سيكون من مكة المكرمة !  هذه الخلطة الملتبسة من الأفكار و السياسات جعلت العدو الأول للنظام الإيراني في الجوار هو المملكة العربية السعودية، صحيح أن له طموحًا غير مستتر في بلاد الخليج الأخرى، ولكنه يرى أن العقبة الكبيرة هي في وجود وصلابة المملكة العربية السعودية، فهو يحاول بكل ما أوتي من أدوات، بما فيها الاعتداء العسكري المباشر ( كما حصل في سبتمبر 2019م) على مناطق نفطية في المنطقة الشرقية من المملكة، ومحاولة (صناعة) طابور خامس، عدا المناكدات السياسية الدائمة على كل الأصعدة و التحريض على أنظمة الخليج ومحاولة تجنيد حتى بعض مواطنيها. تلك العلاقة الشائكة لها مدخلات دولية، وخاصة من قبل  الولايات المتحدة ، التي حاولت في العهدة ( الأوبامية) أن تصل إلى شيء من الوفاق مع إيران، و وقع اتفاق (يوليو 2015م)  على أساس ترطيب  الموقف الإيراني في الجوار، و لكن تلك المراهنة فشلت كما هو متوقع و قد خرجت الولايات المتحدة في العهدة ( الترامبية) عام 2018م، من ذلك الاتفاق  وفرضت مجموعة من العقوبات الاقتصادية للضغط على النظام أن يرعوى ويسير كما الدول الأخرى في العالم سيرة سوية، إلا أن هذا الافتراض لم ينجح كليًا في ردع الطموح غير الشرعي للنظام الإيراني وأستمر يخلق المشاكل و يتدخل في الجوار حسب أجندته، ويرتكز في ذلك على محورين ( الخارجية الإيرانية) والتي تتكلم مع العالم بما يشبه المرونة، و القوى المتشددة و المسلحة و التي تحتضن التمدد الفعلي .

 

إيران / السعودية/ الولايات المتحدة:

بعد انتخابات نوفمبر 2020 م، في الولايات المتحدة ووصول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض و حكم  (بايدن \هارس) المتوقع، توجه بعض المحللين إلى القول إن ( الإدارة الجديدة سوف تستأنف) نفس العلاقة الاوبامية مع إيران باتجاه ( الاسترضاء)  وإعادة إحياء اتفاق عام 2015 م، وهذا تسرع في التحليل يدخل ضمن (الاهواء) أكثر من التعامل مع الواقع، فعدد من المسؤولين القريبين من الإدارة الجديدة قالوا اثناء الانتخابات و بعدها إن الأمور لن ترجع إلى ما كانت عليه  في هذا الملف ( إلا إذا قبلت إيران بشروط جديدة) منها أن لا سقف زمني للعودة إلى تخصيب ذري خطر ، و منها نزع الأسلحة البالستية و أيضًا  الكف عن التدخل في الجوار ، تلك ثلاثية الخطوط العامة لأي تفاوض مقبل، و لا يبدو أن النظام الإيراني بصدد القبول بأي من تلك الشروط، بل قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بعد فوز الديمقراطيين (على واشنطن أن تعلن التوبة) ! وهو اصطلاح خارج السياق الدبلوماسي منذ أن عرفت الدبلوماسية، وعليه فإن المتوقع أن يطول الوقت قبل حتى فتح باب المفاوضات والتي ستكون صعبة. لعل متغير مهم قد دخل في أوراق الملف وهو العلاقة الإيرانية/ الصينية و قد وقعت إيران  اتفقًا واسعًا مع الصين مؤخرًا ( 25 يونيو 2020م)  وسمي الاتفاق ( الشراكة الاستراتيجية الكاملة) لمدة 25 عامًا، هذا الاتفاق الذي يربط الدولتين أثار حفيظة الولايات المتحدة بسبب الخلاف الاقتصادي مع الصين، وتنظر إليه الإدارة الجديدة أنه عامل ( مقلق) يضيف إلى العوامل الأخرى الشائكة والقائمة بين إيران و الولايات المتحدة وبينها وبين الجوار ، كما يثير حفيظة الأوروبيين من حيث أنه سوف يتسبب في  تقليص أية استثمارات مرتجاة لهم في إيران في المستقبل . ومن المحتمل أن تنتج الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران في يونيو 2021م، قيادة أكثر تطرفًا مما سبق بسبب التفاعلات الداخلية وخاصة الاقتصادية والتي سببتها كل من وباء كورونا والعقوبات الأمريكية.

