; logged out
الرئيسية / أسواق الطاقة العالمية: حصاد 2020 واستشراف عام آت

العدد 157

أسواق الطاقة العالمية: حصاد 2020 واستشراف عام آت

الثلاثاء، 29 كانون1/ديسمبر 2020

د. أحمد قنديل

أدت أزمة كوفيد 19، خلال عام 2020م، إلى حدوث واحدة من أكبر الصدمات في تاريخ أسواق الطاقة العالمية. حيث تسببت هذه الأزمة في زيادة هشاشة الأسعار وتقلّبها نتيجة عدم استقرار أنماط استهلاك الطاقة في الأسواق الرئيسية للدول المتقدمة، نتيجة الإجراءات الاحترازية لمواجهة تفشي الجائحة، والتي قلصت التنقل بمختلف وسائله إلى الحدود الدنيا، ناهيك عن تقليص الإنتاج الصناعي. كما ساهمت هذه الأزمة أيضًا في زيادة حدة التحديات التي تواجهها الشركات الكبرى في قطاعات إنتاج النفط والغاز، وأيضًا في قطاع المصافي والشركات التي توفر خدمات الإنتاج من الحقول، والشركات الوسيطة التي يتركز نشاطها في النقل والتوصيل بين الحقول ومنافذ التكرير والتوزيع.

فمع تفشي جائحة كوفيد 19، حدث انخفاض حاد في أسعار النفط العالمية لتصل، في أبريل 2020م، إلى مستوى 18.3 دولارًا للبرميل، وهو ما يعتبر أدنى مستوى له منذ يونيو 1999م، بل وتدهورت هذه الأسعار إلى 37 دولارًا تحت الصفر، للمرة الأولى في التاريخ، في السوق المستقبلية للنفط الأمريكي في بورصة نيويورك ومع التقليص التدريجي لإجراءات العزل في العديد من دول العالم، خلال النصف الثاني من عام 2020م، خاصة في الصين والدول الأوروبية والولايات المتحدة، بدأت أسواق الطاقة العالمية تستعيد عافيتها تدريجيًا. فارتفع سعر النفط (خام برنت) تدريجيًا ليستقر عند سعر يتراوح بين 40 و50 دولار للبرميل خلال الشهور الأخيرة من عام 2020م.

أسعار خام برنت في الفترة من 16 ديسمبر 2019م، إلى 15 ديسمبر 2020

م، في 15 ديسمبر 2020م، كان السعر لخام برنت 49.86 دولار للبرميل، بعدما كان أعلى سعر خلال العام الماضي في 7 يناير 2020 م، ووصل إلى 68.91 دولار للبرميل

https://sa.investing.com/commodities/brent-oil

ومن جهة أخرى، أدت جائحة كوفيد 19 إلى حدوث تراجع حاد في أسعاره العالمية خلال عام 2020م. حيث تراجع مؤشر أسعار الغاز الطبيعي في المملكة المتحدة، وهو أقل مؤشرات أسعار الغاز الأوروبية الأربعة الرئيسية، خلال عام 2020 م، إلى ما يعادل حوالي 0.99 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. كما انخفضت أسعار العقود الآجلة للغاز الطبيعي في الولايات المتحدة في 12 يونيو 2020م، إلى 1.79 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. وبقي مؤشر اليابان كوريا Japan Korea Marker (JKM) القياسي لعمليات تسليم الغاز الطبيعي المسال إلى شمال شرق آسيا عند مستويات منخفضة قياسية، وكان يحوم حول سعر 2 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية خلال معظم عام 2020م، وقد أدى ذلك إلى إلغاء حوالي 50 شحنة من الصادرات الأمريكية لآسيا في شهر يوليو وحده، وهو ما يمثل ضعف الشحنات، التي تم الإبلاغ عن إلغائها في الشهر السابق، وتساوي ما يقرب من ثلثي متوسط حجم الغاز الطبيعي المسال المصدر من الولايات المتحدة في يناير الماضي في بداية الوباء. ووفقا لوزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية (METI)، كان متوسط سعر الغاز الطبيعي المسال المستوردة إلى اليابان، والتي تعتبر أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، حوالي 2.4 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في مايو 2020م، وخلال نفس الشهر من العام 2019م، كان السعر حوالي 5.4 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، بينما كان السعر 9.3 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في مايو 2018م. وفي هذا السياق، أصدرت مؤسّسة "إيفاليوسيرف" للاستشارات والبحوث، تقريرًا شاملاً، يجسد معاناة صناعة الغاز الطبيعي المسال، في ظل وباء كوفيد 19. وقد أشار هذا التقرير إلى أنه خلال الأشهر الـ 6 الأولى من عام 2020م، شهدت صناعة الغاز العالمية تراجعًا قياسيًا في أسعاره، حيث بلغت 1.825 دولارًا أمريكيًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، في أبريل 2020م، وأعلنت الكثير من الشركات حالة "القوة القاهرة" لإلغاء الكثير من الصفقات مع انهيار الطلب والشلل في الاقتصاد العالمي.

