; logged out
الرئيسية / الودائع السعودية لدى المركزي اليمني لتغطية الاستيراد دعمت سعر العملة

العدد 161

الودائع السعودية لدى المركزي اليمني لتغطية الاستيراد دعمت سعر العملة

السبت، 01 أيار 2021

تصدّرت اليمن قائمة الدول الهشة أو الفاشلة وفقاً لمؤشر Fail State Index العام 2020م،  الصادر عن صندوق السلام "Fund for Peace" ومجلة فورين بوليسي "Foreign policy" للعام الثاني على التوالي قبل الصومال وجنوب السودان بين الدول الـ 178 التي يشملها التقييم السّنوي للصندوق. في تقييمه للدول الفاعلة من الدول الهشة أو الفاشلة، يعتمد الصندوق على معايير موضوعية ذات أبعاد سياسية وأمنية واقتصادية علاوة على حكم القانون و المشروعية السياسية.

التقرير الذي يصدره الصندوق سنوياً منذ ربع قرن لم يكن يحمل أي مؤشرات للتفاؤل بشأن الحالة الاقتصادية والسياسية والأمنية في اليمن منذ بدء إصداره، إلا أن الأمر ازداد حدة منذ العام 2006م، نحو الانهيار السريع، لتتصدّر اليمن قائمة الدول الهشة أو الفاشلة العام 2019م. حالة التراجع الاقتصادي وزيادة أعداد ومستوى حدّة الفقر، وتراجع التنمية الاقتصادية بشكل عام وإقبال اليمنيين على الهجرة وبالذات إلى المملكة العربية السعودية كنتيجة لهذه الأوضاع وهجرة الأدمغة  بشكل خاص إلى مجتمعات جديدة في دول مجلس التعاون الخليجي وأوروبا والأمريكيتين وآسيا، كلها عوامل اجتمعت في الحالة اليمنية وازدادت حدتها مع الاحتجاجات الواسعة المطالبة بالتغيير العام 2011م، وانقسام النظام السياسي والعسكري والأمني بل والمجتمعي بين مؤيد ومعارض لهذه الاحتجاجات.

الاحتجاجات الواسعة المطالبة بالتغيير 2011م، وما صاحبها من تدهور للأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية كان من نتائجها حالة الفراغ السياسي والأمني، تمكنّت من خلالها الحركة الحوثية من فرض واقع جديد في اليمن بارتباطاتها الواضحة مع المشروع الإيراني في المنطقة، الذي استثمر في بناء وتطوير قدرات الحركة منذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران العام 1979م. المبادرة الخليجية التي تم من خلالها ترتيب انتقال السلطة وانتخاب الرئيس عبد ربه منصور هادي العام 2012م، لقيادة المرحلة الانتقالية والحوار الوطني الشامل الذي أداره الرئيس بمشاركة معظم القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة بما فيهم الحوثيين، أفضى العام 2014م، إلى وثيقة تاريخية ( مخرجات الحوار الوطني الشامل ) برعاية إقليمية ودولية، كان لها أن تقود اليمن إلى إقرار دستور اتحادي أبعاده الأساسية تتجسّد في المشاركة في السلطة والثروة.

الحراك السياسي الفاعل (2012-2014م) بقي بعيداً عن الهموم اليومية للأغلبية من اليمنيين، من تدهور للحالة الاقتصادية وارتفاع الأسعار وعدم إدراك حكومة الوحدة الوطنية لملامسة هذا الواقع، على الرغم من الدعم الإقليمي والدولي. مؤتمر المانحين في الرياض سبتمبر 2012م، كان قد سجل تعهدات تنموية قوامها 6,4 مليار دولار منها 3,25 مليار دولار من المملكة العربية السعودية. صحيح أن الفجوة التمويلية التي تقدمت بها الحكومة اليمنية إلى المؤتمر كانت بواقع الضعف من هذه التعهدات  (11,9 مليار دولار )، إلّا أن معظم التعهدات كانت قد بدأت أخذ المسار الطارئ  لدعم أسعار الوقود والمواد الغذائية وتغطية العجز في ميزان المدفوعات للحد من تدهور قيمة العملة اليمنية.

