; logged out
الرئيسية / يستورد العرب 65% من القمح وينفق 110 مليارات دولار على الواردات الغذائية سنويًا

العدد 157

يستورد العرب 65% من القمح وينفق 110 مليارات دولار على الواردات الغذائية سنويًا

الثلاثاء، 29 كانون1/ديسمبر 2020

 د. محمود فتح الله

شهد عام 2020م، العديد من الأحداث العالمية والإقليمية التي تركت آثارًا اقتصادية سلبية على العالم العربي لعل أبرزها كان انتشار جائحة كورونا في الربع الأول من العام عندما أعلنت منظمة الصحة العالمية في 11 مارس اعتبار كورونا جائحة عالمية، وقد ترتب على ذلك الكثير من الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية على مختلف دول العالم والتي من بينها الدول العربية، ولم تكن جائحة كورونا تمثل الأزمة الوحيدة التي يواجهها العالم العربي في هذا العام وإنما كان على العالم العربي أن يواجه أزمات أخرى تفرض عليه الكثير من التكاتف والدعم والعمل الجماعي لتجاوزها، لعل من أهمها كارثة انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس، ثم فيضانات السودان. في المقابل، لم يخلو عام 2020م، من بعض الأحداث الإيجابية والتي من بينها انطلاق مسبار الأمل الإماراتي في 20 يوليو إلى المريخ مع ما يحمله الخبر من إشارات للعالم باهتمام الدول العربية بهذا المجال العلمي الهام، ونجاح قمة مجموعة العشرين بقيادة المملكة العربية السعودية في نوفمبر ثم بدء الإعلان في عدد من الدول العربية عن وصول اللقاحات الخاصة بفيروس كورونا مع آخر شهر في عام 2020م، وهو ما يعزز الآمال في اتجاه الأوضاع إلى التحسن مع بدايات عام جديد 2021م.

نستعرض فيما يلي حال الاقتصاد العربي في مطلع عام 2020م، ثم طبيعة الأزمات التي تعرضت لها دول المنطقة وآثارها الاقتصادية، وكيف كانت استجابة مؤسسات العمل العربي المشترك في التخفيف من الآثار السلبية لتلك الأزمات، ثم نختم باستشراف أهم معالم الأوضاع الاقتصادية للعالم العربي في عام 2021م.

 

حال الاقتصاد العربي مطلع عام 2020:

دخلت الدول العربية عام 2020م، بمعدلات نمو متواضعة نتيجة لاستمرار ضعف النمو في الدول المصدرة الرئيسية للنفط عقب التقلبات التي شهدتها أسعار النفط، والنمو العالمي غير المستقر في العام السابق 2019م، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية في الدول العربية كمجموعة حوالي 2.7 ترليونات دولار عام 2019م، بنمو قدره 1.6 % بالمقارنة مع 7.9 %عام 2018م. ونتيجة لذلك تراجع متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من حوالي 6684 دولارًا إلى حوالي 6651 دولارًا.

كما تبين تقديرات الفقر في الدول العربية مطلع عام 2020م، أن حوالي 40 % من عدد السكان يعيشون تحت خط الفقر الدولي أي بدخل أقل من 2.75 دولارًا أمريكيًا في اليوم باستخدام معيار تعادل القوة الشرائية، هذا بالإضافة إلى التراجع في تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالقضاء على الفقر وعدم المساواة في المنطقة، حيث يقدر أن حوالي 15 % من الفقراء يعانون من الفقر الحاد وأن نسبة 83.4 % منهم يقطنون المناطق الريفية. ومن أسباب انتشار الفقر في عدد من الدول العربية عدم تكافؤ الفرص الاقتصادية وضعف الوصول إلى الخدمات الأساسية بين مختلف أفراد المجتمع.

