array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 160

روسيا لن تخوض حربًا نيابة عن إيران وحريصة على قوتها بين في مثلث القوى

الإثنين، 29 آذار/مارس 2021

عند الحديث عن الاتفاق النووي الإيراني تبرز روسيا كطرف معني رئيسي بهذا الملف الشائك، فروسيا هي شريك إيران فى تطوير برنامجها النووى وإتمام مفاعل بوشهر كعمود فقرى لهذا البرنامج، وشركة "أتومسترويكسبورت" الروسية التابعة للدولة هي التى ساعدت طهران على إكمال بناء المحطة، ومنحتها رسمياً صلاحية السيطرة على المنشأة في سبتمبر 2013م. ولعبت روسيا دورًا حاسمًا فى المفاوضات التى انتهت بالتوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015م، وكانت بمثابة مهندس الاتفاق حيث ساهم فريق المفاوضات والخبراء النوويون الروس بشكل كبير في صياغة الترتيبات الشاملة، الأمر الذي جعل من الممكن التقريب بين وجهات النظر المختلفة والمتضاربة لاسيما بين واشنطن وطهران. وعقب الانسحاب الأمريكي من الاتفاق في 8 مايو 2018م، سعت روسيا جاهدة، بالتنسيق مع الصين والدول الأوروبية المعنية، لإنقاذ الاتفاق والحفاظ عليه، وضبط ردود الأفعال الإيرانية والحيلولة دون خروجها عن السيطرة باتجاه مزيد من التصعيد والتعقيد على النحو الذي يجعل العودة للاتفاق أمر غير ممكن. وقد نجحت موسكو فى إبقاء الباب مفتوحاً أمام طهران وواشنطن للعودة للاتفاق، والاحتفاظ بالأخير فى غرفة العناية المركزة لحين إعادة تنشيطة وإحيائه من جديد.

ويحكم الموقف الروسي مجموعة من المصالح المباشرة والاعتبارات الاستراتيجية. فمن ناحية لا تقل روسيا حرصاً من واشنطن على الحيلولة دون امتلاك طهران سلاحًا نوويًا، فروسيا من بين كل أعضاء مجموعة دول "5 + 1"، هى الأكثر عرضة لهجوم نووي محتمل من إيران وذلك فى ضوء تطوير طهران صواريخ بالستية من طراز "شهاب-3أ" بمدى يصل إلى 2000 كيلومتر، الأمر الذي يجعل غرب روسيا فى مرمى الصواريخ الإيرانية، وهو أمر لا ترتاح له روسيا رغم كون طهران شريك استراتيجى لها ويجمعهما مدى واسع من المصالح والتنسيق المشترك. ومنذ بدء تدويل البرنامج النووي الإيراني أكدت روسيا تأييدها لحق إيران في امتلاك تكنولوجيا نووية للاستخدامات السلمية، إلا إنها أكدت أيضًا رفضها القاطع لإمتلاك إيران أسلحة نووية، أو تحويل برنامجها النووي السلمي للاستخدام العسكري، وكان هذا وراء تأييد موسكو فرض حزم متتالية من العقوبات الرادعة لإيران داخل مجلس الأمن.

فقد ميزت روسيا بين سلمية البرنامج النووي الإيراني فى الحاضر وهو ما تقبله روسيا وتتعاون مع طهران لتحقيقه باعتباره مشروع تنموى يؤمن احتياجات إيران من الطاقة، ويتسق مع التوجه الروسى لتوسيع صادراتها من التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، ودعم هيمنتها على سوق المفاعلات النووية السلمية وما يمثله ذلك من عائد اقتصادى هام لروسيا مصحوب بنفوذ استراتيجى. وما قد يتطور إليه البرنامج النووى الإيرانى فى المستقبل إذا ما قررت إيران تحويل قدراتها النووية السلمية للإستخدام العسكرى وهو ما ترفضه روسيا وتسعى لمنعه والحيلولة دونه. فروسيا قد تقبل بإيران قوية ولكن ليس إلى الحد الذي يهدد روسيا ذاتها، وهي ترى فى إمتلاك إيران سلاحاً نووياً تهديداً مباشراً لمصالحها وأمنها القومي ولسياستها القائمة على منع الانتشار النووي.

