; logged out
الرئيسية / لا تستطيع إسرائيل ضرب المفاعل الإيراني لكن تريد توريط أمريكا

العدد 160

لا تستطيع إسرائيل ضرب المفاعل الإيراني لكن تريد توريط أمريكا

الإثنين، 29 آذار/مارس 2021

أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي بايدن العودة لاتفاقية المفاعل النووي الإيراني بعد أن كانت إدارة الرئيس ترامب قد انسحبت منها عام 2018م، وأعلن بايدن أن الدبلوماسية هي الأداة الرئيسة لتحقيق المصالح الأمريكية، وأن القوة الناعمة التي تقوم على القيم الأمريكية بالمساواة وحقوق الإنسان والعدالة هي نهج الإدارة الأمريكية في التعامل مع الدول الأخرى، وكان بايدن نائبًا للرئيس أوباما عند إبرام اتفاقية المفاعل النووي 2015م، ضمن ما يعرف بمجموعة 5+1، الدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بالإضافة إلى ألمانيا الاتحادية، ورغم التصريحات المتبادلة والتصعيد أحياناً بين واشنطن وطهران، فالعودة للاتفاق هدف استراتيجي عند الطرفين وصفحة جديدة بينهما فتحت، لأن إدارة بايدن كما أعلنت إدارة أوباما سابقًا، أن المصالح الحيوية الأمريكية في المحيط الهادي –الآسيوي ـ وأن الشرق الأوسط لم يعد حيويًا كما كان سابقًا خلال الحرب الباردة. وكما جاء في الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي الأمريكي ( ( Interim National Security Strategic  Guidance الذي صدر عن البيت الأبيض،  مارس 2021م، فإن الأولوية للوضع الداخلي الأمريكي وتوحيد الشعب الأمريكي ووباء كورونا-19، وفي السياسة الخارجية تأتي الصين وجوارها  في المرتبة الأولى في استراتيجية إدارته والعلاقة مع الهند واليابان وفيتنام، وفي الشرق الأوسط  يؤكد الدليل على أمن إسرائيل أولا وعلى ردع إيران ومنع تدخلها في الدول المجاورة لها وحل أزمة اليمن، والمتتبع للسياسة الأمريكية حول قضية المفاعل النووي الإيراني ليس المفاعل في حد ذاته بل القيادة السياسية التي تسعى لامتلاك السلاح النووي، وأن بداية المشروع النووي كانت البداية تعود للدعم الأمريكي للشاه لبناء المفاعل النووي. 

الولايات المتحدة والمفاعل النووي الإيراني والشاه"

أيدت إدارة الرئيس ايزنهاور عام 1953م، مشروع  بناء مفاعل نووي في إيران  ضمن برنامج Atoms for Peace program، ولكن أول مفاعل حصلت عليه إيران من الولايات المتحدة 1967م، (5 ميغاوات)، وأنشأت مفاعل بحث طهران (TRR) لتخصيب اليورانيوم بمعدل 600 غرام بلتونيوم سنوياً، وتعاونت إيران أيضًا مع ألمانيا، وفرنسا، وناميبيا، وجنوب إفريقيا في عهد النظام العنصري وكلفت طهران شركة Kraftwerk الألمانية لبناء مفاعل بوشهر على ساحل الخليج العربي، وفي عام 1974م، أسست إيران منظمة الطاقة الذرية الإيرانية (AEOI)، وكان الهدف توفير الطاقة الذرية في حالة تراجع البترول والغاز الطبيعي الإيراني، وفي عام 1975م، وقع هنري كسينجر مذكرة قرار الأمن القومي (National security Decision Memorandum 292  April 22 1975))،  والتي تنص على التعاون الأمريكي ــ الإيراني في المجال النووي ووقع الرئيس فورد قراراً إدارياً يتيح لإيران شراء وتشغيل منشأة لفصل البلوتونيوم، فقد فتح كيسنجر أبواب التسلح لإيران وشراء الأسلحة بلا حدود، لأن الشاه كان وفقاً لمبدأ نيكسون، يمثل في نظر واشنطن شرطي الخليج ويمد إسرائيل بالبترول والتعاون بين الموساد والسافاك، ولكن مع سقوط نظام الشاه 1979م، حدث توتر في العلاقات الأمريكية ــ الإيرانية، أثر على استمرار التعاون في المجال النووي، واستغلت إيران الحرب العراقية- الإيرانية وبنت سراً مفاعلها النووي في أصفهان 1984م، بمساعدة الصين وألمانيا، وفي عام 1987م، تردد أن إيران استعانت بخبرات عبد القادر خان وهو العالم الباكستاني الذي يعتبر أبو القنبلة النووية الباكستانية، وضغطت الولايات المتحدة على باكستان ودول أخرى بوقف تزويد إيران بالتنقية النووية، والجدير بالذكر أن مهندس الصواريخ في الهند  أبو بكر عبد الكلام الذي عرف "الرجل الصاروخ " وتولى رئاسة الهند (2002 -2007)، مما يعكس تفوق العلماء المسلمين، وعقدت إيران عام 1992م، صفقة مع كوريا الشمالية مقابل مبالغ مالية للحصول على الصواريخ البالستية التي تسعى واشنطن لإدخالها  في المفاوضات القادمة وترفض إيران مناقشتها .

