; logged out
الرئيسية / الصناعات العسكرية الخليجية تحتاج استثمارات وكوادر وتوزيع المشروعات يحقق التكامل

العدد 158

الصناعات العسكرية الخليجية تحتاج استثمارات وكوادر وتوزيع المشروعات يحقق التكامل

الأربعاء، 27 كانون2/يناير 2021

تتطلع دول الخليج العربي منذ سنوات، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات إلى تحقيق مستوى طموح من التصنيع العسكري، وتتبنى برنامجًا صارمًا لتوطين التكنولوجيا العسكرية، يتناسب مع قدراتها المادية، ويُسهم في تنمية وتطوير اقتصادها، ويحقق تفوقًا في التوازن العسكري يضمن أمن المنطقة وسلامتها، ويحمي حدودها ومقدساتها، ويمثل رادعًا قويًا لأي مُعتدٍ يفكر في النَّيل من أصولها أو تهديد مواطنيها. ولا شك أن المصالحة الخليجية التي شهدتها قمة دول مجلس التعاون الخليجي في الخامس من يناير 2021م، هي بمثابة قبس من نور لبناء القدرات العسكرية الجماعية على هداها، وتُعبِّرُ عن روحٍ جديدةٍ لبعث الطاقات الكامنة للخليج العربي المُوَحَّد.

المصالحة الخليجية

تَرَأَّسَ القمة الـ 41 لمجلس التعاون الخليجي الملك سلمان بن عبد العزيز (حفظه الله) في مدينة ”العُلا“ السعودية، ووصف أمير قطر أجواء القمة بـ”الأخوية“ ونتائجها بـ”الإيجابية“، وكان ذلك تتويجًا لنجاح مساعيَ ومشاوراتٍ خليجية بقيادةٍ كويتية، وأخرى دولية بقيادةٍ أمريكية. إذ سبقتها نقاشات كويتية مستمرة مع الأطراف المعنيَّة، ومهَّدت لها رحلات مكوكية لوزير الخارجية الأمريكي وكبير مستشاري الرئيس الأمريكي إلى المنطقة. وأعلنت مصر أنها منفتحة على الجهود الكويتية لحل الأزمة ورأب الصَّدع العربي، وأنها تسعى دائمًا لدعم الجهود الصادقة للحفاظ على وحدة الصف العربي.

في مساء اليوم السابق لاجتماع القمة الخليجية تم فتح الأجواء والحدود بين قطر والمملكة العربية السعودية، ورحَّبت سلطنة عمان بأي جهود تقود في اتجاه إنجاز مصالحة خليجية، وأبدت دولة الإمارات أننا أمام قمة تاريخية بامتياز في ”العُلا“ لإعادة اللُّحمة الخليجية. ووصف بيان المملكة العربية السعودية القمة الخليجية بأنها قمة جامعة للكلمة موحِّدة للصف، وأعلنت قطر ترحيبها بالجهود الكويتية والأمريكية، ورحَّب أمين عام مجلس التعاون بقرار فتح الأجواء القطرية السعودية. وبعد أيام قليلة من إعلان السعودية والإمارات والبحرين فتح كل الحدود البحرية والجوية والبرية مع قطر أعلنت مصر رفع الحظر المفروض منذ أكثر من 3 سنوات عن رحلات شركات الطيران القطرية، كما سيعود تفعيل اتفاقيات النقل الجوي بين مصر وقطر. ولا شك أن هذه المصالحة كفيلة بإعطاء دفعة قوية لمسيرة توطين الصناعات العسكرية، والاستخدام الأمثل لقدرات الشعوب على امتداد الخليج العربي بل والوطن العربي.

