; logged out
الرئيسية / ديمقراطيات مصطنعة ومقلدة - تحليل لواقع الديمقراطية في دول الخليج العربية

ديمقراطيات مصطنعة ومقلدة - تحليل لواقع الديمقراطية في دول الخليج العربية

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2011

لاشك في أن أي عملية تقييم علمية موضوعية لتجارب الديمقراطية في دول الخليج العربية لا بد أن تصل كلها إلى نتيجة علمية واحدة هي أنه لا توجد ديمقراطية حقيقية مطبقة في أية دولة خليجية عربية وذلك حتى إشعار آخر لدراسة علمية مستقبلية مقبلة، وبالطبع فإن النتيجة هذه لا ولن تختلف طالما طبقت المعايير والمقاييس العلمية على التجارب الديمقراطية الخليجية العربية التي على ما يبدو تبقى على أوضاعها السياسية الحالية التي لا تعرف من النموذج السياسي الديمقراطي إلا مصطلح الاسم والمسمى فقط.

إن الديمقراطية بمعناها حكم الشعب لنفسه (حكم الأغلبية) من خلال ممثلين له يختارهم الشعب في انتخابات عامة دورية (كل أربع أو خمس أو ست سنوات) في كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية بآلية رقابية متوازنة لا تسمح بإساءة استخدام السلطة أو احتكارها من قبل سلطة أو فرد، هي حال غير موجودة في دول الخليج العربية بل حتى في العالم العربي كله.

كما أن المؤسسات السياسية التشريعية (بمسمياتها المختلفة البرلمان أو مجالس الشعب أو مجالس الشورى) ما زالت مؤسسات تخضع للسلطة التنفيذية أو تفتقر إلى العمل المؤسساتي الفاعل والقوة السياسية المؤسساتية المستقلة عن ولي الأمر الذي وحده يمنحها السلطة، ومن حقه سحبها منها في أي وقت أراد. هذا الأمر والواقع حدد أدوار البرلمانات أو مجالس الشورى أو الشعب في صناعة القرارات ليكون تابعاً وليس متبوعاً، والأخير بدوره أضعف من فاعلية البرلمانات الخليجية العربية على المستويات السياسية والشعبية كافة.

والأسباب عديدة لا تقل عن غياب الثقافة المدنية الديمقراطية من وعي الشعوب، ولا تكثر عن انعدام الثقافة السياسية من وعي القيادات السياسية العربية. فالثقافة الخليجية العربية التي عهدناها على المستويات الفردية والجماعية كافة تفتقر إلى القيم الثقافية والسياسية الديمقراطية لاسيما ما يتعلق منها بالحقوق الإنسانية سواء على مستوى حق الفرد، (خاصة إن كان أنثى في مقابل حق الفرد الذكر) أو على مستوى حقوق الجماعة في المجتمعات الخليجية العربية، منها على سبيل المثال حق النقد وحق التنظيم وحقوق الاختيار).

نعم تلك الأسباب الواضحة بالإضافة إلى وجود العائق القبلي الذي يدعو إلى ويشجع على تعميم وتفعيل ونشر مشاعر وروابط العصبية القبلية التي تدعو إلى دعم وتأييد واختيار ذوي القربى من العشيرة أو القبيلة. فالعائق القبلي تم تدعيمه وتأطيره في بعض دول الخليج العربية بما سبق أن أطلقت عليه مسمى (الإسلام القبلي)، أي تم تطويع التعاليم الإسلامية لتتلاءم مع العادات والتقاليد القبلية وليس العكس، على سبيل المثال ركز الإسلام على ضرورة البعد عن المشاعر والروابط العصبية، فيما تؤكد القبلية على كل ما يتعلق بالعصبية في العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. فالإسلام القبلي لا يمكن على سبيل المثال لا الحصر أن يقبل بوصول المرأة إلى المناصب السياسية أو التشريعية القيادية العليا.

