; logged out
الرئيسية / هيكلة القطاع الخاص بداية التحول الاقتصادي في دول الخليج

العدد 158

هيكلة القطاع الخاص بداية التحول الاقتصادي في دول الخليج

الأربعاء، 27 كانون2/يناير 2021

بدأت دول مجلس التعاون تدرك أهمية التحول إلى اقتصادات متنوعة الأنشطة، ومتعددة مصادر الإيرادات العامة، ووضعت خططًا للتحول مع إطلاق الأمم المتحدة لأهداف التنمية المستدامة، لكن التطورات المتسارعة التي أفرزتها جائحة كورونا، وغيرت من الكثير من المفاهيم والأسس الاقتصادية في النمو والتنمية والتشغيل ومصادر الثروة، تفرض واقعًا جديدًا وتحديات أكبر على المنطقة، مما يستوجب تطوير تلك الخطط، وتوسيع نطاقها لتشمل جوانب أخرى، والإسراع ببعض الإصلاحات الأساسية، مع قدر أكبر من المكاشفة والحوكمة، ومواجهة الواقع.

في هذه المقالة سوف نتناول أهم المستجدات والتغيرات التي حدثت في الفكر التنموي وفي تقنيات وآليات الإنتاج، ورصد لأهم التحديات المستجدة، وسبل مواجهتها، بما يحافظ على المكاسب التي تحققت، ويدرأ المصاعب التي لا بديل عن التصدي لها، ويرسم أفق التنمية مستقبلا.

 

أزمة كورونا تجدد الدعوة للتحولات الاقتصادية في المنطقة

شهد سوق النفط تحولاً كبيرًا في السنوات الأخيرة، وكان الانخفاض المفاجئ وغير المتوقع في أسعار النفط لأكثر من 50 % خلال الفترة 2014 -2015م، من بين الانخفاضات الكبرى في القرن الماضي، وأدى انخفاض أسعار النفط إلى عجز مالي كبير، لكنه دق ناقوس التحدي أمام الدول الخليجية للإسراع في تطبيق إصلاحات مالية واسعة النطاق، وبالفعل قامت الدول الخليجية بتطبيق حزمة واسعة من الإصلاحات المالية والاقتصادية.

وبحسب دراسة صندوق النقد الدولي، مستقبل سوق النفط والاستدامة المالية في دول مجلس التعاون الخليجي، فبراير2020م، أقدمت دول الخليج على إجراءات لتنويع الاقتصاد وبرامج إصلاحات تضمنت خفض الدعم الحكومي ورفع أسعار الطاقة وحتى فرض ضريبة القيمة المضافة وضرائب أخرى، وأكد صندوق النقد أن "الإصلاحات الجارية تدفع منطقة دول مجلس التعاون الخليجي في الاتجاه الصحيح، ولكن يجب تسريعها"،وحذر الصندوق من أن تسريع تنويع الاقتصاد لن يكون كافيًا، مؤكدًا أن العملية يجب أن يرافقها خفض في الإنفاق الحكومي وفرض ضرائب بشكل موسع، ويتوجب على الدول الخليجية أيضًا ترشيد الإنفاق، وإصلاح قطاعات الخدمة المدنية الكبيرة لديها، وتخفيض فواتير الرواتب العامة التي تعد مرتفعة، وفقًا للمعايير الدولية، وتعتبر غالبية دول الخليج هذه الإجراءات حساسة للغاية وتشكل خطرًا سياسيًا بسبب التأثير السلبي المحتمل على المواطنين الذين لطالما اعتادوا على الضرائب المنخفضة والإعانات الحكومية، واقر الصندوق بأن الإجراءات المقترحة قد "يكون لها عواقب اجتماعية واقتصادية تؤثر على العمالة ودخل الأسرة وثقة أوساط الأعمال والاستثمارات.

دعاوى الإصلاح ليست جديدة

دعاوى الإصلاح والتحول ليست حديثة، والسعي للتنويع كانت دائمًا في صدارة أهداف الخطط التنموية في المنطقة، لكن الفوائض النفطية كانت واعدة ومستمرة، مما خلق نوعًا من التباطؤ وأحيانًا من الاستسلام للقيود التي تفرضها الأوضاع الديمغرافية، وقيود الطاقة الاستيعابية في دول المنطقة، والتردد في اتخاذ القرارات المصيرية التي جرى اتخاذها مؤخرًا، بدأتها دول المنطقة بالرؤية الجديدة بعد تراجع في أسعار النفط بدا وكأنها ستستمر، وتمثل سمة لفترة قادمة وإعلانًا لنهاية الحقبة البترولية.