 

كانت المعارضة الإيرانية قد سربت للاستخبارات الغربية عام 2002م، معلومات عن بناء إيران مفاعلاً نوويًا سريًا ونشرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية 2004م، وثيقة عن المفاعل النووي واكتمال بنائه، وقد أيدت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا بناء إيران مفاعلاً نوويًا للأغراض السلمية، ولكن بدأت الخلافات الأوروبية والأمريكية عام 2005م، مع انتخاب أحمدي نجاد رئيساً لجمهورية إيران وهو يمثل التيار المحافظ المتشدد في إيران وأخذت الشكوك أن بناء المفاعل النووي ليس لأغراض سلمية بل لبناء القنبلة النووية.

بدأت عام 2009م، المفاوضات الأمريكية وبقية الدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن الدولي  فيما عرف مجموعة 5+1 لمنع تطوير إيران مفاعلها النووي لإنتاج القنبلة الذرية، واستعملت إدارة أوباما دبلوماسية الترضية مع إيران للوصول لاتفاق حول المفاعل النووي، وحدث في سبتمبر 2013م، أول مكالمة هاتفية مباشرة منذ الثورة  1979م، بين الرئيس روحاني والرئيس أوباما ، كما أن معلومات تسربت عام 2011م، عن مشروع Amad، وبعد مفاوضات سرية بين واشنطن وطهران لعبت سلطنة عمان فيها دور الوسيط  في مباحثات مباشرة ، كان فريق المفاوضات هو الفريق الحالي في إدارة بايدن، روبرت مالي المبعوث الخاص الآن ووزير الخارجية بلينكن ومدير الاستخبارات الحالي وليم بيرنز،  وتم التوصل لاتفاق ( JCPOA ) في يوليو  2015م، تقليص المفاعل النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، واعتبره أوباما إنجازًا تاريخيًا لإدارته، علمًا بأنه كان يرغب الانفتاح على إيران كما حدث مع كوبا ولكن الصراع الداخلي في إيران والتنافس بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري أدى لتوقف الأمر عند الاتفاق وكان قادة الحزب الجمهوري ضد الاتفاق، وعندما جاء ترامب انسحب  منه، ولكن الصين وروسيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي التزمت بالاتفاق الذي عقد واعتبرت منظمة الطاقة الذرية أن إيران التزمت بتعهدها، ورغم زيادة إدارة ترامب الضغوط والعقوبات على إيران إلا أنه فشل في التوصل لاتفاق جديد مع إيران .

إسرائيل والولايات المتحدة ومبدأ بن غوريون والدول العربية

عندما قامت الولايات المتحدة بمساعدة الشاه في مشروع المفاعل النووي وتلبية مطالبه من السلاح، كانت في الوقت نفسه تضيق الخناق على تطور التسلح في الدول العربية وخاصة مصر، فعندما قامت مصر بمحاولة الاستعانة بالعلماء الألمان في مجال صناعة الصواريخ، وهم من العلماء ذوي الخبرة في العهد النازي، تعاونت الاستخبارات الأمريكية والموساد الإسرائيلي بجمع المعلومات عن هؤلاء العلماء، وحسب مبدأ بن غوريون والذي لا زالت تتبناه إسرائيل ترفض امتلاك الدول العربية للأسلحة الاستراتيجية، وعندما وصلت الدفعة الأولى من العلماء الألمان عام 1960م، ورغم الحماية المصرية لهم والرواتب والامتيازات العالية، قامت إسرائيل بالتجسس والتهديد للعلماء وصلت لدرجة إختطاف أحدهم، وكما يروي رونين بريجمان في كتابه (إنهض واقتل أولاً) تم اختطاف العالم الألماني هانس كراغ من ألمانيا إلى إسرائيل لتعاونه مع مصر في مجال تقنية الصواريخ 1962م، وبعد التحقيق معه تم قتله ورمي جثته في البحر ، وأدى التهديد فيما بعد لانسحاب العلماء الألمان من مصر، وكانت القاهرة قد أعلنت عن تطوير صواريخ القاهر والظافر .

