; logged out
الرئيسية / الفراغ العربي فتح الباب للتوغل الأجنبي والحل في علاقات جماعية مؤسساتية

العدد 162

الفراغ العربي فتح الباب للتوغل الأجنبي والحل في علاقات جماعية مؤسساتية

الأحد، 30 أيار 2021

منذ فجر التاريخ حاول العالم العربي وإفريقيا بناء علاقات تعاونية، وهي تمتد إلى أبعد وأعمق من مظاهر الجوار الجغرافي لتشمل الروابط التجارية والثقافية والحضارية والتي نسجتها قرونٌ طويلة من الحراك الاجتماعي والتفاعل الحضاري بين الشعوب العربية والإفريقية. وفي إطار هذه الحقيقة يمكن رصد تطور هذه العلاقات خلال مراحل مختلفة، منذ قبل الاستعمار، خلال الفترة التي كانت العلاقة مبنية بشكل كبير على العلاقات التجارية والثقافية بين المنطقتين، أما فترة الاستقلال تعاونت إفريقيا والعالم العربي على كيفية تحرير الدول من الاستعمار الأوروبي. من ثم أخذت العلاقات العربية الإفريقية وجه آخر بعد الاستقلال، من حيث تركز في هذه المرحلة نشأة مؤسسات لتعزيز تعاون عربي إفريقي، خاصة منذ بداية السبعينيات من القرن العشرين، ابتداءً من انعقاد مؤتمر القمة العربية الإفريقية الأول بالقاهرة، حيث تم إنشاء عدة مؤسسات للتعاون في شتى المجالات، وقد تضافرت الجهود خلال العقود الأربعة الماضية، لدفع عجلة التعاون العربي الإفريقي في المجال الاقتصادي والمالي والثقافي. حيث تقدم مؤسسات التمويل العربية الثنائية ومتعددة الأطراف، العون الإنمائي الفني والمالي للدول الإفريقية ومن بين هذه المؤسسات المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في إفريقيا.

ظهرت محاولات عربية متعثرة لاستعادة قوة الدفع العربي-الإفريقي خلال فترة التحرر الوطني في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، ومن هذه المحاولات آلية القمة العربية-الإفريقية وبفارق أكثر من ثلاثة عقود عن قمة القاهرة 1977، أمنت القمة العربية الإفريقية الثانية التي عُقدت في 10 أكتوبر 2010 في سرت بليبيا، على ضرورة تكثيف الجهود من أجل تأسيس شراكة عربية إفريقية خاصة في ظروف العولمة التي تمر بها بلدان العالم. وأجازت هذه القمة وثيقة للشراكة الاستراتيجية وخطة عمل للتعاون العربي الإفريقي خلال الفترة 2011-2016. سوف يتناول المقال واقع العلاقات العربية-الإفريقية من الجانب التاريخي حتى بعد الاستقلال، وكذلك يتناول أيضًا التحديات المشتركة للمنطقتين من حيث ظاهرة الإرهاب والصراعات المسلحة، وما هي التحديات التي تواجه تطوير هذه العلاقات وكيف يمكن تجاوزها.

العلاقات التاريخية بين إفريقيا والعالم العربي

ترجع هذه العلاقات إلى ما قبل ظهور الإسلام حيث كان هناك التنقلات والتجارة البينية بين المجتمع الإفريقي والمجتمع العربي، التي أدت إلى الاستقرار الكامل لبعض المجتمعات العربية في القارة الإفريقية والعكس. لذا نجد اليوم الارتباط الثقافي والاجتماعي بين الشعوب الإفريقية والعربية، ولا ننسى العلاقات التي بنتها الحضارة الفرعونية والحبشية بالخليج العربي منذ الآلاف من السنين قبل الميلاد، من حيث العلاقة التجارية والثقافية.

فظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي، يكون عاملاً جديدًا في تعزيز العلاقات الإفريقية العربية في جميع المجالات، ابتداءً من الثقافة، التي تأتي بهوية جديدة تربط جزءًا كبيرًا من القارة الإفريقية (من شمالها إلى غربها مرورًا بشرقها ووسطها) بالعالم العربي. فقد أمد الإسلام العرب بسياج ديني وفكري ساعدهم على خلق وحدة وطنية وعلى ازدهار النهضة الثقافية، وخرج العرب لنشر الدين في الشمال والغرب والشرق، وتمكنوا من نشر الإسلام في أجزاء كبيرة من القارة الإفريقية. وأدى هذا التطور إلى حدوث نقلة نوعية في تاريخ العلاقات الثقافية بين العرب والأفارقة. فبالإضافة إلى دعم التعامل التجاري والهجرات البشرية، قام العرب بدور إيجابي في نشر العقيدة الإسلامية وبسط نفوذهم السياسي في إفريقيا. وساعد انتشار الإسلام على رواج كثير من مظاهر الثقافة العربية في القارة السمراء.

