array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 158

تبني تحالف للجامعات والمؤسسات البحثية الخليجية وصندوق لدعم الأبحاث وتشجيع للباحثين

الأربعاء، 27 كانون2/يناير 2021

  يواجه العالم تحديات جسيمة تعيق تحقيق التنمية المستدامة مثل الكوارث الطبيعية المتتالية، والركود الاقتصادي الكبير، والاستهلاك غير المتوازن للموارد الطبيعية، والصراعات المسلحة، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط –وفى القلب منها الخليج العربي-حيث عرقلت تلك الأحداث المسار التنموي، وأضعفت الأنظمة والنماذج الاقتصادية على نحو غير مسبوق، خاصة في ظل ما خلّفته أزمة "كورونا" من عواقب سياسية واجتماعية واقتصادية جمّة. ولعل الحاجة إلى تسريع وتيرة النمو الاقتصادي، وتوفير فرص العمل اللائق للجميع، وحماية القوى العاملة، وقضايا المياه والطاقة والغذاء، والحاجة إلى إيجاد حلول للتحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في منطقة الخليج تتطلب مزيدًا من الاهتمام بالبحث العلمي في مختلف العلوم التطبيقية والإنسانية.

   ويعكس البحث العلمي طبيعة النهضة والتقدم في الدول، خاصة وأنه يرتبط بشكل كامل ومباشر باحتياجات المجتمع، وتعتبر الأبحاث العلمية من أهم مؤشرات تطور الدولة؛ نظرًا لأهمية دورها في تحفيز القطاعات الاقتصادية والإنتاجية ورسم سياساتها من خلال تقديم صورة واضحة لمختلف القطاعات في المجتمع حول الإشكاليات التي تتعرض لها وكيفية النهوض بها، وفقا لدراسات علمية تنعكس إيجابًا على المجتمع والدولة.

   وتتطلب منظومة البحث العلمي بنى تحتية، ومراكز للأبحاث العلمية، وتوفير موازنات بمشاركة من مختلف الجهات، وضرورة وجود الوعي الكافي في مجال أهمية البحث العلمي ومدى الحاجة إليه من قِبل مختلف القطاعات الاقتصادية والمجتمعية عمومًا.

     في إطار ما سبق تبرز التساؤلات حول مكانة البحث العلمي الخليجي وحجم الهوة بين المؤسسات العلمية والبحثية ومؤسسات المجتمع الإنتاجية والخدماتية من ناحية، وبين مؤسسات رسم السياسات العامة وصنع القرار السياسي من ناحية أخرى. فبالرغم من الطفرة الواقعة في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في منطقة الخليج، والتغيرات العميقة في المفاهيم والأسس التي تركز عليها النظم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي سلوك الأفراد والمجتمعات الخليجية، إلا أن نشاط البحث العلمي لا يتسارع بنفس الوتيرة، مما يجعل الاهتمام بالبحث العلمي وبناء مؤسساته في مختلف المجالات المرتبطة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، أمرًا حتميًا.

  واقع البحث العلمي الخليجي:

    لعل ما تمر به منطقة الخليج العربي من تحديات بسبب الأنظمة غير العربية الساعية للهيمنة في المنطقة مع غياب الإجماع الدولي والإقليمي لمواجهة هذه الأنظمة، تجعلها تحديات لا يمكن مواجهتها فقط بالتحالفات السياسية، أو حتى بالمواجهات العسكرية، بل يتعين التخطيط السليم من خلال دراسات بحثية استشرافية يمكنها التنبؤ بالمستقبل والاستعداد للتعامل معه. لذلك، تحتاج دول الخليج إلى تكثيف استثمارها في المؤسسات الفكرية البحثية في الداخل والخارج.

    ولعل أكبر الإشكاليات التي تواجه البحث العلمي في المنطقة العربية بشكل عام هو حجم الإنفاق المتواضع إذا قورن بالدول المتقدمة، إلا أن إنفاق بعض الدول الخليجية في المؤسسات الفكرية البحثية التي تستهدف السياسات الخارجية والرأي العام لتحسين الصورة إنفاق ضخم جدًا، إلا أن هذا الاستثمار يجب أن يقابله استثمار في مراكز أبحاث الداخل من ناحية عدد المراكز، وتأهيل باحثين خليجيين يعملون في تلك المؤسسات الفكرية في الداخل والخارج، لكي تضمن تلك الدول أن هذه الشراكة والاستثمار للمصالح المشتركة طويلة الأمد وليس فائدة مؤقتة تنتهي بمجرد انتهاء المصلحة المادية.