الآن وبعد تداعيات أزمة كوفيد-19 أصبح التحول حتميًا، ليس فقط في بلدان مجلس التعاون، بل في العالم كله، والإسراع في إصلاح الاختلالات الاقتصادية وتنويع هياكل الاقتصادات الوطنية، لمواجهة التحديات الحالية والمستقبلية، والتي تفرضها تطورات السوق العالمية، وخصوصًا انخفاض أسعار النفط، وأن ينظر إلى ما يحدث اليوم على أنه دعوة للتحرك، وأيضًا كفرصة لتحفيز التحول الاقتصادي وخلق المزيد من فرص التشغيل للشباب.

ورغم أن الإصلاح والتحول كان دائما هدفًا لخطط التنمية في المنطقة، إلا أن التنفيذ كان أمرًا تكتنفه المصاعب، وكانت التوقعات المتفائلة حول العوائد النفطية مدعاة للتباطؤ في تنفيذ خطط الإصلاح والتحول، أما الآن فلم تعد هناك فرصة للتباطؤ، ولا مناص من إنجاح التجربة.

تحليل صندوق النقد الدولي لمستقبل التنمية في دول الخليج

تناولت دراسة الصندوق عن مستقبل سوق النفط والاستدامة المالية في دول مجلس التعاون الخليجي، أوضاع المالية العامة لدول المنطقة، في ضوء توقعاته لأسواق النفط العالمية من حيث الطلب والأسعار والفوائض، حيث أكد التقرير أن سوق النفط يمر بمرحلة من التغير الجذري، فالوسائل التكنولوجية الجديدة تزيد عرض النفط من مصادره القديمة والجديدة، بينما المخاوف المتنامية بشأن البيئة تبعد العالم تدريجيًا عن النفط. ويعكس هذا الأمر تحديًا جسيمًا أمام دول مجلس التعاون الخليجي

وقد أدركت دول مجلس التعاون الخليجي الحاجة إلى تقليل اعتمادها على النفط ويعكف جميعها في الوقت الحاضر على تطبيق إصلاحات لتنويع اقتصاداتها وكذلك إيراداتها المالية والخارجية.

ومع هذا، فنظرًا لتوقعات بلوغ الطلب العالمي على النفط ذروته خلال العقدين القادمين، ربما كانت الضرورات الحتمية المصاحبة على مستوى المالية العامة أكبر وأكثر إلحاحًا مما تنطوي عليه خطط دول مجلس التعاون الخليجي الحالية، وفي ظل موقف المالية العامة الراهن، سيكون مآل الثروة المالية التي تمتلكها المنطقة إلى النضوب بحلول عام 2034 م.

 واستدامة أوضاع المالية العامة ستقتضي إجراء عملية ضبط كبيرة للأوضاع في السنوات القادمة، أما مدى سرعتها، فهي مسألة اختيار بين الأجيال، والحفاظ على الثروة الحالية بالكامل سيقتضي تعديل أوضاع المالية العامة بشكل كبير في البداية، ومن شأن بذل جهود أكثر تدرجًا أن يخفف عبء التعديل على المدى القصير لكنه سيكون على حساب الموارد التي تتوافر لأجيال المستقبل.

ويقول تقرير الصندوق إنه على الرغم من أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي أدركت بالفعل الطبيعة الدائمة لهذا التحدي، وبدأت تخطط بالفعل للتكيف المالي المستمر في سياق رؤاها الاستراتيجية طويلة الأمد، فإنه من غير المتوقع أن تتمكن جميع البلدان من تحقيق التكيف والحفاظ على استقرار واستدامة ثرواتها. وحث دول المجلس على ضرورة الإسراع في تطبيق الإصلاحات الهيكلية اللازمة في أسرع وقت، مشيرًا إلى أن تحقيق الاستدامة المالية طويلة الأجل في دول مجلس التعاون الخليجي يتطلب أن ينخفض متوسط العجز المالي الأولي غير النفطي من المستوى الحالي.