تراجع تاريخي في الطلب على الطاقة

وكانت تقديرات وكالة الطاقة الدولية في عام 2020م، قد كشفت عن أن استمرار الإجراءات الاحترازية لمواجهة تفشي جائحة كوفيد 19 سوف يؤدي إلى تراجع الطلب على الطاقة بنسبة 6 في المائة خلال عام 2020م، وهو ما يعادل سبعة أمثال معدل التراجع في الطلب على الطاقة الذي تم تسجيله أثناء الأزمة المالية العالمية التي تفجرت عام 2008م. وفي هذا السياق، توقعت الوكالة، خلال عام 2020م، أن تقود الجائحة إلى تراجع الطلب العالمي على النفط (بمقدار 9 في المائة) والفحم (بنسبة 7,7 في المائة)، والغاز الطبيعي (بنسبة 5 في المائة) والطاقة النووية (بنسبة 2.5 في المائة) مقارنة بعام 2019م، كما توقعت الوكالة أيضًا انخفاض الطلب العالمي على الكهرباء (بنسبة 5 في المائة) وهو أكبر انخفاض منذ الكساد الكبير في نهاية العشرينات من القرن الماضي. أما قطاع الطاقة المتجددة فربما يكون هو الوحيد الذي أفلت من حالة الشلل والانكماش التي تسبب فيها فيروس كوفيد 19 لكافة قطاعات الطاقة، حيث توقعت الوكالة أن يشهد هذا القطاع نموًا محدودًا خلال عام 2020م، يبلغ 0.8 في المائة، رغم أن تفشي الفيروس أدى إلى توقف النشاط الصناعي المرتبط بتصنيع تقنيات الطاقة النظيفة والمتجددة.

دور إيجابي لأوبك بلس

وربما يكون السبب الأهم في استعادة عافية أسواق النفط العالمية خلال عام 2020م، هو اتفاق دول "أوبك بلس"، وهي الدول المصدرة للنفط الأعضاء في منظمة أوبك وغيرها من خارجها بقيادة السعودية وروسيا، على خفض الإنتاج النفطي في إبريل 2020م، وقد نص هذا الاتفاق، الذي يضم 23 دولة، على خفض الإنتاج بمقدار 9.7 ملايين برميل، بما يُمثل حوالي 10 في المائة من الإنتاج العالمي خلال الفترة من إبريل إلى يونيو 2020م، للسيطرة على السوق ورفع الأسعار من وضع الانهيار الذي شهدته مع تفاقم جائحة كوفيد 19. وتم تمديد هذا الخفض خلال شهري يونيو ويوليو، وتبع ذلك خفض الإنتاج بمقدار 7.7 ملايين برميل يوميًا حتى نهاية ديسمبر 2020م. وفي 3 ديسمبر 2020م، اتفقت دول "أوبك بلس" على خفض سقف تخفيضات الإنتاج بنحو 500 ألف برميل يوميًا حتى شهر يناير 2021م، ليصبح مجموع تخفيضات الإنتاج للمجموعة حوالي 7.2 مليون برميل يوميًا بدلاً من 7.7 مليون برميل يوميًا في السابق. ومن المنتظر أن يتبع ذلك تخفيض إلى 5.7 مليون برميل يوميًا اعتبارًا من يناير 2021 م، (لمدة 16 شهرا) حتى 30 أبريل 2022م.