   كما أن معظم الجامعات في دول الخليج تعمل كمؤسسات تعليمية أكثر منها بحثية، فمع الزيادة في عدد الجامعات زاد عدد الطلاب الملتحقين بها، وبالتالي زاد عدد المواد المكلف بتدريسها الأستاذ الجامعي، بالإضافة إلى أن الحصول على منحة بحثية أو تفرغ بحثي يستغرق إجراءات طويلة ومعقدة إما بسبب قلة حجم الإنفاق أو بسبب قلة عدد هيئة التدريس التي تتطلب من الأستاذ الجامعي أن يبذل مزيدًا من الوقت في التدريس على حساب البحث العلمي.

      ورغم التحديات الداخلية والخارجية التي تحيط بدول الخليج، إلا أنه إلى الآن تفتقر أجندة عدد من الجامعات التعليمية إلى الأبحاث العلمية، مع غياب السياسات والقوانين والدعم المالي الذي يعرقل قيام الجامعات بدورها في البحوث العلمية التي لا يمكن أن تمولها الجامعات ذاتيًا، إلى جانب عدم ربط البحث العلمي بالمجتمع واحتياجات التنمية، علمًا أن البحث العلمي في الدول المتقدمة يعتمد بشكل أساسي على الدعم الحكومي إلى جانب دعم المؤسسات الخاصة.

      ولعل من أبرز ما اتسمت به سياسة البحث العلمي في منطقة الخليج، رغم الإنفاق الضخم، هو أن تحديد سياسات وأولويات البحث العلمي تحددها الجامعات أو الجهات الخاصة بعيدًا عن كونها سياسة مركزية من قِبل الحكومة. ولعل ما طرحته جائحة "كورونا" من تحديات، أحدث تحولاً مشهودًا في هذه النقيصة، خاصة مع تكريس عدد من دول المنطقة الأموال الضرورية لخدمة الأبحاث المتعلقة بمحاولات إيجاد مصل مضاد للفيروس، وتحويل جزء من الموارد الذاتية للدول إلى الأبحاث في هذا الصدد، ولعل ما كانت تعلن عنه دولة الإمارات في رغبتها في اجتذاب الباحثين والأطباء في مجال البيولوجيا الحيوية والكيمياء خلال الأشهر الأولى من الجائحة خير مثال على هذا التحول. وقد تكون تلك الخطوة بداية لدراسات أكثر اتصالاً بحاجة المجتمع الخليجي وخصوصيته تراعى التركيبة السكانية، وقضايا التربية والتعليم، وإشكاليات الهوية، والطاقة البديلة، وغيرها.

    كما أدركت عدد من دول منطقة الخليج خطورة معوقات البحث العلمي وتأثيره على التنمية والتطوير في الدول العربية. فمثلاً تم إطلاق "الاستراتيجية الوطنية للابتكار" في دولة الإمارات عام 2014م، والتي هدفت إلى زيادة تمويل البحث العلمي، مع تحديد أولويات البحث العلمي لتكون متوافقة مع حاجات التنمية في الدولة الإماراتية وقضاياها الإقليمية والعالمية. وكذلك استراتيجية التنمية الوطنية الثانية لدولة قطر 2011-2016، ثم 2018/ 2022م، التي هدفت إلى تحقيـق التـوازن بـين النمـو الاقتصـادي والتنميـة الاجتماعيـة والبشـرية وحمايـة البيئـة.

    ولعل إدراك استحالة استدامة النمو بالاعتماد على النفط، حقيقة أوجبت على دول الخليج حتمية التفكير في فك العلاقة بين نمو الأنشطة غير النفطية والقيمة المضافة للقطاع النفطي، وتقليص الاعتماد على النفط كمورد ناضب، حقيقة أدركتها دولة مثل سلطنة عمان منذ تسعينيات القرن الماضي، في ظل القلق تجاه بداية الانخفاض التدريجي للموارد النفطية، الأمر الذى احتاج إلى تنويع قاعدة الإنتاج الاقتصادي، وتعزيز دعم البحث العلمي من أجل تحقيق التنمية وتحسين مستوى المعيشة وتنمية القطاعات الاقتصادية المختلفة، وتنويع قاعدة الإنتاج الاقتصادي وإيجاد مصادر دخل بعيدة عن النفط.