تدهور الحالة الاقتصادية وانكشاف منظومة الأمن وتواطؤ بعض الأطراف اليمنية الفاعلة، وتماهي أطراف إقليمية ودولية ساعد الحوثيين في التمدد العسكري السريع من صعدة إلى صنعاء خلال أشهر، مصحوباً باحتجاجات منظّمة في العاصمة صنعاء خلال الأشهر يوليو، أغسطس ، سبتمبر 2014م،  بسب قرار الحكومة رفع الدعم عن أسعار المشتقات النفطية ليكتمل المشهد باستيلاء الحوثيين عسكرياً على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014م، وما تبعه من تطورات من خلال اتفاق السلم والشراكة وتشكيل حكومة جديدة وخروج الرئيس من العاصمة مطلع العام 2015م، وبدء عاصفة الحزم 26 مارس 2015م، وقرار مجلس الأمن رقم 2216 في 14 أبريل 2015م.

أبعاد تاريخية للأزمة اليمنية

الأزمة اليمنية الحالية والحرب القائمة لا تعد استثناء في التاريخ اليمني المصبوغ بواقع الصراع والاستئثار على السلطة والثروة، بل امتداد لحلقة مفرغة من الصراعات والحروب المذهبية والقبلية. الحوثيون ومعهم طيف من القبائل التي قاتلت وتقاتل معهم يتحدثون عن ذلك بوضوح، بل أن دافعهم الأساسي إلى الحرب والانقلاب على الشرعية الدستورية كان ظاهره الإدعاء بفساد الحكومة التي كانوا جزءاً منها أصلاً، لكنه في الواقع  انقلاباً على التوافق الوطني ومخرجات الحوار الوطني الشامل  والنظام الاتحادي، الذي كان سيتضمنه الدستورالجديد. الهجوم الحوثي المتجدد والمستميت على مأرب منذ شهر فبراير الماضي لا يجد له تفسيراً آخر سوى الرغبة في الاستيلاء على مصادر الثروة وبالذات الغاز والنفط.

هذه الحلقة المفرغة من الصراعات القبلية والاجتماعية لم تكن غائبة عن المشهد اليمني منذ مئات السنين، بدويلاته المتعاقبة أحياناً أو التي تشكلت بالتوازي أحياناً أخرى بدوافع مذهبية وقبلية على حقب تاريخية متتابعة. التنافس الإقليمي والدولي على اليمن هو الآخر لم يكن بعيداً عن المشهد والأهداف القديمة الجديدة ذات الأبعاد الاستراتيجية لطرق التجارة في بلد تناوله القرآن الكريم والمؤرخين والرحالة بالكثير من الأبعاد الايجابية  " العربية السعيدة " والشواهد التاريخية للحضارات الإنسانية "لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ" ، والفكر الإنساني " قالت يا أَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ".

على امتداد تاريخهم الطويل اعتمد اليمنيون على عاملين اقتصاديين أساسيين ( الزراعة والتجارة )، ومن خلال بناء المدرجات الزراعية للاستفادة من مياه الأمطار الموسمية وتشييد السدود لحفظ المياه والري في غير مواسم الأمطار، تمكنوا من الإسهام في الحضارة الإنسانية كما استفادوا من الموقع الجغرافي لطرق التجارة بين الشرق والغرب وفي أعماق شبه الجزيرة العربية.

بانهيار الحضارات اليمنية القديمة والغزو الحبشي لليمن والدخول في عصر الإسلام، فقد اليمن أهميته الجيوستراجية والاقتصادية ليظلّ هامشياً تتناوبه دويلات متعاقبة أحياناً ومتزامنة أحياناً أخرى ذات أبعاد وخلفيات قبلية ومذهبية، دون أن يكون لها دور محوري في صياغة التاريخ الإسلامي أو الوعي الجمعي اليمني سوى عن طريق بعض الفاتحين أو نشر الدعوة سلمياً في إفريقيا وشرق آسيا، كونها بعيدة عن حضارة الدولة الإسلامية بعد انتقالها من دولة المدينة المنورة وخلفائها الراشدين إلى دمشق وبغداد واسطنبول. استثناءات إيجابية محدودة يمكن الحديث عنها لترسيخ الوعي اليمني الجامع تمثلت في الدولة الصليحية ( 1037-1138م) وعاصمتها صنعاء ثم جِبْلة، والدولة الرسولية (1229-1454م) وعاصمتها تَعِزْ وازدهار ميناء المخا كسوق رئيسي لتصدير وتجارة القهوة بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر للميلاد، ودور عدن كمحطة ارتكاز للتجارة في شبه الجزيرة العربية والخليج وللمستعمرات البريطانية ( 1939-1967م) والوحدة اليمنية 1990م.

