array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 158

المصالحة الخليجية .. وأربعة مفاتيح لانطلاقة قوية للتكامل الاقتصادي الخليجي

الأربعاء، 27 كانون2/يناير 2021

 كانت الثلاث السنوات الممتدة من عام 2017 – 2020م، كافية لعودة القناعات السياسية الخليجية بالأهمية الاستراتيجية لمجلس التعاون الخليجي، فما وقع فيها من أحداث جسام، وتبدلات وتحولات في مسارات استراتيجية لبعضها، تدلل على قدرية المنظومة الخليجية للدول الست جميعًا، وهى مقدسة حتى لو كانت علاقاتها في أدنى سقوفها المأمولة، لأن العودة لمرحلة ما قبل عام 1981م، هي منطقة خالصة لدخول شياطين الدول والجماعات فيما بين الدول الست، للاستفراد بها مؤقتًا ، فمن المحرمات السياسية السماح بعودة خلافات القطيعة بين دول المنظومة الخليجية.

هذه النتيجة المستخلصة من أزمة داخلية تصنف من بين أكبر الأزمات التي عصفت بالمنظومة الخليجية منذ إنشائها عام 1980م، لكننا، إذا ما نظرنا لدروس الخلاف الخليجي، ولتداعيات أزمتي كورونا والنفط، وعودة اليسار الأمريكي للبيت الأبيض بقيادة بايدين، وتطورات إقليمية وعالمية أخرى – سيأتي ذكرها لاحقا – فإنها تعيد الدول الست إلى فكرة التكاملية الاقتصادية أكثر من أي وقت مضى، ولن نبالغ إذا ما صنفنا أهميتها بين الأهمية الوجودية للبعض، والتنافسية للأخرى، مما نعتبره مسارًا تاريخيًا جديدًا للتكامل الاقتصادي الخليجي.

لأن التطورات الجديدة والمتلاحقة، تضع الدول الست كلها في سفينة واحدة تعصف بها تحديات داخلية وخارجية، فكيف ينبغي الاستفادة من تلكم الأزمات في إقامة اقتصاد خليجي متعدد ومتكامل؟ هذا التساؤل قد أصبح يفرض بإلحاح على مرحلة ما بعد الجيل المؤسس للمنظومة الخليجية الذي تسلم المهمة في متغيرات كبرى متعددة الاتجاهات، وتنتظر منه الشعوب الخليجية الانعتاق من الرؤى التقليدية، والنظر للمستقبل أكثر من الماضي من خلال عين العقل السياسي وليس عين العاطفة الجياشة نظرًا لجسامة التحديات.

سنتناول هذا الملف الهام من خلال المحاور التالية:

  • مبادئ استرشادية حاكمة للتكامل الاقتصادي الخليجي الجديد.
  • قمة العلا .. ودور المصالحة في إعادة ملف التكامل الخليجي.
  • أربعة مفاتيح جديدة للتكامل الاقتصادي الخليجي.
  • التكامل الاقتصادي الخليجي .. وعودة أهمية التاريخية الثانية.

أولاً: مبادئ استرشادية حاكمة للتكامل الاقتصادي الخليجي الجديد.

من عين العقل، نقدم مدونة استرشادية/ فكرية حاكمة لمسارات التكامل الاقتصادي الجديدة، ونبرز أهمها في النقاط التالية:

  • التخفيف من التبعية الخليجية للخارج.
  • إعمال عين العقل في مستقبل العلاقات الخليجية/ الخليجية.
  • مواجهة التحديات العالمية والإقليمية بواقعية بعيدًا عن المثالية.
  • تحديد أولويات مشتركة للتكامل الخليجي لاستعادة الثقة من جهة وتعزيزها بحيث تعيد البوصلات إلى مسارات ما قبل أزمة الخامس من يونيو 2017م، وهذا يحتم على المنظومة الخليجية تبني علم المستقبليات، وهو العلم المختص بالمحتمل والممكن والمفضل لمستقبل الدول الست في ضوء الاتفاقيات الخليجية " المنجزة وغير المنجزة ".
  • الأخذ بواقعية طموحات وآمال كل دولة خليجية التي لجأت إلى تضمينها في خطط ورؤى استراتيجية هي أقرب للتحولات والمتغيرات لمواجهة استحقاقات مرحلة ما بعد النفط قبل نضوبه، وفي ظل الأزمات المالية التي تضغط على موازناتها بصورة متتالية، كجائحة كورونا والنفط.