العلاقات بتركيا:

 في هذا  الملف نجد شخصية السيد (رجب طيب أردوغان) طاغية في تحديد الأمور ، فهو تحت تأثير  (تصور) غير منطقي حتى لأقرب معاونيه  الكبار السابقين، وخارج عن (المنطق السليم) و في الغالب (مهووس) بداء العظمة و الذي يغذيها في طيف واسع من الاتراك  على أمل عودة ( هيمنة) تركية على الإقليم المجاور لتركيا سواء العربي أو حتى الأوروبي و الآسيوي وإعادة ( العثمانية) يتخذ عدد من الأفعال السياسية والقريبة إلى التهور ،  على الجانب العربي تبنى أردوغان  (لأسباب سياسية بحتة)  الإسلام الحركي، واستخدم عناصره التي يستضيفها بشكل نشط في قطاعين الأول هو القطاع الإعلامي والذي يشكل خلية واسعة من الإذاعات و التلفزة الموجه للعرب من تركيا ( استنبول) و ذراع آخر عسكري في تجنيد (المرتزقة) من أكثر من مكان عربي لزجهم في حروب كما في ليبيا و أيضًا في جنوب غرب آسيا ( بين أرمينيا و أذربيجان) عدى التدخل المباشر في سوريا و غير المباشر في العراق بل وحتى في قبرص، يحاول اردوجان ان يتدخل في أي شق ممكن يرى فيه فرصة سانحة  لدفع مشروعه إلى الامام ، كما حدث مع النظام السوداني السابق أو مع الدوحة لاحقًا أو حتى في لبنان مؤخرًا، فالمشروع (الأردوغاني) المشبع بأحلام الإمبراطورية  العثمانية مع الكثير من تضخيم القدرات يستفيد من الفراغات التي هيأت لها ضعف  الدولة العربية  في مكان، أو الخلاف العربي البيني في مكان آخر ، مع تسليط منظومة أفكار ( اسلاموية) كسلم للوصول إلى(الهيمنة التركية) كما يراه السيد أردوغان، العقبة التي أمامه هي المملكة العربية السعودية، فهي تشكل المصد لطموحاته حيث أنها تحتضن المدينتين المقدستين ( مكة و المدينة) كما أنها تقدم المشروع البديل للهيمنة بمد يد التعاون مع تلك الدول على قواعد العلاقات الدولية الحديثة، لذلك لا يفوت فرصة إلا وينتقد أو  يهاجم المملكة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، الرد السعودي هادئ و على الأرض، فهو ينسج علاقات إيجابية مع العراق كما أنه ليس له طموح في لبنان غير قيام دولة نافعة لأبنائها ،وعلاقات طبيعية مع الجوار الأوسع سواء اليونان أو قبرص.  تعود سياسة أردوغان على المجتمع التركي والاقتصاد الوطني بالكثير من السلبيات، فالعملة التركية تتراجع والتمويل حتى من الحلفاء يضعف، وتعصف بالمجتمع التركي مجموعة أزمات جراء تلك السياسات، وتقرر المصادر الدولية أن هناك اليوم حوالي 600 ألف تركي في سجون تركية لأسباب سياسية، وتتعاظم المعارضة التركية وتصبح أكثر تنظيمًا على الرغم من (اليد الثقيلة) للسلطات التابعة لحزب أردوغان في عمليات قمع لم تعرفها تركيا منذ سنوات طويلة. من جهة أخرى فإن استمرار (الخداع) السياسي في أكثر من ملف واضح للعيان، أبرزه الموقف من الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي والبحريني، حيث هدد أردوغان بسحب سفيره احتجاجًا من دولة الإمارات، في الوقت الذي تتمتع العلاقات التركية الإسرائيلية ومنذ عقود بأفضل العلاقات الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية والسياحية!