بناء قدرات عسكرية جماعية

تُعتبر السعودية قاطرة لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، تحرص على نجاحه في صَون واستقرار الأمن الإقليمي الذي يستلزم بالضرورة وجود توازن بين القوى في الإقليم. ومن هنا تبرز أهمية الاستمرار في تعزيز القدرات الدفاعية الذاتية وبناء تفوق نوعي للخليج. وفي إطار رؤية المملكة العربية السعودية2030   يجري توطين الصناعات العسكرية، ضمن هدف استراتيجي للوصول إلى تصنيع نسبة 50% من المعدات العسكرية بحلول عام 2030م، بما ينبئ بتحقيق طفرة هائلة في اقتصاد المملكة على مختلف الأصعدة. وتتيح الرؤية الانفتاح على العالم الخارجي بالدخول في شراكات مع مؤسسات عالمية لتنفيذ الصناعات العسكرية محليًا واستغلال المواد الخام المتوفرة، وإتاحة الآلاف من فرص العمل، وإعداد كوادر بشرية ذات خبرة تقود مسيرة البحث والتطوير. ويهدف الاكتفاء الذاتي إلى ضمان توفر بدائل محلية لعتاد قد يتعذَّر جَلبُهُ من الخارج لظروف دولية طارئة، كما يمكن في مراحل متقدمة تصدير فائض السلاح، ودعم الناتج المحلي الإجمالي.

وتتبع دولة الإمارات العربية المتحدة برنامجًا يهدف إلى تنمية الصناعات الدفاعية المحلية من 10% إلى 30% بين عامي 2015 و 2030م. وهي تمتلك بالفعل صناعة دفاعية متطورة واقتصادًا متنوعًا. وترتكز تلك الصناعة على تطوير حلول جيدة يمكن أن تتقنها القوات المسلحة الإماراتية وتجتذب الأسواق الخارجية التي تُعنَى بالسلع المتخصصة مثل السفن البحرية والطيارات المسيَّرة المتقدمة.

يحتاج تمويل توطين الصناعات العسكرية الخليجية إلى استثمارات ضخمة وإلى توافر الكوادر البشرية التي لديها القدرة على تصنيع وصيانة الأسلحة وما يتطلبه ذلك من مهارات تعليمية وتدريبية نوعية. ومن المفيد هنا تقسيم مشروعات التسليح على دول الخليج بما يتناسب مع قدرات كل دولة ويحقق التكامل بين الأنظمة. وهو نهج تتبعه دول الاتحاد الأوروبي واتَّبعه الاتحاد السوفييتي سابقًا، وهنا يبرز دور القطاع الخاص بمساهماته الفعالة، في ضوء تشريع قوانين استثمار لدعمه وحمايته. لابد من النظر إلى عملية توطين الصناعات العسكرية في دول الخليج العربي على أنها مطلب استراتيجي مصيري يُسهِم فيه الجميع ويتأسس على الركائز التالية: (1) تنسيق جهود الدول الخليجية لتحقيق التنوع في الصناعات العسكرية المُزمَع توطينها، (2) تحقيق التكامل في الأنظمة العسكرية المستهدفة، (3) تعريف الأهداف والموارد والتخطيط الجيد للمراحل الزمنية للمشروعات واختيار آليات التنفيذ بما يتناسب والمتطلبات الاقتصادية والبشرية، (4) تدريب العناصر البشرية لاستيعاب التقنيات الحديثة وربطها بتوطين التكنولوجيا العسكرية، (5) حشد كل القدرات لدى المؤسسات البحثية والشركات المتخصصة للإسهام في المشروعات.

