array(1) { [0]=> object(stdClass)#13138 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 157

عشر تحولات كبرى في المنطقة العربية منذ صفعة بو عزيزي المزعومة

الثلاثاء، 29 كانون1/ديسمبر 2020

عبد المنعم مصطفى

نحن الآن على بعد عشر سنوات منذ اندلاع الشرارة الأولى لما أطلق عليه (أحداث الربيع العربي).. فهل مازال البعض منا يراه ربيعاً؟! وهل ما زلنا ونحن نعيش مآلاته راهناً، نظن أن خلفه إصلاحاً؟! وأنا بسببه يمكن أن نصبح أفضل؟!
لقد تبدلت أوضاع الإقليم على نحو لم يعرفه منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، تغيرت ملامحه، حتى بات عصياً  التعرف عليه  من قبل ممن عاد إليه من أبنائه ممن طال ابتعادهم عنه !! .. هذه ليست سوريا، ولا تلك ليبيا، ولا هذا اليمن، ولا ذاك العراق..
كل ما حمل بصمات سايكس-بيكو قبل مائة عام، يجري الآن تبديله عنوة، في عملية ظاهرها الثورة وباطنها عودة الاستعمار، عالم سايكس-بيكو الذي لقنونا في مدارسنا، إنه خرائط صاغها الاستعمار حتى يتمكن من تمزيقنا، باتت استعادته حلماً عصياً على التحقيق .
بعد عشر سنوات مرت على حكاية صفعة البوعزيزي في تونس، هذه الصفعة التي أشعلت الشرارة الأولى لما أطلق عليه ( أحداث الربيع العربي)، نستطيع الآن على الأقل أن نشك في هذه الرواية، التي حاول من روجوها إقناعنا بأن شرطية (امرأة) صفعت بائعاً متجولاً ( رجل) في بلدة سيدي بوزيد الفقيرة بتونس، وصادرت عربة للخضروات يعمل عليها، ما أدى به إلى الانتحار حرقاً أمام مبنى البلدية ( رمز السلطة المحلية). فالأمور لا تجري بهذه البساطة، حين ينتحر شاب بقرية جنوب تونس فتتمزق دول وتسقط حكومات
كانت عملية صناعة رموز قوية، لأحداث عاصفة، بإقليم أصيبت السياسة فيه بالتكلس عبر قرون، تقتضي استدعاء كل فنون إنتاج الذرائع، وتوظيف قدرات للتواصل عبر عالم افتراضي لم يعرفه الإنسان عبر تاريخه كله، وهو ما قد جرى تماماً، لولا مكر التاريخ، حين استطاعت بعض شعوب الحضارات القديمة، العتيقة، العريقة، إيقاف مد أسطورة البوعزيزي، ووقف التدهور في الإقليم، أو إبطاء إيقاعه كحد أدنى.
  حكاية البوعزيزي، دشنت عملية ممتدة للسيطرة على ليبيا وسوريا واليمن، ما كان لها أن تتعثر لولا تصدي كل من مصر والسعودية والإمارات العربية، لها في طور مبكّر ، بعزم قوي، وأدوات فاعلة، وأداء مثمر.
في الذكرى العاشرة لاندلاع (الحريق العربي الكبير) دعونا نرصد أبرز عشر تحولات في عشر سنوات منذ صفعة بو عزيزي المزعومة، ثم نحاول الإجابة عن السؤال:
ماذا ننتظر على مشارف عشرية ثانية منذ اندلاع ( الحريق العربي)؟

