; logged out
الرئيسية / واشنطن لن تدمر النووي الإيراني ليهدد دول الجوار باستثناء إسرائيل

العدد 160

واشنطن لن تدمر النووي الإيراني ليهدد دول الجوار باستثناء إسرائيل

الإثنين، 29 آذار/مارس 2021

يعتبر المشروع النووي الإيراني والموقف الأمريكي تجاهه أهم قضية أمنية وسياسية تشغل المنطقة في الوقت الحاضر، لأن المشروع يشكل تطورًا من شأنه أن يحدث اختلالاً كبيرًا في معادلة القوى الإقليمية، كما وأن الموقف الأمريكي من ذلك المشروع يعتبر الدالة الأهم على طبيعة السياسة الأمريكية تجاه المنطقة ولمقاربتها للأمن الإقليمي.  ومما يزيد في أهمية الموضوع، حالة الضبابية التي تلف السياسة الخارجية الأمريكية في الفترة الانتقالية بين إدارتي الرئيس السابق ترامب والرئيس الحالي بايدن الذي سبق وأعلن معارضته للعديد من سياسات سلفه وخصوصًا الخطوات التي اتخذها مثل الانسحاب من الاتفاق النووي وتشديد العقوبات الاقتصادية على إيران من دون تقديم سياسة واضحة أو حساب للنتائج.  لذلك بادر بايدن إلى الإعلان عن رغبته بالعودة إلى الاتفاق النووي والعمل مع الشركاء في إجراء تعديلات تضمن شموله الصواريخ البالستية ودور إيران في التدخلات الإقليمية التي زادت حدتها بعد الاتفاق. لكن طريق العودة لن يكون معبدا بالورود، وإنما تنتابه استحقاقات كبيرة ومشكلات معقدة منها أزمة الكوفيد-19 وحالة الاقتصاد المترنح والانقسام المجتمعي.

أهمية الموضوع وانعكاساته الكبيرة على المنطقة تستوجب محاولة جادة لفهم طبيعة السياسة الأمريكية تجاه الملف النووي نبدأها بالعودة إلى الوراء لاستعراض أهم المحطات والمنعطفات في تاريخ المشروع، والتحولات في الموقف الأمريكي منه، مع مقارنة ذلك بالموقف من المشاريع العربية الأخرى وخصوصًا المشروع النووي العراقي، والمقاربة الأمريكية من الأزمة الحالية والاحتمالات المتوقعة لإحداث انفراج فيها والعوامل المؤثرة في مواقف الأطراف المختلفة مع بعض التوقعات المستقبلية.

 مشروعان نوويان متشابهان وسياسة أمريكية مختلفة

تعود بداية المشاريع النووية في كل من إيران والعراق إلى عقد الخمسينات من القرن الماضي عندما تقدمت الولايات المتحدة بالمبادرة المسماة "الذرة من أجل السلام Atoms for Peace"، وهي المبادرة التي كانت تهدف إلى تلميع صورة الولايات المتحدة والطاقة الذرية التي تشوهت بسبب المآسي التي نتجت عن ضرب مدينتي هيروشيما ونجازاكي بالقنابل الذرية في نهاية الحرب العالمية الثانية.  لذلك سعت الولايات المتحدة إلى حث حلفائها على التفكير الجدي بتطوير الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، الأمر الذي دفع بالعديد من الدول ومنها إيران والعراق اتخاذ خطوات وإن كان على مستويات بسيطة استجابة لتلك المبادرة وليس من باب الحاجة لها.  وعند هذا الحد ينتهي التشابه في الموقف الأمريكي من المشروعين.

جاءت الموجة الثانية من الترويج للطاقة النووية مع بداية السبعينات نتيجة لرغبة الولايات المتحدة في التقليل من الأهمية الاستراتيجية للنفط، تلك الأهمية التي انعكست إيجابيًا على الدول المصدرة للنفط التي بدأت تشعر بقوة موقفها تجاه الدول المستهلكة وفي مقدمتها الولايات المتحدة، لذلك سعت الأخيرة إلى معالجة ذلك بالادعاء بإن الطاقة النووية سوف تكون البديل الرخيص للنفط وخلال عقود قليلة.  وكان من أوضح الأدلة على تلك الجهود الاجتماع الذي جرى بين الملك فيصل بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ وهنري كيسنجر الذي كان يريد إقناع الملك بتلك الأفكار لكن المفاجئة التي لم يكن يتوقعها هي أن الملك قام بدراسة الموضوع دراسة شاملة وكان على أهبة الاستعداد للرد على تلك الادعاءات من خلال إحاطته بالجوانب السلبية والإيجابية للطاقة النووية. 