توطين التكنولوجيا الحديثة في الخليج وتنويع مصادرها

أعلنت الهيئة العامة للصناعات العسكرية في الرياض عن إطلاق معرض الدفاع العالمي الأول في مارس (آذار) 2022م، والذي سيركز على التكامل المشترك بين أنظمة الدفاع الجوي والبري والبحري والأقمار الاصطناعية وأمن المعلومات. وسيلعب المعرض دورًا حيويًا في تحقيق هدف توطين الصناعات العسكرية، عندما يتلاقى أهم ممثلي شركات الدفاع العالمية مع المستثمرين المحليين، وتُعقَد شراكات في التقنية العسكرية، من شأنها خلق فرص هائلة في الداخل. وكان عام 2019م قد شهد وضع خطط لبناء شراكات بين المُصَنِّعين المحليين والعالميِّين، ستظهر نتائجها في نهاية 2021م، وكانت نسبة التوطين حين وَضْع الخطة 4% وبلغت 8% خلال سنة ونصف، والهدف هو الوصول إلى 50% خلال 10 سنوات. ومع تشجيع المؤسسة العسكرية السعودية للمصانع المحلية لتوريد السلاح تحتل السعودية المركز الثالث عالميًا في الإنفاق على التسليح حسب تقييم ”جلوبال فَيَرْ بَوَرْ Global Firepower“[1].

ويشترِط مفهوم ”الأوفستOffset “ السعودي في أي صفقة عسكرية مع شركات السلاح الأجنبية أن تستثمر داخل السعودية لخدمة القطاع ما قيمته 10% مما تدفعه الرياض. بدأت تجربة الأوفست في الثمانينيات، وأسهم ذلك في تأسيس شركات محلية مهمة في أجزاء وقطع الأسلحة المستخدمة من قِبَل القوات السعودية، مثل شركة الإلكترونيات المتقدمة المتخصصة في إنتاج الأجزاء التكنولوجية العسكرية كأنظمة المراقبة والتحكم عن بعد، وبعض القطاعات المدنية كالمطارات والشبكات. ومن أبرز نتائج الأوفست شركة السلام لصيانة الطائرات من تأسيس بوينج، وإضافة إلى صيانتها للمقاتلات والطائرات العسكرية السعودية، صَنَّعت أجزاء للمقاتلة ”إف-15“ من بينها المُقدمة والأجنحة وحاملة الصواريخ والقنابل.

هناك 38 شركة سعودية تم الترخيص لها لمزاولة أنشطة في قطاع الصناعات العسكرية داخل البلاد، باستثمارات بلغت نحو 2.5 مليار دولار. وتعمل في مجالات تصفيح المعدات العسكرية المختلفة والملاجئ، والمُحاكِيات والمناظير العسكرية، وقطع غيار المعدات العسكرية، وإصلاح وصيانة وعَمرة المركبات والملاجئ العسكرية، وبرمجة مستشعرات الطائرات المسيَّرة. وتقوم شركة إنترا للتقنيات الدفاعية، وهي شركة سعودية مرخصة من الهيئة، بتطوير وتصنيع وصيانة فئات من منظومات الطائرات المسيَّرة المتطورة والمختلفة في المهام والأداء، وبتنافسية عالية على صعيد التقنية والتكلفة، ومن المقرر البدء في تشغيل المشروع خلال الربع الأول من عام 2021م، باستثمارات تبلغ نحو 199 مليون دولار. وتقوم مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية من خلال تحالف مع شركة أنتونوف الأوكرانية بتطوير وتحسين أداء الطراز الحالي لطائرة أنتونوف (AN-32) وتزويدها بأحدث المحركات والإلكترونيات لتقوم بالمهام العسكرية والمدنية كنقل المواد والعتاد والجنود والإخلاء والاستطلاع. حصلت الشركة السعودية للتقنيات المتقدمة ”وهج“ على رخصة الجودة من شركة بي إيه إي سيستمز BAE Systems التي تتخذ من العاصمة البريطانية لندن مقرًا لها، لتكون بذلك أول شركة سعودية تقوم بتصنيع مكونات طائرات التايفون الميكانيكية في المملكة.