 

 

ويُظهر الهيكل القطاعي للناتج المحلي الإجمالي للدول العربية انخفاض مساهمة الصناعات الاستخراجية في الناتج المحلي الإجمالي عام 2019م، لتبلغ حوالي 24.8 % بالمقارنة مع 26.9 % عام 2018م، وذلك نتيجة انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية واتفاق دول منظمة أوبك مع الدول المصدرة للنفط من خارج المنظمة على تخفيض الإنتاج، مما أدى إلى انخفاض حصة قطاعات الإنتاج السلعي من 50.3 % إلى حوالي 48.5 % من الناتج المحلي الإجمالي، وتحسن نسب مساهمة قطاع الخدمات.  وشهدت بنود الإنفاق في الناتج في عام 2019م، تغيرات بالمقارنة مع السنة السابقة حيث زادت حصص الاستهلاك العائلي والاستثمار مقابل تراجع طفيف في الاستهلاك الحكومي وانخفاض بحوالي ثلاث نقاط مئوية في حصة فجوة الموارد. وقدرت نسبة الادخار المحلي من الناتج المحلي الإجمالي العربي في العام 2019م، نحو 31.6 %، مقارنةً بحوالي 33.3 % لعام 2018م، أي بانخفاض بلغ حوالي 1.7 نقطة مئوية، ويعود سبب ذلك إلى انخفاض عوائد صادرات النفط خاصة في الدول العربية المصدرة الرئيسية للنفط، وصعوبة تخفيض الإنفاق الاستهلاكي بشكل كبير خاصةً في ظل الظروف الداخلية التي شهدتها بعض الدول العربية.

أما عن التجارة الخارجية للدول العربية، فلم تكن أفضل حالاً حيث تراجعت قيمة الصادرات العربية من السلع والخدمات إلى 1215 مليار دولار في عام 2019م، أي بنسبة 5.4 % بالمقارنة مع عام 2018م، في حين بلغت قيمة الواردات العربية من السلع والخدمات في العام 2019م، حوالي 1066 مليار دولار بارتفاع نسبته 0.7 % مقارنة مع العام 2018م. وبذلك تراجعت نسبة تغطية الصادرات العربية إلى إجمالي الواردات العربية من السلع والخدمات في العام 2019م، إذ بلغت حوالي 114.1 % مقارنةً بـنسبة 121.4 %في العام 2018م.

بالنسبة لحال مؤشرات الدين العام للدول العربية مطلع عام 2020م، فقد شهد إجمالي رصيد الدين الخارجي للدول العربية المتوفرة عنها بيانات كمجموعة ارتفاعًا بحوالي 28 مليار دولار مسجلاً نسبة نمو بلغت 9.7 % ليصل إلى حوالي 315.2 مليار دولار بنهاية عام 2019م، مقارنة بحوالي 287.2 مليار دولار بنهاية عام 2018م، بسبب توجه عدد من الدول العربية إلى الاقتراض، وإصدار سندات وصكوك لاستقطاب موارد خارجية تدعم أوضاعها المالية في ظل تراجع الإيرادات النفطية، وانحسار تدفق المنح الخارجية، إلى جانب الحاجة لموارد لمقابلة الالتزامات الخارجية واجبة السداد خلال عام 2019م، وقد ارتفعت نسبة الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي بالنسبة للدول العربية كمجموعة بحوالي 0.7 نقطة مئوية، لتصل إلى حوالي 35.3 % بنهاية عام 2019م، مقارنة بنسبة بلغت حوالي 34.6 % بنهاية عام 2018م. جاء ذلك كمحصلة لتسارُع وتيرة نمو الدين العام الخارجي، مقارنة بنمو الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية. وشهد عام 2019م، تراجع إجمالي الاحتياطيات الخارجية الرسمية للدول العربية بنسبة طفيفة بلغت نحو 0.5 % لتبلغ حوالي 1025.3 مليار دولار، مقارنة مع احتياطيات قدرها 1030.9 مليار دولار في العام السابق، وقد ارتفع إجمالي رصيد الدين العام الخارجي القائم في ذمة الدول العربية كمجموعة والمتوفرة عنها بيانات بحوالي 28 مليار دولار مسجلاً نسبة زيادة بلغت حوالي 9.7 % ليبلغ حوالي 315.2 مليار دولار بنهاية عام 2019م، مقارنة بحوالي 287.2 مليار دولار بنهاية عام 2018م.

يبدو جليًا من العرض السابق أن العالم العربي بدأ عام 2020م، بأوضاع اقتصادية ليست جيدة في مجملها، أي أن نقطة البداية بالأساس وقبل مواجهة أية أزمات كانت متدهورة عن السنوات السابقة في معظم المؤشرات الاقتصادية الكلية.