 

المتغيرات الدولية:

لعل أهم متغير في الأشهر القليلة القادمة هي الإدارة السياسية الجديدة في الولايات المتحدة (الديمقراطيين)  وقد أشبعها المحللين من أهل (الهوى)  بالقول إن هذه الإدارة سوف تأخذ مواقف (سلبية) تجاه دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية، و هذا من باب (التمني) لا غير ، و الأكثر قربًا إلى المنطق أن تسعى الإدارة الجديدة كما صرح أحد الكبار  المرشحين لقيادة العمل الخارجي ( أن تسعى إلى تعاون مع الحلفاء  في القضايا الدولية باحترام وتواضع) المملكة العربية السعودية ودول الخليج هي صديقة تاريخية للولايات المتحدة، وتتكيف مع المتغيرات النسبية في الإدارات المختلفة، ولكن قواعد اللعبة لا تتغير كثيرًا، فهناك حاجة استراتيجية للأطراف بأن يستمر التعاون على أفضل وجه ممكن ،وهذا ما سوف يتم كما صرح أكثر من شخصية قيادية في الحزب الديمقراطي، إلا أن فكرة (الاستماع لأهل المنطقة) في القضايا المطروحة عملية مهمة للإدارة الجديدة ،كما أنها تعرف أن  (سياسات روسيا و إيران وتركيا وسلاح حزب الله و التدخل الإيراني في الجوار) كلها من مسببات عدم  الاستقرار في المنطقة وتضر بالمصالح الأمريكية و حلفائها ، وبالتالي على الإدارة القادمة أن تنظر خلف الأفق ( looking over the horizon)  كما قال أحد المختصين، لإيجاد حلول ابتكارية للمشكلات العالقة و التي تؤثر في أمن المنطقة و أمن الولايات المتحدة والعالم على حد  سواء . عالم (ما بعد ترامب) هو ليس (عالم ترامب)، تلك حقيقة يتوجب الاعتراف بها، فقد مر العالم بمرحلة قلقة أساسها (تراخي التحالف الأوربي\ الولايات المتحدة) واضح أن القادم هو (تصليب) هذا التحالف والبحث عن شركاء يتقاسمون القيم والأعباء نفسها ويحافظون على نفس المصالح، دول الخليج ليست بعيدة عن تلك الآمال. الحفاظ على أسعار عادلة للطاقة وتحقيق الأمن الإقليمي والتعاون الدولي وحرب الإرهاب وحقوق الانسان، هي عناوين سوف تأخذ الأولية على الأجندة الدولية في المستقبل، كما هو محاصرة وباء كورونا ودفع إقليم الإنسانية إلى آفاق أوسع.

 

العراق وسوريا:

تشكل الدولتان هاجس مقيم للعلاقات السعودية ( الخليجية) مع كل من العراق و سوريا، ففي العراق من الواضح أن التدخل الإيراني وصل إلى مكان منفر حتى لمعظم مكونات العراق الطائفية، فلا الكرد ولا السنة و لا حتى طائفة كبيرة من الشيعة يقبلون استمرار التدخل في شؤون بلادهم، وقد دخل العراق في مارثون صراع داخلي منذ أكثر من سنة ، عندما قامت قطاعات كبيرة منه بالاحتجاج و التظاهر رفضًا للأمر  الواقع، في وقد تغيرت الحكومة العراقية وهي اليوم تحاول أن تمد يدها إلى الجوار العربي رغم الضغط الإيراني، وقد أعلن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي عن تنظيم انتخابات مبكرة سوف تجري في يونيو 2021م، كما هناك تصور أن هذه الانتخابات التي تجري على قاعدة قانون جديد سوف تفرز قوى مختلفة عما أفرزته التكتلات السياسية منذ عام 2003 م، كما أشير إلى نية تعديل في الدستور القائم بعد الانتخابات و الذي سوف يؤكد على استقلال وعدم تدخل أي من القوى الخارجية في الشؤون العراقية.

سوريا الأمر أكثر تعقيدًا، فلم تعد سوريا اليوم لا مستقلة ولا موحدة، بل بلاد محطمة ومشتتة وتحتاج إلى جهود دولية ضخمة وأيضًا عربية لانتشالها من وحدتها التي تسبب بها نظام قمعي وطائفي .