يبدو أن الوضع في إيران كان مغايرًا لذلك حيث قام الشاه بوضع خطة طموحة في عام 1973م، لتطوير القدرات النووية الإيرانية تضمنت إنشاء منظمة الطاقة النووية الإيرانية التي أوكلت إليها مهمة العمل على رفع الطاقة الإنتاجية للمفاعلات النووية إلى 23 ألف مليون واط مع نهاية القرن العشرين. كان ذلك الجهد جزءًا من استراتيجية الشاه في تطوير القدرات الإيرانية لكي تصبح القوة الإقليمية الأكبر مستفيدة من قيامها بدور الشرطي الذي عهدت إليه الولايات المتحدة إدارة شؤون المنطقة بسبب انشغالها في حرب فيتنام.

 

نشطت إيران في تشكيل شبكة عالمية لدعم مشروعها النووي بشراء حصة 10% من شركة يورودف ترايكاستن الفرنسية لتخصيب اليورانيوم وشراء 15% من شركة (RTZ) التي تمتلك مناجم اليورانيوم في ناميبيا، وتوقيع عقود بمبلغ 700 مليون دولار لشراء اليورانيوم غير المخصب (Yellow Cake) من جنوب إفريقيا.  كما أرسلت الحكومة المئات من الطلبة إلى العديد من الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة لدراسة التكنولوجيا النووية. كل هذه الأمور وغيرها شكلت البنية التحتية للمشروع النووي الإيراني الذي ورثته الثورة الإيرانية التي أزالت الشاه من السلطة.

نعود إلى العراق الذي بدأ بالتفكير في الطاقة الذرية هو الآخر في عقد الخمسينات، لكن جهوده أخذت طريقًا جديدًا بعد انقلاب 14 تموز (يوليو) 1958م، والتحول بوجهة العلاقات نحو الاتحاد السوفيتي الذي قام بتزويد العراق بمفاعل نووي صغير بقدرة 2 ميغاواط في عام 1963م.  بعد وصول حزب البعث إلى السلطة وبسبب الاختلال في ميزان القوى الإقليمية نتيجة التطور الكبير للبرنامج النووي الإسرائيلي والمشروع النووي الإيراني أثناء حكم الشاه، مما دفع إلى التفكير الجدي في تطوير السلاح النووي وذلك باعتماد تقنية البلوتونيوم بدلا من اليورانيوم، حيث وقع العراق اتفاقًا مع فرنسا في عام 1976م، لتزويده بمفاعلين نويين هما تموز-1 الذي تبلغ طاقته 40 ميغاواط وآخر أصغر منه بطاقة 0.8 ميغاواط أطلق عليه تموز-2، كما وأنه وقع على اتفاق مع شركة إيطالية متخصصة في تخصيب البلوتونيوم في عام 1979م.

لم يطل المقام بالمشروع النووي العراقي لأن الطائرات الإسرائيلية قامت بتدميره قبل أشهر قليلة من تشغيله في عام 1981م، ومن دون سابق إعلان أو تهديد. شكلت عملية تدمير القدرات النووية في العراق مصلحة مشتركة بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة.  هذا التفاهم أو التعاون، كما يصفه البعض، استمر بعد الثورة الإسلامية حيث صدرت إشارات تدل على ذلك التعاون بين إيران وإسرائيل ومن أهمها تصريحات بعض المسؤولين الإسرائيليين التي شجعت إيران على استهداف المشروع، بالإضافة الى توفير الصور الاستطلاعية والمعلومات الاستخبارية التي جمعتها الطائرات الإيرانية أثناء غاراتها حول محيط المشروع في عام 1980م، كما أن عملية القصف الإيراني لقاعدة الوليد, التي يقال أنها انطلقت من الأراضي السورية، جاءت بتوقيت مهم قبيل الهجوم الإسرائيلي لأنها أزالت أهم عامل تهديد عسكري يقف أمام تنفيذ العملية.