وفي الوقت الذي تتراجع احتمالات الحروب البرية يُلاحَظ تصاعد التهديدات البحرية. لقد أصبحت ناقلات النفط معرَّضة لهجمات غادرة مما يقتضي الاهتمام بتوطين صناعات التسليح البحري الخليجية. ومن هنا كان تطوير صناعات عسكرية محلية بالتوازي مع مشتريات الأسلحة وعقد تحالفات وشراكات مع القوى الكبرى ضرورة استراتيجية للردع. نجحت شركة الزامل لبناء وصيانة السفن في توقيع اتفاقية مع شركة ”سي إم إن“ الفرنسية لصناعة السفن، من أجل تطوير قدرات الشركة السعودية في مجال تصنيع السفن والزوارق السريعة. وتضمنت الصفقة شراء البحرية السعودية 39 سفينة حربية بشرط أن تتعاون الشركة الفرنسية مع الزامل، لصناعة 19 قطعة منها في أحواض الشركة السعودية في الدمام، وأن تتولى خدمات الصيانة. كما وقعت الشركة السعودية للصناعات العسكرية عقدًا مشابهًا مع شركة نافانتيا للصناعات البحرية، لتوطين صناعة أنظمة القتال وتركيب وربط الأنظمة وهندستها، وتطوير العتاد والبرمجيات الخاصة، إضافة إلى نظام المحاكاة لخمس فرقاطات ابتاعتها القوات المسلحة من الشركة الإسبانية. وفي أكتوبر 2020م، أُعلِن في السعودية عن تدشين وتوطين أول زورق اعتراض سريع تم تصنيعه محليًّا، فضلاً عن تدشين أول حوض عائم ضمن خطة توطين الصناعات العسكرية في المملكة. ومع تأسيس آلية لعملية التوطين وهي الشركة السعودية للصناعات العسكرية، تشير العديد من التوقعات إلى أنها سوف تكون إحدى أكبر 25 شركة دفاعية في العالم بحلول عام 2030م.

باشرت الإمارات العربية المتحدة عملية التمويل لتطوير أسلحة جديدة مع شركاء أجانب. على سبيل المثال، تعهدت جزئيًّا بالبحث والتطوير لنظام روسيا المضاد للطائرات الأكثر تقدمًا وصواريخ الحكيم GEC-Marconi. حيث أنتجت هذه الاستثمارات وغيرها عوائد ليس فقط في شكل تعزيز صناعة الإلكترونيات الدفاعية للبلاد ولكن أيضًا في الأرباح الفعلية. كما أنشأت في نهاية 2014م، شركة الإمارات للصناعات الدفاعية (EDIC) مع إحدى عشرة شركة فرعية ازدادت لاحقًا إلى ست عشرة شركة لتشمل الخدمات الدفاعية والتصنيع (الأسلحة النارية والذخائر ومكونات الطيران) وفي أواخر 2019م أُعلِن عن تشكيل تكتل أكثر شمولاً للدفاع والتكنولوجيا مملوك للحكومة EDGE عبر دمج 25 شركة تابعة.

التحديات التي تعترض توطين التكنولوجيا

تواجه الخطط السعودية لتوطين صناعة السلاح الأمريكي في المملكة ضمن سياق رؤية المملكة 2030م وبرنامج التحول الوطني 2020م العديد من المصاعب، ومن ذلك امتناع الرئيس الأمريكي ترامب عن منح شركات صناعة السلاح الأمريكية الموافقة على تقديم تقنيات صناعة السلاح المتطورة للسعودية، وعلى الخصوص التقنيات التي تخص أمن الشبكات والحرب الإلكترونية.

وجدير بالذكر أن هناك تكنولوجيات حرجة تحظر الدول المنتجة انتقالها، ومنها ما تحتكرها شركتان أو أكثر على مستوى العالم وتصدرها للقوى الكبرى، وبلا مبالغة فإن مكون يستحيل تفكيكه وربما صُمِّم لينفجر عند محاولة التفكيك للتعرف على محتوياته، ويجرى التحايل بأساليب مختلفة على المستويات العليا للدول للحصول على هذه المحظورات. ويمثل ذلك عقبات حقيقية لنقل التكنولوجيات الحرجة، ومنها أنظمة الطيران، والأنظمة الأرضية، وأنظمة التوجيه والملاحة والتحكم، وأجهزة الاستشعار والليزر، والأنظمة البحرية، وأنظمة الفضاء، والمواد الخاصة والنشطة، والأنظمة الكيميائية والبيولوجية، والطاقة الموجهة، والأنظمة النووية، وأنظمة الطاقة، والإلكترونيات، ونظم المعلومات، وحروب المعلومات.