ورغم واقعية المخاوف التي أثارتها دراسة صندوق النقد الدولي، إلا أنها تعكس منهجية نقدية Monetary Approach ، تحكم فكر الصندوق وخبرائه،  في تناول مشكلات الدول النامية عمومًا، حيث يتم التركيز على الجانب المالي، وتحقيق الاستقرار النقدي، دون النظر إلى جانب الاقتصاد الكلي العيني أو الحقيقي، وهي مشكلات هيكلية يجب التصدي لها مباشرة، رغم ما لها من تداعيات مالية ونقدية بطبيعة الحال، لكنها ليست تابعة، أو يمكن أن تأتي كمحصلة للاستقرار المالي والنقدي، ونرى أن الإصلاح الهيكلي هو الذي سيسفر عن أوضاع مالية مستقرة، لذلك فإننا سنتناول تحليل الوضع الراهن لمحركات النمو الحقيقي، من منظور بنيوي، واقتراح الاستراتيجية المناسبة في ضوء المشاكل الهيكلية التي تعاني منها اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي.

محركات النمو الاقتصادي في المنطقة 

ارتكزت إدارة الاقتصادات الوطنية في منطقة الخليج على جانب الطلب، وعلى الإنفاق العام على وجه التحديد، نظرًا لعدم وجود ضرائب على الدخل، وتوجه الاستثمارات العامة إلى مشروعات البنية الأساسية من طرق وكباري، إضافة إلى تنفيذ عدد من المشروعات الاستثمارية العملاقة.

ويغطي الإنفاق الاستثماري الحكومي نطاقًا واسعًا من الخدمات الحكومية تشمل التعليم والصحة والضمان الاجتماعي، والمرافق العامة والبنية الأساسية، وقد لوحظ تزايد الإنفاق العام على البحوث والتطوير والعلوم التكنولوجيا وخدمات تكنولوجيا المعلومات في السنوات الأخيرة.

واعتمادًا على جانب الطلب تتمثل محركات النمو الاقتصادي بناء على دالة الطلب الكلي المعروفة في: الإنفاق الاستهلاكي الخاص، والإنفاق الحكومي، والإنفاق الاستثماري، وصافي التجارة الخارجية.

وشكل الإنفاق الحكومي على مدى سنوات طويلة مصدر الحقن الأولي في إعداد المضخة للعمل وإطلاق شرارة النمو في باقي قطاعات الاقتصاد الوطني، وكان الحقن الحكومي الاستهلاكي والاستثماري بمثابة جرعة الأمل لقطاعات الأعمال الخاصة.

ورغم هذا القدر الكبير والتنوع في حجم الإنفاق العام الجاري والاستثماري، إلا أن تأثيرها لم يكن كبيرًا على أهداف النمو وتنويع هيكل الاقتصادات الوطنية، ومستوى التشغيل ومعدل البطالة لسببين رئيسيين:

السبب الأول: أن معظم هذه الاستثمارات تذهب إما إلى مشروعات ذات كثافة رأسمالية عالية كما هو الحال في استثمارات النفط والغاز، أومشروعات لا تعد جاذبة للعمالة الوطنية، كما في قطاع البناء والتشييد.

أما السبب الثاني فيرجع إلى أثر المزاحمة Crowding out effect الذي تؤكده الدراسات النظرية والتطبيقية، حيث تؤدي الزيادة في الإنفاق الحكومي إلى انخفاض الاستثمار الخاص وغيره من أوجه الإنفاق، خاصة إذا لم تكن هناك طاقات إنتاجية معطلة، أو لم يتمتع القطاع الخاص بالمرونة الكافية.

اليوم لم يعد بالإمكان الاعتماد على الانفاق الحكومي، بعدما تقلصت الايرادات الجارية من عوائد النفط، ولم يعد الطلب الخارجي على الصادرات النفطية قادرًا على تحريك النشاط كما كان في السابق، فالطلب العالمي على النفط يتراجع، والأسعار لم تعد مغرية.