استمر الهجوم على المشروع النووي العراقي حتى بعد تدميره من خلال التهويل واختلاق الذرائع, ومن ذلك التقارير المبهمة التي كانت وكالة الطاقة الذرية الدولية تقدمها الى مجلس الأمن الدولي عن مهماتها التفتيشية في العراق, ليبلغ الأمر ذروته في الخطاب سيء الصيت الذي ألقاه وزير الخارجية الأمريكية الأسبق كولن باول أمام مجلس الأمن الذي قدم فيه قائمة مطولة من الأكاذيب حول مشاريع أسلحة الدمار الشامل في العراق كان من أكذبها اتهامه للعراق بشراء اليورانيوم من النيجر، والتي أثبتت تحقيقات السفير الأمريكي جوزيف ويلسون أنها عارية عن الصحة, لكن الإدارة الأمريكية بدلا من الإقرار بالخطأ قامت بمعاقبة السفير من خلال الكشف عن هوية زوجته (فاليري بلايم) التي كانت تعمل محققة سرية في وكالة المخابرات الأمريكية.    

المشروع النووي الإيراني بعد الثورة الإيرانية

يمكن أن نلخص الموقف الأمريكي من المشروع النووي الإيراني بأنه كان موقف الدعم والتعاون في أيام الشاه ثم تغير إلى سياسة الاحتواء (Containment) بعد الثورة الإيرانية، وهو يختلف كل الاختلاف عن موقفها تجاه المشاريع النووية العربية وفي مقدمتها المشروع النووي العراقي الذي قوبل بالرفض الكامل والتدمير من خلال الأعمال العسكرية أو الجهود الأممية، وهو ذات الموقف من المشاريع المماثلة في مصر وسوريا وليبيا التي لم يسمح لأي منها تطوير استخدام الطاقة النووية.

جاءت الثورة الإيرانية بقيادة آية الله الخميني حاملة شعار اجتثاث كل مخلفات نظام الشاه وإبداله بنظام يقوم على مبادئ ولاية الفقيه، لذلك أعلن الخميني معارضته للمشروع النووي بوصفه من المحرمات وتم إيقاف العمل في عملية بناء مفاعل بوشهر. لكن ” حسابات الحقل كانت غير حسابات البيدر"، كما يقول المثل، ذلك أن استراتيجية الأمن الإيراني ما لبثت أن عادت إلى ما كانت عليه أيام الشاه مع بعض التعديلات التي شملت استخدام وسائل جديدة من أهمها تصدير الثورة. لذلك سرعان ما عاد النظام الإيراني إلى تبني العديد من مشاريع الشاه ومنها الحاجة إلى تطوير قدرات إيران النووية.  ومما ساعد على ترسيخ تلك القناعة النهاية المهينة التي نتجت عنها الحرب العراقية-الإيرانية والتي وصفها الخميني بأنها كانت مثل تجرع السم، ولذلك فما إن وضعت تلك الحرب أوزارها حتى نشطت إيران في إعادة تفعيل مشروعها النووي من خلال تطوير التعاون النووي مع الباكستان والصين والأرجنتين وروسيا.

 اقتصرت الجهود الأمريكية في البداية بالضغط على الدول التي تتعاون مع إيران للحد من اندفاعها في المساهمة في المشروع الإيراني، حيث قامت بالتواصل مع الصين، التي سبق وأن وقعت اتفاقًا مع إيران لتزويدها بمفاعل نيوتروني صغير للبحوث وبناء مفاعلين كبيرين لتوليد الطاقة الكهربائية بقدرة 300 ميغاواط، حيث سعت لإقناعها بالتخلي عن ذلك كله وبالفعل فلم تقم الصين بالوفاء بأي من تعهداتها. كذلك نجحت الولايات المتحدة في إقناع الأرجنتين بالتخلي عن المشاريع التي اتفقت عليها مع إيران مثل التعاون في تخصيب اليورانيوم ومساعدة إيران في تطوير قدراتها على إنتاج الماء الثقيل. كذلك وقعت إيران اتفاقيتين للتعاون النووي مع روسيا في عامي 1992 و1995م، تضمنت تطوير وتدريب الكوادر العاملة في مجال الطاقة الذرية وإكمال مشروع بناء مفاعل بوشهر وتضمنت الاتفاقات بنودًا سرية لتزويد إيران بمفاعل بحثي والمساعدة في تطوير أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم في عملية تخصيب المواد النووية.  لذلك قام الرئيس كلينتون بالضغط على الرئيس الروسي بوريس يلتسين لإقناعه بتخفيض مستوى التعاون مع إيران، لكن الولايات المتحدة كانت على قناعة بأن هناك مشاركة واسعة للعلماء الروس في البرنامج النووي الإيراني وخصوصًا بناء مفاعل يعمل بالماء الثقيل في "آراك".