تذبذب حاد في الأسواق

إلا أن استقرار أسواق النفط العالمية في ظل كوفيد 19 عاد هواهتز مرة أخرى مع قرب نهاية عام 2020م، حيث عادت التقلبات لتسيطر على هذ الأسواق مع احتمال اللجوء إلى إجراءات عزل جديدة لمواجهة الموجة الثانية لجائحة كوفيد 19 في حال نشوبها (خاصة بعد أن عادت أعداد المصابين بالفيروس إلى الارتفاع في الولايات المتحدة وأوروبا، وهما مركزا الطلب الرئيسيان على النفط في العالم)، وبالتالي تقليص استهلاك الطاقة مرة أخرى. وتزايد الغموض في الأسواق النفطية مع تضارب التقديرات بشأن كمية النفط المخزن في المستودعات وفي الناقلات. حيث سادت مؤشرات متضاربة بين ارتفاع مخزون الخام لدى الصين وتراجعه في الولايات المتحدة نتيجة ارتفاع الإصابات بكوفيد 19. وفي ضوء ذلك، قلصت وكالة الطاقة الدولية، في منتصف سبتمبر 2020م، توقعاتها للطلب العالمي على النفط في عام 2020م، مشيرة إلى الحذر بشأن وتيرة التعافي الاقتصادي من جائحة كوفيد 19. وقالت الوكالة إن تجدد ارتفاع حالات الإصابة بكوفيد 19 وتدابير العزل العام المرتبطة بذلك، واستمرار العمل عن بعد وضعف قطاع الطيران سوف يخفض الطلب بمقدار 200 ألف برميل يوميًا إلى 91.7 مليون برميل يوميًا، وهو ثاني خفض لتوقعاتها بشأن الطلب على النفط في عدة أشهر. وذكرت الوكالة أن زيادة إنتاج النفط وخفض توقعات الطلب يعنيان أيضًا سحباً أبطأ من مخزونات النفط الخام التي تراكمت في ذروة إجراءات العزل العام. وتوقعت الوكالة سحبًا ضمنيًا من المخزونات في النصف الثاني من عام 2020م، بنحو 3.4 مليون برميل يوميًا، بما يقل بنحو مليون برميل يوميًا عما توقعته في الشهر الماضي، مع بلوغ مستويات المخزون في يوليو بالدول المتقدمة مستويات قياسية مرتفعة مجددًا.

 

