; logged out
الرئيسية / اليمن أمام ثلاثة طرق للعبور إلى الحل رغم ما يتراءى من احتمالات انسدادها

العدد 161

اليمن أمام ثلاثة طرق للعبور إلى الحل رغم ما يتراءى من احتمالات انسدادها

السبت، 01 أيار 2021

تقول الوقائع إنه بعد أكثر من ست سنوات من القتال، لا تزال الحرب في اليمن مستمرة. على الرغم من أن الأطراف المتنافسة توصلت إلى اتفاق نهاية 2018م، في ستوكهولم، إلا أنها فشلت في الالتزام الكامل ببنوده، بسبب الغموض حول مستقبل الدولة اليمنية. في الوقت الحالي، هناك سلطات متعددة ومتنافسة في مناطق مختلفة، ويختلف الأفراد في السلطة حول ما إذا كان ينبغي أن تكون هناك دولة واحدة، أو دولتان، أو دول متعددة. كما أنهم يختلفون فيما إذا كانت الدولة، أو الولايات المستقبلية يجب أن تكون مستقلة، أو مرتبطة من خلال نظام فيدرالي، أو كونفدرالي. لا تزال الأسئلة العميقة بلا إجابات، وقبل أن تمضي المفاوضات قدماً، من المرجح أن تحتاج الأطراف إلى معالجة المشكلة في القاعة: الهيكل المستقبلي لليمن كدولة.

إن اليمن تكافح حالياً للعثور على هويتها، وهل ستبلغ السلام موحدة، أم ستنقسم على نفسها، وتكرر تجربة الشمال والجنوب الماضية؟ أم ستنقلها المساومات واختلافات الرؤى إلى أوضاع مغايرة، ليست معروفة، ومثيرة للجدل والاهتمام؟ أم ستتبع سبيل المصالحة الاجتماعية الشاملة، أم ستقود البلاد بإطار عمل يغير طبيعة ما تعارف عليه اليمنيون في سابق عهودهم؟ إنها تسعى جاهدة لتجاوز التغيرات الاجتماعية الضخمة المضافة إلى التغييرات السياسية على مستوى الحكم والدولة. ومثل العديد من الدول، التي غشيها الاضطراب الذي صحب حركات "ثورة الربيع العربي"، تبدو وكأنها على وشك الانهيار، وفي كثير من الأحيان، غارقة في الصراع والفوضى، ولم تعد بلداً متماسكاً. إذ تتقاسمها حكومتان في صنعاء وعدن، تبدوان ظاهرياً على قدر التحديات الماثلة، ولكنهما في النهاية غير فعالتين كنظامين يستطيعان تأمين أساسيات الحياة، والحد الأدنى من الأمن والاستقرار.

وهنا، يمكن التساؤل حول: ما هي طبيعة المرحلة الحالية، التي يعيشها اليمن، وما هو مستقبله؟ وقد تفوز الإجابات التالية على سؤال المرحلة، إذ يبدو أن أمام اليمن حالياً ثلاثة طرق رئيسة يحاول أن يعبر من خلالها إلى الحل، رغم ما يتراءى من احتمالات انسدادها. إحداها هي الأصول الأساسية للمبادرة الخليجية، وهي، التي ينبغي أن يُستجمع شتاتها، رغم أنها كانت، وما تزال، غارقة إلى حد كبير في تباينات آراء دول الخليج ذاتها، أو النقاشات الداخلية المرجعية الذاتية، التي بُنِيَت عليها بنودها. وقد يُطلق على ثانيتها، بشكل عام، "الرؤية العربية"، التي استمذجتها جامعة الدول العربية، والتي يمكن أن تكون نسخة مستحدثة من المبادرة الخليجية القديمة، لكن الجامعة العربية لم تلتزم بموقف موحد ناجز بعد. والثالثة، هي جهود "التحالف" النشطة وتقويم فكرة "استعادة الأمل"، التي صارت تعتمد على المبادرة السعودية الأخيرة، والتي يتم تداولها بشكل علني من قبل المعنيين، الذين ينظرون إلى الممارسات والمواقف المرئية وغير المرئية. إنهم يتفاءلون بالخطاب العام لقوات التحالف، ولا يلتفتون كثيراً للمماحكات والمراوغات، لأنهم يعلمون أن الحل السلمي يواجه دائماً صعوداً شاقاً إلى مراقي التحقق.