الأزمات وتبعاتها الاقتصادية في عام 2020:

كورونا Covid-19:

أدى إعلان منظمة الصحة العالمية في 11 مارس 2020م، اعتبار كورونا جائحة عالمية إلى ذعر واضطراب كبيرين في كافة قطاعات الاقتصاد على مستوى العالم، حيث يتوقع تقرير لاتحاد الغرف العربية أن يخسر العالم العربي بسبب إجراءات التباعد الاجتماعي وتقييد الحركة 1.7 مليون فرصة عمل عام 2020م، بما يرفع معدل البطالة بنسبة 1.2%. وسوف يقع العبء الأكبر على عاتق قطاعات الخدمات كما أدت الجائحة إلى التأثير سلبيًا على سلاسل الإمداد العالمية المتعلقة بالإنتاج والتصنيع والنقل والتوزيع وغيرها الكثير من اللوجستيات المتصلة، بما يهدد بنقص في إمدادات الغذاء وتهديد الأمن الغذائي العربي، خاصة مع نقص معدلات الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الأساسية في معظم الدول العربية حيث يستورد العالم العربي نحو 65% من استهلاكه من القمح، وينفق ما لا يقل عن 110 مليارات دولار على الواردات الغذائية. ويتوقع أن تسجل الصادرات والواردات العربية انكماشًا سوف تنعكس آثاره على مؤسسات الأعمال التجارية والصناعات في شتى القطاعات وبالأخص قطاعات التعدين والصناعات الكيماوية والميكانيكية والكهربائية وغيرها من القطاعات الأكثر تأثرًا بالانقطاعات التي حدثت في سلاسل التجارة العالمية. وسوف تتأثر بالتبعية الإيرادات الجمركية العربية إلى حد كبير، حيث ينتظر أن تتراجع الإيرادات الضريبية العربية عام 2020م، بما يتراوح بين 7.9 مليارات دولار للسيناريو المعتدل و20 مليار دولار للسيناريو الأسوأ. كما ستتراجع الإيرادات الجمركية العربية بما يتراوح بين 1.8 مليارات دولار و5 مليارات دولار. وستكون التأثيرات السلبية ملموسة بشكل خاص في الدول التي تعتمد على التعريفات الجمركية كمصدر أساسي للإيرادات الحكومية. ومن المتوقع أن تتراجع كذلك العائدات الحكومية العربية من مصادر أخرى من الضرائب غير المباشرة بنسب تتراوح بين 6.1 مليارات دولار و14.9 مليارات دولار اعتمادًا على السيناريو المفترض للانكماش الاقتصادي العالمي.

من جانب آخر، تأثرت الصناعة النفطية كغيرها من القطاعات الصناعية بالجائحة. فالإغلاقات المتعددة قلصت الطلب على النفط من حوالي 100 إلى 80 مليون برميل يوميًا، بالذات في الربع الثاني من السنة. وانخفضت الأسعار من حوالي 70-80 دولارًا للبرميل قبل الجائحة إلى 20-30 دولارًا، لتستقر خلال الأشهر الأخيرة من العام على حوالي 40-45 دولارًا لبرميل نفط برنت. وقد حاولت منظمة «أوبك» طوال هذه الفترة المحافظة على استقرار الأسواق، وكانت الخطوة الأولى في هذه المحاولة اتفاق الدولتين النفطيتين الكبريين، السعودية وروسيا، على العمل سويًا على نطاق واسع، من خلال تأسيس مجموعة (أوبك+) من أكثر من 20 دولة مصدرة. وعلى ضوء انخفاض الطلب، خفضت المجموعة إنتاجها إلى 7.7 مليون برميل يوميًا. واجهت (أوبك+) تحديات عدة. أولها تبنيها خططًا لتخفيض الإنتاج في ظروف غامضة غير مسبوقة. وقد أثارت الجائحة آثارًا اقتصادية مهمة في سوق النفط، منها خطورة الاعتماد الكلي للدول المصدرة على الريع النفطي دون مصادر مالية أخرى. ولفتت نظر المسؤولين والمراقبين إلى تقلص التلوث البيئي والمناخي لانخفاض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، الأمر الذي أخذ يسرع من تأكيد التزامات بعض الدول الكبرى باتفاقية باريس للمناخ.

