; logged out
الرئيسية / الوفاق الصيني-الهندي يخفف استراتيجية أمريكا لاحتواء الصين عبر تحالف العيون الخمس

العدد 159

الوفاق الصيني-الهندي يخفف استراتيجية أمريكا لاحتواء الصين عبر تحالف العيون الخمس

الأحد، 28 شباط/فبراير 2021

خلال رئاسة ترامب، كان يُنظر إلى الصين وروسيا وإيران بوصفهم "محوراً للقوى غير الغربية"، وعلى انهم يشكلون تحدياً لهيمنة الولايات المتحدة في آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا والشرق الأوسط على التوالي، ولقد تصاعدت المواجهة الصينية-الأمريكية من سيء إلى أسوأ بسبب الحرب التجارية والانفصال التكنولوجي الأمريكي عن الصين وتدخل واشنطن في مسائل هونج كونج وشينجيانغ وتايوان والتي اعتبرت من الشؤون الداخلية لجمهورية الصين الشعبية. ولقد كانت بكين وواشنطن تقريبًا على وشك "حرب باردة جديدة".

 

ولقد التقطت الصين أنفاسها بعد أن انتصر بايدن على ترامب في الانتخابات العامة، حيث كانت الصين في انتظار إعادة ضبط السياسة الخارجية للولايات المتحدة. فمن ناحية، يحضر بايدن لاستضافة مؤتمر الأنظمة الديمقراطية لحشد "الأصدقاء" في مواجهة الدول الاستبدادية والرجعية، ومن ناحية أخرى فإنه يستكشف توفيقًا مع "خصوم" الولايات المتحدة ويلمح إلى أن الصين هي أكبر التحديات خطورة، وفي الوقت نفسه شريك محتمل في مجالات معينة. ولهذا، فإن الصين ترحب بحذر بإدارة بايدن وتسعى لأرضية مشتركة مع تنحية الخلافات مع أمريكا جانبًا.

 

ويتصدر جدول أعمال بايدن –بحسب الصين-التعامل مع تحدياته المحلية، ومنها السيطرة على كوفيد-19 وتعافي الاقتصاد وتحقيق التوافق بين الحزبين. وعلى الصعيد الدولي، فلقد انضمت الولايات المتحدة مرة أخرى إلى المؤسسات متعددة الجنسيات كاتفاق باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية وهو ما اعتبرته الصين بادرة طيبة. وفي الحادي عشر من فبراير، أجرى كلا من الرئيس شي جين بينغ والرئيس بايدن مكالمة هاتفية؛ حيث اقترح شي إعادة بناء "نموذج جديد من علاقة القوى الكبرى" مع الولايات المتحدة استنادًا إلى مبادئ انعدام المواجهة والاحترام المتبادل والمبادئ المربحة للجميع والتي كان قد أثارها الرئيس شي جين بينغ خلال اجتماعه مع أوباما عام 2013م.

 

وعلى غرار الولايات المتحدة، تلتزم الصين بالسياسات المزدوجة من المنافسة والتعاون مع حكومة بايدن؛ فمن ناحية، كثفت الصين من تدريباتها العسكرية على طول مضيق تايوان وظلت حازمة حول مسائل تايوان وهونج كونج وشينجيانغ، مرسلة إشارة قوية إلى حكومة بايدن بأن جميع تلك المسائل "خطوط حمراء" وأن الصين لن تفرط فيها قط. ولقد حققت كلا من القوات الصينية والهندية فض اشتباك عشية السنة الصينية الجديدة في فبراير 2021م، الأمر الذي يفيد بأن الصين على استعداد أن تعزز منظمة شانغهاي للتعاون باعتبارها أحد المحاور. وقد يعمل الوفاق الصيني-الهندي على تخفيف استراتيجية الولايات المتحدة في المحيط الهندي المتمثلة في احتواء الصين عبر تحالف العيون الخمس (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وكندا ونيوزيلندا) وعبر "التحالف الماسي" (الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند).

 

ومن ناحية أخرى، تسعى الصين لتعاون بناء مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ إذ تتمثل المصلحة الأساسية للصين في المصالح الجغرافية-الاقتصادية التي تتوافق مع المصلحة الرئيسية للولايات المتحدة ممثلة في السطوة الجغرافية السياسية بوصفها الطرف المهيمن. وليس للصين أو الولايات المتحدة مصلحة حيوية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ فالاثنتان قوى قائمة، تتفاخران بتلاقي المصالح المتمثلة في ضمان تدفق النفط المستقر وتسوية النزاع والحوكمة العالمية.