أبعاد الصراع:

إن الوصف المتداول للأزمة اليمنية يؤشر على أنها صراع بين فصيلين متنافسين من النخبة، مما يعني غياب الشعب، أو على الأقل الغالبية العظمى منه. لذا، من المهم عند الحديث حول ما يتعلق بالتطور السياسي المستقبلي للبلاد، أن ندرك أنه في العقدين الماضيين، شهد اليمن انتخابات لم تكن مبرأة من العيوب. لذا، فإن جرداً سريعاً لقائمة الكيانات المختلفة، التي تنافست عليها، أي تلك الانتخابات، وتتنافس حالياً على السيطرة على أجزاء مختلفة من المناطق المختلفة أمر ضروري لتوفير الأسس الملائمة لفهم القضايا، التي من المحتمل أن تظهر في المستقبل. إذ تمتعت جميع الفصائل المعنية ببعض الدعم الشعبي المكتسب، إلى حد كبير، من خلال نظام المحسوبية والولاء القبلي الخاص بكل فصيل. وبينما بني المؤتمر الشعبي رصيده على بعض الإنجازات؛ مثل، الوحدة اليمنية، وما رافقها من ميزات حديثة كالاتصالات، فإن الإصلاح ظل مدعوماً من قبل رجال قبائل حاشد، وأيضاً الآلاف ممن يؤمنون ببرنامج الإخوان المسلمين في جميع أنحاء البلاد، بينما اعتمد دعم الحوثيين بشكل أكبر على الانتماء المذهبي. وقد شهد العالم أن هذه الولاءات لم تمنع الغالبية العظمى من اليمنيين من التعبير عن آرائهم ضد الفساد المستشري للزعماء السياسيين، وهو الأمر، الذي لا يمتلك أي فصيل النجاة منه، وهيأ اشتراك الجميع فيه إلى الثورة الشعبية، التي أزاحت نظام علي عبدالله صالح.

إن اليمن مدرجة في سجل المخاطر منذ زمن بعيد، إن لم تكن بعد في قائمة الدول المهددة بالتمزق والانهيار. إن وحدتها ظلت معرضة للتفكك بشكل مقلق؛ لضعف الحس الوطني الجامع من الأشخاص، الذين يعطون الأولوية للولاءات السياسية بدلاً من فهم طبيعة مترتباتها على المجتمع، والذين لا يستطيعون رؤية أن الوحدة غاية قيّمة في حد ذاتها، وليس مجرد شعار على دفتر السياسة. فمساومات السياسة ليست لها حدود، ولا توجد فيها مواضيع ممنوعة؛ ولكن بالنسبة إلى المجتمع فإن الوحدة مسألة حياة، وطرائق للعيش، لا ينبغي تعريضها للخطر. إنه لمن الخطأ، محاولة القفز على الحكمة اليمانية، التي لها القدرة على توجيه المسارات الراسخة لممسكات هذه الوحدة اليمنية. إنه مبعث للاستياء، أن يركز السياسيون في البحث عنها في أضابير غيرها، لاستيلاد، أو استيراد حلول لا تحقق نفعاً. ولكن إذا كانوا يريدون لليمن أن تزدهر في المستقبل، عليهم اعتبار أن الحكم يسع كل الخيارات، وأن مقدرات البلاد هي في النهاية مورد خير للجميع، وليست مجرد منصة يجلس عليها المتصارعون على أرصفة الخلاف الإيديولوجي في أقصى طرفي المعادلة السياسية الحاضرة. فاليمن هي ما كانت، وهي ليست ما عليه حالها الآن، ولن تكون أبداً نظاماً مغلقاً يحجر على الناس خياراتهم، ويقيد عقائدهم. فقد كانت دائماً سعةً للتسامح ومستوعبة للتنوع، وهذا لا يعني أنه يجب تجنب الحديث عن الموضوعات الخلافية الحقيقية، والتطرق لأصول المفاهيم السياسية الصعبة. وذلك لأنها ذات الموضوعات الخلافية والمفاهيم الصعبة، التي ربما تستحق الاهتمام الأكثر صرامة من الحادبين على مستقبل اليمن من كل الأطراف.