انفجار مرفأ بيروت:

تسبب الانفجار الضخم الذي حدث في مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس في أضرار كبيرة في المرفأ وتهشيم الواجهات الزجاجية للمباني والمنازل في معظم أحياء العاصمة اللبنانية بيروت، وقد سجّلت وزارة الصحة اللبنانية مقتل أكثر من 204 أشخاص وإصابة أكثر من 6500 آخرين، وأُعلن عن تضرّر مباشر لنحو 50 ألف وحدة سكنية، وأصبح حوالي 300 ألف شخص بلا مأوى، وقد قدر محافظ بيروت الخسائر المادية الأولية الناجمة عن الانفجار ما بين 10 إلى 15 مليار دولار أمريكي. وقد امتدت الأضرار إلى آلاف المنازل على بعد كيلومترات من موقع الانفجار، وقد أعلن محافظ بيروت العاصمة مدينة منكوبة، في حين أعلن رئيس الوزراء اللبناني اليوم التالي (5 أغسطس) يوم حداد وطني، وتم إعلان حالة الطوارئ. وقد قدر البنك الدولي أضرار وخسائر اقتصادية بين 6,7 و8,1 مليارات دولار ويحتاج لبنان بشكل عاجل إلى ما بين 605 و760 مليون دولار للنهوض مجددًا. وتقدر الأضرار في الممتلكات بين 3,8 و4,6 مليارات دولار فيما أدى إلى خسائر اقتصادية ناجمة عن تراجع إنتاج مختلف قطاعات الاقتصاد بما بين 2,9 و3,5 مليارات دولار وفق نتائج التقييم الأولي للأضرار والحاجات الذي قادته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي حتى نهاية أغسطس، وكانت القطاعات الأكثر تضررًا هي الإسكان والنقل والتراث الثقافي (بما في ذلك المواقع الدينية والأثرية والمعالم الوطنية والمسارح ودور المحفوظات والمكتبات...)

قدرت قيمة الحاجات الفورية لإعادة الإعمار بـ 605 إلى 760 مليون دولارًا، و1,18 إلى 1,46 مليار دولار للعام 2021م. ويعتبر قطاع النقل الأكثر حاجة إلى المساعدة، يليه قطاعا الثقافة والإسكان.

وقد حدد البنك الدولي ثلاثة آثار اقتصادية رئيسية لهذه الكارثة على مستوى الاقتصاد الكلي في لبنان، هي: خسائر الأنشطة الاقتصادية الناجمة عن فقدان رأس المال العيني، واضطراب التبادل التجاري، وفقدان جزء من مصادر دخل الدولة.، وكنتيجة لذلك، فمن المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي للبنان بمقدار 0,4 نقطة إضافية في 2020م، و0,6 نقطة خلال عام 2021م، يذكر أن لبنان كان يواجه أزمة متعددة الأوجه (اقتصادية ومالية ونقدية) تفاقمت بسبب وباء كوفيد-19 ودفعت البنك الدولي الى توقع انخفاض بنسبة 10,9 % في الناتج المحلي الإجمالي في العام 2020م.

فيضانات السودان:

شهدت جمهورية السودان أوائل شهر سبتمبر كارثه مروعة إثر الفيضانات والسيول المدمرة التي اجتاحت معظم أنحاء السودان، وقد تضرر من هذه الكارثة أكثر من نصف مليون شخص، وأودت بعشرات القتلى وانهيار اكثر من 100 ألف منزل وتدمير مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية وإتلاف المحاصيل والبساتين الحيوية وتدمير للبنية التحتية والخدمات الأساسية في 16 ولاية سودانية، وتمثل مناطق الخرطوم وشمال دارفور وسنار حوالي 43 % من المناطق متضررة، وقد صاحب الكارثة حدوث نقص حاد في الغذاء والمياه والأدوية وتلف الأراضي الزراعية والمحاصيل الأمر الذي دعا الحكومة السودانية إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد لمدة ثلاثة أشهر واعتباره السودان منطقة كوارث طبيعية. وقد قدرت بعض المصادر خسائر الاقتصاد السوداني جراء هذه الكارثة بحوالي 3-4 مليارات دولار بشكل مبدئي.