يضاف إلى هذا البعد الاستراتيجي مصالح روسيا المباشرة والتى تتأثر حتماً بعودة التوتر والعقوبات الدولية على إيران حال انهيار الاتفاق النووي وفي مقدمتها مبيعات السلاح الروسي لطهران. فقد كانت طهران، حتى فرض حظر استيراد الأسلحة على إيران من جانب مجلس الأمن عام 2007م، تحتل المرتبة الثالثة في قائمة مستوردي الأسلحة الروسية. وتعتبر إيران سوقاً رئيسية للسلاح الروسي ويعتمد الجيش الإيراني على الأسلحة الروسية بنسبة تصل إلى 85٪ حيث شهدت العلاقات العسكرية بين البلدين تطوراً ملحوظاً منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي وتم توقيع اتفاقيات عدة آنذاك. وخلال زيارة وزير الدفاع الروسي لإيران في 20 يناير 2015م، والتي كانت الأولى منذ خمسة عشر عاماً، تم التوقيع على اتفاقية لتعزيز ورفع مستوى التعاون العسكري بين البلدين. ويتضمن ذلك بيع إيران أنواع حديثة من الدبابات والغواصات والمقاتلات ومنظومات الدفاعات المضادة للأهداف الجوية بعيدة المدى، إضافة إلى تحديث ما بحوزتها من أسلحة سوفيتية الصنع، والتوسع فى تدريب العسكريين الإيرانيين فى الأكاديميات الروسية.

وتؤكد روسيا دوماً أن تعاونها العسكرى مع إيران ليس موجهاً ضد أي طرف ثالث، وأنه لتعزيز القدرات الدفاعية لإيران فى ضوء التهديدات الأمريكية والإسرائيلية بتوجيه ضربات إلى إيران. هذا فضلاً عن أن إيران لا تتصدر قائمة الدول الأكثر إنفاقاً على مشتريات الأسلحة فى المنطقة. وإنه من غير المتصور أن يؤدي التعاون العسكري الروسي /الإيراني إلى تغير جذري في التوازن الاستراتيجي في منطقة الخليج العربي، لعدة اعتبارات من أهمها أن روسيا لا تزود إيران بأي أسلحة هجومية وإنما بأسلحة دفاعية لا تؤثر على ميزان القوى الإقليمي، وأن ما بحوزة طهران من منظومات هجومية هى محلية الصنع بالأساس. وأن التوازن الاستراتيجي فى المنطقة يجب أن يأخذ في الاعتبار الترسانة العسكرية الأمريكية الضخمة فى منطقة الخليج، والتى لا قبل لإيران بها، ولا يمكن لهذه الأخيرة التوازن معها مهما عززت من قدراتها العسكرية.

 وقد أدى الاتفاق النووي الإيراني إلى إعادة إطلاق التعاون العسكرى بين روسيا وإيران من جديد، وفي عام 2016م، أوفت روسيا بعقد توريد أنظمة الدفاع الجوي بعيدة المدى من طراز S-300 إلى إيران إنطلاقاً من كونها منظومات دفاعية لا تخضع لقيود مجلس الأمن الدولي. ومن المرجح أن تعود إيران لتصبح ثاني أكبر مستورد للأسلحة الروسية بعد الهند خاصة بعد انتهاء حظر الأمم المتحدة على إمدادات الأسلحة لإيران في أكتوبر 2020م، مما يسمح بزيادة صادرات الأسلحة الروسية لإيران. وتبدي إيران اهتمامًا بأحدث نظام صاروخي مضاد للطائرات من طراز S-400 ونظام الصواريخ الساحلي Bastion ودبابات T-90S وطائرات الهليكوبتر Mi-8، ويدور التفاوض بشأن صفقة قد تبلغ قيمتها 8 مليارات دولار بين البلدين.