  وفى تجسيد لما سبق، على سبيل المثال، تتراكم الجهود الخليجية من أجل دعم البحوث العلمية في مجال تحلية المياه ودورها في تحقيق التنمية المستدامة في ظل فقر المياه المدقع الذي تعاني منه دول مجلس التعاون الخليجي، مع تقليل المخاطر البيئية المصاحبة لعملية التحلية. ويأتي ذلك بتكريس دور شباب العلماء في تحقيق التنمية المستدامة، وتحويل الفكرة إلى سلع وخدمات تصنع القيمة المضافة، وتُطبق أجدى الحلول التي تلبي الاحتياجات الجديدة المتسارعة.

ملامح مجتمع المعلومات في منطقة الخليج

    يشير مصطلح "مجتمع المعلومات" إلى المجتمع الذي يكتسب فيه إنتاج المعلومات وإدارتها وتبادلها أهمية كبرى في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفي تحسين ظروف المعيشة وبيئة الأعمال. وبالتالي تُستخدم تكنولوجيا المعلومات من أجل إحداث تغيير في المجتمع باعتبارها وسيطًا في جميع نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتجارية والثقافية والتعليمية والصحية والعلمية والتكنولوجية، وعلى مستوى السياسات، وبهدف الانتقال إلى الاقتصاد القائم على المعرفة.

    والخطوة الأساسية الأولى على هذا الطريق هي نشأة اقتصاد للخدمات الرقمية، والاهتمام بالنظم التعليمية التي تشجع على المزيد من الانفتاح على الابتكار والمخاطرة، مما يتطلب الانتقال نحو مجتمع تعلم مبتكر يولى أهمية قصوى بالبحث العلمي، ويحتاج إلى بنية تحتية تقنية. وبهذا تكون البنية التحتية للتعليم والبحث العلمي موجهة نحو الاستخدام الإنتاجي، في تحسين إنتاجها الزراعي، وأنظمتها المالية، وغيرها من المجالات المختلفة.

    اتصالاً بما سبق، لفت تقرير آفاق الاقتصاد العربي لشهر سبتمبر الماضي -الصادر عن صندوق النقد العربي-إلى أن دول الخليج بدأت مؤخرًا تخطو خطوات على صعيد التحول إلى اقتصاد المعرفة والاستفادة من المكاسب التي توفرها الثورة الصناعية الرابعة، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تشير التقديرات إلى أن دول المنطقة سيمكنها تحقيق مكاسب اقتصادية بالاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي عام 2030. وتتعاظم هذه المكاسب خاصة في المملكة العربية السعودية بنحو 135 مليار دولار بنحو 12.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي الإمارات بنحو 13.6% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي باقي دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 8.2% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2030.

   وأدركت دول الخليج في هذا الإطار محورية البحوث العلمية في المجالات المختلفة، تماشيًا مع متطلبات مجتمع المعلومات والمعرفة، في الوقت الذي تبدو فيه منطقة الشرق الأوسط تعاني من صعوبات اقتصادية لأسباب متعددة، يتعلق بعضها بالوضع السياسي، والبعض الآخر بسبب فشل السياسات الحكومية في بعض الدول، إلا أن انطلاق "استراتيجية 2030" داخل المملكة العربية السعودية –على سبيل المثال- كوثيقة طموحة تغطي تقريبًا كل جوانب الاقتصاد السعودي، قد ساهمت بشكل كبير في تنويع مصادر الدخل في الاقتصاد السعودي ، مع تقليل الاعتماد على قطاع النفط كمصدر أساسي للدخل، خصوصًا أن هذا القطاع يتسم بعدم الاستقرار نظرًا إلى التقلبات المستمرة في أسعار برميل النفط. كما أن التغيرات الهيكلية التي تم تطبيقها في اقتصاد المملكة، وباقي دول مجلس التعاون الخليجي، هدفت بشكل أساسي إلى تقليل الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل، مع تراجع حصة هذه الدول من صادرات النفط العالمية.

   أما دولة الإمارات، فقد نجحت في إدارة وتوجيه دفة اقتصادها عبر حزمة من السياسات الاقتصادية المرنة التي مكّنتها من فك الارتباط بالنفط تدريجيًا وتنويع مصادر الدخل وتهيئة اقتصادها لعصر ما بعد النفط، ما بدد أي مخاوف من تراجع الأسعار. ومع مرور الوقت تأكد نجاح استراتيجيات الإمارات في تحويل أزمات النفط إلى فرص بالتنويع الاقتصادي، الذي أعطاها مناعة قوية ضد صدمات الأسواق النفطية، وقدرة على التكيف مع الواقع الجديد بشهادة صندوق النقد الدولي، بفضل إدارة العوائد النفطية في أوقات الارتفاع، والصناديق السيادية التي تعتبر صمام أمان لحقبة ما بعد النفط.