جغرافية اليمن هي الأخرى على الرغم من ميزاتها التنافسية أضحت عامل عدم استقرار نتيجة الأطماع الخارجية، حيث باب المندب بأهميته الاستراتيجية، وسواحل بطول يزيد عن 2400 كيلو متر على البحرين الأحمر والعربي، إلى المياه المفتوحة في المحيط الهندي علاوة على العديد من الجزر الاستراتيجية بأبعادها الأمنية وتراثها الطبيعي والإنساني. وكان لليمن ما بعد 22 مايو 1990م، أن يستفيد من ميزات الواقع الجيوسياسي للتغلب على تحديات الواقع الديموغرافي المعقد حيث أكثر من 60 في المائة من اليمنيين يسكنون الهضاب الجبلية، بتعقيداتها القبلية والمذهبية والطبيعية لكن مشروع الدولة وبناء الإنسان بقيَ غائباً بدافع الرغبة في الاستئثار بالسلطة والثروة  وصولاً إلى مشاهد البؤس والفقر والدمار الراهنة.

الوحدة اليمنية 1990م : مشاعر جارفة نحو الهوية الوطنيّة الجامعة وإخفاقات استراتيجية

توحيد اليمن 1990م، كان له أن يكون بداية مرحلة فاصلة للولوج باليمن إلى واقع الدولة المسؤولة حيث اقترن الإعلان السلمي لتوحيد اليمن في 22 مايو 1990م، بمشاعر جارفة نحو الهوية الوطنية الجامعة لليمنيين. الحاضنة الشعبية الواسعة لتأييد هذا المشروع الوطني والعربي الكبير والاستثنائي في التاريخ اليمني فشل الموقعين على إعلانه في اتخاذ القرارات المسؤولة لرعايته ورسم الرؤى الاستراتيجية للمحافظة عليه. أخطر هذه القرارات الموقف غير المسؤول حول التداعيات الإقليمية كنتيجة لغزو الكويت في الثاني من أغسطس 1990م، وأثرها المباشر على الدولة الوليدة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً ومصداقيتها إقليمياً وأمام المجتمع الدولي وبالذات كونها كانت تمثل المجموعة العربية في مجلس الأمن الدولي.

الملف الاقتصادي لم يكن حاضراً في التحضير لإعلان دولة الوحدة وحكومتها بل أضحت  الحكومة مثقلة بعبئ اقتصادي لا يتوافق وقدرات الدولة الوليدة، وفوق ذلك أدّى عودة ما يفوق المليون من اليمنيين العاملين في دول مجلس التعاون الخليجي، نتيجة الموقف غير المسؤول لقيادة دولة الوحدة تجاه غزو الكويت، إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ومعه بدأت المجمعات العشوائية بالنشوء حول المدن الرئيسية، والاغتيالات السياسية لشركاء الوحدة واختطاف السياح الأجانب والصراعات المباشرة وغير المباشرة بين شركاء دولة الوحدة. جميع هذه العوامل بالإضافة إلى استمرار عوامل عدم الثقة لدى دول الجوار الإقليمي أدى إلى تفجر الصراع عسكرياً بين شركاء دولة الوحدة 1994م. نتائج حرب 1994م، كان لها آثارها الكبيرة ولا تزال على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية. في موازاة ذلك كان المشروع الحوثي بإرتباتاطه الإيرانية المباشرة منذ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية 1979م، وتبنيها مبدأ تصدير الثورة قد اتخذ البعد السياسي العلني مع تبني مبدأ التعددية السياسية في إطار دولة الوحدة وصولاً إلى التمرد على الدولة في صعدة والحروب الستة المعروفة بين 2004-2010م والمشاركة في الاحتجاجات الشعبية الواسعة المطالبة بالتغيير 2011م، وصولاً إلى المشاركة في الحوار الوطني الشامل فالزحف المسلح والاستيلاء على العاصمة صنعاء سبتمبر 2014م، وفوق ذلك كان للحرب على الإرهاب وتدهور الأوضاع الأمنية دوره أيضاً في إنهاك الموارد العامة وتراجع الثقة بقدرة المؤسسات العامة وبالذات مؤسستي الجيش والأمن.