خسائر فادحة للشركات

نتيجة أزمة كوفيد 19، واجهت شركات الطاقة العملاقة تحديات كبيرة في عام 2020م. حيث أسفرت هذه الأزمة عن خسائر فادحة لهذه الشركات التي وجدت نفسها مرغمة على الحدّ من أنشطتها في الاكتشاف والتنقيب بشكل كبير. حيث خفضت شركة "إكسون موبيل" الأمريكية بنسبة 30 في المائة، أي ما يساوي 10 مليارات دولار على الأقل، استثماراتها، لا سيما في مجال استكشاف المواد النفطية والتنقيب عنها خلال عام 2020م، وما بعده. كما خفضت أيضًا الإيطالية "إيني" والبريطانية "بي بي" والنرويجية "إيكينور" والسعودية "أرامكو" من أنشطتها. وفي بحر الشمال، تراجعت أنشطة التنقيب 70 في المائة بالمملكة المتحدة، و30 في المائة بالنرويج، بالمقارنة مع الخطط التي كانت مقررة قبل الأزمة، وفق دراسة لمركز "وستوود" حول الطاقة نشرت أواخر سبتمبر 2020م. وفي نفس السياق، أشارت تقديرات شركة "ريستد انرجي" الاستشارية إلى أن إجمالي الاستثمارات التي سيتم تجميدها من جانب عمالقة إنتاج النفط عالميًا، بفعل جائحة كوفيد 19، ستصل إلى 30 مليار دولار بنهاية 2020م. وأشارت الشركة، التي تتخذ من العاصمة النرويجية أوسلو مقرًا لها، إلى أن انخفاض أسعار النفط سيؤدي بالضرورة إلى تقليص شركات النفط والغاز ميزانياتها الاستثمارية، خاصة مشغلي النفط الصخري في الولايات المتحدة وكذلك بعض شركات التنقيب والإنتاج البحرية. وفي أمثلة على ذلك، أعلنت شركة "بي بي" البريطانية في أغسطس 2020م، عن خطط تقليص إنتاجها من النفط والغاز بنسبة 40 في المائة خلال العقد المقبل. كما كشفت شركة "شل" في 30 سبتمبر 2020 م، عن خطط مفصلة لإلغاء ما يصل إلى 9000 وظيفة بحلول نهاية عام 2022م. هذا وأكدت شركة "إكسون موبيل" أنها سوف تخفض خطتها الاستثمارية لعام 2020م، والتي تقدر بحوالي 33 مليار دولار.

غاز المتوسط يتصدر الضحايا

وخلال عام 2020م، كانت مشروعات الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط من أكثر المشروعات التي عانت من تداعيات أزمة كوفيد 19 السلبية على صناعة الطاقة في العالم. ففي ضوء انهيار أسعار الغاز عالميًا وأوروبيًا، توقع كثير من الخبراء حدوث تأجيل كبير (حتى نهاية عام 2021 م، في بعض التقديرات) لمعظم المشروعات الراهنة لتطوير غاز شرق المتوسط، خاصة في قبرص ولبنان. وكانت بداية هذا التأجيل مع إعلان عملاق النفط والغاز الأمريكي، شركة "إكسون موبيل"، عن تعليق خططها للتنقيب في بلوك 10 من المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص حتى سبتمبر2021م، ثم أعلنت شركة "إيني" الإيطالية، وشركة "توتال الفرنسية"، نيتهما خفض أنشطتهما المخططة في عامي 2020 و2021م، وكذلك مشروعاتهم كافة في منطقة شرق المتوسط، نتيجة للصعوبات المالية والتشغيلية، وارتفاع تكاليف الاستكشاف والإنتاج وسط انهيار الطلب الذي بدأ في التراجع مع زيادة المعروض من الغاز الطبيعي المسال بالفعل قبل ظهور الجائحة. وفي نفس الوقت، أعلنت شركة "إيني" الإيطالية أيضًا خفض إنتاجها من الغاز في مصر، مشيرة إلى أن إنتاجها وصل إلى 1.217 مليار قدم مكعب يوميًا خلال الربع الأول من عام 2020م، بانخفاض عن 1.434 مليار قدم مكعب يوميًا في الربع الأول من عام 2019م، وأرجعت تراجع الإنتاج لانخفاض الطلب العالمي على الغاز بسبب جائحة كوفيد 19.

استشراف عام 2021

قد لا يمثل استمرار أزمة كوفيد 19 نوع المستقبل الذي يلهم دول العالم وشركات الطاقة الكبرى لإنفاق المليارات على الاستكشاف والإنتاج والتجارة خلال العام الجديد 2021م. وفي هذا السياق، قللت وكالة الطاقة الدولية من فرص انتعاش أسعار النفط في ظل الظروف الحالية رغم بدء توزيع لقاح مضاد لكورونا في عدد من الدول. وقالت الوكالة، في 12 نوفمبر 2020م، إن "من المستبعد أن يتلقى الطلب العالمي على النفط دفعة كبيرة من توزيع لقاحات للوقاية من مرض كوفيد – 19 قبل وقت متأخر من 2021م، وحذرت الوكالة من أن خطط منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها مثل روسيا لتعزيز الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميًا اعتبارًا من يناير تعني أن العرض سيفوق الطلب. وعدلت الوكالة توقعها لنمو الطلب في 2021م، لكنه سيظل يمثل انخفاضًا عن مستويات ما قبل الجائحة في عام 2019م، بواقع ثلاثة ملايين برميل يوميًا.

