; logged out
الرئيسية / تنامي دور حلف الناتو في العراق ومنطقة الشرق الأوسط متغير مهم تجاه إيران

العدد 160

تنامي دور حلف الناتو في العراق ومنطقة الشرق الأوسط متغير مهم تجاه إيران

الإثنين، 29 آذار/مارس 2021

" إيران مصدر قلق لأنها مسؤولة عن أنشطة مزعزعة لاستقرار المنطقة، نحن قلقون إزاء برنامجها الصاروخي، ونحن بالتأكيد قلقون  إزاء تطوير إيران سلاحاً نووياً"  تصريحات أدلى بها ينس ستولتنبرج الأمين العام لحلف شمال الأطلسي"الناتو" لمحطة سي إن إن الإخبارية الأمريكية في الثاني والعشرين من فبراير 2021م، وتعكس ليس فقط مخاوف حلف الناتو من القدرات النووية الإيرانية بل دخول الحلف على خط التفاعلات في تلك القضية بعدما نأى الحلف عن الانخراط في المسألة النووية الإيرانية لسنوات مضت،وتثير تلك التصريحات ثلاثة تساؤلات أولها: ما هي محددات رؤية حلف الناتو للتهديدات النووية الإيرانية وآليات الحلف لمواجهتها؟ وثانيها: ما هي مساحات الالتقاء بين رؤية الناتو والاتحاد الأوروبي بشأن التهديدات الإيرانية وتأثير ذلك على الضغوط تجاه إيران؟ وثالثها: هل ثمة حلول تلوح في الأفق للمسألة النووية؟ أم أنه يجب على الناتو والاتحاد الأوروبي إدارة الأزمة ضمن سياقات دولية أكبر ليس أقلها إرهاصات حرب باردة جديدة وتقسيم النفوذ بين القوى الدولية وبشكل أكثر وضوحاً في منطقة الشرق الأوسط؟ وسوف تقدم هذه الرؤية إجابات لتلك التساؤلات.

 أولاً: محددات وآليات حلف الناتو لمواجهة مخاطر البرامج النووية الإيرانية

 لعله من الخطأ اختزال موقف الناتو تجاه تهديدات إيران النووية في المنظور الثنائي بين الحلف وإيران، لأسباب عديدة ليس أقلها أن الناتو لاينخرط في صراعات خارج أراضيه سوى بشروط محددة،إلا أن ذلك لايعني أن الحلف كان بعيداً عن المسألة النووية الإيرانية، فعندما تم توقيع الاتفاق النووي الإيراني في يوليو عام 2015م، قال الأمين العام للحلف" هناك أهمية للتنفيذ الكامل للاتفاق النووي وأن يتم تنفيذ آليات التحقق من التزام إيران ببنوده كاملة" ،ولايقتصر موقف الناتو على المسألة النووية بل يستهدف الحلف "تحجيم النفوذ الإيراني" لثلاثة  أسباب السبب الأول: إدراك الحلف لمسار الشراكات الاستراتيجية بين إيران وخصوم الحلف"روسيا والصين" وبالتالي زيادة نفوذ إيران لن تكون سوى زيادة نفوذ هؤلاء المنافسين المناوئين للحلف على جبهتيه الجنوبية (التدخل الروسي في الأزمة السورية عام 2014م) والشرقية (ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في العام ذاته) بالإضافة لسعي هؤلاء الخصوم لإيجاد نقاط تمركز استراتيجي في مناطق شراكات الناتو سواء في شمال إفريقيا أو الخليج العربي، والسبب الثاني:أنه ضمن تحول استراتيجيات حلف الناتو بعد انتهاء حقبة الحرب الباردة ومن أهمها سعي الحلف للتصدي للتهديدات الأمنية قبيل وصولها لأراضي دول الحلف وهو ما تضمنه صراحة المفهوم الاستراتيجي للحلف والصادر عام 2010م، فإن للحلف مصلحة استراتيجية في الحفاظ على توازن القوى في المناطق التي يحظى فيها بشراكات استراتيجية (الحوار المتوسطي1994م ، مبادرة استانبول2004م) وفي ظل سعي إيران لتطوير ليس فقط أسلحة نووية بل برامج صاروخية بإمكانها حمل تلك الأسلحة سواء لدول الجوار أو الدول الأوروبية فإن ذلك يمثل تحدياً هائلاً لحلف الناتو الأمر الذي حدا بالأمين العام للحلف للقول " إن ما يقلق الناتو هو ذلك المزيج بين قرب إيران من تطوير سلاح نووي وقدرتها على إيصاله عبر برنامجها الصاروخي"، والسبب الثالث:أنه من بين المصالح المتعددة لحلف الناتو سواء في منطقة الخليج العربي أو الشرق الأوسط عموماً موضوع أمن الطاقة وبالتالي لم يكن مستغرباً تأكيد ينس ستولتنبرج الأمين العام لحلف الناتو في سبتمبر 2019م، أن"إيران تزعزع استقرار المنطقة بالكامل" وأضاف" ندعو جميع الأطراف للتوقف عن تكرار مثل هذه الهجمات لأنها قد تخلف آثاراً سلبية على المنطقة بأكملها، كما أننا نشعر بقلق كبير من التصعيد" حيث جاءت تلك التصريحات في أعقاب الهجوم الذي تعرضت له منشآت حيوية تابعة لشركة أرامكو في المملكة العربية السعودية في سبتمبر من العام ذاته. 