الفساد الإداري والمالي في المؤسسات العامة كان له وقعه الكبير أيضاً على تدهور الوضع الاقتصادي، وبالتالي على الموارد العامة للدولة الحديثة. باختصار يمكن الحديث عن أن العوامل التالية كانت أسباباً مباشرة للتدهور الاقتصادي وانهيار منظومة الدولة:

  • الفساد المالي والإداري في أجهزة الدولة.
  • الأعباء الاقتصادية لدولة الوحدة.
  • الموقف السياسي غير المسؤول من غزو الكويت.
  • أعباء حرب 1994م ، وما تبعها من تطورات.
  • الحروب الستة مع الحوثيين.
  • تكلفة مواجهة الإرهاب.
  • التوظيف السياسي للصراعات القبلية والاجتماعية.

إعادة ترشيح وفوز الرئيس السابق علي عبدالله صالح في الانتخابات الرئاسية 2006م، شكلت مرحلة فاصلة في مصداقية العمل السياسي ومعها الاتجاه العام نحو التوريث السياسي، أسوة بالأنظمة في سوريا ومصر وليبيا ومعها مرحلة جديدة من التدهور الاقتصادي والاجتماعي والأمني المتسارع وصولاً إلى الاحتجاجات الشعبية الواسعة والمطالبة بالتغيير 2011م.

انهيار منظومة الدولة والكارثة الإنسانية

الصورة العامة للأوضاع الاقتصادية مع زحف الحوثيين على العاصمة صنعاء وأجزاء واسعة من اليمن والاستيلاء على الموارد العامة لم تكن في وضع مطمئن، لكن الدولة بمنظومتها الهشة كانت قادرة على أداء الوظائف الأساسية عند حدودها الدنيا، ومنها تغطية الواردات بالعملة الصعبة وتمويل النفقات العامة عند الحدود المعقولة للأجهزة المدنية والأمنية والعسكرية. ومع إحكام السيطرة على العاصمة صنعاء والمؤسسات العامة أصبحت الموارد العامة للدولة بما في ذلك الموارد المتاحة للبنك المركزي اليمني والاحتياطي من العملات الأجنبية تحت سيطرتهم ومعها تقوّضت النظم المؤسسية والخدميّة والمنظومة الاقتصادية بما في ذلك منظومة الضمان الصحي والاجتماعي مما أدى إلى دفع ملايين من اليمنيين من حالة الفقر إلى وضع المجاعة.

 

المؤشرات الاقتصادية لليمن 2010-2015م

2015

2014

2013

2012

2011

2010

السنة

-34,6%

-0,2%

4,8%

2,4%

-12,7%

7,7%

معدل النمو الاقتصادي

 

الدين العام (بالمليار دولار أمريكي)

2015

2014

2013

2012

2011

2010

السنة

6,9

7,3

7,2

7,2

6,1

6,1

الخارجي

19

14,8

13,2

10,4

8,8

7

المحلي

25,9

22,1

20,4

17,6

14,9

13,1

الإجمالي

 

الإيرادات العامة (بالمليار ريال يمني)

1063

2293

2076

2269

1773

1774

 

*المصدر بيانات الحكومة اليمنية وصندوق النقد الدولي

 

 

 

حالة الانهيار الحاد في الإيرادات العامة للدولة العام 2015م، بعد سيطرة الحوثيين على السلطة في صنعاء من 2293 مليار ريال العام 2014م، إلى 1063 مليار ريال العام 2015م، وارتفاع الدين العام من 22,10 مليار دولار العام 2014م، إلى 25,9 مليار دولار العام 2015م، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي بواقع 34,6 في المائة العام 2015م، علاوة على استنفاذ احتياطي البنك المركزي اليمني في البنوك الخارجية والمقدرة آنذاك بـــ 4,2 مليار دولار أدت مجتمعة إلى انهيار المنظومة الاقتصادية بشكل كامل.