وعندما تعاون العراق مع فرنسا لبناء المفاعل النووي العراقي للأغراض السلمية ، قامت إسرائيل باغتيال العالم المصري يحي المشد في باريس، وهو العالم الذي استعان به العراق لتطوير مفاعله النووي، كما أن سياسة اغتيال العلماء في المجال النووي من وسائل إسرائيل لإحباط أي محاولة لتطوير المجال النووي ، بل قامت الطائرات الإسرائيلية  في 7 يونيو 1981م، بالغارة على المفاعل النووي العراقي وتدميره بعملية أطلقت عليها Operation Babylon ، لأن إسرائيل تسعى وبدعم الإدارات الأمريكية المتعاقبة لأن تبقى متفوقة استراتيجيًا وحتى الولايات المتحدة ساعدت إسرائيل في مفاعلها  النووي (ديمونة) واستعانت في بداية المشروع بالخبرات الفرنسية، فاحتكار إسرائيل للسلاح النووي مبدأ متأصل في سياسة إسرائيل واستراتجيتها، وإضعاف الدول العربية هدف أستراتيجي كما نشر عن الوثيقة في الثمانينيات(A Strategy for Israel in the Nineteen Eighties by Oded Yinon).

وبعد احتلال العراق للكويت 1990م، الذي كان كارثة وأكبر خطأ ارتكبته القيادة العراقية كارثة على الأمن القومي العربي وما زالت آثاره، استغلت إدارة بوش  الأب الأزمة بتدمير القوة العسكرية العراقية، وليس مصادفة أن يصدر معهد الدراسات الاستراتيجية التابع لوزارة الدفاع الأمريكية في مايو 1990م، دراسة تحت عنوان القوة العراقية والأمن الأمريكي في الشرق الأوسط (Iraq Power and U.S. Security in the Middle East )  قبل احتلال الكويت بثلاثة أشهر وفي الولايات المتحدة هذه الدراسات ليست ترفاً فكرياً بقدر ما هو تقرير لصانع القرار الأمريكي، علماً بأن ألكسندر هيج أول وزير خارجية للرئيس ريغان أشار إلى أن الرئيس كارتر ورط العراق في الحرب مع إيران 1980م، بسبب أزمة الرهائن الأمريكيين في طهران والانتخابات الرئاسية في ذلك العام، بل شجعت الولايات المتحدة الحرب بين الدولتين البتروليتين لاستنزافها ببيع السلاح وكما قال هنري كيسنجر ضرب الثورة الإيرانية بالقومية العربية ، ثم اتخذت إدارة بوش الابن 2003م، قضية  المفاعل النووي ذريعة لاحتلال العراق  والذي تبين عدم وجوده، وترتب عليه حل الجيش العراقيً وقيام نظام طائفي في العراق تولت الفصائل الموالية لإيران الحكم فيه، مما  أدى إلى عدم استقراره حتى الآن، وتتابع الأحداث يؤكد تنفيذ إسرائيل لاستراتيجية الثمانينيات لتفكيك العراق وسوريا، ومن خلال هذا الاستعراض يتبين أن الولايات المتحدة مع التفوق الاستراتيجي الإسرائيلي ودعم الشاه في بناء المفاعل النووي لم تعترض عليه إسرائيل في الوقت الذي يتم شن الحروب على الدول العربية لمنع تفوقها العسكري والاستراتيجي، وحسب الوثائق التي تنشر بعد مرور عشرات السنين ، نشير إلى ما أكده الجنرال الإسرائيلي المتقاعد مردخان كيدار الذي عمل في الاستخبارات العسكرية 25 عاماً في الخامس من مارس الماضي بقوله عن حرب يونيو 1967م " في أثناء ثلاثة أسابيع انتظرت إسرائيل قبل أن تشرع في حرب الأيام الستة في يونيو 1967م، ولهذا فإن هذه الفترة تسمى "فترة الانتظار " ، أحد في إسرائيل لم يعرف ما الذي ينتظره عشرات آلاف رجال الاحتياط الذين جندوا  للحرب. وفقط بعد سنين تبين أن رئيس الوزراء في حينه ليفي اشكول، بعث سراً برئيس الموساد مئير عميت إلى واشنطن كي يتلقى وعداً صريحاً من الرئيس الأمريكي ليندون جونسون بأن تدعم الولايات المتحدة إسرائيل أمام الاتحاد السوفيتي، ألا تتوقف الحرب قبل أن تتحقق أهدافها، وأن تملأ من جديد مخازن السلاح التي ستفرغ في الحرب. وفقط بعد أن تحدث وزير الدفاع روبرت مكنمارا مع جونسون بحضور عميت ونال منه الالتزام آنف الذكر أصدر اشكول التعليمات للجيش الإسرائيلي للشروع في الحرب. حتى اليوم يتهمون اشكول بأنه كان متردداً، أما الحقيقة فهي أنه تصرف بمسؤولية "؟