باختصار، فإن التشرذم، الذي تمر به البلاد هذا العقد، والذي بدأ الكثير منه قبل الحرب، سيؤثر على مستقبل اليمن. في حين يصعب التنبؤ بشكلها السياسي وتنظيمها الداخلي في هذه المرحلة، هناك احتمال ضئيل للغاية في أن تظل الدولة كياناً سياسياً واحداً يمكن التعرف عليه من قبل أولئك الذين عرفوها في التسعينيات، أو حتى دولتين في الثمانينيات. فشلت محاولة الأمم المتحدة لإجراء مفاوضات بين المعارضين "الرسميين" على المدى القصير بسبب عدم الاستعداد التام لأي من الطرفين للتسوية بأي شكل من الأشكال، حيث يطالب أحدهما بالاستسلام الكامل متجاهلاً قوة الطرف الآخر على الأرض. ولكن على المديين: المتوسط ​​والطويل.

التدخل الأجنبي:

يُظهر التاريخ أن النظام السياسي اليمني شديد التأثر بالتدخل الأجنبي لأن سكانه من أفقر سكان العالم، ولكنهم أكثر ارتباطاً بالعالم، كما أن البلد من أكثر المناطق استراتيجيةً. وقد تمكنت القوى الأجنبية الثرية، التي لها مصالح جغرافية استراتيجية في أراضي اليمن منذ فترة طويلة لتشكيل وتحديد سياساتها الداخلية لخدمة مصالحها الخاصة. إن المشاركة الأجنبية في السياسة اليمنية ليست بأي حال من الأحوال ابتكاراً لعام 2015م، على الرغم من أن تلك السنة شهدت تغيراً ملحوظاً في طبيعتها. ومن هذا المنطلق أعلنت "عاصفة الحزم" بعد شهر بالكاد واستبدلت بها "استعادة الأمل". بينما أظهرت الولايات المتحدة في الماضي القليل من الاهتمام باليمنيين وتنميتهم، وقد عملت استراتيجيتها في اليمن في سياق "حربها ضد الإرهاب" مع تنظيم القاعدة كعدو رئيس. ونجحت "التكتيكات" المستخدمة في زيادة تجنيد القاعدة محلياً من خلال الضربات الجوية والطائرات بدون طيار العشوائية، والتي توسعت في عهد ترامب. والمستقبل القريب غير واضح، على الرغم من بعض أصوات إدارة جو بايدن الجديدة في واشنطن نفسها. لكن على المدى المتوسط، لا ينبغي توقع الحكمة خلال الإدارة الحالية، أو في الواقع بعد ذلك، إذا كانت السجلات السابقة في أفغانستان والعراق تشير إلى اضطراب سياسات الولايات المتحدة عبر الإدارات المختلفة. في حين أن دور المملكة المتحدة أقل على المستوى العسكري، فقد شاركت أيضاً في مبيعات أسلحة كبيرة للتحالف، ومن غير المرجح أن توقفها. بالتركيز على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتعزيز علاقتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، من غير المرجح أن تتخذ بريطانيا مواقف بشأن اليمن تتعارض مع إرادة دول مجلس التعاون الخليجي.

وقد يقول قائل إن "الحس السليم" يؤكد على قدرة اليمنيين على حسم خياراتهم، إذا تُرِكُوا لوحدهم ليقرروا فيها، وأنهم لا محالة بالغي مقاصدهم. ويجب التنبيه إلى أن القوى الخارجية؛ أياً كانت، لن تقدم الآن، أو في المستقبل، إجابات صحيحة تماماً، أو سرديات كاملة شاملة، لما ينبغي أن يكون عليه الحال غداً. ولكن ما يمكنهم أن يوفروه هو الأدوات والمعينات الضرورية، التي يمكن لليمنيين بواسطتها التفكير في معالجة مشكلات حاضرهم، وإصدار أحكامهم حول مستقبلهم. وإذا كانت القوى المنفعلة بأمر اليمن الآن؛ دولاً كانت أو منظمات، لا تستطيع تفسير طبيعة ما يعتمل في الواقع اليمني من أزمات عميقة، فلا يمكنها أن تأمل في تغييره على الوجه الأمثل. وسيأتي التغيير عندما يلتقي اليمنيون أنفسهم مع بعضهم البعض؛ وجهاً لوجه، وتتنافس المفاهيم والنظريات، وتُعْرَض النماذج الجديدة للحكم على الرأي العام، وتُقَارن مع الموروث القديم، وتُقَارب بالحكمة اليمانية. لذلك، من أجل الخصوصية المطلوبة، يجب أن تحافظ القيادات اليمنية؛ قبلية وسياسية، على مكانتها ودورها في الساحة العامة، وتعزيز الحاجة إلى الحوار، لأن التقارب بهدف الوحدة لا يتحقق مع القطيعة، والحل لا يمكن أن يحدث في فراغ.