وبرغم المخاطر التي ترتبها إيران لمصالح الحلف الحيوية سواء في الخليج العربي أو الشرق الأوسط عموماً فإن ذلك لايعني بالضرورة أن لدى الحلف خططاً عسكرية لمواجهة تلك التهديدات ولكن للحلف آليات أخرى  ومنها ممارسة الردع وذلك استناداً إلى الفجوة الهائلة بين القدرات العسكرية للناتو ونظيرتها الإيرانية، فضلاً عن سعي الحلف للتمركز في نقاط تماس استراتيجي مع إيران ومن ذلك قرار وزراء دفاع الناتو في أعقاب اجتماعهم في فبراير 2021م، بزيادة بعثة الناتو في العراق من 500 إلى 4000 فرد أي ثمانية أضعاف وعلى الرغم من أن وجود تلك البعثة يعود للعام 2004م، لغرض تدريب قوات الأمن العراقية وصدور بيان رسمي من الحلف مفاده أن الغرض من تلك الزيادة هو منع ظهور تنظيم داعش فإن معهد أبحاث السياسة الخارجية في الولايات المتحدة الأمريكية قد نشر تقريراً في فبراير 2021م، تضمن أن هناك ثلاثة أسباب قد حدت بالناتو لزيادة قواته في العراق الأول: إصلاح العلاقات الطبيعية بين الولايات المتحدة والحلف، والثاني:منع ظهور تنظيم داعش ومواجهة النفوذ الإيراني،والثالث: تعزيز جهود الردع الغربية لروسيا في شرق أوروبا.          

ثانياً: مساحات الالتقاء بين الرؤى الأطلسية والأمريكية والأوروبية بشأن البرامج النووية الإيرانية:

 على الرغم من وجود تداخل كبير بين حلف الناتو والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، فالأخيرة أكبر المساهمين في ميزانية الحلف بنسبة تبلغ 75%، وهناك 22 دولة أوروبية تنتمي لمنظومة الاتحاد الأوروبية وحلف الناتو في الوقت ذاته، فإن ثمة تباينات في مواقف الأطراف الثلاثة ولو نسبياً.

فالإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس بايدن تنتهج نهجاً مغايراً للرئيس ترامب فقد أكد أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي الجديد على أن الولايات المتحدة سوف تعود  للاتفاق النووي إذا عادت إيران للإلتزام بالشروط المنصوص عليها فيه، فضلاً عن تصريح روبرت مالي المبعوث الأمريكي الخاص بإيران في العاشر من مارس 2021م، بالقول"الولايات المتحدة  أوضحت لإيران أنها مستعدة للانخراط في عملية دبلوماسية جادة لتحقيق عودة متبادلة إلى الاتفاق النووي من خلال دبلوماسية مباشرة وذلك وفقاً لقاعدة الالتزام مقابل الالتزام"، وواقع الأمر أن تلك التصريحات تعيد التأكيد على حقيقة مؤداها أن المخاطر الإيرانية  لاتختزل في المسألة النووية بل السياسات الإيرانية المزعزعة للأمن الإقليمي بما يهدد المصالح الأمريكية ،فضلاً عن مصالح شركائها الإقليميين، وربما أبدت الإدارة الأمريكية ما يمكن اعتباره بعض المرونة ليس تجاه التهديدات الإيرانية ولكن إزاء آلية الحوار بالموافقة على حضور اجتماعات غير رسمية مع إيران من خلال الوسيط الأوروبي لبحث إمكانية إحياء الاتفاق النووي، إلا أن إيران تنتهج سياسة ذات أضلاع ثلاثة ضمن إدارتها للملف النووي ابتداءً "بالتمنع" ومضمونها العودة خطوة للوراء رداً على أي خطوة للأمام من جانب الولايات المتحدة، ومروراً بالإعلان بشكل دائم الإبقاء على قناة اتصال مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنها توصل الوكالة لاتفاق فني مؤقت مع إيران في فبراير 2021م وبموجبه سوف تواصل الوكالة عمليات التفتيش الضرورية لمدة ثلاثة أشهر، وسوف تواصل إيران تنفيذ اتفاقية الضمانات الشاملة التي ستمح بمراقبة منشآتها النووية المعلنة مع الأخذ في الاعتبار استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم بمعدلات مرتفعة في انتهاك للاتفاق النووي، وانتهاءً باستمرار ترسيخ الشراكات مع القوى الدولية المناوئة للولايات المتحدة "روسيا والصين، وفي الوقت ذاته استمرار الإعلان عن تطوير البرامج الصاروخية كان آخرها إعلان إيران نجاح تجربة إطلاق صاروخ جديد قادر على حمل قمر اصطناعي يصل وزنه 220 كجم على ارتفاع 500 كم، أما جوزيب بوريل الممثل الأعلى للسياسة الخارجية فقد أوضح موقف الاتحاد بالقول"يجب أن نعود للتطبيق الكامل للاتفاق النووي الإيراني سواء فيما يتعلق بالالتزامات النووية أو رفع العقوبات" وأضاف"مهمتي هي المساعدة في خلق مساحة للدبلوماسية وإيجاد حلول والعمل جار بهذا الصدد"،أما الأمين العام لحلف شمال الأطلسي"الناتو فقد قال" إيران مصدر قلق لأنها مسؤولة عن أنشطة مزعزعة لاستقرار المنطقة " وأضاف" نحن قلقون إزاء برنامجها الصاروخي"، بينما تتمثل مخاوف حلف الناتو كما سلفت الإشارة ليس بشأن تطوير إيران لقدرات نووية فحسب بل وسائل إيصالها من خلال صواريخ بعيدة المدى.

 ومع أهمية مواقف الأطراف الثلاثة المشار إليها فإنها تعكس ثلاثة أمور الأول: مع اتفاق رؤى الأطراف الثلاثة على أهمية العودة للاتفاق النووي إلا أن ذلك لاينفي زيادة المخاوف بشأن البرامج الصاروخية الإيرانية والتي لم تكون ضمن الاتفاق المشار إليه وعما إذا كانت هناك توافقات بين الأطراف الثلاثة على ضرورة أن يكون هناك ملحقاً إضافياً للاتفاق بشأن البرامج الصاروخية والتي تعد الخطر الأكبر من البرامج النووية ذاتها وهو ما ترفض إيران التفاوض بشأنه، والثاني:أنه في ظل ما يمكن اعتباره "مرونة" من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تجاه إيران، فإدارة الرئيس بايدن أعلنت عبر رسالة لمجلس الأمن سحب طلب سابق للرئيس ترامب فرض كل العقوبات الأممية على إيران، بالإضافة للتخفيف من قيود السفر المفروضة على دبلوماسي البعثة الأممية الإيرانية لدى الأمم المتحدة،أما الاتحاد الأوروبي فقد أوقف خططاً لانتقاد إيران في الوكالة الدولية للطاقة الذرية من خلال قرار كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا الامتناع عن إحالة مشروع قرار للوكالة يتنقد إيران وذلك حفاظاً على الجهود الدبلوماسية الأوروبية،إلا ان ذلك لم يثن إيران عن موقفها المتشدد وعلى نحو خاص الموافقة الذهاب لمائدة التفاوض برعاية أوروبية، بل أنها تطلب ضمانات لرفع العقوبات وهو ما قوبل بالرفض الأمريكي، والثالث: على الرغم من دعم الدول الأوروبية ومنها فرنسا على نحو خاص توسيع إطار التفاوض ليشمل أطرافاً إقليمية فإن ذلك لم يعكس موقفاً موحداً سواء من جانب الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة أو حلف الناتو، بل أنه هناك ما يبدو أنه انقسام في الكونجرس الأمريكي بشأن عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي، وفي هذا الإطار يشار إلى تصريح السيناتور جيمس ريش زعيم الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس بالقول" إن العودة إلى الاتفاق لايجب أن تكون مطروحة على الطاولة" وأضاف" إيران مستمرة في اختبار إدارة بايدن" بل أن بوب منندير رئيس اللجنة والذي ينتمي للحزب الديمقراطي قال أنه" يعارض العودة إلى الاتفاق النووي دون شروط جديدة"، إلا أن الموقف الأمريكي قد تضمن غير ذي مرة التأكيد على أخذ هواجس حلفاء الولايات المتحدة بشأن التهديدات الإيرانية في الاعتبار عند العودة للمفاوضات مجدداً، ففي جلسة استماع له في العاشر من مارس 2021م، في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي تعهد وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن " بعدم إنجاز أي اتفاق محتمل مع ايران إلا بعد التشاور مع الكونجرس، وكذلك مع حلفاء الولايات المتحدة، وخاصة في المنطقة الذين لديهم هواجس في ما يتعلق ليس فقط بخصوص البرنامج النووي الايراني بل أيضاً في ما يتعلق ببرنامج طهران للصواريخ الباليستية".