جاءت المفاجئة المدوية التي هزت العالم عندما تقدمت مجموعة المعارضة الإيرانية في عام 2002م، بنشر تقرير مفصل عن أنشطة نووية سرية في إيران كان من ضمنها مجمع لتخصيب اليورانيوم في نتانز ومفاعل يعمل بالماء الثقيل تحت الإنشاء في آراك بالإضافة الى قائمة بأسماء العديد من العاملين في البرنامج النووي وأسماء الشركات التي تمثل واجهة الأنشطة النووية الإيرانية السرية. دفعت تلك الأدلة بمجلس وكالة الطاقة الذرية العالمية إلى النظر في تلك الأنشطة والقيام بجولات تفتيشية في العديد من المواقع. الأمر الذي دفع بإيران إلى التوقيع على بروتوكول إضافي والإعلان عن إيقاف عملية التخصيب. رحبت الوكالة بالمبادرة الإيرانية للتعاون لكنها أبدت ملاحظتها حول تلك الأنشطة السرية. لكن ذلك لم يكن كافيًا لردع إيران التي قامت باستغلال بعض العبارات الغامضة في الاتفاق من أجل الاستمرار في أنشطة التخصيب تحت غطاء شديد من السرية.  تجدر الإشارة هنا إلى أن الوكالة التي كان يرأسها محمد البرادعي كانت تقوم بتمشيط كل شبر في العراق بحثًا عن أنشطة نووية لا وجود لها وتمنع العراق من استيراد الكثير من المواد مثل الأدوية وحتى أقلام الرصاص بدعوى أنها مواد ذات استخدام مزدوج، إلا إنها كانت غائبة أو مغيبة عن متابعة الأنشطة الإيرانية التي فضحتها المعارضة الإيرانية. 

الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1

تعود بداية المفاوضات حول المشروع النووي الإيراني إلى جهود مجموعة الدول الأوروبية الثلاث (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) والتي تمخض عنها اتفاق باريس لعام 2004م، لكن تلك الجهود أصابها الإحباط مرة أخرى عندما تلقت وكالة الاستخبارات الأمريكية في نفس العام تقارير عن أنشطة سرية إيرانية لتطوير حمولة صواريخ شهاب-3 لتشمل الأسلحة النووية، بالإضافة إلى أن وكالة الطاقة الذرية اكتشفت مخططات سرية لأجهزة تخصيب متقدمة لم تكشف عنها إيران.  قامت إيران بإخطار المنظمة في عام 2005م، بأنها سوف تعاود أنشطة التخصيب في مجمع أصفهان الأمر الذي دفع بمجلس الوكالة إلى تقديم شكوى ضد إيران في مجلس الأمن الذي أصدر بدوره قرارًا رئاسيًا يحث فيه إيران على الالتزام بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.  قامت إدارة الرئيس بوش في نفس العام بفرض عقوبات على مؤسسات وهيآت إيرانية مثل وكالة الطاقة الإيرانية وهيئة الفضاء والطيران الإيرانية التي ادعت أنها تنشط في مجال أسلحة الدمار الشامل.

تقدمت مجموعة الدول الأوروبية الثلاث بالإضافة إلى الولايات المتحدة وروسيا والصين، وهي المجموعة التي أصبحت تسمى 5+1 في شارة الى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن زائدا ألمانيا، بمبادرة تقتضي بالتزام تلك الدول بتقديم الدعم اللوجستي لأنشطة إيران المدنية في مجال الطاقة الذرية بشرط التزامها بإيقاف أنشطة التخصيب والعودة إلى العمل بالاتفاق الإضافي.  لكن الرد الإيراني الذي تمثل برسالة من الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى الرئيس الأمريكي لم تتطرق الى البرنامج النووي وجاءت مخيبة للآمال ودفعت بمجلس الأمن إلى إصدار قراره المرقم 1696 الذي ألزم إيران بإيقاف التخصيب ومنع دول العالم من التعاون معها في الأنشطة النووية.  لكن الرد الإيراني جاء على شكل تحد جديد من خلال إعلان تدشين مفاعل آراك وتوسيع أنشطة التخصيب في نتانز، الأمر الذي دفع بمجلس الأمن إلى إصدار قرار جديد برقم 1737.  أعلنت إيران في عام 2007 م، بأن الجهة التي زودتها بمخططات جهاز التخصيب المتقدم هي العالم النووي الباكستاني عبد القدير خان.