بادئ ذي بدء، تشكل المسألة النووية الإيرانية الاهتمام المشترك لكلا من بكين وواشنطن؛ فلقد أنهت إدارة ترامب خطة العمل الشاملة المشتركة وأنشأت تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي (ما يسمى بالناتو العربي) وذلك مع دول مجلس التعاون الخليجي الست بالإضافة إلى الأردن ومصر بهدف تطويق إيران. كما أن اغتيال قاسم سليماني، القائد الإيراني في أوائل 2020م، وقتل محسن فخري زاده، العالم النووي الإيراني في أواخر 2020م، قد تسبب نوعًا ما في نشوب حروب في الخليج، ولقد أشارت إدارة بايدن إلى أنها ستخفف علاقاتها مع إيران وحتى أنها سترفع العقوبات ما دامت إيران تفي بالتزامها بتجميد أنشطتها النووية والحد من عدد أجهزة الطرد المركزي ووقف تسللها العسكري نحو العالم العربي. وتعد الصين الشريك التجاري الأكبر لإيران، كما أنها على استعداد أن تُحضر كلا من الولايات المتحدة وإيران إلى طاولة الحوار والقيام بدور الوسيط من أجل التوصل إلى اتفاقية عمل شاملة مشتركة ممكنة، حتى وإن تم ذلك بحذر، فمن شأنه توطيد التعاون الصيني-الأمريكي في منع الانتشار النووي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

 

ثانيًا، إن الصين على استعداد للتعاون مع الولايات المتحدة حول المسألة الفلسطينية؛ فخلال رئاسة ترامب، ونظرًا للضغط الأمريكي، حققت إسرائيل مصالحات دبلوماسية مع الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، والسودان، والمغرب، الأمر الذي يمثل طفرة دبلوماسية ملحوظة للإسرائيليين. ومع ذلك، رفضت السلطات الفلسطينية "صفقة القرن" كما رفضت المفاوضات مع الولايات المتحدة وتل أبيب. فيما قامت الصين بإنشاء آلية ثلاثية مع إسرائيل وفلسطين ودعت كلا الطرفين المتناحرين للاجتماع في بكين في 2018م، ونظرًا إلى تحمس بايدن لتعزيز عملية السلام في الشرق الأوسط، قد تقترح الصين "آلية رباعية" لعمية السلام في الشرق الأوسط بحيث تتكون من الولايات المتحدة والصين وإسرائيل وفلسطين؛ لأن الصين ربما تكون القوة الوحيدة التي لديها القدرة على إقناع السلطات الفلسطينية بالتفاوض مع إسرائيل. ويمثل هذا مجالاً آخر للتعاون الصيني-الأمريكي.

 

ثالثًا، تسعى الصين لوقف تصعيد النزاع وتقديم المساعدات الإنسانية مع الولايات المتحدة في اليمن وسوريا وليبيا، ولا تعد الصين أو الولايات المتحدة الجهات الفاعلة الرئيسية في مناطق النزاع الثلاث تلك، كما أنه ليس لبكين وواشنطن تنافس جغرافي-سياسي في المعارك الثلاث. وفي الواقع، تعد روسيا العنصر المهيمن في سوريا، وتعد إيران الجهة الفاعلة الرئيسية في اليمن، بينما لتركيا باع كبير في ليبيا. ولطالما كان لكلا من الولايات المتحدة والصين دور هامشي في الدول الثلاث مع تواجد عسكري محدود أو منعدم؛ ولهذا، تسعى كلا من بكين وواشنطن إلى حلول متعددة الأطراف للنزاعات في إطار الأمم المتحدة، خشية وقوع الأطراف المتناحرة في "وكالات" القوى الأخرى. وفي يناير 2021م، أدرجت إدارة بايدن المتمردين الحوثيين في اليمن ضمن الإرهابيين عقب إنذارات الأزمة الإنسانية، كما أمرت الولايات المتحدة بوقف ومراجعة مبيعات الأسلحة الأمريكية للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك مبيعات الصواريخ دقيقة التوجيه لصالح المملكة العربية السعودية، وهو ما اعتبرته الصين مسعى الولايات المتحدة لتقييد حلفائها بهدف تخفيف المواجهة مع إيران.

 

وباختصار، تسلك الصين مسارًا هجوميًا في آسيا-المحيط الهادئ بينما تسلك مسارًا دفاعيًا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ففي مناطق آسيا-المحيط الهادئ، يتسم نظام التحالف العسكري بقيادة الصين والولايات المتحدة بالتناقض الهيكلي، ولهذا، فإنهما يتصادمان بخصوص المصالح الجغرافية السياسية وبخصوص النظام الإقليمي. إن مبادرة الحزام والطريق، ومنظمة شانغهاي للتعاون، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ومجموعة البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، بين أمور أخرى، تعتبر مؤسسات متعددة الأطراف تقودها الصين في مواجهة المؤسسات الليبرالية التي تقودها الولايات المتحدة. ومع ذلك، تعد الصين أكثر ارتياحًا في الشرق الأوسط وأكثر نشاطًا في تعزيز التعاون الصيني-الأمريكي لبناء الثقة المتبادلة، فما دامت تضمن بقاء أسواقها التجارية وأسواق الطاقة والاستثمار والجيل الخامس، فإن بكين ستنظر بعين الرضا الى النظام الإقليمي الذي تقوده الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشمال أفر يقيا.

مقالات لنفس الكاتب