بقي الطلب الاستهلاكي للأفراد والعائلات، وهو بدوره يشهد تراجعًا بحكم الأزمة الحالية وتداعياتها، ومن ثم لم يبق في المعادلة سوى الانفاق الخاص الاستثماري، سواء المحلي أو الأجنبي، كمحرك أساسي للتنمية، وبناء أصول إنتاجية، قادرة على توفير فرصة عمل منتجة، وتوليد قيمة مضافة، وإدرار دخول لعناصر الإنتاج مقابل الإسهام في العمليات الإنتاجية وتوليد القيمة المضافة.

التركيز إذن يجب أن ينصب على تحفير الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي، وتوجيهه بما يعمل على بناء طاقات إنتاجية، وتوليد قيمة مضافة في قطاعات النشاط الاقتصادي بعيدًا عن النفط ومشتقاته، والتي يمكن أن تتمتع فيها البلاد بميزات تنافسية، وقدرة تصديرية عالية، وتوليد فرص عمل للأجيال الشابة التي تعلمت، وانضمت لأسواق العمل بالمنطقة، تبحث عن فرص عمل عالية الإنتاجية مرتفعة الدخل، ولا يجدي معها التعويل على موضوع التوطين وإحلال العمالة الوطنية محل الأجنبية، فذلك لا يقدم حلاً لأنه لا يزيد من الطاقات الإنتاجية، ومن ثم لا يحدث نموًا، كما أن الهياكل الإنتاجية بمعظم قطاعات النشاط الإنتاجي المحلي الحالية، تعتمد على عمالة أجنبية معظمها منخفض المهارة، ويقبل العمل بأجور متدنية تتناسب مع انتاجيته في قطاعات تقليدية، وفي بيئة عمل لا تناسب العمالة الوطنية.

تشخيص مشاكل اقتصادات دول الخليج

فخ لعنة الموارد الطبيعية والمرض الهولندي

وقعت دول مجلس التعاون في فخ نقمة الموارد الطبيعية، Natural Curseأو ما يسمى بالمرض الهولندي Dutch Disease حيث تمثل وفرة الموارد الطبيعية نقمة اقتصادية أكثر من كونها نعمة، ودلت على ذلك الشواهد العملية وبعض الدراسات التطبيقية، في عدد من البلدان أشهرها هولندا، كما لوحظ بشكل عام، أنه في البلدان ذات الوفرة الأكبر يعيش أفقر الناس، كما أنها غير قادرة على استخدام تلك الثروة لتعزيز اقتصاداتها وتحقق نموًا اقتصاديًا أقل من البلدان التي ليس لديها وفرة من مصادر الموارد الطبيعية.

وقدمت العديد من التفسيرات لكيفية حدوث لعنة الموارد، أهمها الطريقة التي يُنفق بها دخل الموارد، إضافة إلى الجودة المؤسساتية ونوعية الموارد والدخول في النشاط الصناعي مبكرًا أو في وقت متأخر، ولم تقتصر الموارد التي يمكن أن تكون سببًا في تأخر التنمية على الموارد النفطية كالغاز والبترول، والموارد المعدنية الأخرى، بل امتدت مؤخرًا لتشمل موارد متعلقة بالمواد الضرورية للطاقة المتجددة الوفيرة مثل أشعة الشمس، أو مواد مهمة لتكنولوجيات الطاقة المتجددة مثل النيوديميوم أو الكوبالت أو الليثيوم.

 ويصنف صندوق النقد الدولي 51 دولة على أنها «غنية بالموارد» وهي الدول التي تحقق 20% من صادراتها على الأقل أو 20% من إيراداتها المالية من الموارد الطبيعية غير المتجددة، ومنها 29 دولة منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل، وتشمل الخصائص المشتركة لهذه البلدان اعتمادها الشديد على ثروة الموارد في الإيرادات المالية أو مبيعات التصدير أو كليهما، وتحقق معدلات ادخار منخفضة، مع ضعف الأداء الاقتصادي والنمو.