إن افتعال الأزمات والتضليل الاستخباراتي والتهديد والوعيد من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل لمنع تطوير الأسلحة الاستراتيجية في الدول العربية وخاصة المحورية منها، وإسرائيل تتصرف وفقاً للاتفاق مع الولايات المتحدة، فمنذ أزمة السويس لا تتصرف إسرائيل إلا بالموافقة الأمريكية، والرئيس الأمريكي جون كنيدي الوحيد الذي طالب إسرائيل بتفتيش مفاعلها النووي والذي تم اغتياله فيما بعد 22 نوفمبر 1963م، وبعد ذلك وجدت إسرائيل الدعم لمفاعلها النووي لتبقى الوحيدة لتملك السلاح النووي؟ وبسبب علاقة إسرائيل مع الشاه وإشراف الولايات المتحدة على المفاعل النووي في إيران غضت إسرائيىل الطرف باعتباره سلمياً وضمن استراتيجية الأطراف الإسرائيلية في التعاون آنذاك مع إيران وتركيا وإثيوبيا. ولا تستطيع إسرائيل ضرب المفاعل النووي الإيراني ولكنها تريد توريط واشنطن وأكثر ما تستطيع التجسس في داخل إيران وإغتيال علماء الذرة فيها كما حدث خلال السنوات الماضية.

إن إدارة بايدن غير معنية بالمعارضة الإسرائيلية ولن تورطها إسرائيل في صراع مع إيران ولكن يعتمد بايدن على الدبلوماسية وهو ما يقلق رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو الذي يعاني من مشكلات داخلية ومحاكمة في إسرائيل ويدخل الانتخابات الرابعة للكنيست خلال عامين.

وقد نشر مؤخراً  تقريراً كما ذكر إسحق ليفانون في صحيف معاريف 10 مارس 2021م، بأن " منظمة قادة من أجل أمن إسرائيل" شكلت فريقاً للبحث في مسألة النووي الإيراني، وتشكل الفريق من مندوبي الجيش، الموساد، وهيئة الأمن القومي ولجنة الطاقة، وحسب التقرير فإن وزارة الخارجية الإسرائيلية غير ممثلة في الفريق، وأن أعضاء الفريق استنتجوا وجوب تفضيل الدبلوماسية مع إيران على أي نهج آخر، وقد تختفي إسرائيل وراء الاتحاد الأوروبي أو روسيا وحتى الولايات المتحدة لأنها لا تستطيع أن تدخل في مغامرة عسكرية وقد لا تسمح لها  الدول الكبرى الداعمة لها  لأنها تهدد الأمن الدولي .