العمل العربي المشترك وقت الأزمات:

استجاب المجلس الاقتصادي والاجتماعي في جامعة الدول العربية بشكل سريع لمختلف الأزمات التي واجهتها الدول العربية حيث أصدر بيان على المستوى الوزاري بشأن التعامل مع تبعات جائحة "كوفيد 19" دعا فيه إلى تعزيز التنسيق العربي في مواجهة التداعيات الصحية لأزمة "كوفيد 19" مع النظر في تقديم الدعم اللازم للدول العربية الأكثر احتياجًا حسب الإمكانيات المتاحة. كما عقدت اجتماعات استثنائية لعدد من المجالس الوزارية المتخصصة لمناقشة الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا على الدول العربية خاصة تلك المتعلقة بالقطاعات الأشد تضررًا كالسياحة والنقل، كما تم اتخاذ العديد من الإجراءات الاستثنائية العاجلة التي تهدف لتيسير تدفق السلع على المنافذ الجمركية في الدول العربية خاصة السلع الغذائية والمنتجات الطبية والصحية والصيدلانية واستمرار توافر السلع في الأسواق لتهدئة حالة الذعر التي انتابت المواطنين حيث تم تشجيع إنشاء ممرات خضراء أو مسارات سريعة للسماح بالتفتيش والفحص والإفراج السريع عن المنتجات الأساسية والطبية دون الإخلال بمتطلبات الأمن والصحة، بالإضافة إلى دعم استخدام الأنظمة الإلكترونية المميكنة وتداول المستندات والوثائق الخاصة بالاستيراد والتصدير إلكترونيًا، وتبادل الخبرات وتوفير الدعم الفني في مجال إصدار وقبول شهادة المنشأ إلكترونيًا لتسهيل تبادل السلع وكذلك تقليل فرص الاتصال المباشر بين التنفيذين في الجمارك ومعامل الفحص والتجار والمخلصين أثناء فترة الجائحة.

وفي إطار الاستجابة لكارثة انفجار مرفأ بيروت، أطلق الأمين العام مناشدة للدول العربية والمجتمع الدولي والمنظمات الإغاثية العربية والعالمية للإسراع في تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة في لبنان كما قام بزيارة تضامنية يوم 8 أغسطس أكد فيها استعداد الجامعة لحشد الدعم من خلال منظومة العمل العربي المشترك للمساهمة في مواجهة كافة تبعات هذه الكارثة. واستجابة لتلك الدعوة توالت الدول العربية في تقديم الإغاثة العاجلة في المجالات الغذائية والدوائية والصحية للشعب اللبناني وتقديم الجسور والإغاثات العاجلة لتقديم العون العاجل، كما تم مناقشة الموضوع من جانب المجلس الاقتصادي والاجتماعي كما قامت الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري بتحديث البنية التكنولوجية لميناء طرابلس حتى يتمكن من استقبال الحاويات والبضائع العامة التي بدأت تُوجه إليه كبديل لميناء بيروت المُدمر.

أما في إطار التجاوب السريع لجامعة الدول العربية ومؤسساتها مع كارثة فيضانات السودان، أطلق الأمين العام للجامعة مناشدة للدول العربية والمجتمع الدولي والمنظمات الإغاثية العربية والدولية للإسراع في تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للسودان، ودعا إلى التحرك الدولي الفوري لمساعدة السودان وشعبه في مواجهة هذه الكارثة المروعة التي يمر بها وقد أعلنت منظمات عربية عديده تقديم مساهمات نقدية وعينية مختلفة بالإضافة إلى المساعدات من جانب الدول العربية.