تطورت جهود التفاوض عندما قام مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا في عام 2008م، بتقديم مبادرة جديدة من ثلاثة محاور تشمل التزام الدول 5+1 بتقديم المساعدات الاقتصادية ومساعدة إيران في مجال الطاقة النووية الخاصة بالمفاعلات التي تعمل بالماء الخفيف بالإضافة إلى ضمان توفير الوقود للمفاعلات الإيرانية مقابل إعادة إيران للوقود المخصب إلى الدول النووية. هذه المفاوضات استمرت لسنوات عديدة واجتماعات شملت العديد من مدن العالم إلى أن تم الاتفاق في عام 2015م، على الإعلان المشترك الذي تضمن ما يلي:

  • تخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم في نتانز من 19 ألف جهاز إلى 5060 وفي فودرو إلى 1044 جهاز.
  • تلتزم إيران بعدم تجاوز نسبة تخصيب اليوارنيوم نسبة 3.67% وهي النسبة المطلوبة لتشغيل مفاعلات إنتاج الطاقة، في حين أن إنتاج القنبلة النووية يحتاج إلى تخصيب بنسبة 90%.
  • تلتزم إيران بعدم تجاوز اليورانيوم المخصب إلى نسبة 3.67% كمية 300 كيلوغرام وتلتزم بتصدير الفائض إلى بعض الدول ومنها روسيا التي أوكل إليها الإشراف على دورة الوقود النووي الإيراني.
  • التزام إيران بتحويل مفاعل آراك الذي يعمل بالماء الثقيل، الذي يجعله قادرًا على تخصيب البلوتونيوم, إلى العمل بالماء الخفيف, وتلتزم بعدم بناء أي مفاعل يعمل بالماء الثقيل لمدة 15 سنة.
  • التزمت الدول الموقعة برفع العقوبات الاقتصادية على إيران.
  • التزام الولايات المتحدة بإعادة الأموال الإيرانية المجمدة.

 

قدمت إدارة أوباما العديد من التنازلات لإيران على حساب ومصالح دول المنطقة وذلك لحثها على القبول بالاتفاق ومن ذلك السماح بتوسع النفوذ الإيراني في العديد من دول المنطقة مثل العراق وسوريا واليمن، ففي العراق مثلا جاءت نتائج انتخابات عام 2010م، مخيبة لإيران حيث حصلت القائمة العراقية برئاسة أياد علاوي على 91 مقعدًا مقابل 89 مقعدًا لقائمة دولة القانون برئاسة نوري المالكي، لكن إيران أصرت على عدم السماح لعلاوي بتشكيل الحكومة مفضلة نوري المالكي وهو الموقف الذي أيدته الولايات المتحدة خلافًا للأعراف الديمقراطية بحجة عدم الرغبة في التأثير على المفاوضات النووية كما أشارت بعض التقارير، وكذلك الموقف من الأحداث في سوريا حيث تغاضت الولايات المتحدة عن التمدد الإيراني هناك وتخلي أوباما مرتين عن خطوطه الحمراء بمعاقبة النظام على استخدام السلاح الكيمياوي.

مواقف الطرفين من القضية

إذا سلمنا بأن واشنطن لا تريد الإجهاز على المشروع النووي الإيراني، بل ربما حريصة على بقائه، كما يتبين من السرد الطويل الذي عرضناه في الفقرات السابقة، فما الذي تريده إذًا من وراء المفاوضات وتقديم التنازلات تلو التنازلات؟ الجواب هو أنها تريد للمشروع أن يبقى ضمن الحدود المرسومة، وهي أن يبقى مصدر تهديد لدول الجوار جميعًا باستثناء إسرائيل وألا يشكل ذلك المشروع والمشاريع العسكرية الأخرى مثل تطوير الصواريخ والأسلحة التقليدية الأخرى أي تهديد لأمن إسرائيل أو الإخلال بمعادلة التفوق العسكري الإسرائيلي على جميع دول المنطقة منفردة أو مجتمعة.