وحقيقة أن الإدارة الأمريكية تسعى لاحتواء سياسة إيران النووية بالتفاوض وربطها باتفاق لمدة عقد وأكثر ، قامت بذلك إدارة أوباما وانسحبت إدارة ترامب وهذه إدارة بايدن تسعى بكل الوسائل الدبلوماسية للعودة للاتفاق حول المفاعل النووي ضمن مجموعة 5+1، ولكن رأي الخبراء في الولايات المتحدة أن على الولايات المتحدة مستقبلاً، التعايش مع إيران النووية وهذا ما أشار إليه الخبراء الأمريكيون في الشأن الإيراني والعلاقة الدولية كما أشار لذلك كينث والتز Kenneth Waltz في عام 2012م، في مجلة Foreign Affairs  مجلة النخبة السياسية الأمريكية وجيمس لندسي وراي تيكخ  James Lindsay & Ray Takeyhفي نفس المجلة 2010 م، ولكن يبقى لماذا إصرار إيران على المفاعل النووي وما  هي أهدافها.

 

أهداف إيران النووية: الهيمنة وتوسيع النفوذ والأمن القومي

أعلنت إيران منذ عهد الشاه عن حاجتها لبناء مفاعل نووي لأغراض سلمية، للاستفادة منه لتوليد الطاقة الكهربائية، حيث يوفر لها 20% من طاقاتها الكهربائية، بسبب الزيادة السكانية والتنمية الاقتصادية وتراجع استخراج البترول والغاز الطبيعي خلال العقود القادمة. أما الهدف الثاني فهو الجانب العسكري لامتلاك القدرة الدفاعية وتعزيز الدور الإيراني إقليميا ودوليا، فلدى القيادة الإيرانية هاجس الأمن والقلق، وذكرى عملية آجاكس التي قادتها الاستخبارت الأمريكية لإسقاط رئيس الوزراء الإيراني آنذاك محمد مصدق عام 1953م، وإعادة الشاه لإيران وهي لا زالت عقدة ثقة بين القيادة الإيرانية والولايات المتحدة، كما  تم احتلال إيران  من القوات الأجنبية خلال الحربين العالميتين من قبل روسيا القيصرية الحرب الأولى والاتحاد السوفيتي الحرب الثانية والقوات البريطانية في الحربين العالميتين، والهدف الثالث هو تحقيق هدف استراتيجي، فامتلاك السلاح النووي يحقق لها تفوقاً وهيمنة إقليمية، فإيران دولة ذات أهداف توسعية في الشرق الأوسط فيما يعرف بالهلال الشيعي يؤكده تدخلها في سوريا ودعم المنظمات الشيعية في العراق ولبنان والجماعات الشيعية في الخليج، وسواءً عهد الشاه الذي كان يحلم باحياء الامبراطورية الفارسية وأقام احتفال كبير في أكتوبر 1971م،  لإحياء ذكرى 2500 عام  كورش الفارسي  جمع لها أمراء وملوك وزعماء أوروبا والعالم. أما الجمهورية الإيرانية فهي مذهبية شيعية المذهب الإمامي الإثنى عشرية وتعلن تصدير الثورة فهي دولة قومية مذهبية. وامتلاك القدرة النووية يعزز دورها العالمي ومكانتها التفاوضية في القضايا التي تهمها، كما أن القدرة النووية تحقق لها توازن قوى في المنطقة سواء مع إسرائيل وغيرها لأن هناك قوى نووية مجاورة لها، ونشير لقول وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيت، الذي قال إن إيران لا تهدد الولايات المتحدة ولكنها محاطة بقوى نووية روسيا والصين والهند وباكستان وإسرائيل.

إن ما يهم الولايات المتحدة هو أمن إسرائيل وأصدقاء الولايات المتحدة ولكن يبقى أمن إسرائيل أولاً بالنسبة لواشنطن لأن إسرائيل قضية داخلية أمريكية بسبب اللوبي الصهيوني واليمين الأمريكي المسيحي المتطرف المؤيد لإسرائيل.

إن العمق الاستراتيجي  لإيران هو جنوب غرب آسيا، ولذلك تمد نفوذها في الهلال الخصيب ، لأنها في الشرق تواجه الصين وشمال شرقها روسيا الاتحادية وجنوب آسيا باكستان والهند وهما قوى نووية، وشرقها أفغانستان وهي لا تطمئن لحركة طالبان وتعاونت مع إدارة بوش الابن  عام 2001م، لإسقاطها، ولذلك يمكن إخراج النفوذ الإيراني من الهلال الخصيب بدعم التيارات الرافضة للنفوذ الإيراني وعودة العراق للساحة العربية وإنهاء نفوذ الحشد الشعبي ووحدة سوريا ودعم وحدة لبنان وعدم التدخل الخارجي فيه، وهذا يحتاج التعاون في الجامعة العربية في وضع خطة استراتيجية شاملة لاحتواء إيران، فالتعاون الروسي الإيراني تفرضه الظروف المؤقته لتضارب المصالح على المدى الطويل .