وعلى الرغم من تقليص أنشطة الجامعة العربية كجزء من الإجراءات الاحترازية لمواجهة انتشار فيروس كورونا، إلا أن الأنشطة المعتادة للجامعة العربية استمرت بشكل شبه طبيعي، اعتمادًا على التواصل الإلكتروني عن بعد إذ شهد عام 2020م، استكمال توقيع الدول العربية على عدد من الاتفاقيات العربية حيث دخل النظام الأساسي لمرفق البيئة العربي حيز النفاذ بعد توقيع سبع دول عليه وهو الجهاز المتوقع أن يقوم بدور كبير في حشد التمويل في مجال مشروعات البيئة، كما وقعت كل من قطر ومصر على اتفاقية التعاون الجمركي، وبذلك بلغ عدد الدول الموقعة على الاتفاقية خمسة دول. ووقعت مملكة البحرين على النظام الأساسي للاتحاد العربي للمحميات الطبيعية، كما أودعت دولة الإمارات وثائق التصديق على الاتفاقية العربية لتحرير التجارة في الخدمات وبذلك بلغ عدد الدول التي تطبق الاتفاقية أربع دول. من ناحية أخرى، تمت الموافقة على النسخة النهائية المعدلة من الاتفاقية العامة واتفاقية السوق اللتان تمثلان المكون الأساس لنظام حوكمة السوق العربية المشتركة للكهرباء وهو ما يفتح الباب لتنفيذ خارطة الطريق المحددة لاستكمال السوق العربية المشتركة للكهرباء التي تمثل الهدف المنتظر من مشروع الربط الكهربائي العربي الموحد.

 

استشراف الأوضاع الاقتصادية للعالم العربي في عام 2021:

كما دخل العالم العربي عام 2020م، بأوضاع اقتصادية متدهورة عن العام السابق 2019م، فسوف يخرج منه بأوضاع أكثر صعوبة بفعل ما واجهه من أزمات فرضت عليه الكثير من الأعباء التي يتوقع أن تمتد آثارها لفترات طويلة ولعل أبرز تلك الأعباء هي أعباء المديونية التي تضخمت بشكل غير مسبوق في عام 2020م، لمقابلة التزامات الدول لتقديم الحماية الاجتماعية وتوفير السلع الأساسية للمواطنين في فترة الإقفال التي اجتاحت العالم، كما يتوقع أن يستمر تراجع الدول العربية في مؤشرات تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لاسيما الخاصة بالفقر والجوع. إلا أن الأمر لا يخلو من وجود ضوء في نهاية هذا النفق إذ أن الأزمات المتلاحقة في عام 2020م، لابد وأن يخرج العالم العربي منها بالكثير من الدروس التي تساعده في بناء مستقبل أفضل. من المتوقع أن يجني قطاع الخدمات الصحية والبحث العلمي نتائج إيجابية مع منتصف العام القادم كنتيجة لتركيز الجهود في مجال البحث العلمي في القطاع الطبي والانفتاح على المراكز العلمية العالمية في عام 2020م، كما أن التوقف المفاجئ لقطاع التعليم بكافة مراحله خلال العام الدراسي 2019/2020م، أدى إلى تحول قطاع التعليم في المنطقة العربية إلى الاعتماد بشكل مكثف على نظام التعليم عن بعد، ومع استمرار المخاوف من الموجة الثانية لفيروس كورونا تبنت كثير من الدول العربية نظم التعليم الهجين Blinded Learning الذي يجمع بين التعليم التقليدي داخل قاعات الدرس والتعليم عن بعد وتطبيقه في مختلف مراحل التعليم، وعلى الرغم مما يوجه من انتقادات لتلك التجارب إلا أنها تمثل نقلة نوعية تتجاوز كل المعدلات المخططة سابقًا للتحول الرقمي في التعليم ويتوقع أن تنضج تلك التجارب مع نهاية العام الدراسي 2020/2021م، وتتمكن كثير من المؤسسات التعليمية العربية من إيجاد مكان لها بين مؤسسات التعليم التي تقدم خدماتها عن بعد. ومع تزايد أعداد دول العالم التي تعلن عن اعتماد لقاحات مجانية لفئات مستهدفة من مواطنيها يتوقع أن تتجه الحياة الاقتصادية عبر العالم إلى التعافي مع منتصف عام 2021م، وهو ما يبشر بتحسن في الطلب على النفط الذي يلعب دور محرك النمو في العالم العربي. وأخيرًا، فقد أظهرت استجابات الدول العربية في أزمة انفجار مرفأ بيروت وفيضان السودان وجود قدر كبير من التكاتف بين الدول العربية في تخفيف تلك الأزمات عن الأشقاء في الدول المنكوبة، كما ساهمت مؤسسات التمويل والمنظمات والاتحادات العربية بشكل إيجابي في التخفيف من تداعيات تلك الأزمات، ويتوقع أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على مسار التكامل الاقتصادي العربي على المدى الطويل.

مقالات لنفس الكاتب