هناك جوانب مالية بطبيعة الحال لمشاكل اقتصادات دول الخليج، لكن حقيقة المشكلة تتعلق بهيكل تلك الاقتصادات وبنيانها، وما تتسم به  من خفة سكانية، وقصر فترة تحديث الاقتصادات الوطنية، والتي بدأت مع الحقبة النفطية، وتزامنت القيود التي تفرضها الخفة السكانية، وضيق الطاقة الاستيعابة، مع لعنة الموارد الطبيعية والمرض الهولندي، في تأخير عملية التحول والتغيير الهيكلي، وظل الاعتماد الرئيسي على قطاع النفط والانفاق الحكومي سمة متلازمة، مع ضعف دور القطاع الخاص، وظهرت مشاكل البطالة الهيكلية، حتى بدأت دول مجلس التعاون في وضع رؤيتها الحديثة للتحول الاقتصادي بالتوازي مع إعلان الأمم المتحدة لأهداف التنمية المستدامة 2016-2030م.

أبعاد التحول الاقتصادي الحتمي:

من اقتصاد الوفرة والريع إلى اقتصاد الندرة والقيمة المضافة

1-إعادة النظر في دور الدولة في النشاط الاقتصادي

بدأت حكومات دول مجلس التعاون منذ فترة بإفساح المجال أمام القطاع الخاص ليشارك في الأنشطة الإقتصادية، ويتحمل دورًا أكبر في توليد الدخل وتوفير فرص العمل، ويجب أن يتزامن ذلك مع إعادة النظر في دور الدولة ليصبح محصورًا في تقديم السلع العامة وتحفيز النشاط الاقتصادي وحفظ حقوق الملكية، وتنظيم الأنشطة، والوظيفة الاجتماعية، من خلال توفيرخدمات الضمان الاجتماعي ودعم الفقراء وإعداد نظام متطور للتأمينات الاجتماعية والرعاية الصحية، وتأمين البطالة.

ويجب أن يتزامن هذا الدور مع تغيير تدريجي في مصادر تمويل الانفاق الحكومي، كلما حدث تقدم في تنويع الأنشطة الإنتاجية للقطاع الخاص، ليتحول بعيدًا عن فوائض النفط، إلى الموارد السيادية وخاصة ضرائب الدخل، بجانب ضرائب القيمة المضافة والرسوم التي شرعت دول المجلس فس تطبيقها، بالتزامن مع التحول في بنيان الاقتصادات الوطنية وتنوعها، وزيادة دور الأفراد والقطاع الخاص في النشاط الاقتصادي.

2- خلق المزيد من فرص العمل بالقطاع الخاص من خلال بناء قاعدة صناعية بعيدة عن القطاع النفطي والصناعات المصاحبة له، قائمة على مبدأ التصنيع من أجل التنويع لخلق قطاع صناعات تصديرية ومحفزة للنمو في الأجل الطويل.

 من المسلم به أن توفير فرصة عمل إضافية، ليست مجرد قيد الشخص في قائمة الأجور، فالعامل يحتاج قدرًا من العناصر الإنتاجية الأخرى ليتكامل معها، كي يعمل وينتج ويستحق نصيبًا في الناتج بقدر مساهمته في القيمة المضافة، هذا القدر من العناصر الأخرى هو ما يعرف بالاستثمار أو تكوين أصول إنتاجية.

وعليه فالأمر يتطلب مزيدًا من الاستثمارات المباشرة المحلية والأجنبية، أي مزيدًا من المشروعات الخاصة لزيادة الطلب على قوة العمل، فإذا ما أردنا تشغيل العاملين الذين في حالة بطالة في القطاع الخاص، أو الداخلين الجدد، علينا أن نخلق لهم فرص عمل بالقطاع الخاص، ليس فقط من خلال عمليات الإحلال أي توطين الوظائف، وإنما من خلال خلق فرص عمل جديدة.

ويرجع ذلك لسببين السبب الأول: أن معظم فرص العمل الحالية في القطاع الخاص توجد في قطاعات تقليدية وذات إنتاجية منخفضة تتناسب مع الأجور المدفوعة للوافدين العاملين عليها، كما أن بعضها بطبيعة الحال لا يتناسب مع ثقافة العمل لدى معظم المواطنيين كالمهن الحرة وأعمال الصيانة والعمالة الفنية وغيرها من العمالة العادية والماهرة في قطاعات التجارة والفندقة والخدمية المنزلية وقطاع التشييد والبناء.

3-إصلاح القطاع الخاص للحد من تركزات الأسواق والثروة، وخلق قطاع خاص تنافسي متنوع بعيدًا عن تدوير الريع، ويسهم في بناء اقتصادي معرفي، وفي التطور التكنولوجي، وفي خلق فرص عمل للمواطنين.