هذه الحال تحديداً بالإضافة إلى الانتماءات المذهبية سهلت وصول الأفراد المنتمين إلى القبائل أو (المذاهب الدينية) إلى البرلمانات الخليجية العربية، بمعنى لا يصل الأفراد الأكثر كفاءة وفاعلية إلى البرلمان والمناصب التي يستحقونها، وإنما الأكثر انتماء وتأييداً للقبيلة. شهدنا هذه الحال والواقع في مجلس الأمة الكويتي، وفي غيره من الدول العربية الخليجية التي تطبق منظومة الديمقراطية المصطنعة أو المقلدة.

لنضع إحدى أهم مفردات ومتطلبات الثقافة السياسية الديمقراطية على محك الاختبار لمعرفة مدى مصداقية ما سبق أن تحدثنا عنه. إن فكر الحوار يعد نتاجاً لبيئة الحوار التي هي نتاج لثقافة الحوار الوطني التي لا يمكن أن تظهر وتنمو إلا إذا ما فتحت أمامها كافة الأبواب وسمح لها بالانطلاق من دون قيود. فثقافة الحوار والانفتاح على الآخر لا يمكن أن تظهر، فكيف تنتشر في بيئة سلطوية أو بيئة قمعية، أو حتى بيئة أحادية الفكر والتوجه والمسلك والتنظيم تصادر فيها الحريات الفردية وفي مقدمتها حرية النقد والتعبير. كما أن فكرة المشاركة السياسية للفرد وللأفراد على كافة المستويات تعد مطلباً مهماً من مطالب الديمقراطية.

في المقابل وعلى أرض الواقع فشلت معظم محاولات التغيير في المجتمعات الخليجية العربية من بيئات اجتماعية مغلقة ومتحفظة لا مكان فيها لفكر الحوار والنقاش والجدل، ولا مكان أيضاً لتنشئة سياسية اجتماعية تتم فيها تنمية وعي الفرد بضرورة المشاركة السياسية. والسبب انعدام وجود الثقافة السياسية المدنية المساعدة على تحقيق ذلك بالإضافة إلى غياب وجود إرادة عامة وخاصة سياسية وشعبية لا تلين ولا تهدأ ولا تستكين حتى يتم تحقيق التغيير. والأهم من ذلك كله تلك البيئة الديمقراطية تتطلب تعاون وتفاعل الجميع خصوصاً في مراحل التنشئة الأسرية الأولى للأطفال، ناهيك عن ضرورة تغيير مناخ المدرسة وبيئتها وتهيئة من يقوم عليها، ويختص بعملية التنشئة التعليمية خصوصاً من رجال التربية والتعليم.

إن وجود النظم الاجتماعية الخلقية الأسرية الهادئة والمستقرة، والتي ترفض استخدام وسيلة العنف كوسيلة لتوجيه ومعاقبة الأطفال، والتعامل الإنساني البيني وفقاً لمبادئ مستنيرة لا تفرق أو تميز بين المرجعية الدينية أو العرقية الطائفية أو المذهبية، وأخيراً تشجيع أخلاقيات التعامل الفردي والجماعي بقيم التقبل وروح المشاركة ومبادئ واحترام الرأي الآخر، من أهم متطلبات بيئة الحوار وفكره وبالتالي بيئة الديمقراطية وثقافتها.

لذا في عملية استقصاء ميدانية لعينة بلغ عدد أفرادها ( 312) من كلا الجنسين، كانت الإجابات، رغماً عن عاملي القصور في عدد أفراد العينة والتحيز في اختيار الموضوع، مذهلة ومعبرة في آن واحد. ومحصلة النتيجة النهائية وإن لم تكن شاملة وممثلة لكافة أو غالبية المناطق الجغرافية للمملكة، ولا كذلك ممثلة لمختلف الفئات والشرائح الاجتماعية السعودية، إلا أن نتائجها إيجابية ودالة بالفعل، ومعبرة بالتحديد، في موضوعيتها، وبالتالي يمكن تعميمها لكن بحذر شديد على المجتمع. ويجب ألا نغفل ضرورة الأخذ في الاعتبار عامل النسبية في ما يتعلق بالفروقات الفردية والمتغيرات الجغرافية وحساسية الاختلافات في بعض الخلفيات الإنسانية.  