ثالثاً: القوى الثلاث والبرامج النووية الإيرانية: حل الأزمة أم إدارتها؟

 مع أهمية  تحليل المواقف السابقة تجاه إيران فإن ذلك لاينفي أن تلك التفاعلات تدور في سياق إقليمي وعالمي بالغ التعقيد، صحيح أن الولايات المتحدة الأمريكية لاتزال على قمة النظام العالمي حتى وإن شهدت أولوياتها تغيراً سواء بسبب تداعيات جائحة كورونا التي جعلت للداخل الأمريكي أولوية على ما عداها من قضايا أخرى أو في ظل توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة التي لاتبدي رغبة في الانخراط في الصراعات الإقليمية والتأكيد على حلها بالسبل الدبلوماسية وكانت الرسائل الأولية من تلك الإدارة واضحة في هذا الشأن، إلا أن ذلك لاينفي وجود مناخ دولي يشهد ما يمكن اعتباره "مناوءة" القوى الكبرى للولايات المتحدة ومحاولة الاستفادة من عدم انخراطها في الصراعات الإقليمية ومنها اليمن وسوريا والعراق وشرق البحر المتوسط، بما يعني أننا ربما نشهد إرهاصات حرب باردة جديدة عبر عنها بوضوح السيد أحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية بالقول" إن العالم مقدم على شكل جديد من العلاقات بين القوى الكبرى، وإن الصعود المتسارع في قوة الصين قد يُدخل العالم في حرب باردة لن تكون بالضرورة على نمط الحرب الباردة نفسها بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي" وأضاف أن" الدول العربية قد تجد لديها هامشاً أكبر للمناورة في ظل وجود قوتين متنافستين على قمة الهرم الدولي، غير أن أوضاع هذا التنافس ستضع أيضاً قيوداً على الحركة حيث تسعى كل قوة عُظمى إلى استقطاب الحلفاء"،ذلك المناخ الذي تسعى إيران لتوظيفه بشكل كبير سواء من خلال التقارب مع كل من روسيا والصين،صحيح أنه يوصف بأنه تقارب الضرورة بالنظر إلى وجود بعض التناقضات – ولو بشكل نسبي- في المصالح بين إيران وروسيا وربما أكثر وضوحاً في المسألة السورية، إلا أن إيران ترى في ذلك المناخ فرصة مواتية ضمن إدارتها للملف النووي مع الدول الغربية وخاصة في ظل استعداد روسيا لاستخدام حق الفيتو لإجهاض أي قرارات أممية ترى أنها تتعارض والمصالح الإيرانية،وما تردد بشأن تأجير إيران قواعد عسكرية لروسيا لِأعوام ليست بالقليلة،أما علاقات إيران مع الصين فتشهد تنامياً واضحاً، ففي تصريحات للسفير الإيراني لدى الصين في ديسمبر 2020م قال "إن الصين مازالت الشريك التجاري الكبير لايران وأن العام 2021م، هو العام الخمسون لبدء العلاقات الرسمية بين البلدين وينبغي الاستفادة من هذه الفرصة لتعزيز العلاقات"،فضلاً عما تردد بشأن استمرار المفاوضات بين إيران والصين بشأن إبرام وثقة للتعاون الاستراتيجي لمدة 25 عاماً، والتي ربما تتضمن منح قواعد عسكرية وجزر إيرانية للصين.