 مما قد يترتب على ذلك تحولات اجتماعية في علاقات الأنظمة الخليجية بشعوبها بعد دخول لاعبين دوليين جدد للمنطقة الخليجية لهم أجندة سياسية وأيديولوجية واضحة لا يمكن إنكارها، فهل سيصبح الخليج العربي بمثابة ملعب لكرة القدم لكل من الجمهوريين والديمقراطيين، وقد ينضم إليهم الصهاينة قريبًا وإيران، فالسياسات المالية الخليجية الجديدة – مع التباين -تنتج بيئات فقر لشعوبها؟

ليس أمام الدول الست من خيار سوى العمل على مواجهة تحدياتها بفكر واحد، وبتدبير مشترك من خلال البوابة الاقتصادية التي تفرضها مجددًا توالي الأزمات المالية والصحية والمناخية، مما يصبح خيار التكامل الاقتصادي الخليجي الوسيلة الآمنة للكل، حتى كذلك بالنسبة للدوحة التي استغلت حصار الثلاث سنوات، وكونت تحالفات اقتصادية وسياسية وعسكرية من خارج المنظومة الخليجية، فبعض تحالفاتها ستظل رهينة ببقاء الأنظمة وليس بالدول، مما تبدو وكأنها فوق رمال متحركة.

من هنا تجد الدول الخليجية الست نفسها في المربع الفكري الأول الذي انطلقت منه مسيرتها التكاملية، وحققت فيها إنجازات، وسجلت فيها إخفاقات ، لكننا نراهن على المرحلة الخليجية الراهنة، ففيها من العوامل المستجدة التي تنضج القناعات السياسية بالتكامل الاقتصادي، سنركز أولاً، على خمسة مفاتيح جديدة تنضج  مسار التكامل سياسيًا، وثانيًا، طبيعة الرؤي الاستراتيجية الجديدة للدول الخليجية، ومدى استيعابها ضمن منظومة التكامل، وقبل ذلك سنتناول ماهية الإرادة السياسية الخليجية التي افرزتها قمة العلا، وكيف يمكن الرهان عليها لأحداث نقلة تاريخية للتكامل الاقتصادي ؟

قمة العلا .. والمصالحة الخليجية

 المتابع لنتائج قمة العلا الخليجية رقم " 41 "  سيلاحظ أنها لم تعيد للمنطقة لحمتها فحسب، بل رسمت خارطة طريق متجددة لمجلس التعاون الخليجي، فقد أكدت على الطي الكامل للخلاف مع قطر، والعودة الكاملة للعلاقات بين الدوحة والسعودية والإمارات والبحرين ومصر ، بل والتأكيد على وقوف دول المجلس صفًا واحدًا في مواجهة أي تهديد تتعرض له أي من دول المجلس، مشددة على عدم المساس بسيادة أي دولة أو استهداف أمنها، وقبلها، وعقبها تم فتح الأجواء البرية والبحرية والجوية بين دول الخلاف، واستعادة حركة التبادلات التجارية المشتركة بين الدول الست زخمها المتفائل.

وينتظر الآن من السياسة الخارجية للدول الست، وخاصة السعودية القيام بمبادرات لبلورة نتائج قمة العلا على الأرض، ولماذا الرياض؟ لأن الرياض تقف وراء هذا الانفراج التاريخي، ربما لإدراكها بحجم المخاطر المقبلة، مما يستلزم منها مبادرات سريعة لتعزيز عودة الثقة وفقًا للمبادئ الموقع عليها خلال القمة، لكي تفتح الدول ملفات التكامل لمواجهة تداعيات أزمات مالية وصحية واقتصادية متصاعدة من خلال العمل الخليجي المشترك.

وكل أزمة من الأزمات المالية والاقتصادية والتحديات المختلفة، تشكل مفتاح لملفات التكامل الاقتصادي المغلقة، وتدفع بها قدمًا لاختراق المواقف الجامدة، والانطلاقة للمستقبل برؤى جديدة، سيكون من شأنها تعزيز مسارات سياسية وأمنية وعسكرية بصورة تلقائية، لأن الدول الست ستجد من خلال الأزمات الجديدة، أنها أمام مسيرة تضامنية وتكافلية قائمة على قاعدة الاعتماد المتبادل، وتقاسم المنافع وفق قواعد محددة سيتم ذكرها لاحقًا.