لاتشكل بيئة وظروف عمل القطاع الخاص في دول مجلس التعاون حاليًا فرص عمل جاذبة للمواطنيين، رغم سعي الحكومة لتحسين هذه الظروف بشتى الوسائل، لذلك فإن تطوير وتحسين هياكل وبيئة العمل في منشأت القطاع الخاص يمثل شرطًا ضروريًا للمساهمة في توفير فرص عمل جاذبة، عالية الإنتاجية، ومرتفعة الأجر، ويتطلب ذلك إعادة هيكلة كثير من المشروعات والمنشآت الخاصة القائمة، لتطوير هياكلها المالية والتنظيمية، وتحديث وسائل الإنتاج بها، بما يساعد على رفع إنتاجية العمل، ومن ثم تمكينها من دفع أجور أعلى تجذب العمالة الوطنية.

فعلى سبيل المثال إذا تم تنظيم وتطوير العمل بقطاعات الفنادق والقرى السياحية والأجنحة المفروشة والخدمات السياحية وخدمات الإرشاد، بشكل يتناسب مع أهمية هذه الخدمات بحيث توفر بيئة عمل مناسبة، وتحقق مردودًا أعلى لصاحب العمل، سوف تمكنهم من دفع أجور أعلى للعمالة الوطنية.

كذلك من المهم تنظيم العمل في القطاعات غير الرسمية في مجالات عديدة مثل تجارة التجزئة والخدمات المنزلية والمجتمعية، وعلى غرار ما حدث في خدمات كثيرة سوف يساعد ذلك على رفع الإنتاجية وتطوير بيئة العمل وتحسين مستويات الأجور وتجذب أعدادًا إضافية من العمالة الوطنية العادية والماهرة.

ويبقى توسع أنشطة القطاع الخاص في الأنشطة ذات التكنولوجيا الحديثة في قطاعات جديدة كالإلكترونيات والهندسة البيولوجية، والاتصالات والخدمات المالية والمصرفية، مدخلاً أساسيًا في عملية التحول، ومن ثم خلق فرص عمل ذات إنتاجية عالية ومستويات أجور مرتفعة.

4-بناء رأس المال البشري اللازم لانطلاق عملية تنويع ناجحة وإعداد قوة العمل الوطنية للعمل في القطاع الخاص المتطور

وفي جانب العرض، فإن هناك عدة عناصر أساسية، أولها الاستمرار في دعم جهود مختلف الجهات الحكومية والأهلية التي توفر خدمات التدريب والتأهيل، ودعم التعاون مع منشآت القطاع الخاص في مجال التدريب على رأس العمل وإشراكهم في وضع البرامج التدريبية وإعدادهم على أعلى مستوى وهو ما يشكل حجر الزاوية في فاعلية برامج التدريب وتحقيق أهدافها.

ويمثل دور مؤسسات التعليم الأساسي والمهني والجامعي أهمية خاصة في تأهيل الخريجين لسوق العمل وتزويدهم بالمعارف والمهارات اللازمة لشغل وظائف ذات إنتاجية عالية، ويمكن تطبيق نظام التعليم والتدريب التعاوني الذي تطبقه جامعات عالمية كثيرة كما في جامعة ووترلو الكندية، التي تعد رائدة في هذا المجال، حيث يتم توزيع المقررات الدراسية ما بين التدريس الفصلي والتدريب في منشآت الأعمال من خلال عقود تدريب أو عمل بعض الوقت مما يساعد الطلاب على اكتساب ثقافة الأعمال وقيم العمل والمهارات اللازمة، ويضمن فرص عمل عقب التخرج مباشرة.

خلاصة القول إنه إذا كانت العمالة الوطنية في حاجة إلى تأهيل وإعداد للعمل في القطاع الخاص، فإن منشآت القطاع الخاص في حاجة هي الأخرى لإعادة الهيكلة والولوج إلى أنشطة عالية الإنتاجية وذات أجر مرتفع، من خلال تنفيذ قدر مناسب من الاستثمارات في القطاع الخاص والحكومي تضيف للطاقات الإنتاجية وتخلق فرص عمل إضافية ذات تقنيات عالية وإنتاجية مرتفعة، وأجر مناسب.

مقالات لنفس الكاتب