 تحديداً في ما يتعلق بالسؤال: فكر الحوار وفكر المشاركة هما تصديق لقوله تعالى (وأمرهم شورى بينهم) (38 الشورى) ولقوله تعالى (وجادلهم بالتي هي أحسن) (125 النحل).

ووافق بالإجماع جميع أفراد العينة على العبارة بنسبة 100 في المائة. والنتيجة لا تشير وحسب وإنما تؤكد على وجود قناعة جماعية فيما بين أفراد العينة على ضرورة إن لم يكن حتمية التقيد وتصديق ما جاء في الشريعة الإسلامية السمحة من تعليمات وتوجيهات وأوامر. لهذا لم يكن هناك فيما بين أفراد العينة من لديه شك أو معارضة للعبارة نظراً لارتكازها بشكل مباشر على آيات من القرآن الكريم. والنسبة التامة تؤكد استنتاجاً أن فكر الحوار والمشاركة من المطالب المطلوبة بل المفروضة على المسلمين، كيف لا وقد فرض الله الشورى على عباده المسلمين، كما أمر نبيه الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم) وهو خير البشر وأفضلهم بالحوار مع المسلمين.

أما السؤال: فكر الحوار يعني النقاش وربما الجدل لكنه لا يعني الخصام.

فقد وافقت عليه نسبة 98 في المائة من المجيبين على العبارة، فيما لم توافق عليها نسبة 2 في المائة، والنتيجة تشير أيضاً إلى وجود قناعة تامة لدى الأغلبية على مستويات فكر الحوار وخصوصاً النقاش بل حتى الجدل، لكن ليس إلى مرحلة الخصام.

لكن السؤال: هل نطبق في واقعنا الحالي فكر الحوار والشفافية ونتقبل الرأي الآخر، ونشارك في العملية السياسية. كانت الإجابات عنه متناقضة تماماً مع الإجابات في الأعلى، إذ أكدت نسبة 97 في المائة عدم تطبيق أو الالتزام بفكر الحوار وثقافته، فيما ارتأت نسبة 3 في المائة وجود فكر الحوار وثقافته.

 الخلاصة والاستنتاج

من الواضح حتى الآن أن أداء البرلمانات في دول الخليج العربية مازال وليداً وفي مراحله الأولى، (حتى في الكويت، طالما بقي القرار النهائي الذي يحدد محصلة الأمر في يد الحاكم الذي يمثل السلطة التنفيذية). والأسباب عديدة منها غياب الثقافة المدنية الديمقراطية على مستوى الشعوب، وأيضاً غياب الثقافة السياسية الديمقراطية على مستوى الحكومات وعلى مستوى الشعوب الخليجية. كما  تغيب عن البيئات السياسية والشعبية الخليجية ثقافة الحوار والشفافية، وأيضاً ثقافة المشاركة السياسية على المستوى الشعبي، ناهيك عن غياب ثقافة الرقابة والتوازن بين المؤسسات السياسية والتشريعية والقضائية. من هنا فإن أي برلمان خليجي موحد يتم إنشاؤه وفقاً لآلية التعيين وليس الانتخاب هو واقع حال يتنافى مع الديمقراطية جملة وتفصيلاً، وبالتالي يعد مشروعاً فاشلاً وامتداداً للمشاريع السياسية البرلمانية الفاشلة في الدول الخليجية العربية. لهذا لا تذكر أو يعلن عن نتائج اجتماعات رؤساء البرلمانات الخليجية، إذ كيف يمكن تفسير واقع سياسي تشريعي خليجي لا محل له من الإعراب السياسي التشريعي أو التنفيذي في العرف السياسي الخليجي العربي الراهن.  

مجلة آراء حول الخليج