ما هي أبرز عشر تحولات منذ اندلاع الحريق العربي؟:
١- اكتشف الشارع أن التغيير ممكن، لكن التحكم في نتائجه وتحديد وجهته غير ممكن. فالذين خرجوا في تونس للإطاحة بحكم بن علي، لم يكونوا راغبين في استدعاء الغنوشي
٢ـ أكتشف المصريون الذين خرجوا في مليونيات تطالب برحيل مبارك، أنهم يمكنهم إزاحة الرئيس لكنهم لا يستطيعون وحدهم تنصيب خليفته
٣ ــ ركبت جماعة الإخوان المسلمين المشهد (الثوري) في كافة الميادين العربية من مصر إلى ليبيا إلى تونس إلى اليمن إلى سوريا إلى البحرين، مع سعي نهم للسلطة ما عادت الجماعة معه راغبة ولا قادرة في التخفي والتظاهر بالزهد.
٤-تخلت جماعة الإخوان عن شعارات تبنتها على مدى عقود مثل شعارها الشهير    ( هي لله.. هي لله .. موش للسلطة ولا للجاه) إذ سارعت الجماعة إلى التنافس على الفوز بالمنصب الرئاسي في مصر عبر أطياف من المرشحين كان أبرزهم خيرت الشاطر نائب المرشد العام للجماعة، ومحمد مرسي، وعبد المنعم أبو الفتوح، ومحمد سليم العوا. ومثل شعار مشاركة لا مغالبة، الذي تخلت عنه الجماعة في اندفاعتها للسيطرة على البرلمان بمجلسيه (الشورى والنواب). ما عجل بفضح حقيقة الجماعة التي انخدع فيها كثير من المصريين والعرب والمسلمين.
٥- افتضاح مخططات دولية وإقليمية استهدفت إعادة هيكلة النظام الإقليمي في الشرق الأوسط، لصالح قوى شرق أوسطية غير عربية ( إسرائيل، تركيا، وإيران).
٦- السعي لإعادة رسم خرائط انتجتها اتفاقات سايكس بيكو قبل مائة عام، وهو ما جرى ويجري في سوريا والعراق ولبنان وليبيا من خلال استهداف الهوية القومية للعديد من الدول العربية،( لاحظ مثلاً إعداد وطبيعة القنوات الفضائية السورية التي أفرزتها سنوات الحرب الأهلية، وكذلك الفضائيات الليبية التي تعددت بتعدد القبائل والمناطق والمدن في ليبيا، ومن قبلهما لاحظ عدد وطبيعة الفضائيات العراقية التي ظهرت في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق في ٢٠٠٣م، مستبقة المشهد الفضائي العربي بعد أحداث ما يسمى بثورات الربيع العربي)
٧- التشظي العربي، بفعل تداعيات الاضطرابات والانقسامات والحروب الأهلية في سوريا وليبيا واليمن بصفة خاصة. حيث تتراجع فرص الاحتفاظ بوحدة التراب الوطني في الدول الثلاث في ظل تداعيات الحروب الأهلية التي لم تضع أوزارها بعد.
٨- انفراد القوى الدولية والإقليمية غير العربية، بالقول الفصل في تقرير مصير شعوب عربية جرى استدراجها إلى مصيدة الحروب الأهلية بتخطيط وتمويل وتسليح خارجي.
٩- سيطرة جيوش أجنبية على مناطق بدول عربية كانت بمنأى عن الاحتلال، مثل القوات التركية في ليبيا والعراق وسوريا وقطر، ومثل القوات الإيرانية في سوريا واليمن ولبنان، ومثل قوات روسية في سوريا  وليبيا، ومثل قوات أمريكية (بحضور رمزي) في سوريا والعراق وليبيا
١٠- اكتشفت شعوب الشرق الأوسط، قوة الانترنت، وقدرتها غير المسبوقة على صناعة الحشود، وتشكيل الرأي العام. وتراجع تبعاً لذلك تأثير الصحافة الورقية والإعلام التقليدي بصيغه المعلبة، مفسحًا الطريق للصحافة التليفزيونية في السنوات الأولى بعد انفجارات الربيع، والتي أفسحت المجال بدورها في السنوات التالية أمام السوشيال ميديا واليوتيوب. وعرفت صناعة الرأي بروز وظيفة جديدة يحمل شاغلها لقب يوتيوبر. أو انفلونسر. وهي وظائف بات من يشغلونها من بين الأعلى دخلاً في العاملين بمجال الإعلام.