ففي بلد مليء بالصراعات، هناك حاجة ماسة ومستمرة للتفكير الدقيق والمنضبط في اللغة الدبلوماسية والمنطق السياسي. إذ تُضفي التحديات الجديدة، في الواقع؛ بوعودها وتهديداتها، إلحاحاً على التمسك بالإجابات المعروفة الأسئلة التقليدية حول السلطة وطبيعة المجتمع الصالح. فاليمنيون، في غالبهم، يتحركون خارج نطاق السيطرة الخفية للاعبين الإقليميين والدوليين، ولكنهم كثيراً ما يُعبرون عن مخاوفهم في مجتمع تكاثفت عليه الأزمات، مع البحث الدائم عن الأمان، ومحاولات تحديد السمات الممكنة لمستقبل يكون مقدوراً على إدارة توقعاته. وتطرح المبادرات السلمية الجديدة أسئلة ملحة حول مقاربة كل ما ورد ذكره بعاليه، وحول طبيعة العدالة، على أن تسلط هذه الأسئلة أيضاً الضوء على القضايا المتعلقة بكيفية اتخاذ القيادات السياسية والمجتمعية لقرارات حكيمة ودائمة، والابتعاد عن إغراءات الإشباع الفوري لروح الانتصار، أو الاستسلام لإحباطات الهزيمة. فالجميع مدعوون للنظر فيما آلت إليه الأمور، وأن يسألوا أنفسهم كم من الوقت يريدون قبل أن يعترفوا بأن صراعهم يدمرهم، ويقضي على كل أمل في مستقبل تستقيم به علاقاتهم؛ بينهم وبين جيرتهم الأقربين والأبعدين؟ إنهم بحاجة إلى توضيح التفكير في الأشياء المهمة حقاً؛ يحتاجون عموماً إلى الثقة، التي أظهرها البعض، للانخراط في قضايا السلام، ليكونوا مستعدين للغد بروح التسامح والتحدي، وقطع الطريق على كل المعوقات.

 تصورات وأنساق:

من المحتمل أن يكون مستقبل اليمن هو أشكال مختلفة من الترتيبات السياسية، التي تستوعب ما انتجه الواقع الجديد. إن فهم إمكانية الإنسان اليمني؛ فيما يتعلق بإيجاد نسق جديد كامل من النظم الإدارية هو تصورٌ ممكن، وسيكون رائعاً إذا قُدِّرَ له أن يحقق اجماع اليمنيين عليه. ويمكن أن يؤدي إلى تغيير مجتمعي مفيد، ويساعد في خلق الوحدة، حيث يجب أن تكون الأشياء كاملة، وتتطابق حدود الجغرافيا مع مقتضيات ومتطلبات الديمغرافيا، كما يستوجبه الحال في سُؤل السكن والتعليم والتوظيف، وفي القدرة على الحِراك والترقي في أروقة السلطة. وتعتبر اليمن أيضاً قادرة على إنشاء النُظُم وتوليفها، والتي تتعلق بما إذا كان الاتحاد بينهم كاملاً وسليماً ومتكاملاً وقابلاً للحياة. ويأمل اليمنيون أن يطبق النظام، الذي يحكم في المستقبل، مسؤوليته المتمثلة في كونه الحكم بين الناس على كيفية تفاوضهم على اتخاذ ما يرونه مناسباً لشؤون معاشهم ومجمل أقضية حياتهم. وبهذا، يمكن أن يكون مستقبلاً مشرقاً، لكن من المحتمل ألا يكون كذلك من دون التأسي بـ"الحكمة" اليمانية، التي تقود بـ"اللين" سلسلة الإصلاحات والتكيف على مقتضياتها.