المفتاح الأول: الديون وتراكماتها

يسود القلق من تراكم الديون الخليجية مع التباين فيما بينها، فقد قالت وكالة موديز لخدمات المستثمرين إن الزيادة في أعباء الديون السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي ستكون من بين الأكبر على مستوى العالم في 2021م، وتوقعت ارتفاع أعباء الديون الحكومية في المنطقة بنحو 21 نقطة مئوية مقارنة 14 نقطة مئوية في المتوسط للاقتصاديات الخليجية.

ومن جانبها، رجحت وكالة التقييم الائتماني العالمية أن ترتفع قيمة الدين الإجمالي لدول المنطقة بإضافة تصل إلى 100 مليار دولار في 2020م، هذا إضافة إلى توظيف أصول حكومية لتمويل العجوزات المالية للحكومات في دول مجلس التعاون والتي تقدرها الوكالة بحوالي 180 مليار دولار.

وبحسب تقديرات الوكالة يتوقع أن تبلغ قيمة العجوزات المالية الإجمالية المجمعة لدول المجلس 490 مليار دولار خلال الفترة من العام الجاري وحتى 2023م، أغلبها في السعودية (%55)، مقابل حصة 17% للكويت و11% لأبو ظبي. وتتوقع الوكالة تراجع العجوزات المالية لدول المجلس في العام المقبل مع التحسن في أسعار النفط، وترجح أن يصل سعر برميل برنت إلى 50 دولارًا في العام المقبل و55 في 2022م.

وسيحدث الاختراق من خلال هذا المفتاح إذا ما أقدمت المنظومة الخليجية على التضامن مع الدول التي تعاني أكثر من غيرها بسبب المديونية والعجز دون أن تكون هناك شروطا سياسية مسبقة، والتأثير السياسي سيكون موجودًا أصلاً، انطلاقًا من التأثير الإيجابي لهذا التضامن على الدول نفسها سواء في مواقفها أو الانفتاح على ملفات التكامل الاقتصادي.

 

 

المفتاح الثاني: نضوب النفط.

حتى لو انتهت الأزمتين " كورونا والنفط " فسيظل القلق ملازما للدول الخليجية في ضوء التقارير العالمية التي تشير إلى منظور قريب لنضوب النفط، يتفاوت من دولة خليجية لأخرى، أقربها نضوبًا، هي مسقط والدوحة وأعلاها الرياض، وفي آجال زمنية منظورة بالنسبة للأولى، وفق تقرير لشركة النفط البريطانية بريتش بتروليوم (بي بي) إذا ما استمرت الدول الخليجية في انتاجاتها الحالية، فيما تقول دراسة صادرة عن المجلس البريطاني لأبحاث الطاقة إن هناك إجماعًا عامًا على أن عهد النفط زهيد الثمن يلفظ أنفاسه الأخيرة. وتشير الدراسة كذلك أن أكبر عشرة حقول للنفط في العالم قد أخذ إنتاجها في التناقص.

وعلى الجانب الآخر، يرفض بعض المحللين فكرة نضوب هذه الإمدادات. ويقر محللون بصعوبة تحديد من على صواب ومن على خطأ في هذا الجدل، حيث يفتقر العالم إلى مقياس دقيق يمكن به قياس نضوب النفط.

ومهما يكن من صدقية التوقعات، فإن النفط مصيره للنضوب، وحتى في مرحلة نضوبه، فإن الدول النفطية لن تسلم من أزماته السعرية، وهذا في حد ذاته يبقي القلق مستمرًا، ويوجه الدول الخليجية نحو التفكير في تنويع مصادر دخلها عاجلاً ، وينبغي أن تجده متاحًا ضمن منظومة التكامل الاقتصادي ، وذلك لما تتمتع به كل دولة خليجية من ثروات طبيعية متعددة ومتنوعة، ويموغرافية واحدة، وأنظمة سياسية متناغمة ومتعايشة، وموقع جيواستراتيجي عالمي، ويمكن للدول الست من خلال هذه المقومات أن تصبح قوة اقتصادية عالمية تؤدي دورها في الاقتصاد العالمي بعد تكامل اقتصاداتها .

المفتاح الثالث: رحيل الجيل المؤسس.