ومن ناحيتها، قالت أوبك، في 11 نوفمبر 2020م، إن تعافي الطلب على النفط سيكون أبطأ كثيرًا في 2021م، مما كان يُعتقد من قبل، بسبب تزايد الإصابات بفيروس كوفيد 19. وتوقعت «أوبك» في تقريرها الشهري نمو الطلب على النفط 6.25 مليون برميل يوميًا إلى 96.26 مليون برميل يوميًا. وذلك أقل 300 ألف برميل عما توقعته قبل شهر. وقال تقرير أوبك "إن التحركات الأخيرة لحكومات أوروبية لغلق المطاعم وتشجيع العمل من المنزل ستضرّ بالطلب في بقية 2020م، وإن تأثير الجائحة على السوق النفطية سيستمر حتى منتصف 2021م". وقال التقرير إن أوبك بلس قد تجري تخفيضات جديدة إذا اقتضت الضرورة.

وفي الواقع، سوف تتوقف دقة تقديرات كلا من وكالة الطاقة الدولية وأوبك بشأن مستقبل أسواق النفط العالمية عام 2021م، على عدة عوامل مهمة ذات علاقة بجانبي العرض والطلب. فعلى جانب العرض، ورغم أهمية اتفاق أوبك بلس في المساعدة على استمرار توازن السوق العالمية للنفط نسبيًا، إلا أن هذا الاتفاق لايزال يواجه تحديات جمة بسبب إمكانية نمو المعروض العالمي. فمن جهة، تترقب أسواق النفط العالمية تحركات إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بادين بشأن الملف النووي الإيراني. حيث يوجد احتمال لتوصل الإدارة الجديدة لاتفاق مع طهران حول برنامجها النووي، وهو ما من شأنه أن يخفف العقوبات على قطاع الطاقة الإيراني، وبالتالي السماح لضخ مليوني برميل جديدة للسوق، مما قد يتسبب في تخمة جديدة من الخام قبل نهاية عام 2021م. ومن جهة ثانية، توجد مخاطر نمو معروض النفط العالمي من خارج "أوبك"، لاسيما من قبل منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، الذين قد يتجهوا إلى ضخ المزيد من النفط الخام مع ارتفاع مستويات الأسعار في الفترة المقبلة. هذا في الوقت الذي ستنهي النرويج، وهd منتج من خارج "أوبك +"، تخفيضاتها الطوعية للإنتاج والبالغة نحو 300 ألف برميل يوميًا. وهناك أيضًا مسألة امتثال أعضاء أوبك بلس للاتفاق الجديد. فعلى الرغم من اقتراب أعضاء التحالف من الامتثال بنسبة 100 في المائة لتخفيضات الإنتاج في الأشهر الماضية، غير أن بعض الدول لازالت ترى أن تخفيضات الإنتاج قد تضر بحصتها السوقية، مما قد يدفعها إلى عدم الالتزام بسقف الإمدادات بشكل كامل بموجب الاتفاق، وعلى نحو أظهرته بيانات إنتاج العراق على سبيل المثال في الأشهر الفائتة. كذلك قد يعود النفط الليبي بشكل أسرع، وبكميات أكبر من التوقعات السائدة حاليًا. ويرافق ذلك زيادة في صادرات فنزويلا.