خيارات الدول العربية أمام النووي الإيراني؟

يواجه النظام الإقليمي العربي كلاً من التحدي النووي الإسرائيلي والآن سعي إيران لامتلاك السلاح النووي مما يدخل منطقة الشرق الأوسط، فيما يسمى معضلة الأمن Security dilemma ، سباق التسلح، فإسرائيل بدأت في بناء قوتها  النووية منذ عقد الخمسينيات من القرن الماضي، وكما قال وزير الخارجية المصري السابق والأمين العام للجامعة العربية الحالي ـ أحمد أبو الغيط " إذا كانا حقُاً نريد معالجة النووي الإيراني، يجب أن نتحدث أيضاً عن النووي الإسرائيلي .. لكن قبول قوة إيرانية نووية يعني إعطاء الشرعية للقدرات الإسرائيلية، يجب علينا إقناع إسرائيل بالتخلي عن السلاح النووي من أجل إقناع إيران بالتخلي عن جهودها للحصول على هذا السلاح"؟ ولكن إسرائيل لن تتخلى عن النووي وتدخل المنطقة في سباق نووي؟ ولهذا يُطرح السلاح النووي الإسرائيلي على المستوى الدولي كالأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية لخطر ويؤدي لعدم الاستقرار؟

إن العالم العربي يملك من القدرات مما يعزز قدراته العسكرية ويحقق الردع مع الأطراف الإقليمية إسرائيل وإيران، فالموارد المالية والبشرية متوفرة، ويتوفر للدول العربية الكفاءات العلمية، العلماء والخبرات المتخصصة، يحتاج النظام الإقليمي وضع استراتيجية عربية تحيي ميثاق الجامعة العربية معاهدة الدفاع العربي المشترك وتشكيل مركز للأبحاث النووية للأغراض السلمية يمكن تطويره في حالة امتلاك إيران السلاح النووي؟

إن الخطر الأساسي للمنطقة هو النووي الإسرائيلي والعمل على احتواء إيران كما تفعل الولايات المتحدة، فإعادة للحمة العربية وحل الخلافات العربية خطوة أساسية لأي تعاون عربي في مختلف المجالات.

ويمكن تعزيز الموقف العربي من خلال إعادة التحالفات العربية مع دول الجوار العربي مثل باكستان وتركيا لأنها دول إسلامية مؤثرة وتحتاجها إيران في مجالات التجارة والطاقة وأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي ( ECO)، إن الدول العربية المحورية التي تستطيع تطوير قدراتها الاستراتيجية  هما مصر والسعودية لتحقيق التوازن الإقليمي فلديهما الموارد والطاقات العلمية والتعاون بينهما يحقق قوة ردع قوية، والدولة المرشحة مستقبلا للدخول في التنافس هي تركيا التي لها طموحات لبناء مفاعلات نووية، ومع الانفراج بين تركيا ومصر والتعاون في شرق المتوسط سيعزز من تعاون تركي مصري وسعودي في المنطقة يواجه المد الإيراني ويحجم إسرائيل في المنطقة.

إن امتلاك الصواريخ البالستية المتوسطة والبعيدة المدى يحقق ردعاً استراتيجياً لأنها تتجاوز الحدود إلى قلب الدول مما يدخل الصراع إلى استراتيجية التدمير الشامل وبالتالي يحقق الردع، فالصواريخ البالستية أنهت نظرية الأمن الإسرائيلي في نقل المعركة لأرض العدو، وأصبح العمق الاستراتيجي مكشوفاً في إسرائيل، كما أن حرب الصواريخ التي استهدفت المدن في الحرب العراقية الإيرانية ساهمت في نهاية الحرب؟ إن العالم العربي وخاصة الدول المحورية السعودية ومصر وخلفها دول الخليج العربي ودول المغرب العربي يمكنها تحقيق توازن استراتيجي في الشرق الأوسط حيث الموقع الجيواستراتيجي الذي يحتاج الإرادة السياسية العربية لفرض دورها الفعال على المستوى الدولي والإقليمي.

مقالات لنفس الكاتب