وبغض النظر عن صحة المعلومات السابقة من عدمه حيث أنه من الصعوبة بمكان التعرف على مضامين تلك الاتفاقات بشكل كامل فإنها تعد مؤشراً واضحاً على  سعي إيران لتوظيف تناقضات المصالح بين الولايات المتحدة وحلف الناتو وكل من روسيا والصين، اللذان يعتبرهما الحلف التحدي الأول، ففي تصريح له  في فبراير 2021م، قال تود والترز القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي "الناتو" في أوروبا أن " الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين، يشعرون بقلق متزايد إزاء تنامي التعاون بين روسيا والصين في المجالات ذات الاهتمام المشترك" وأضاف" التعاون المتزايد يوحي بالفعل بظهور شراكة" وقال" نحن يقظون للغاية فيما يتعلق بهذا التعاون المتزايد"، فضلاً عن عدم وجود توافق تام بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشأن معاداة كل من الصين وروسيا، وتجدر الإشارة إلى تصريح  أندريس فوج راسموسن الأمين العام السابق لحلف الناتو بالقول" من الصعب على الاتحاد الأوروبي تحقيق الوحدة عندما يتعلق الأمر بانتقاد الحكومة الصينية، في ظل حصول الصين على أكثر من ضمانات اقتصادية من خلال اتفاقية الاستثمار مع الاتحاد الأوروبي والتي تم توقيعها في ديسمبر 2020م ، والتي ربما تحتاج لعام آخر لدخولها حيز التنفيذ "،بالإضافة إلى نجاح روسيا تقديم مساعدات طبية عديدة لعدد من الدول الأوروبية إبان جائحة كورونا وتأثير ذلك على إمكانية بلورة موقف أوروبي موحد ضد روسيا في سياساتها التي ترى الدول الأوروبية أنها تتعارض ومصالحها.

وتأسيساً على ما سبق فإن التساؤل الجوهري الذي يطرح ذاته: هل لدى حلف الناتو والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خططاً أو بالأحرى استراتيجيات لحسم الملف النووي الإيراني؟ أم أن القوى الثلاث سوف تكتفي بإدارة ذلك الملف على الأقل خلال السنوات الأربع لحكم الرئيس بايدن؟

ولا تخلو الإجابة عن ذلك التساؤل من تعقيد في ظل عدم وجود آليات جماعية مشتركة لممارسة الضغوط على إيران، ولكن بافتراض استمرار المسألة النووية الإيرانية لفترة من الزمن خلال حكم الرئيس بايدن فيجب قراءة تطورات ذلك الملف في ضوء خمسة اعتبارات مهمة الأول: على  الرغم من وجود عدة قضايا خلافية بين الولايات المتحدة وروسيا فإن الأخيرة لن تقوم بالتضحية بمصالحها لأجل دعم إيران إلى ما لا نهاية بل إن القضية الإيرانية هي إحدى قضايا المساومات الروسية مع الولايات المتحدة ضمن قضايا خلافية عديدة بل أن روسيا وافقت في سنوات سابقة على فرض عقوبات على إيران، والثاني: وجود رغبة واضحة من جانب دول الخليج العربي أن تكون جزءًا من المفاوضات مع إيران بما يعني زيادة الضغوط الإقليمية على إيران ليس فقط لإبداء مرونة وشفافية بشأن برامجها النووية ولكن للحد من التدخلات في شؤون دول الجوار وهو ما تؤكده تقارير أممية عديدة بما يعني تعقيد المشهد الإقليمي أمام إيران، والثالث:أنه حتى بافتراض وجود توجهات أمريكية بعدم التورط في الصراعات الإقليمية فإن تنامي دور حلف الناتو سواء في العراق أو من خلال شراكاته الإقليمية هو تطور لابد وأن يؤخذ بعين الاعتبار من جانب إيران في ظل قدرات الحلف العسكرية الهائلة ووجوده ضمن نقاط تماس استراتيجي مع إيران، والرابع: تغير النخبة الحاكمة في إيران في أعقاب الانتخابات الرئاسية القادمة والمقررة في يونيو 2021م، وربما لايكون هناك تحولات كبيرة حيث أن الملف النووي يدار بدرجة كبيرة من جانب المرشد الأعلى، إلا أن ذلك العامل لابد وأن يؤخذ بعين الاعتبار، والخامس: واقع سياسات الردع تجاه إيران وخاصة فيما يتعلق بأمن الطاقة، حيث شهدت المنطقة تأسيس تحالفين وهما التحالف العسكري البحري لحماية الملاحة في الخليج العربي 2019م، بقيادة الولايات المتحدة، البعثة الأوروبية لمراقبة الملاحة البحرية في مضيق هرمز2020م، والتي تقودها فرنسا، بالإضافة إلى ما تردد عن وجود جهود أمريكية (تم الإعلان عنها إبان الأسابيع الأخيرة من حكم الرئيس دونالد ترامب) لتشكيل قوة متعددة الجنسيات للتدخل السريع في المنطقة للمساعدة في حالات الكوارث الطبيعية المفاجئة والأزمات الإنسانية ومواجهة التصرفات العدائية في البحر، وجميعها آليات لا تؤسس لواقع إقليمي جديد فحسب بل أنها تمثل قوة ردع للسياسات الإيرانية التي تمثل تهديداً للأمن الإقليمي والأمن العالمي على حد سواء.  