    وتهدف الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات ٢٠٢١م، إلى أن تكون دولة الإمارات العاصمة الاقتصادية والسياحية والتجارية لأكثر من ٢ مليار نسمة، لذا تواصل حكومة دولة الإمارات جهودها في الانتقال إلى اقتصاد قائم على المعرفة، عبر تشجيع الابتكار والبحث والتطوير، وتعزيز الإطار التنظيمي للقطاعات الرئيسية، وتشجيع القطاعات ذات القيمة المضافة العالية بما يطور من بيئة الأعمال ويعزز من جاذبية الدولة للاستثمارات. كما تهدف الأجندة الوطنية إلى أن تكون الدولة من أفضل دول العالم في مجال ريادة الأعمال، ووضع الإمارات في قائمة أفضل الدول في نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي.

    كما تعمل دولة الكويت على تنويع اقتصادها، استعدادًا لفترة ما بعد النفط، من خلال جذب المزيد من الاستثمارات إلى سوق العمل الكويتي، والاعتماد على ديناميكية القطاع الخاص وقدراته التفاعلية، والقطاع العام الداعم لنشاط الأفراد والمؤسسات الخاصة عبر منظومة تشريعية ومؤسسية متطورة. ورغم اعتماد الكويت بشكل كبير على عائدات النفط، إلا أنها تدرك مخاطر عدم الاستعداد للمستقبل الذي ينتظر النفط، وبالتالي وضعت خارطة طريق مستقبلية طموحة أُطلق عليها اسم "الكويت الجديدة"، وتهدف إلى تحويل البلاد إلى مركز ثقافي واقتصادي، وزيادة عائدات البلاد من ١٣,٣ مليار دينار كويتي إلى ٥٠ مليار دينار بحلول عام ٢٠٣٥م.

   فيما بدأت مملكة البحرين، منذ وقت طويل في التنويع الاقتصادي، استعدادًا لما بعد النفط من خلال دعم الصناعات ومقدمي الخدمات، وأطلقت رؤية البحرين ٢٠٣٠، لتوفير حياة أفضل لكل المواطنيين البحرينيين، والعمل على تطوير مستدام ومستمر للاقتصاد من خلال ٣ مبادئ أساسية هي الاستدامة والعدالة والتنافسية.

ما الذي ينقص التجارب الخليجية الفردية؟

   إن نجاح جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية يرتبط بتحقيق مستويات عالية من التقدم العلمي والتنمية التكنولوجية، فالبحث العلمي لا يقتصر فقط على خلق ابتكارات جديدة، بل إن جانبًا مهمًا منه يخصص لحل مشكلات تتعلق بالعمليات الإنتاجية بقطاع الصناعة، وجانب آخر يركز على تطوير المنتجات وخاصة المنتجات الاستهلاكية لتلبية رغبات المستهلكين، بالتالي فإن الذي يمتلك التكنولوجيات المتطورة يمتلك ميزة تنافسية ويظل في الريادة، والدول الساعية للحصول عليها تكون موضع تبعية.

      وإذا نظرنا إلى المشكلة التي تواجه دول الخليج في ضوء اقتصاديات المعرفة، نجد أنها لا تنتج فقط من نقص المعلومات وخاصة المعلومات العلمية والتكنولوجية، لكنها ترتبط أيضًا بالنقص في المؤسسات القادرة على نقل المعرفة واستيعابها ونشرها، ومن ثم فإن أزمة البحث العلمي ومراكز الأبحاث تعكس في الحقيقة أزمة ثقافية ثلاثية الأبعاد وتشمل ثقافة البحث وثقافة المعلومات وثقافة المؤسسات.

    تبدو العلاقة بين التمويل والأداء علاقة سهلة الاكتشاف، ولكنها ليست بالضرورة كل شيء في النهاية. ولعل مشكلة التمويل لم تعد هي العقبة الأولى في التجارب والرؤى الخليجية كما سبقت الإشارة، فالعبرة ليست بحجم وإنتاج البحوث، ولكن الكمية والنوعية لأن المخرجات البحثية وجدوى تطبيقها هي المحك في نهاية الأمر. وإلى الآن تشير البيانات إلى أن الأبحاث بالجامعات المختلفة في دول الخليج تشهد ارتفاعًا كبيرًا في عدد الأوراق المُنتجَة من قبل الأكاديميين، إلا أن عدد الأبحاث المنشورة في المجلات ذات التأثير العالي لم يزد إلا بمعدل سنوي قدره 2.6 % أي نادرًا ما يستشهد باحثون آخرون بالارتفاع الملحوظ في عدد الأبحاث. 