اعتمد الاقتصاد اليمني منذ إعادة تحقيق الوحدة اليمنية 1990م، على ثلاثة مصادر أساسية للنقد الأجنبي، أولها صادرات النفط والغاز والتي ساهمت بتغطية ما يقارب ال70 في المائة من النفقات العامة للدولة وثانيها تحويلات اليمنيين في الخارج والتي تقدر بين 4-5 مليار دولار سنوياً وثالثها برامج التعاون والتنمية والمساعدات الخارجية. الدين العام الخارجي لليمن لم يكن مرتفعاً وبقي عند حدود 6,9 مليار دولار بداية العام 2015م، لكن الدين المحلي سجل تصاعداً كبيراً منذ العام 1998م ووصل العام 2015م ما يقارب 2,5 ترليون ريال يمني. تراكم  الدين العام المحلي أتى كنتيجة لاتفاق الحكومة مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي العام 1995م، على برنامج التكيّف الهيكلي والاستقرار الاقتصادي، والذي التزمت بموجبه الحكومة التوقف عن تمويل عجز الميزانية العامة من مصادر تضخمه وتغطية العجز عبر إصدار وبيع أذون الخزانة والسندات الحكومية والصّكوك وإعادة شراء أذون الخزانة " الريبو"، لسحب السّيولة من السوق. فوق ذلك بلغت الديون الحكومة للبنك المركزي قرابة 1,5 ترليون ريال منها حوالي 900 مليار ريال تم سحبها على المكشوف من قبل الحوثيين خلال العام الأول للحرب. احتياطيات البنك المركزي من العملات الصعبة والتي كانت تقدر بــ 4,2 مليار دولار، هي الأخرى تم استنفاذها من قبل الحوثيين 2015-2016م، وبذلك بدأ التدهور السريع لقيمة الريال بل برزت أيضاً ظاهرة "ندرة السيولة النقدية"  بالعملة المحليّة في القطاع المصرفي خريف العام 2016م.

 

تعهدات مؤتمرات المانحين لدعم التنمية في اليمن بالمليون دولا أمريكي

الرياض

لندن

باريس

بروكسل

لاهاي

2012

2006

2002

1997

1996

6400

4700

2300

1800

500

*تقديرات صندوق النقد الدولي

 

قرار نقل البنك المركزي اليمني إلى عدن جاء متأخراً كثيراً بعد أن تم استنفاذ الموارد المحلية والاحتياطيات من العملات الأجنبية. تمويل النفقات العامة عن طريق الإصدار النقدي دون غطاء من العملات الأجنبية، الذي قام به البنك المركزي في عدن، فاقم  الأوضاع الاقتصادية ومعه ازداد تدهور سعر الريال اليمني إلى أرقام قياسية عند مستوى تسعمائة ريال للدولار الواحد. ما ساعد على استقرار سعر الصرف عند هذا المستوى حتى الآن هي الودائع السعودية لدى البنك المركزي لتغطية استيراد الاحتياجات الأساسية وإلّا لكانت الأوضاع أكثر قتامة. المضاربة في أسعار الصرف للريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، واقع يعيشه اليمنيين وبالذات مع قرار الحوثيين منع تداول العملة الجديدة في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، وهو ما جسّد ظاهرة جديدة تمثّلت في اختلاف أسعار الصرف للريال بين المناطق الخاضعة للشّرعية والمناطق التي يسيطرون عليها.

تقديرات صندوق النقد الدولي للناتج المحلي الإجمالي لليمن الذي كان عند حدود 39 مليار دولار العام 2014م، سجل تراجعاً بواقع 34,6 في المائة العام 2015م واستمر في التراجع بمعدلات أبطأ، لكنه اليوم لا يتجاوز حاجز الـــ30 مليار دولار لسكان اليمن الذين يقدر عددهم فوق ال30 مليون في بلد يستورد ما يقارب 90 في المائة من احتياجاته الأساسية الغذائية من الخارج.