فضلا عن كون إيران حجر زاوية فى معادلات التوازن الإقليمى، من وجهة النظر الروسية، وفى التخفيف من الضغوط الأمريكية على روسيا ومحاولات واشنطن تقليص النفوذ الروسى فى منطقة الشرق الأوسط، وشريك هام لإحداث التوازن فى العديد من قضايا الأمن الإقليمى وفى مقدمتها سوريا حيث يكتسب التنسيق والتعاون بين البلدين أولوية لدى موسكو فى إطار مسار أستانا وسوتشي، وشاركت قوات الجانبين فى حفظ الأمن بثلاثة من مناطق خفض التصعيد، وفى 16 أغسطس 2016م، أقلعت القاذفات الاستراتيجية الروسية من طراز (تي يو-22 أم) و(أس يو-34) من قاعدة "نوجه" فى همدان غرب إيران وقصفت أهدافًا لتنظيم داعش وجبهة النصرة في مناطق حلب ودير الزور وإدلب، وهو ما عد تطور بالغ الدلالة حيث كانت المرة الأولى التي تستخدم فيها روسيا بلداً ثالثاً لشن ضرباتها في سوريا منذ بدء عمليتها العسكرية بها. ومازالت روسيا تعول كثيراً على التنسيق مع طهران إقليمياً رغم ما قد يبدو أو تشير إليه المصادر الغربية من خلافات بين الجانبين أو رغبة روسية فى إنهاء الوجود الإيرانى تماماً من سوريا والذي تدرك موسكو جيداً إنه أمر ليس باليسير.

على صعيد آخر، تعد إيران سوق واعدة للتكنولوجيا النووية الروسية حيث يتم الحديث في طهران عن إنشاء أحد عشر مفاعلاً نووياً لتوليد الطاقة الكهربائية، وهناك رغبة أكيدة من الجانب الروسى فى مواصلة التعاون مع إيران والاستفادة من العوائد الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لذلك. ومن المعروف أن قيمة العقد الذي وقعته روسيا مع إيران لبناء محطة بوشهر بلغ 800 مليون دولار، هذا إلى جانب توفير فرص عمل لحوالى 10 آلاف من خبراء الطاقة الذرية الروس والمتخصصين وهو أمر لا يقل أهمية عن قيمة الصفقة ذاتها خاصة وأن الصفقة تمت فى وقت كانت روسيا تعاني من عدم استقرار اقتصادي وهجرة للعقول والعلماء فى مختلف المجالات.

 وقع رئيس وكالة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي ومدير شركة روساتوم الروسية سيرجي كيريينكو، في 12 نوفمبر 2014م، اتفاقاً يتضمن قيام روسيا ببناء مفاعلين نوويين فى إيران، مع إمكانية بناء ستة مفاعلات أخرى في المستقبل، بإجمالى ثمانية مفاعلات نووية جديدة في إيران. وفى هذا الإطار، تؤكد روسيا إن الهجوم الأمريكى على البرنامج النووى الإيرانى هو موقف سياسى، ويمثل أحد فصول المواجهة والتنافس بين البلدين، وأن الولايات المتحدة تسعى إلى عرقلة الحركة الروسية فى سوق تكنولوجيا المفاعلات النووية والتضييق عليها. 

فى ضوء الاعتبارات السابقة، وحرص روسيا الشديد على بقاء الاتفاق النووي واستمراره، تلقت موسكو الإشارات التى أطلقها الرئيس الأمريكى بايدن حول إمكانية عودة واشنطن للاتفاق، وأخذت تدفع بقوة فى هذا الاتجاه، ويتضمن التحرك الروسي ثلاثة أبعاد، دبلوماسية تهدف إلى الدفع باتجاه العودة للاتفاق؛ واقتصادية واستراتيجية تدعم طهران فى مواجهة الضغوط الأمريكية وتعزز من قدراتها التساومية مع واشنطن.