وفي ظل صعوبة التكهن بما سوف يؤول إليه الملف النووي الإيراني لارتباط ذلك بملفات إقليمية وعالمية فإن مدى نجاح حلف الناتو والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في ممارسة ضغوط على إيران للعودة إلى مائدة التفاوض سوف يبقى مرتهناً بثلاثة أبعاد، البعد الأول: مدى نجاح الأطراف الثلاثة المشار إليها في إيجاد حالة من الإجماع سواء فيما يتعلق بآلية التفاوض مع إيران أو مضمون ذلك التفاوض وأطرافه حتى لاتتاح لإيران ثغرات يمكن من خلالها الالتفاف حولها وتوظيفها ضمن إدارتها للأزمة النووية، والبعد الثاني: مدى نجاح الدول الغربية عموماً في تفكيك الشراكات بين إيران وكل من روسيا والصين اللتان لهما مصالح مشتركة ضمن دوائر أكبر نطاقاً من منطقة الشرق الأوسط ذاتها في ظل ما يبدو أنه بدايات حرب باردة بمضمون وآليات جديدة بشكل مغاير لسابقتها إبان حقبة الاتحاد السوفيتي السابق، فعلى الرغم من وجود خلافات حادة بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا، فإنه توجد قنوات للحوار، حيث التقى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي الأمريكي جايك سوليفان في الثامن عشر من مارس 2021م، مع نظيره الصيني وزير الخارجية وانج يي وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي يانج جيتشي وذلك في أول لقاء بين مسؤولي البلدين منذ تولي الرئيس بايدن سدة الحكم،بالإضافة إلى وجود مجلس الناتو- روسيا والذي تأسس عام 2002م، كآلية للتنسيق السياسي والعسكري بين حلف الناتو وروسيا والذي عقد عدة اجتماعات منذ تأسيسه، أما البعد الثالث: فيتمثل في قدرة الدول الكبرى على تأسيس تحالفات إقليمية  تضم القوى الكبرى وحلف الناتو في الوقت ذاته بما يمثل  ضغوطاً على إيران في رسالة مفادها أن المخاوف الإقليمية والعالمية تتجاوز المسألة النووية لتطال كافة السياسات الإيرانية المزعزعة للاستقرار الإقليمي والمصالح الحيوية للدول الكبرى في المنطقة، ويمكن أن يكون لتلك التحالفات مرجعية أممية ومن ذلك على سبيل المثال القرارات الأممية التي أتاحت للناتو التدخل في الأزمة الليبية عام 2011م وكذلك القرارات الأممية لمكافحة القرصنة قبالة سواحل الصومال والقرن الإفريقي عامي 2008م و2009م، والتي بموجبها شارك الحلف كذلك في الجهود الدولية لمواجهة ذلك  التهديد.  

 ومجمل ما سبق أنه بغض النظر عن وجود تباينات في مواقف حلف الناتو والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن مقاربات حل أزمة البرنامج النووي الإيراني، فإن ذلك لايصل لحد التصادم في الرؤى بين مواقف القوى الثلاث، بل إن تنامي دور حلف الناتو سواء في العراق أو في منطقة الشرق الأوسط عموماً متغير مهم لابد وأن يؤخذ بالاعتبار من جانب إيران ليس على صعيد الملف النووي الإيراني فحسب بل التدخلات الإيرانية في شؤون دول الجوار الإقليمي والتي لن تكون محلاً لتساهل من جانب القوى الثلاث.  

مقالات لنفس الكاتب