وعلى جانب الطلب، يعد التوصل إلى لقاح لاحتواء تفشي كوفيد 19 عاملاً مهما للغاية من أجل القضاء على القلق والغموض بشأن تراجع الطلب على الطاقة بسبب إجراءات جديدة للعزل، خلال عام 2021م، وكانت شركتا فايزر وبيونتك لصناعة الأدوية قد أعلنتا إن لقاحهما المشترك للوقاية من جائحة كوفيد 19 أظهر فعالية بنسبة تزيد على 90 في المائة. لكن مشاكل اللقاح متعددة، أهمها أنه إذا وجد، فإن الكميات ستكون قليلة في البداية وستسيطر عليها الحكومات بالكامل. ويبدو من تصريحات حكومية مختلفة أن الأولوية ستكون للفرق الطبية التي تتعامل مع مرضى كوفيد 19، وأن الناس العادية لن تحصل عليه إلا في نهاية عام 2021م، وفي 2022م، وذلك على افتراض توافره بسعر معقول. وبالإضافة إلى ذلك، توجد معارضة شعبية كبيرة حول العالم لأخذ اللقاح لأسباب مختلفة (منها، على سبيل المثال، الخوف من قلة فاعليته أو إمكانية وجود آثار جانبية ضارة في المدى البعيد أو الاعتقاد بأن اللقاح نفسه مبرمج بحيث يسيطر على العقل البشري، أو مبرمج بحيث يعطي معلومات كاملة عن حالة الشخص الصحية والعصبية والذهنية). وبناءً على ما سبق، فإن اللقاح لن ينقذ أسواق الطاقة العالمية في 2021م.

ثلاثة سيناريوهات محتملة

وفي هذا السياق، كشفت منظمة الأقطار العربية المصدرة للنفط "أوابك"، في تقريرها السنوي الذي أصدرته في 7 أكتوبر 2020م، عن وجود ثلاثة سيناريوهات محتملة لاستعادة عافية أسواق الطاقة العالمية في المستقبل القريب، ترتبط جميعها بتداخل قوى الطلب والعرض في الأسواق في زمن كوفيد 19. يعكس السيناريو الأول نجاح جهود العودة التدريجية للنشاط الاقتصادي العالمي، الذي يعني عودة التعافي التدريجي للطلب على النفط –وباقي مصادر الطاقة-ومع استمرار الحوار والتنسيق بين مجموعة "أوبك بلس" في مراقبة الأسواق والالتزام التام بحصص الإنتاج، سيؤدي ذلك إلى عودة التعافي التدريجي للأسعار في الأسواق العالمية، والذي يؤدي بدوره، في نهاية المطاف، إلى عودة انتعاش نشاط الاستثمار في الصناعة النفطية (وباقي صناعات الطاقة المختلفة من غاز طبيعي ورياح وطاقة شمسية وغيرها)، لضمان إمدادات آمنة ومستقرة للأسواق.

أما السيناريو الثاني، فيمثل تعرض جهود العودة التدريجية للنشاط الاقتصادي العالمي، إلى انتكاسة، بسبب توقع حدوث موجة ثانية من فيروس كوفيد 19، الأمر الذي يُتوقع أن يؤدي إلى عودة الإغلاقات في عدد من الدول، واضطراب جديد لحركة النقل والمواصلات والسياحة، بما ينعكس على انخفاض حاد آخر في الطلب على النفط (وباقي مصادر الطاقة)، فتأتي الاستجابة سريعة من جانب العرض، وتنجح مجموعة "أوبك بلس" في إعادة التوازن إلى الأسواق من خلال الاتفاق المبرم بشأن خفض الإنتاج، وتطبيقه والالتزام به لحين عودة التعافي مرة أخرى إلى الأسواق.

وينطلق السيناريو الثالث بالظروف نفسها التي هيّأت السيناريو الثاني، إلا أن المسار البديل الذي يمكن أن يحدث هو إخفاق جانب العرض، من خلال عدم تمكّن مجموعة "أوبك بلس"، وباقي المنتجين من إعادة التوازن إلى الأسواق، عبر الاتفاق على الخفض اللازم وتطبيقه والالتزام به، ما يؤدي إلى تكرار سيناريو أزمة الثمانينات عبر استمرار الأسعار المنخفضة، وركود نشاط الاستثمار.

توقعات سبع مؤسسات دولية لأسعار النفط (خام برنت) في عامي 2020-2021

مقالات لنفس الكاتب