على الصعيد الدبلوماسى، أعلنت موسكو التأييد الواضح والمعلن لضرورة العودة الأمريكية للاتفاق، ففي 4 فبراير 2021م، أكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف اهتمام موسكو "بالحفاظ الكامل على الاتفاق وأن الطريق إلى ذلك يكمن حصراً من خلال التنفيذ المتسق والشامل لهذه الوثيقة الهامة من قبل جميع الأطراف المعنية على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2231". وفى 5 فبراير أشار لافروف أن روسيا تأمل مجددًا فى أن تحدد الإدارة الأمريكية، كدولة تفاوضت وأبرمت خطة العمل الشاملة المشتركة، إلى أي مدى يمكنها العودة إلى هذه الوثيقة الدولية المهمة، والتي تم الاعتراف بها على أنها إنجاز للدبلوماسية المتعددة الأطراف وكانت مثالاً على الجهود التي يجب بذلها لتخفيف التوترات في مختلف البؤر الساخنة وتعزيز نظام عدم الانتشار النووي. وفى 9 مارس دعا لافروف، إلى وضع خطوات متزامنة لعودة طهران وواشنطن إلى الاتفاق النووي، مؤكداً أن انتظار الخطوة الأولى من الطرف المقابل سيقود إلى طريق مسدود.

كذلك، أشار مندوب روسيا الدائم لدى المنظمات الدولية في فيينا، ميخائيل أوليانوف، في 9 فبراير 2021م، إلى إن السبيل الوحيد لإعادة تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة حول البرنامج النووي الإيراني بصورة طبيعية هو العودة بدون شروط مسبقة لما كانت عليه قبل وصول إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وأن "هناك حاجة للاتصال بين طهران وواشنطن، من أجل المضي قدمًا، وأن الاجتماع غير الرسمي متعدد الأطراف لأعضاء خطة العمل الشاملة المشتركة والأمريكيين قد يكون مقبولاً من الجميع". ووفقًا لأوليانوف فإن هذا يعني أن على إيران استئناف الوفاء بجميع التزاماتها في أسرع وقت ممكن، وأن على الأمريكيين رفع عقوباتهم عن البرنامج النووي الإيراني وتمكين إيران من تجارة النفط والسلع الأخرى بشكل طبيعي. ورحبت موسكو بقرار فرنسا وبريطانيا وألمانيا فى 4 مارس بالتراجع عن خطتها لتبني مشروع قرار ينتقد إيران أمام مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مؤكدة أن ذلك أتاح منع التصعيد وأفسح مجالا للدبلوماسية.

وفى هذا السياق أكدت موسكو عدم مخالفة إيران للاتفاق، وأن رفض إيران الحالي للامتثال لـخطة العمل الشاملة المشتركة لا يتعارض مع التزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي. ودعت موسكو طهران إلى "ضبط النفس" بعد بدء إنتاج اليورانيوم المعدني لتغذية مفاعل الأبحاث الإيراني في انتهاك آخر للاتفاق النووي الذي أبرم في 2015م، وعبر نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف عن "تفهم المنطق الذي يكمن وراء أفعال طهران والأسباب التي تدفع إيران إلى القيام بذلك، لكن من الضروري البرهنة على ضبط للنفس ونهج مسؤول". وتوقفت إيران منذ 2019م، عن احترام غالبية التزاماتها بموجب هذا الاتفاق مؤكدة أنها ستعود عن قراراتها في حال انضمت الولايات المتحدة من جديد إلى الاتفاق. واعتبرت وزارة الخارجية الروسية أن سبب بدء تخصيب إيران لليورانيوم بنسبة 20% هو "العقوبات الأميركية".

وتضمن البعد الدبلوماسي للسياسة الروسية كذلك التنسيق عالى المستوى مع الجانب الإيرانى وشمل ذلك تبادل الرسائل بين الرئيس بوتين والمرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي حيث بعث الأخير برسالة خطية للرئيس بوتين فى 8 فبراير سلمها رئيس البرلمان الإيراني، محمد باقر قاليباف، لرئيس مجلس النواب الروسي (الدوما)، فيتشسلاف فالودين، تضمنت "مواقف إيران الصريحة" حول موضوع الاتفاق النووي، وفى 6 مارس بعث الرئيس بوتين، برسالة خطية إلى المرشد الأعلى حول ذات الموضوع تم التأكيد فيها على دعم روسيا الكامل لضرورة العودة للاتفاق النووى، واستمرار التعاون والتنسيق بين البلدين فى مختلف المجالات.