وهذا المفتاح قد يكون إيجابيًا من منظور أن مسيرة مجلس التعاون الخليجي تحتاج إلى جيل جديد يواصل المسيرة بفكر الاستشراف، ويحررها من حالة الجمود التي شملت مسيرة التكامل الاقتصادي بعد العقبات التي تصطدم بها مشاريع الوحدة الاقتصادية، كالسوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي والاتحاد النقدي، وهذا آتٍ لا محالة، ورهاناتنا تكمن في عدة معطيات منها قد سبق ذكرها، ومنها تكمن في الآتي:

  • هاجس صناعة تاريخ جديد، وحساسية المساهمة في التفريط بمنجز القادة المؤسسيين.
  • جائحة كورونا وأزمة النفط وما تفرزه من رؤى تكاملية حتمية للدول الست.
  • عودة بريطانيا للمنطقة بثقلها العسكري والأمني والاقتصادي، وإمكانية أن تتقاطع مصالحها الجديدة بعد خروجها من بريكست في الوحدة الاقتصادية الخليجية والإقليمية إذا ما أخذنا بعين العقل مصالحها الاقتصادية في إيران.

المفتاح الرابع: التحول في دور الدولة الخليجية.

وهو تحول تاريخي وخطير، فمن الدور الرعائي، تتحول معظم الدول الخليجية إلى عصر الضرائب تحت وقع الأزمات المتواصلة التي بسببها تراجعت الإيرادات المالية الخليجية إلى النصف، فلم تجد كثير من الدول الست – ما عدا القليل -من خيار سوى الانصياع إلى أجندات صندوق والبنك الدولي، وخرجت سلطنة عمان عن تحفظاتها وفرضت ضرائب جديدة منذ يناير 2020 م.

وكانت الدول الخليجية الست قد وقعت على اتفاقيتين لتطبيق ضريبة القيمة المضافة بواقع 5%، والضريبة الانتقائية بنسب 100% و50 %، وتتوقع شركة " ارنست اند يونج " المتخصصة في التدقيق المالي والاستشارات الضريبية، أن يتجاوز إيرادات ضريبة القيمة المضافة في حالة تطبيقها بنسبة 5% 25 مليار دولار سنويًا، وقد قامت الرياض على رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة إلى 15% في يوليو الماضي.

ويرافق هذه الضرائب تبني سياسات مالية تتراوح من دولة إلى أخرى، لكن في مجملها، كانت عبارة عن تقليص نفقات الحكومات الإدارية والعامة ، ووقف التعيينات الجديدة والترقيات وتعليق مشروعات ضخمة، وبدأت في تنفيذ سياسة التسريح للعمالة الوافدة، وكانت مسقط أكثرها تشددًا في التحولات عبر إحالة الآلاف من الموظفين للتقاعد، وحدت من مستحقات رواتب جديدة للتعيين، مما سنشهد انخفاض رواتب حاملي شهادة الدكتوراه ودرجة البكالوريس، كذلك لجأت إلى تخفيض الموازنة المتعمدة لجميع الوحدات المدنية والعسكرية والأمنية لعام 2020م، بنسبة 10%، وكذلك رفع الدعم عن الوقود والكهرباء المياه، فيما رفضت الكويت المساس ببند الرواتب والأجور في موازنتها واتجهت الى إعادة النظر في أرقام ميزانية 2020 – 2021م، والعمل على إلزام الوزارات بتخفيض 20 % من ميزانيتها على الأقل .

ولن تكون تلكم الضرائب نهائية، وإنما هناك ضرائب أخرى مقترحة مثل " ضريبة الأعمال " وهي نوع من الضرائب المباشرة التي تفرض على أرباح المنتجين أو الموزعين للسلع والخدمات، وكذلك يدور الحديث عن فرض ضريبة بنسبة 10% على دخل الشركات المحلية والأجنبية.

وهذه التحولات التاريخية في كثير من الدول الست، ستؤثر من دون شك على الأوضاع الاجتماعية، فمنظومة الضرائب المتكاملة وما يصاحبها من سياسيات مالية تفقر مجتمعاتها وتقضي على الطبقة المتوسطة، وستبعثر منظومة الولاءات والانتماءات على مختلف الصعد الأفقية بعد ما كانت طوال العقود الماضية رأسية، وستكون تأثيراتها واضحة على تباطؤ حركة الاقتصاد وتكبد القطاع الخاص خسائر فادحة.

ومن يملك المال في الخليج، سيتمكن من كسب الولاءات والانتماءات، وهذه قضية ينبغي أن نعلي من شأنها هنا بالقول نخشى المال الإيراني والصهيوني الذي قد يغري الفقراء الجدد في الخليج، ولن تجد النخب الخليجية أمامها أي مقاومة لإغراءات المال، وبالتالي المجال هنا سيكون مفتوحًا لتوقع سيناريوهات مختلفة خاصة على الدول التي تتعمق كثيرًا في التحول نحو منظومة الضرائب ورفع الدعم.