تحديات وفرص:

السياسات لا تصنع بالأهواء إنما تخطط بالعقول وتنفذ بالإرادات، لذلك فإن التحديات التي تواجه مجلس التعاون ليست سهلة أو يسيرة، فالعالم من حولنا يتغير وبسرعة والتحديات الداخلية والخارجية لها عدد من الوجوه، الوجه الاقتصادي هو أولها، فجائحة كورونا غيرت من مسار الاقتصاد باتجاه الاقتصاد الرقمي، وهو بحد ذاته يحمل المخاطر، كما هو في الاختراقات السيبرانية التي تجتاح العالم، كما أن الوضع الصحي لفت لأهمية التعليم والتدريب في هذا المجال الواسع والخطر. من جهة أخرى فإن معدة العالم لم تعد تستطيع هضم (الحروب) الطويلة فاليوم لا يوجد منتصر في هذه الحروب، فالتحدي الأهم أمام دول الخليج هو الاقتصادي بامتياز، لأن الشعوب تحتاج إلى أن تأكل وتلبس وتتعلم وتتطبب وتعي الحياة الحديثة. تلك الدول التي تتجاهل هذا المتطلب تحت شعارات شعبوية سرعان ما سوف تصل إلى طريق مسدود (وهناك أمامنا تركيا إلى حد ما وإيران إلى حد أكبر). الجانب الآخر لدول الخليج هو بناء القوة (الناعمة) و (الخشنة) على حد سواء، الناعمة في هي الأكثر أهمية لأنها استثمار في البشر وتمكين أكثر صلابة في بناء القوة (الخشنة) المعتمدة على العلم والمعرفة الحديثة. لعل من نافلة القول أن الإقليم الخليجي يتمتع بأكثر العناصر تقاربًا  بينه وبين بعضه و بينه وبين دول عربية مجاورة ،ولكنه الأكثر بعدًا عن بعضه ، فمعظم أقاليم العالم تواجهت إلى التعاون من منطلق الاحترام وتبادل المنافع ، عدى هذه المنطقة الموبوءة بالحروب المناكدات إلى درجة استنزاف الموارد، فوحدة العرب على قاعدة المصالح المشتركة ووحدة الخليج الأقرب إلى التكامل و التعاضد هو ركن أساس في منع الدول الأجنبية من التدخل في شؤون العرب و الخليجيين أو استنزاف طاقاتهم أو اقتصادهم، ولعل التطور الذي حدث في الأشهر الأخيرة ( أقصد به الاتفاق السلمي) بين إسرائيل و كل من الإمارات والبحرين يفتح بابا لما يمكن أن يدفع بالمصالح الاقتصادية المشتركة و يخفف الاحتقان القائم في الإقليم منذ عقود  ، فقد استفاد الاقتصاد المصري و الأردني من ذلك الوفاق خاصة في القطاع الزراعي و الطاقة . لقد شهد العالم في السنوات القليلة الأخيرة شيء من (الفوضى) كل من يريد أن يفعل شيئًا يفعله، وذلك بسبب تراخي التعاون الدولي الذي سبب فراغًا كبيرًا في ضبط تلك القوى وسهل لها التمدد وإشعال الحروب.

الخلاصة

هذا المشهد المعقد الذي تم وصف قدر معقول منه يشير بأن القادم ليس سهلاً  أو هينًا ، فالقوى المتنمرة حول دول الخليج كثيرة و عديدة منها دول ومنها جماعات ( ما دون الدولة) كما أن المجتمع الخليجي هو  مجتمع انتقالي يمر أيضًا بتحول كبير و غير مسبوق في الاقتصاد و الاجتماع ، من هنا فإن التحوط يأخذنا إلى  القول أن ما هو مطلوب اليوم العمل  الجاد على ( توازن داخلي) بتهيئة الظروف لبناء نموذج اجتماعي \ سياسي \ اقتصادي حديث ، و ( توازن خارجي) بالعمل على بناء تحالفات قوية على الصعيد الإقليمي ( دول الخليج) و الدولي أيضًا بجانب الاعتماد الأكبر على النفس حفاظًا على المصالح الوطنية.

مقالات لنفس الكاتب