ومع مراوحة الأوضاع العسكرية والأمنية على حالها منذ السنة الثانية للحرب، التي تجاوزت عامها السادس بأبعادها الإنسانية والاقتصادية والسياسية ثمة عوامل اقتصادية خطيرة تؤجج الصراع إلى جانب دوافع الحرب السياسية والمذهبية والإقليمية، إذ تمحورت استراتيجية الحوثيين الاستمرار في الحرب إلى حد كبير في السيطرة على الموارد والمؤسسات والقطاعات الاقتصادية الرئيسية، حيث تحصيل الضرائب والجمارك من ميناء الحديدة وتوجيه تدفق المعونات والمساعدات الخارجية، علاوة على استمرار سيطرتها على قطاعات إيرادية هامة مثل قطاع الاتصالات والتحكم باستيراد وتوزيع المشتقات النفطية. الهجوم على مأرب خلال الأشهر الأخيرة يمثل أحد حلقات هذه الاستراتيجية حيث إنتاج النفط والغاز.

عند الحديث عن الأزمة اليمنية تثار وعلى حق المسألة الإنسانية بأبعادها المختلفة في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، وفي أجندة الأمم المتحدة والدول الفاعلة والمنخرطة في الشأن اليمني. انعقد لذلك مؤتمرات عدّة للمانحين كُرّست جميعها للإغاثة الإنسانية ومواجهة الطوارىء وحشد التمويل لمعالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة كالغذاء والصحة والمياه والصرف الصحي وإيواء النازحين ومواجهة تكاليف المنظمات المتخصصة في الغوث الإنساني، إلا أنها في النهاية لا تتوافر لها الاستدامة ولا يمكن أن تكون بديلاً عن الخوض في حلّ المسألة السياسية وفقاً للمرجعيات الواضحة والخيارات الوطنية والضمانات الإقليمية والدولية. مواجهة الكارثة الاقتصادية لن تتأتى إلّا عبر حلول تنهي الصراع السياسي على السلطة والثروة.

 

 

تعهدات مؤتمر ات المانحين للإغاثة الإنسانية 2015-2021م (بالمليون دولار أمريكي)

2021

2020

2019

2018

2017

2016

1600

1400

3800

2500

1800

1000


 

 

خيارات المستقبل

الأولويات الملحّة لحلول سياسية واقتصادية مستدامة

 بعد ست سنوات من الحرب الشاملة والصراع المتداخل والمتصاعد بأبعاده المحلية والإقليمية والدولية لا يزال اليمن يواجه أولاً أزمة سياسية مزمنة ( الصراع على السلطة والثروة)، ودون حلول مستدامة وفقاً للمرجعيات المحلية والإقليمية والدولية، فإن دورة الحرب واستمرار الصراع لن تكون مؤهلة للتوقف على المدى المنظور، وثانياً فإن هذه الأزمة تسببت بكارثة انسانية واجتماعية غير مسبوقة، وثالثاً أنها فاقمت الكارثة الاقتصادية التي كان عليها اليمن قبل اندلاع الحرب الشاملة. الاستقرار النسبي للاقتصاد الكلي خلال الأعوام الماضية اعتمد ولا يزال بشكل رئيس على الودائع السعودية لميزان المدفوعات وتحويلات اليمنيين في الخارج والصادرات الضئيلة للنفط والتي تقدر بحدود المليار دولار سنوياً. بدون مصادر مستقرة للعملة الأجنبية فإن الريال اليمني سيبقى عرضة للتقلبات بتأثيراته المباشرة على أسعار السلع والخدمات. 

التباطؤ الاقتصادي العالمي والإقليمي بسبب جائحة كورونا هو الآخر أثّر على تحويلات اليمنيين من الخارج وعلى تراجع تعهدات مؤتمرات المانحين للإغاثة الإنسانية من 3,8 مليار دولار 2019م إلى 1,6 مليار دولار 2021م،، منها ما يقارب ال40 في المائة مقدمة من المملكة العربية السعودية، علاوة على البرامج المباشرة لمركز الملك سلمان والدعم المقدم من المملكة لميزان المدفوعات وقطاع الطاقة.

الطريق نحو المستقبل واضح ولا بديل لليمنيين عن حلول سياسية مستدامة تدرك مصالح اليمن أولاً، ومتطلبات الأمن والاستقرار للجوار الإقليمي ثانياً، وبرامج عاجلة لإعادة الإعمار وبناء ما خلفته الحرب من دمار اقتصادي واجتماعي ثالثاً، وبرامج اقتصادية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل لإعادة تأهيل الاقتصاد اليمني على أسس علمية، قوامها أولاً الإنسان وثانيها الموارد الطبيعية وثالثها الاستفادة من الموقع الجغرافي.

مقالات لنفس الكاتب