التكامل الاقتصادي.. وعودة أهميته التاريخية

من خلال تلكم المفاتيح الهامة، وما تفرزه من تداعيات، نجد أن البوصلة تعيد التكامل الخليجي إلى مساره التاريخي، وتعيد صياغة مفهوم الأولوية من أحادية أمنية مثلما كانت سببًا لقيام المنظومة الخليجية عام 1981م، إلى ثنائية يضاف إليها الآن التكامل الاقتصادي الخليجي أكثر من أي وقت سابق، والحتميات تلح على تغليب عين العقل على عين العاطفة في التفكير السياسي الخليجي، فكل دولة بحاجة ماسة للأخرى لتحقيق خططها ورؤاها المستقبلية لتأمين استقرارها الاجتماعي والسياسي فنسبة قلقها وصلت إلى مستويات مرتفعة مع التباين فيما بينها، وهى مرحلة تنتج المرونة في المواقف الجامدة من قضايا التكامل الاقتصادي، ولا ينبغي تفويتها أبدًا.

وهناك مشترك واحد يجمع الكل، وهو الانعتاق من اعتمادها على النفط، وبناء منظومة متكاملة ومتبادلة لتنويع مصادر دخلها، وقد كان تحقيق المصالحة الخليجية في قمة الرياض في بداية يناير الماضي، خطوة ذكية مهما كانت التنازلات، ومهما قيل عنها، وفي الوقت الصحيح، لأنها تفتح الآن أبواب التكامل الاقتصادي أكثر من أي وقت مضى، فكل دولة خليجية قد وضعت رؤية استراتيجية بسقف طموحات عالية يمكن التنسيق بشأن تحقيقها من منظور التكامل الاقتصادي.

 

ولن تتضح الصورة كاملة إلا إذا علمنا بأن نجاح بعض الخطط الاستراتيجية يعتمد على الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية، فمثلا مسقط، فرؤيتها 2040 م، تعتمد على الاستثمارات الخاصة بنسبة 80%، وهذه الرؤية لوحدها تكشف لنا الحاجة للتكامل الاقتصادي الخليجي، فإذا لم تجد مسقط في إطار محيطها الخليجي العربي هذه الاستثمارات، فقد تدفع بها ضغوطاتها الداخلية إلى فتح نوافذ جغرافية أخرى غير خليجية.

سنتناول هذا المحور من ثلاثة اتجاهات هامة، وذلك على النحو الآتي:

أولا: المبادئ الحاكمة لانطلاقة التكامل القوية، ونحصرها في النقاط التالية:

  • التنسيق الأكبر والعميق بين الدول الست لتحقيق خططها الاستراتيجية.
  • توزيع منافع التكامل الاقتصادي بمعياري أصناف الدول ذات الوزن المالي والاقتصادي، وفي الوقت نفسه تحقيق طموحات الدول الأقل اقتصاديًا.
  • إقامة كيانات اقتصادية مشتركة في مجالات محددة من منظور، أن تقدم الدولة للدولة الأخرى ما تحتاجه من احتياجات تنقصها داخليًا، بحيث تكون العلاقة في هذه الحالة تكاملية بين المال واستغلال الموارد.

فالدول الست تتمتع بمقومات التكامل في شتى المجالات، الزراعية والسمكية والصناعية واللوجستية ومصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والحرارة .. بحيث يمكن من خلالها الدخول في شراكات تكاملية كالأمن الغذائي ، وحتى في الصناعات العسكرية .. لتحقيق الاكتفاء الذاتي للدول الست، وتجربة كورونا، وإغلاق الحدود الدولية، واحتكار الدواء .. تفتح الرؤى لمسار التكامل الاقتصادي الخليجي.

  • توزيع مقرات وهيآت التكامل الاقتصادي على مختلف دول المنظومة الخليجية دون استثناء.
  • إنشاء صندوق اجتماعي خليجي للخدمة الاجتماعية يهدف إلى تعليم الشباب الباحثين عن عمل أو لدواعي إحلال وتوطين الوظائف كجزء من منظومة حل قضية الباحثين عن عمل.
  • إدخال شركاء استراتيجيين للمنظومة الخليجية كاليمن بعد انتهاء الحرب، باعتبارها امتداد اقتصادي وجيوسياسي، وسوق كبيرة للمنطقة الخليجية، ولاحتوائه سياسيًا مهما كانت السلطة الحاكمة فيه.
  • انفتاح التكامل الخليجي مع الدول الشقيقة والصديقة داخل المنطقة وخارجها، بعد الدخول معها في تفاهمات سياسية استراتيجية تشكل مظلة للانطلاقة التكاملية معها.