وتشترط السعودية على أي بلد يحصل على أي صفقة سلاح استراتيجية أن يُوَطِّن تقنياته العسكرية الحديثة في المملكة، ولا يتم التوقيع على أي صفقة سلاح استراتيجي مع أي بلد إذا لم يوافق هذا البلد على منح السعودية الحق أن تطلب لاحقًا توطين تكنولوجيا السلاح المُشترَى. ولابد أن يُذكَر بند توطين 50% من معدات كل صفقة تتجاوز قيمتها نصف مليار دولار، وكل ذلك يندرج تحت رؤية 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020م. وتبتغي السعودية توطين صناعات بعض الأنظمة البحرية من قِبَل الشركات السعودية خاصة وأن دولاً مثل كوريا الجنوبية وتركيا وإسبانيا عبرت عن جاهزيتها للتعاون في هذا الشأن.

ويشمل توطين صناعات الأسلحة البحرية: أنظمة الاتصالات والتنصت والتعقب، أنظمة اكتشاف الألغام فوق وتحت الماء، صناعة أبراج المدافع الرشاشة، صناعة قطع غيار المحركات وأنظمة إطفاء الحرائق وأنظمة الرؤية وأنظمة القيادة والسيطرة، واستخدام طائرات غير مأهولة ذات إقلاع وهبوط عمودي سعودية الصنع على متن السفن الحربية السعودية. وهناك ثقة بأن تتمكن الصناعات البحرية السعودية من تصنيع صاروخ أرض-أرض وصواريخ مضادة للسفن متوسطة المدى في غضون عامين.

سبل تجاوز التحديات

لقد رسمت الرياض وأبو ظبي طريقًا للتغلب على بعض تعقيدات وتحديات التصنيع العسكري حددت فيه أهدافها بعناية. وبفضل الاستراتيجيات الذكية، والإدارة المالية الفعالة، والتعاون مع المؤسسات العالمية يمكن استيعاب التقنيات الجديدة مثل أنظمة الاتصالات والطائرات المُسيَّرة وغيرها. سينجح الخليجيون في تحقيق أهدافهم الدفاعية والأمنية إذا تعاملوا بقدر من العقلانية والدقة ويمكن أن يساهم التصنيع العسكري في تنويع اقتصاداتهم وتعزيز نموها. بل قد يُحَسِّن من قدراتهم الدفاعية والأمنية الذاتية ليعتمدوا على أنفسهم في توفير الأمن في الخليج. وتستطيع دول الخليج بمواردها المالية الضخمة، وعلاقاتها الوثيقة مع الدول الكبرى، أن تتواصل مع أبرز شركات الدفاع عبر الأطلسي، لاستكشاف الفرص واتخاذ خطوات مهمة في المجال العسكري الصناعي، خاصة وأن ثورة العولمة وتكنولوجيا المعلومات فتحت سوق الدفاع الدولي مما سمح بالتغلب على بعض التحديات العلمية والتكنولوجية الحرجة التي تصاحب بناء ودعم الصناعات الدفاعية المحلية.