عندما انهار النظام السياسي في اليمن قبل شهرين من بدء الحرب الدولية في 26 مارس 2015م، كانت هناك خطة لإعادة هيكلة الدولة على أسس فدرالية. استندت الخطة إلى نتائج مؤتمر الحوار الوطني، الذي ترعاه الأمم المتحدة، والذي عقد في صنعاء خلال عام 2013 وأوائل عام 2014م. سعى مركز الحوار الوطني إلى نقل السلطة بشأن صنع القرار إلى السلطات المنتخبة في مناطق متعددة في جميع أنحاء البلاد. لم يتمكن المندوبون في مؤتمر الحوار الوطني من الاتفاق على عدد الأقاليم الفيدرالية، لذلك ترك القرار للجنة تنفيذية خاصة عينها الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي. بعد انتهاء مؤتمر الحوار الوطني، قررت لجنة هادي إعادة هيكلة اليمن كدولة اتحادية من ستة أقاليم. 

أحد العوائق الرئيسة أمام التفاوض على إنهاء سلمي للحرب في اليمن عبر عملية تدريجية، كما يقول ستيفن دبليو داي، في مقال له بعنوان: "الهيكل المستقبلي للدولة اليمنية"، نُشِرَ 14 أغسطس 2019م، هو أن الأطراف لديها حوافز هائلة للتشبث بموقفها ومواصلة القتال خلال المفاوضات حول مسائل صغيرة نسبياً مثل أمن الموانئ. هذا صحيح لأن الأطراف المتحاربة تريد نفوذاً عندما تتحول المفاوضات إلى مسائل أكثر أهمية، مثل التكوين السياسي للحكومة اليمنية والهيكل المستقبلي للدولة. وتتضمن معظم المفاوضات الدولية النظر في المسائل الكبيرة والصغيرة على حد سواء، لكن هناك ميل لمعالجة الأمور الصغيرة أولاً، لأن فيها احتمالية أكبر للاتفاق. ويأمل المفاوضون في استخدام الاتفاقات المتعلقة بالمسائل الأصغر لتعزيز التفاؤل نحو اتفاقات أكبر وأكثر صعوبة. ولكن إذا كانت أطراف النزاع غير متأكدة من الاتجاه، الذي ستتخذه المفاوضات بشأن المسائل الكبيرة، فمن المرجح أن يطول الصراع من خلال الاستمرار في التنافس حول القضايا الصغيرة. هذه هي المشكلة الأساسية في اليمن، حيث فشلت الفصائل المتناحرة في الحديدة في الالتزام الكامل ببنود اتفاقية ستوكهولم بسبب الغموض حول مستقبل اليمن. حالياً، هناك العديد من السلطات المتنافسة في مناطق مختلفة من البلاد، والأفراد في السلطة يختلفون حول ما إذا كان ينبغي أن تكون هناك دولة واحدة، أو دولتان، أو دول متعددة في اليمن في المستقبل. كما أنهم يختلفون فيما إذا كانت دول اليمن المستقبلية يجب أن تكون مستقلة، أو مرتبطة من خلال نظام حكم فيدرالي، أو كونفدرالي.

نظراً لأن مثل هذه الأسئلة العميقة حول مستقبل اليمن لا تزال دون إجابة، فليس من المستغرب أن مسألة هيكل اليمن المستقبلي كدولة، سواء كانت وحدوية، أو فدرالية، أو كونفدرالية، تقع في قلب مشاكل البلاد، التي يجب النظر فيها بعمق.  إذ إنه لا مفر من حقيقة أنه يجب معالجة السؤال لإنهاء الحرب في البلاد وإحلال السلام للسكان، الذين ظلوا يعانون طوال السنوات الماضية. ولكن، لمجموعة متنوعة من الأسباب، من الصعب تخيل إمكانية تنفيذ الخطة الفيدرالية لمناطق الحوار الوطني الست في المستقبل القريب. وكلما استمرت الحرب، زادت المصالح المكتسبة بين الجهات الفاعلة القوية على الأرض في مناطق مختلفة من البلاد، الذين يسعون لمواصلة القتال.