ماذا ننتظر من العشرية الثانية على الانفجار العربي؟


ماذا ننتظر على مشارف عشرية ثانية منذ اندلاع ( الحريق العربي)؟.
ما جرى للمنطقة دولاً وشعوباً طوال السنوات العشر  الماضية منذ اندلاع الحريق العربي بشرارة تونسية أطلقتها صفعة شرطية لبائع متجول، ربما يكون الأكثر عنفاً والأعمق تأثيراً منذ سايكس بيكو قبل مائة عام، لدينا الآن جيل يشمل من ولدوا إبان الغزو العراقي للكويت في أغسطس ١٩٩٠م، ويستمر حتى مواليد ما بعد مطلع الألفية الثالثة، هذا الجيل لا يؤمن بفكرة العروبة، ولا يتكئ على أوهام المجد العربي الغابر، ولا يعترف بأي تأثير لوسائل الإعلام التقليدية، ولا يدين بالطاعة والولاء لصناع سياسات تقليديين.
تميل أغلب الأجيال العربية الشابة، إلى المشاركة السياسية عبر وسيط افتراضي في عالم سيبراني، لكن استطلاعات الرأي مثلاً كوسيلة لقياس اتجاهات الرأي العام بين هذه الأجيال، ما تزال تعكس تأثيراً عاطفياً أو دينياً على رؤية الأجيال العربية الصاعدة لحاضرهم أو لمستقبلهم 
وبرغم تراجع دور الدولة إبان طوفان العولمة بفعل ضغوط التيار الليبرالي في الولايات المتحدة ودوّل الغرب التقليدية بصورة عامة، إلا أن موجة سياسات شعبوية جامحة قد اجتاحت المسرح الدولي مع صعود دونالد ترامب قبل أربع سنوات، وحرفت معها أفكاراً عن العولمة وعن سياقاتها التي جرى عبرها معالجة قضايا مثل البيئة والمناخ وملفات حقوق الإنسان البالغة التعقيد.
تيار الشعبوية الذي غذته سياسات ترامب، ساهم في تعزيز السياسات الوطنية، وفي تقليص قدرة المجتمعات في الغرب على استقبال مهاجرين جدد، كانت دراسات غربية سابقة تعتبرهم حلاً لا غنى عنه لتراجع معدلات المواليد في الغرب وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد.
استعادة زخم الروح الوطنية، جاء مصاحباً لموجة تضييق أو تصغير  للهويات، حيث جرى عبر الانترنت تعزيز الهويات المحلية الضيقة وتعميقها، لغوياً، وفنياً، وفكرياً، ومذهبياً، ودينياً، وجغرافياً. مع هذه الهويات الضيقة بات الشباب أكثر انحيازاً لبيئته الضيقة ولفنونها وثقافتها، وأقل ميلاً للاندماج في هويات أوسع، وأكثر انعزالاً عن عالمه الكبير.
هذا الجيل الذي أنتجته سنوات مهدت للحريق العربي واُخرى أعقبته، بات منوط به أن يحمل أعباء أوطان ترددت كثيراً في الاضطلاع بدور لائق في بناء الحضارة الإنسانية في الألفية الثالثة، وهو لن يستطيع تحقيق آمال أمته، دون تأهيل للبيئة الحاضنة ودون تمهيد صحيح للطريق، الذي يبدأ بتوسيع وتعميق مشاركة الأجيال الصاعدة في تحمل مسؤولية دمج أوطاننا في نظام دولي جديد مازال قيد التشكل، بتبني رؤية تؤمن بالعلم وتعرف أن الإنجاز مرهون بتحرير العقل، وبإطلاق طاقات الإبداع دون قيود.

مجلة آراء حول الخليج