  كما تدعم موسكو الموقف الإيراني في التمسك بالاتفاق القائم وليس التفاوض حول اتفاق جديد يتضمن القضايا الخلافية الأخرى بين طهران وواشنطن حيث تعارض روسيا المطالب الأمريكية حول ربط الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني بملفات أخرى مثل البرنامج الصاروخي الإيراني وترسانتها من الصواريخ البالستية، ومرحلة ما بعد العام 2025م، حين ينتهي سريان بعض البنود، والدور الإقليمي لطهران. وترى موسكو أن مبادرتها حول "المفهوم الروسي للأمن الجماعي في الخليج" التى أطلقتها فى 23 يوليو 2019م، متضمنة الرؤية الروسية فى هذا الخصوص والإجراءات اللازمة لضمانها، تعتبر إطار جيد لإدارة الحوار بين القوى الإقليمية والدولية المعنية حول هذه القضايا، وبلورة رؤية حول الترتيبات الأمنية والضمانات الكافية لطمأنة دول الخليج العربية وبناء الثقة بين الأطراف المختلفة، على النحو الذى يسهم فى تحقيق الأمن والاستقرار فى منطقة الخليج، وهو ما أعاد وزير الخارجية الروسى، سيرجى لافروف، التأكيد عليه خلال زيارته للمنطقة والتى شملت السعودية والإمارات وقطر خلال الفترة من 8 وحتى 12 مارس 2021م، وحملت الزيارة رسالة هامة حول حرص روسيا على العلاقات مع الدول الثلاث وتطوير التعاون معها فى كافة المجالات الاقتصادية والاستراتيجية، وأن موقفها من الاتفاق النووى الإيرانى هو لتعزيز الأمن والاستقرار فى المنطقة.

وعلى الصعيد الاقتصادى، شهد التعاون بين الجانبين تطوراً ملحوظاً فى تحد واضح للعقوبات الأمريكية، ودعم لإيران وللتمسك بالاتفاق النووي. وتمثل روسيا نافذة هامة لبيع النفط الإيراني والتغلب على الحظر الأمريكي فى هذا الإطار، فخلال سنوات الحظر الأمريكي على إيران قبل إبرام الاتفاق النووي عام 2015م، أبرمت موسكو صفقة للمقايضة النفطية مع طهران، بمقتضاها تشتري موسكو يوميا قرابة 500 ألف برميل نفط من طهران، بإجمالى 5 ملايين طن في العام، نظير استيراد الأخيرة بضائع ومعدات روسية الصنع، هذا إلى جانب صفقة نفطية أخرى تم إبرامها عام 2015م، تتيح بيع 100 ألف برميل نفط يوميًا إلى روسيا. وكانت التوريدات تتم عبر روسيا إلى دول أخرى، أى أن روسيا تمثل الوسيط فى بيع النفط الإيرانى، ويتم تسديد قيمة النفط الإيراني وفق نسبة 50/50، أي أن النصف يكون على شكل مبلغ من المال والنصف الثاني على شكل سلع وبضائع روسية وخدمات لإيران. وإثر انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني في مايو 2018م، سافر علي أكبر ولايتي، مستشار الشؤون الدولية للمرشد الإيراني علي خامنئي، في الشهر التالي، إلى موسكو بهدف إجراء مفاوضات مشتركة تضمنت التعاون فى قطاع النفط الإيراني، ومبيعات النفط الإيراني لروسيا.