النظام المأمول:

لا يمكن للمرء أن يتنبأ بالمستقبل، ولكن أفضل ما يمكن فعله هو تحديد آماله، وتجديد تطلعاته، واستشراف غده. وعند القيام بذلك، هناك اعتراف ضمني بما هو مفقود في الحاضر، وكذلك بيان بالرغبة في شيء مختلف. في عالم متغير، يمكن لليمنيين أن يكونوا حراساً لقيمهم، ومدافعين عن العدالة والأخلاق العامة، ومدافعين عن الحرية، وعن الكرامة الإنسانية، وأن يبنوا معاً مستقبلاً يأملون فيه. وتقول هيلين لاكنر، في مقال لها بعنوان: "مستقبل اليمن"، نُشِرَ في دورية "غلوبال بولسي جورنال- Global Policy Jpournal"، الصادرة في 01 مايو 2017م، إنه حتى قبل اندلاع الحرب، التي تم تدويلها، في مارس 2015م، كان مستقبل اليمن على المديين المتوسط ​​والطويل قاتماً، إذ شابت أوضاع البلاد عدد من التحديات الأساسية، التي من شأنها أن تعرض للخطر آفاق أفضل الدول حكماً، ناهيك عن بلد فقير في الموارد الطبيعية، مثل اليمن، الذي ظلت تحكمه نخبة صغيرة من "الكليبتوقراطية". إن جميع التحديات لا تزال قائمة، حتى لو طغت عليها القضايا العاجلة للقتال والقصف الجوي والمجاعة والأمراض. وفي حين أن هناك حديثاً عن "لعنة الموارد "بالنسبة لبعض الدول، التي لديها موارد معدنية وفيرة؛ مثل، الكونغو ونيجيريا وكبار مصدري النفط في شبه الجزيرة العربية، فإن هذا المفهوم قابل للنقاش إلى حد كبير بالنسبة لليمن، لأن القضية الحقيقية ليست توافر الموارد بقدر ما هي مرتبطة بطريقة إدارتهم لها. فإذا نظرنا إليها من وجهة نظر دولة لديها موارد طبيعية غير كافية، فإن المشكلة ستكون موضع بحث مختلف، خاصة في غياب الاكتشافات غير المتوقعة لغاز إضافي، أو للنفط، الذي سوف ينفد خلال العقد القادم. فقد انخفض الإنتاج من ذروته، في عام 2001م، لأكثر من أربعمائة ألف برميل في اليوم، إلى حوالي مائة وثلاثين ألف برميل فقط في اليوم، في عام 2014م، قبل اتساع الأزمة إلى حرب شاملة، في عام 2015م، والاتجاه العام ينخفض ​​بشدة، بينما كان النظام السابق يتوقع من الغاز الطبيعي أن يعوض الانخفاض في عائدات النفط.

لقد تم التشكيك في قدرة اليمن على إنشاء نظام مناسب لغالبية الناس في ضوء حالة الصراع المستمر. ويتساءل بعض المراقبين عما إذا كان النظام، الذي تقوده قلة، على ما يبدو، على حساب الكثيرين يجب أن يخضع لتدخل أكبر من المجتمع. فهناك نقاش كبير حول القضايا الاجتماعية الحيوية، والتطورات السياسية الأخرى، التي ينبغي أن تُفْصِح عن خيارات ناضجة متفق عليها. كما ينبغي فحص السياسات الخارجية للقوى الإقليمية والعالمية، والتساؤل عما إذا كان التدخل الأجنبي أمراً مرغوباً فيه، وفعالاً لمعالجة ما أشكل على أهل الحل والعقد في الداخل، حيث يبدو أن ما جرى، بكل تعقيداته المختلفة، قد أدى إلى معاناة باهظة التكلفة. علاوة على ذلك، مع تقدم الخطوات تجاه السلام، ستظهر، بلا شك، الأسئلة المتعلقة بطبيعة النظام العام والهوية الشخصية في المقدمة، وسيظهر أن التطورات السياسية الحالية قد تكون غير قادرة على إسكات الجدل حول طبيعة الحكم، ومن سيحكمون.