   كما أن الافتقار إلى استراتيجية تتمثل في اختيار التركيز على عدد قليل من مجالات البحث المحددة، قد حال دون زيادة عدد الأبحاث بشكل عام لوجود عدد قليل من الباحثين في مجال معين، مما حد من المزيد من الفرص المتاحة للتعاون.

     أيضًا تحتاج الدول الخليجية إلى تبني حزمة من الإصلاحات لنظام الهجرة كوسيلة لتشجيع الأكاديميين على البقاء في البلاد ومتابعة أهدافهم البحثية طويلة الأجل. وقد تبنت ذلك بالفعل دولة الإمارات في 2019م، حيث أعلنت عن تأشيرة "الإقامة الذهبية" للعلماء والمتخصصين في الفن والثقافة، تستمر التأشيرة لمدة عشر سنوات ويتوقع أن تكون عملية تجديد واضحة بهدف الوصول فعليًا إلى الإقامة الدائمة. وقد تكون تلك سياسة عملية يمكن تكرارها في دول أخرى لمجلس التعاون الخليجي تسعى للاحتفاظ بالمواهب الأجنبية لمدة تتجاوز البضع سنوات.

    وتغيب ثقافة البحث العلمي وأهميته خاصة في العلوم الاجتماعية، إلى جانب قلة المتخصصين في الأبحاث الاجتماعية بسبب النظرة العامة للشؤون الاجتماعية التي لم تنضج بعد، حيث يعتقد أن البحث العلمي يقتصر على مجالات الطب والهندسة وغيرهما من التخصصات العلمية في وقت يُمثل أمس الحاجة إلى البحث في القضايا الاجتماعية التي تواجه دول الخليج مثل الهوية، والعنف المدرسي أو الأسري. 

     كما يحتاج المزيد من الاعتماد على البحث العلمي في الخليج إلى تعزيز مشاركة المرأة في مجال العلوم من المراحل الدراسية الأولى، وصولاً إلى المراحل الجامعية، وحتى التحاقها بسوق العمل، خاصة وأن بعض المجتمعات الخليجية لا تزال تسيطر عليها الثقافة التقليدية. ومن ثم، تبرز الحاجة إلى التركيز على أهمية بناء الشراكات للاستفادة من خبرات المرأة الخليجية في جميع المجالات العلمية، وتفعيل دورها وتمكينها في مختلف التخصصات والأعمال، في ظل تزايد أعداد الخريجات في مختلف مجالات العلوم، وتوحيد الجهود لإعداد جيل من العالمات والباحثات والمهندسات في العلوم والتكنولوجيا المتقدمة وضمان تفعيل دورهن في بناء مستقبل واعد يرتكز على المعرفة والابتكار والتنوع الاقتصادي.

    ولا تعاني فقط دول الخليج الست من قلة التعاون المشترك بين الجامعات وبين الشركات والمؤسسات الاقتصادية بهدف دعم الجهود البحثية وتوفير الموارد والخبرة اللازمة لها؛ لكنها تعاني أيضًا من توحيد الجهود على مستوى إقليم الخليج ككل. فبينما تعاني دول المجلس من جل النواقص السابق ذكرها في مجال البحث العلمي وإدارة اقتصاديات ما بعد النفط، وبالرغم من محاولاتها الناجحة والواعدة على مستوى الدولة الوطنية، إلا أنها لم تصمم إلى الآن استراتيجية خليجية متكاملة تستطيع من خلالها مواجهة التحديات التي تواجهها، والتي تقع في القلب منها تاريخيًا وجيو-سياسيًا.

    في هذا الإطار، يُقترح قيام تحالف للجامعات والمؤسسات البحثية على مستوى إقليم الخليج، مع اقتراح إنشاء صندوق لدعم الأبحاث الأكاديمية تشجيعًا للباحثين على الاستمرار في البحوث العالمية التي تركز على إيجاد حلول للمشاكل الميدانية في منطقة الخليج، وذلك مساهمة في تطوير رؤية خليجية شاملة، تنطلق من خصوصية منطقة الخليج وتكرس روح التكتل الإقليمي -المتجسد في مجلس التعاون الخليجي-والتي لا تزال غائبة على مستوى البحث العلمي، وخبرات الانتقال إلى اقتصادات المعرفة.

 

مقالات لنفس الكاتب