 

يبدر السؤال المقابل هنا وما الذي تريده إيران من وراء المناكفة؟  قبل الإجابة لابد من الإشارة إلى أن الموقف الإيراني من الأزمة النووية تحكمه العديد من الاستحقاقات الداخلية والإقليمية من أهمها الانتخابات الرئاسية المقبلة.  لأن طبيعة العلاقة مع الولايات المتحدة هي أحد أهم العوامل التي تدخل في حسابات الولي الفقيه في تحديد طبيعة المرحلة السياسية القادمة والتي يتحكم بها من خلال اختياره للرئيس الإيراني الجديد وطبيعة المرحلة القادمة. 

 

نعود إلى الإجابة على السؤال و هو أنها تسعى إلى تحقيق التالي:

 

  • رفع العقوبات الاقتصادية والسماح لها بالتجارة مع العالم من دون قيد أو شرط، علمًا بأن العقوبات الاقتصادية التي كانت قاسية على المواطن الإيراني لم تكن بتلك القسوة على النظام الإيراني الذي تمكن من استخدام العقوبات في فرض سيطرته التامة على الاقتصاد الإيراني وأصبح يستخدم تلك القدرات في إحكام السيطرة على السياسة العامة وكبت المعارضين. كما وأن إيران تمكنت من تحقيق نجاحات سياسية وتوسعية كبيرة جدًا في المنطقة وخصوصًا في العراق وسوريا واليمن بدرجة أكبر في ظل منظومة العقوبات الأمريكية.
  • محاولة الحصول على تنازلات إقليمية أكبر. استخدمت إيران الصراع الدولي على المنطقة منذ بداية القرن الماضي في سبيل تحقيق مكاسب إقليمية على حساب دول الجوار، فقد كانت تستخدم رغبة روسيا في الوصول إلى المياه الدافئة بالضغط على بريطانيا لكي تحصل على تنازلات في منطقة الخليج، حيث تمكنت وبمساعدة بريطانيا من القضاء على الإمارات العربية في شمال شرق الخليج، وحصلت على مكاسب كبيرة من خلال موافقة بريطانيا على ضم أراضي عراقية لإيران، بالإضافة إلى مكاسب أخرى مثل الاستحواذ على الجزر الثلاث في الخليج.  إذًا فإن إيران سوف تسعى لتحقيق المزيد من تلك التنازلات لاستكمال فرض سيطرتها على الخط الاستراتيجي الذي يربطها بالبحر المتوسط من خلال إعادة ترتيب الأوضاع السياسية والديموغرافية في سوريا والعراق ولبنان بالإضافة إلى استخدام اليمن كبوابة لمد نفوذها في منقطة القرن الإفريقي والبحر الأحمر وفرض طوق أمني على المملكة العربية السعودية ودول الخليج.  وهنا تبرز أهمية المحافظة على استقلال القرار السياسي في العراق وتقوية العلاقات الخليجية-التركية بوصفها الرد الأمثل على المشروع الإيراني الذي يسعى لخنق منطقة الخليج تمهيدًا لفرض نفوذه عليها.
  • لتحقيق المكاسب الإقليمية فإن إيران بحاجة إلى توسيع قدراتها العسكرية ومحاولة الحصول على أكبر قدر من التنازلات في مجال التصنيع العسكري وخصوصًا في نواحي تطوير الصواريخ الباليستية التي استخدمت ضد المملكة العربية السعودية مؤخرًا وضد القواعد الأمريكية في العراق.

ما الذي يحول دون العودة إلى الاتفاق النووي؟

تكمن العقبة الأولى أمام عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران حول من يتخذ الخطوة الأولى.  ذلك أن إيران لا تريد التقدم بتلك الخطوة لأنها لا ترغب في أن تظهر بمظهر الحريص على عودة الولايات المتحدة لأن ذلك يعني الإقرار بنجاح العقوبات عليها، الأمر الذي سوف يدفعها إلى تقديم تنازلات ربما أكبر مما تريد. لذلك عرضت إيران وعلى لسان وزير خارجيتها قيام الطرفين بخطوات متزامنة لكن الولايات المتحدة في المقابل ليست على عجلة من أمرها لأن إعلان بايدن رغبته العودة إلى الاتفاق رفع الحرج أمام الحلفاء، كما وأن إشغالها بالأزمات الأخرى قد يؤدي إلى تأخر الأزمة في سلم الأولويات ولذلك سوف تسعى إلى تنشيط التواصل مع الحلفاء حول القضية وإبداء الجدية حول الموضوع كوسيلة للضغط على إيران بالإضافة إلى اتخاذ بعض الخطوات غير المباشرة لإظهار جديتها ومن ذلك إعلان الإدارة إيقاف الدعم العسكري للحرب في اليمن وكذلك رفع جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب، لكن هذه الخطوات لن تشمل التقليل العقوبات، على الأقل لحد الآن، وهو الأمر الوحيد الذي تريده إيران.