إن كيفية تقدم السلام في أبعاده السياسية أمر غير مؤكد إلى حد كبير، خاصة فيما يتعلق بأفعال القوى الرئيسة والدول الإقليمية والعالمية، كما أنه من غير المحتمل أن تُسوى قريباً التحديات الاجتماعية. ومع ذلك، يمكن القول إن هذه هي أهم الأسئلة، التي يجب حلها، والتي قد يعتمد عليها التقدم السياسي، وربما كل مستقبل اليمن. غير أن هنالك اعتقاداً أنه يمكن فهم الطبيعة الحالية للأزمة اليمنية ومستقبلها بشكل أفضل من خلال النظر في كيفية تعاملها مع ثلاث قضايا: أولاها، أن غالب الناس يقولون إنهم يقدرون منطق الواقع، ويعتقد الكثيرون منهم أن الحل يجب أن يكون أكثر منطقية. فالراهن هو الحاكم للواقع، الذي بمقدوره أن يميز المنطق الصحيح عن غير الصحيح، وقليل من الأمور الأخرى لها نفس الأهمية. يعتقد معظم الناس أنهم منطقيون حتى يدرسوا حجج الآخرين، وطالما أن المنطق مهم، ستبقى الحلول مهمة. وثانيها، معظم الناس يريدون أن يعيشوا حياة هادفة ومتسقة وأخلاقية وآمنة. والأمن والاستقرار هما المقياس، الذي يوضح فيه الناس قيمهم، ويتمكنون من تقديم المشورة حول كيفية العيش بشكل مشترك. وطالما أن الناس يريدون أن يعيشوا حياة كريمة، فإن السلام سيبقى مهماً. وثالثها، أن الكثير من الناس يريدون معرفة الواقع، على أمل أن يكون إيجابياً للتفاعل معه.

استنتاجات:

في الختام، من الصعب أن نكون متشائمين، غير أن الواقع الماثل لا يجعل خيار التفاؤل بشأن مستقبل اليمن ممكناً بغير جهدٍ استثنائيٍ تتفق فيه المساومات على تفضيل خيار السلام. إن البلاد في حالة انقسام على نفسها، ويخشى كل طرف فيها أن تبذل الدول، التي تتوزع التحالفات مع القوى المتصارعة، قصارى جهدها للسيطرة على البلاد سياسياً واقتصادياً، رغم أنه من غير المحتمل أن تكون هذه الدول قادرة على ممارسة مستوى النفوذ، الذي تتوقعه. لأنه إذا تمكنت من ذلك، فمن غير المرجح أن تسمح لليمن بأن تكون لها سياسة خارجية مستقلة، أو بنية عسكرية قوية خاصة بهم. ولكن، على الرغم من اعتمادهم الكبير على الدعم المالي من جيرانهم الأثرياء، غالباً ما قاوم القادة اليمنيون الضغوط السياسية، واتخذوا مبادرات في السياسة الداخلية والخارجية لم تكن على ذوق الداعمين لهم. وقد أثبتوا أنهم مقاتلون أكثر فاعلية طوال تاريخهم، ويتمتعون بعقلية مستقلة للغاية، التي ربما تكون، من بين ميزات أخرى، سبباً في تقسيم البلاد إلى كيانات متعددة. 

والسؤال إذن عن: ما الذي يمكن أن يأمله المرء من هذا المستقبل؟ ولا شك أن الإجابة سوف تتطلب معالجة مشاكل الوعي الجمعي للإمساك بالقرار الوطني، عبر الإرادة الحرة، لمواجهة المشكلات المستعصية، التي تأثرت كثيراً بالصراع والحروب، التي تتطلب الكثير من الجهد، وكذلك الآثار المترتبة على الأزمات الأخرى؛ مثل، تسوية ما علق بالعلاقات مع الجوار. وعند إعطاء وقتهم وطاقتهم للنقاش العام، يجب على من هم في السلطة، بأفرعها المختلفة، التحدث بلغة واضحة، وسهلة الفهم، حول معالجات قريبة المنال، لأن ذلك في حد ذاته سيكون تحدياً لإزالة أي إبهام لدى الرأي العام. ومن بعد، يجب على الحادبين في الإقليم والعالم دعم اليمن في التوجه صوب السلام، وإعطاء كل الأطراف الثقة اللازمة للتفكير والحديث بأنفسهم، لأن ذلك سيشجع على الامتثال لمقتضيات التصالح، ومقاومة المطالب المتزايدة باستمرار المصادمة والنزوع للانتقام.

مقالات لنفس الكاتب