كذلك، واصل التبادل التجاري بين روسيا وإيران ارتفاعه وبلغ 2 مليار دولار عام 2019م، وفى 4 مارس 2021م، أعلنت الحكومة الإيرانية المصادقة على بدء المفاوضات لتحويل العضوية المؤقتة لإيران في الاتحاد الأوراسي إلى دائمة. وتأسس الاتحاد الأوراسي عام 2015م، بمبادرة من روسيا ويضم بيلاروسيا وأرمينيا وكازاخستان وقرجيزستان. وكانت طهران قد أجرت سبع جولات تفاوضية مع الاتحاد الأوراسي خلال الفترة من عام 2015 حتى 2017م، ودخلت الاتفاقية المؤقتة حيز التنفيذ في 27 أكتوبر 2019م، والتي أدت إلى ضم إيران إلى هذا الاتحاد الاقتصادي بشكل مؤقت. وتستمر المفاوضات الجارية ثلاث سنوات حتى الانضمام الدائم إلى الاتحاد الأوراسي وإقامة منطقة تجارة حرة بين الجانبين. وتشير الإحصاءات التي نشرتها منظمة التنمية والتجارة الخارجية ومصلحة الجمارك الإيرانية إلى وجود نتائج جيدة وإيجابية تتضمن الازدياد الملحوظ في حجم التبادل التجاري مع منطقة أوراسيا الاقتصادية والتي يضم سوقها الموحد أكثر من 190 مليون شخص من روسيا الاتحادية وباقي الدول المؤسسة لهذا الاتحاد مقارنة بفترة ماضية مشابهة. وتسعى إيران إلى الانضمام بشكل دائم إلى هذا الاتحاد لفتح آفاق جديدة أمام الاقتصاد الإيراني في ظل فرض الولايات المتحدة عقوبات مشددة عليها.

أما على الصعيد الاستراتيجي، فقد مثلت المناورات المشتركة بين البلدين رسالة مباشرة إلى واشنطن بأن إيران لا تقف وحدها فى مواجهة الضغوط الأمريكية بما فيها التلويح بعمل عسكرى أو ضربات ضد أهداف إيرانية. ففي ديسمبر 2019م، أجرت كل من روسيا والصين وإيران تدريبات ثلاثية مشتركة في المحيط الهندي، "حزام الأمن البحري"، كانت الأولى من نوعها، بهدف "العمل على تعزيز التعاون في مجال عمليات البحث والإنقاذ والتدابير لضمان سلامة الملاحة البحرية" مثلت رسالة قوية بتضامن روسيا والصين مع إيران. فقد إنطلقت المناورات من ميناء تشابهار أكبر الموانئ الإيرانية على المحيط الهندى فى أقصى جنوب شرق إيران على مساحة تتجاوز 17 ألف كم2، وشارك فيها المدمرة الصينية "شينينج" المزودة بصواريخ موجهة، وثلاث سفن تابعة لأسطول بحر البلطيق الروسي، والمدمرة الإيرانية "دامافاند" والغواصة "بعثت" وطائرات مسيرة عسكرية متطورة. وأجريت المناورات الثلاثية للمرة الثانية في فبراير 2021م، بهدف معلن هو تعزيز الأمن في شمال المحيط الهندي، مؤكدة استقرار الشراكة الاستراتيجية بين الدول الثلاث، وفى إشارة إلى أن "القوة البحرية لإيران بلغت مستوى العالمية من حيث المعدات والقوى البشرية والتقنية والتكتيكات والتوجيه والقيادة وأجهزة الاتصال والحصول على المعدات الحديثة".

ولا يعني هذا أن روسيا أو الصين ستخوض حرباً نيابة عن إيران، أو ستساندها فى أى إعتداء قد تفكر فى القيام به، ولكن ستحرص موسكو على الحفاظ على القوة الإيرانية باعتبارها أحد أضلاع مثلث القوى الإقليمية، تركيا إيران إسرائيل، وانهياره يخل بتوازن القوى الإقليمى فى غير صالحها، ويعتبر الحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني حجر زاوية في هذا الإطار حيث يمكن من تطبيع وضع إيران الدولى ويسمح لموسكو بتحقيق مصالحها مع ضبط الطموحات الإيرانية والحيلولة دون إنفلاتها على النحو الذى يهدد روسيا ذاتها.

مقالات لنفس الكاتب