أحد العوامل المهمة التي تؤثر في الموقف الأمريكي هو ضبابية الأوضاع السياسية في إسرائيل التي تعاني من أزمة سياسية تتمثل بالانقسام الكبير في الكنيست الإسرائيلي على مدى الأعوام الماضية والذي تمثل بعجز أي من الأطراف السياسية تحقيق أغلبية برلمانية تمكنها من تشكيل حكومة.  هذه الأوضاع ساهمت ولاتزال في تعقيد الموقف الأمريكي حيث يتخذ العديد من المسؤولين الإسرائيليين مواقف متشددة من العودة إلى الاتفاق النووي. ليس من الواضح فيما إذا كانت هذه المواقف حقيقية أم أنها للاستهلاك السياسي في الحملة الانتخابية القائمة، أو أن الغاية منها ضمان موقع لإسرائيل في الحوار الدولي مع إيران، والمرجح أنها مزيج من ذلك كله.  لذلك قام الرئيس الإسرائيلي بصحبة قائد الجيش بجولة أوروبية لشرح الموقف الإسرائيلي حيث أبلغ الأخير نظيره الفرنسي بوجوب التوصل لاتفاق يجعل من المستحيل عمليًا على إيران التزوّد بالسلاح النووي وألا تكون للقيود المفروضة (على إيران) آجال زمنية محددة.

 

الرئيس بايدن وزملاؤه في الحزب الديمقراطي الذين عارضوا سياسة ومواقف الرئيس السابق وخصوصًا إعلانه الانسحاب من الاتفاق وفرض العقوبات الاقتصادية على إيران لن يكونوا في عجلة من أمرهم للعودة إليه لأنهم ينظرون إلى العقوبات على إنها ورقة قوية بأيديهم في الضغط على إيران للجلوس إلى طاولة المفاوضات وتقديم المزيد من التنازلات خصوصًا في قضايا أخرى مثل برنامج الصواريخ والتدخلات الإقليمية.  السؤال هو عن ماهية الوسائل التي قد تنتهجها إيران للضغط على الولايات المتحدة والمجموعة الدولية للتعجيل برفع الحصار الاقتصادي المفروض عليها؟ لابد من الإشارة هنا إلى أن  إيران لا تريد المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة لأن ذلك ليس في صالحها، وهي لن تجد أمامها إلا الخيارات التقليدية التي لجأت إليها في الماضي وهي الضغط على الولايات المتحدة من خلال عدم الالتزام بشروط الاتفاق ورفع نسب التخصيب، وهذه تضر بالموقف الإيراني مع الدول الأوروبية التي تحتاجها في عملية التفاوض، بالإضافة إلى الضغط بصورة غير مباشرة من خلال إثارة المتاعب على المصالح الأمريكية في المنطقة، وعلى سبيل المثال فقد يشهد الخليج عمليات اعتراض السفن التجارية أو عودة للعمليات الإرهابية خصوصًا في العراق, أو من خلال التحرش بالقوات الأمريكية المتواجدة في العراق أو سوريا أو تصاعد الهجمات الصاروخية على المملكة من اليمن.

خلاصة القول بأن الولايات المتحدة عازمة على العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران من أجل ضمان بقائه ضمن الحدود المرسومة له، ولكن تبقى هناك أسئلة عن توقيت العودة والتي تربطها إيران بتحقيق بعض المكاسب على الأرض تجعلها في وضع أقوى للتفاوض، وكذلك عن الثمن الذي سوف تدفعه أمريكا من حسابات دول المنطقة من أجل جلب إيران إلى بيت الطاعة للمرة الثانية، الأمر الذي يجب أن يدفع بدول المنطقة لترتيب أوضاعها لكي لا تخرج خاسرة مرة أخرى كما حصل في الجولة السابقة.

مقالات لنفس الكاتب