ثانيًا: الخطط والرؤى الاستراتيجية للدول الست.

تبنت الدول الست خططًا ورؤىً استراتيجية تهدف الانتقال إلى عصر التحول الاقتصادي بدلاً من الاعتماد على النفط، وهذا التحول سيكون مبنيًا على وسائل التكنولوجيا الرقمية لمنافسة الدول المتقدمة، بحكم توفر كل المتطلبات التنموية في منطقة الخليج، والمتأمل في خططها سيلاحظ أن كلها تهدف إلى الالتحاق بمصاف الدول المتقدمة، وتحدد الدول أعوام 2030، 2035، 2040 لتحقيق خططها الاستراتيجية.

والتساؤل الذي يطرح هنا يدور حول نصيب التكامل الاقتصادي الخليجي في تحقيق خطط ورؤى كل دولة خليجية؟ وهذا التساؤل يعتبر الخطوة الثانية بعد خطوة المفاتيح الأربعة التي تفتح زمنيًا أبواب التكامل الاقتصادي، لو أخذنا مسقط مثلا، فسنجد أن خطة تنويعها الاقتصادي، تعتمد على الزراعة والأسماك والتعدين وقطاع اللوجستيات .. والرياض وأبو ظبي، تخطط لإقامة مصانع تكنولوجية وعسكرية واقتصادية عملاقة، وإنشاء مدن رقمية تعتمد على إنترنت الأشياء والأنظمة الإلكترونية والتطبيقات الذكية؛ وكذلك بناء أهم الجسور والمعابر البرية في العالم التي تربط بين قارتي آسيا وإفريقيا؛ منها جسر الملك سلمان بن عبد العزيز، وأبو ظبي معنية بالاستثمار الفضائي وجعله كمصدر من مصادر دخلها الوطني، والكويت طموحها في المركز المالي العالمي.

ومن هذا المشترك والتعدد، يمكن أن تشكل بوابات للتكامل الخليجي، بحيث تدخل الدول الست في شراكات استراتيجية ذات اعتماد متبادل ونفع مشترك، تحقق من خلالها خططها الاستراتيجية، وهنا ندعو الأمانة العامة للمنظومة الخليجية إلى تبني هذا المسار ودراسته عبر اللجنة الاستشارية لدول المجلس الخليجي والخبراء، وتقديمه عاجلاً لقادة الخليج، على أن يحكم عملها الانشغالات التالية:

  • السعي إلى تكامل اقتصادي أعمق وأكبر فيما بين الدول الست، بحيث يمكن لكل دولة أن تحقق خططها الاستراتيجية من خلال استكمال مقومات الوحدة الاقتصادية الخليجية التي أهم مقوماتها، السوق الخليجية المشتركة والاتحاد النقدي والاتحاد الجمركي.
  • إطلاق العنان للإمكانيات التي تسمح بتحقيق أولويات التكامل الاقتصادي الجماعي، كالتكامل الزراعي والسياحي والصناعي وفق رؤية خليجية اقتصادية مشتركة تؤسس لنهج جديد في التكامل الاقتصادي الخليجي لتحقيق الخطط والرؤى الاقتصادية لكل دولة ووفق المبادئ الحاكمة للتوجهات الجديدة التي أشرنا سابقًا.

وهذه الرؤية ينبغي أن تنطلق من الإنجازات التي تحققت في مجال التكامل الاقتصادي  دون أن تشكل العقبات السابقة التي جمدت مسيرة التكامل مثل الاتحاد النقدي، هواجس مرحلية مسبقة أو سابقة للتفكير الجديد، فالتحفظات التي أبدتها الدول كمسقط وأبوظبي والكويت بشأن الاتحاد النقدي مثلاً، لا ينبغي أن تحكم المرحلة الراهنة، ففيها قادة جدد مختلفين عن قادة التأسيس، وبلدانهم تعاني من صعوبات مالية وضغوطات اجتماعية متصاعدة، ولديهم طموحات كبيرة، فلا يمكن تحقيقها بمعزل عن التكامل الخليجي، كما لا يمكن أن  تخترق طموحات الدول الأخرى الكونية إلا عبر بوابة التكامل الاقتصادي الخليجي التي تشكل مجموعها ثقل ديموغرافي واقتصادي ووزن جيواستراتيجي عابر للكونية.

مقالات لنفس الكاتب