إن إنشاء صناعات عسكرية حديثة منافسة في سوق الدفاع الدولي يعكس تنويع اقتصادات الخليج وتأكيد وضعه الإقليمي وتعزيز مصداقيته العسكرية ونفوذه الدبلوماسي واستعداده للتصدي لأية تهديدات أمنية. ويتولى أبناء الخليج الآن تصميم وتصنيع وتحديث المركبات العسكرية وأنظمة الاتصالات والأنظمة الإلكترونية والأنظمة غير المأهولة بما في ذلك الطائرات المسيَّرة. لقد حدَّثوا قدراتهم في الصيانة والإصلاح، وعززوا تدريبهم العسكري وكفاءتهم في تشغيل أنظمة الأسلحة الأكثر تطوُّرًا واستوعبوا بنجاح بعض عمليات نقل التكنولوجيا. لقد أتاح تطوير شراكات استراتيجية مع واشنطن ولندن وباريس وبعض شركات الدفاع العالمية الرائدة على مر السنين الفرصة لدول الخليج لمواصلة التصنيع الدفاعي بقوة وثبات. وكان من آثار البرامج الضخمة والمدروسة التي اشترطتها الاتفاقيات لنقل التكنولوجيا Offset programs أن ساهمت بأكبر قدر ممكن في تطوير القدرات الدفاعية المحلية وربطها بمنتجي الدفاع العالميين واكتساب المعرفة الصناعية الأساسية والدراية الفنية. وقد تم إنشاء عدد من الصناعات المحلية في الرياض وأبو ظبي ومواقع أخرى في مشاريع مشتركة مع عمالقة صناعة الدفاع في العالم.

ومع ذلك وبالرغم من هذه الإنجازات، فإن الشروع في مسار ناجح للتصنيع العسكري المحلي لا بد أن يصاحبه جهد حكومي كامل وتحول مجتمعي. يُمثِّل الاستقرار السياسي والقيادة الوطنية والوفرة النسبية للتمويل في دول الخليج مجتمعة عوامل حاسمة في تمكين وإنجاح التصنيع العسكري، ولكن الرُّؤى التالية تُعَدُّ ضرورية لتطوير العملية وترشيدها واستدامتها على المدى الطويل:

  • يجب أن يكون للتصنيع العسكري هدف استراتيجي وتكتيكي أكثر وضوحًا ودقة. فالعالم الآن يتجه للتكنولوجيا الفائقة High-tech والتكنولوجيا النانوية Nonotechnology، ويجب التفكير بجدية أكبر في طرق دمج عملية إنتاج الأسلحة المحلية بشكل فعال في السياق الأوسع لسياسة الدفاع الوطني وحيازة الأسلحة.
  • ينبغي صياغة سياسات إنتاج دفاعي واضحة وإنشاء هيآت شاملة للتخطيط الدفاعي طويل المدى. وذلك لتوافق القرارات قصيرة الأجل والخطط طويلة الأجل.
  • يجب تنظيم مؤسسات الدفاع الوطني من خلال إنشاء مؤسسات تتمتع بالثقة وتمتلك السلطة وتخضع لأطر قانونية وإدارية متينة. من الأفضل أن تتولى وزارات الدفاع سلطات رئيسية ذات صلة بالدفاع لفائدة التصنيع العسكري.
  • إن اتباع نهج متنوع لنقل التكنولوجيا يتعامل مع الاحتياجات الواقعية والحقيقية سيكون أكثر فائدة. ولابد من الاستمرار في تَبَنِّي سياسة مدروسة لتدريب المواطنين وتشجيعهم على تعلم المهارات أثناء العمل.
  • يجب تطوير قدرات البحث والتطوير المحلية في مجالات العلوم والتكنولوجيا ليكون لها تفاعل مباشر مع المستخدمين من القوات المسلحة والعملاء الأجانب. كما يجب أن تتوافق أنشطة البحث والتطوير مع مستويات العلوم والتكنولوجيا في مؤسسات المستخدمين بإنشاء روابط أكثر ديناميكية بين صناعات الدفاع والمؤسسات العلمية مثل الجامعات والمعاهد والمُجَمَّعات العلمية ومراكز البحوث.
  • يجب دمج برامج الأوفست في الاستراتيجيات الوطنية لتطوير الصناعة من أجل تقليل الاعتماد على المُوَرِّدين الأجانب للتكنولوجيا وتعظيم الآثار المترتبة على إيجاد فرص العمل.
  • من المهم دعم أنشطة الصيانة والإصلاح والعَمرات إذ لا يزال الفنيون والمهندسون المحليون قليلي العدد، ويعتمدون على الخبراء الأجانب في صيانة أنظمة الأسلحة الأمريكية والغربية الحديثة، وهناك حاجة إلى مزيد من التركيز والاستثمار في القدرات المحلية للصيانة والإصلاح والعَمرات.
  • تحفيز التعاون الصناعي العسكري بين دول مجلس التعاون الخليجي بتطوير قاعدة مشتركة للصيانة والإصلاح والعَمرات والخدمات المتكٍاملة أو التكميلية والبنية التحتية للإنتاج. وسيكون ذلك مُربِحًا بدرجة كبيرة من الناحية الاقتصادية، إذ سيسمح بتبادل أقصى قدر من الخبرات والمهارات، إضافة إلى توظيفٍ أكثر كفاءة للإمكانيات والقوى العاملة المؤهلة.
  • يتطلب توطين الصناعات العسكرية: (1) توفير بنية تحتية قادرة على استيعاب تكنولوجيا التسليح من خلال تطوير قطاعات النقل والاتصالات وكافة المرافق ذات الصلة، (2) اعتبار التوطين مشروعًا قوميًا يستوجب تمويله شراكة الحكومة والقطاع الخاص، وبعضها له طبيعة سريَّة ربما تُقيِّد شركات التصنيع العالمي فلا تُسنِدُها للقطاع الخاص، ولا غنى عن التواصل مع الشركات المُصَنِّعة للإمداد بمكوِّنات حرجة، وتعظيم القدرة التنافسية للقطاع الخاص في الأسواق العالمية، (3) إعداد تشريعات لضبط إجراءات الحيازة والتداول بما يحمي الأمن القومي، ومن شأن ذلك خلق بيئة جاذبة وآمنة للاستثمار من قِبَل الشركات الكبرى، (4) مراعاة المعايير العسكرية للجودة Military Standards، لتنافس بالمنتجات الوطنية في الأسواق العالمية، (5) تأهيل العناصر البشرية تأهيلاً راقيًا يتناسب والتكنولوجيات الفائقة، برعاية كل دولة للبحوث والبعثات العلمية المرتبطة بالتكنولوجيا العسكرية.

ملاحظات ختامية

  • يُعتبر تنويع مصادر السلاح هو الضمانة الأهم ليبقى التوازن العسكري في صالح دول الخليج، وعليها التنسيق الكامل بينها في تكامل أنواع السلاح، وأن تتضمن التعاقدات تغطية التدريب والإمداد والصيانة لفترات معقولة.

  • مع تعاظم مخاطر أمن الشبكات والإرهاب الإلكتروني، والمُراجعات التي تجريها دول العالم على هياكل قواتها العسكرية للتأقلم مع التهديدات الأمنية الراهنة، يجب مراعاة ديناميكية عملية التوطين لتواكب التغيرات الأمنية المتسارعة. وهنا تبرز أهمية دراسة تجارب الدول الأخرى وكذلك إتاحة الفرصة للتصنيع المشترك مع عدد من دول المنطقة والتركيز على التقنيات العسكرية المتميزة.

إن الحروب الحديثة”اللا متماثلة“ غير النمطية منخفضة التكاليف وفادحة الخسائر واعتمادها على التكنولوجيا - كما تمثلها الطائرات المُسيَّرة والإرهاب السيبراني وتهديدات الأمن البحري - قد جعلت من توطين صناعات السلاح أمرًا أكثر إلحاحًا وأعظم جدوى وخاصة في تلك المجالات.

 

 

مقالات لنفس الكاتب