تطوير الأطر الثقافية والإعلاميـة

منذ دخول الإسلام في القارة الإفريقية أصبحت اللغة العربية والإسلام هوية لكثير من الأفارقة، بل يمكن القول إن الأفارقة لعبوا دورًا كبيرًا في انتشار الإسلام واللغة العربية داخل القارة أكبر اللغة الناطقة سكانًا. على سبيل المثال، نجد في كثير من الدول الإفريقية جنوب الصحراء يتعلمون اللغة العربية منذ المراحل الابتدائية حتى الجامعية، وفتحت الكليات باللغة العربية في الجامعات الحكومية، وفي هذه الفترات الأخيرة تم فتح الجامعات باللغة العربية داخل هذه الدول (مالي، النيجر، كوت ديفوار، السنغال وغيرها). على الرغم هذه التطورات والانتشار للغة العربية في القارة الإفريقية، مازالت العلاقات الثقافية في المستوى المحلي غير الرسمية.

إذًا يمكن القول لقد مرت عقود على التعاون الثقافي بين المنطقتين (إفريقيا والعالم العربي) بدون تأثير واضح في هذا المجال، بسبب السيطرة الغربية والدول الكبرى ثقافيًا وإعلاميًا وحتى دينياً على رغم أن ثلثي العرب يعيشون في إفريقيا، واللغة العربية هي أوسع اللغات انتشاراً في القارة الإفريقية على سبيل المثال: في الغرب والسواحيلية في الشرق والوسط. في جمهورية مالي يمثل طلاب قسم العربي 40% من الطلاب وهكذا في كثير من دول غرب إفريقيا، واللغة العربية أعمق اللغات تأثيراً على اللغات الإفريقية الأساسية الأخرى، خاصة الهوسا

الرؤية المستقبلية التي تربط العرب (الخليج) بإفريقيا ثقافيًا وإعلاميًا ودينياً، تحتاج إلى المشاريع الثقافية والإعلامية والدينية لنشر الثقافة واللغة العربية في إفريقيا، بالإضافة إلى الوسائل المناسبة والمستحدثة. من ثم يستطيع مجلس التعاون لدول الخليج أن يتعاون مع الأجهزة الثقافية والإعلامية الإفريقية، أما الجانب التعليمي قد يتم تعاون مع الجامعات والمؤسسات التعليمية داخل الدول الإفريقية من خلال الطلاب الأفارقة الذين تخرجوا من الجامعات في العالم العربي.

ضعف العلاقات الإفريقية العربية في صالح الآخرين

لعب الاستعمار الأوروبي أدوارًا متنوعة في تفكيك الهوية الجامعة بين الأفارقة والعرب (الإسلام واللغة العربية)، قبل الاستعمار كثير من الشعوب الإفريقية خاصة في غرب وشرق ووسط القارة الإفريقية يعتبرون اللغة العربية كاللغة الثانية بعد لغتهم الأم، وكانت لغة التعليم، وحتى اللغات الإفريقية في غرب إفريقيا كانت مكتوبة بالحروف العربية. من ثم أول ما بدأ به الاستعمار هو تدمير اللغة العربية من يد الأفارقة، وتبديل الثقافة الإسلامية بالثقافة الغربية (الأوروبية)، وكذلك فرض اللغة الاستعمارية في المدارس وفي الإدارات. ووضعت في هذا السياق استراتيجيات محددة في نهاية القرن التاسع عشر لفصل إفريقيا شمال الصحراء عن جنوب الصحراء على أسس عرقية بين العربية والإفريقانية، كما انتشرت الأدبيات الغربية بعد الحرب العالمية الثانية لوضع أسس الفصل في الأدبيات السياسية، غير أن مشروع التحرر الوطني من الاستعمار بقيادة جمال عبد الناصر استطاع تجاوز هذه الاستراتيجيات الغربية بل وتطويقها بإعلان منظمة الوحدة الإفريقية وتدشينها عام 1963م، بمدينة الإسكندرية وقد انتبه الآباء المؤسسون للمنظمة إلى خطورة إعادة رسم خريطة القارة الإفريقية بما تتضمنه من مخاطر الحروب الأهلية فدشنوا قاعدة الحفاظ على الحدود الإفريقية كما وضعتها الدول الاستعمارية.

وبالفعل نجحت الدول الغربية حتى بعد الاستقلال في خلق الحواجز بين الأفارقة والعرب، التي ما زالت تعرقل جميع المبادرات التعاونية بين المنطقتين، سواء على مستوى الشعوب بسبب المدركات السلبية بينهم – رفض إقبال الآخر أو نظر دوني –، أو على المستوى الرسمي من حيث المسؤولون الذين يرون فشل المشاريع والمبادرات الإفريقية ـ العربية قبل المبادرة، ولا يرى المسؤول (العربي أو الأفريقي) الهويات والقرابة الجغرافية التي تربط القارة الإفريقية بالعالم العربي، ولا يفكر في ثانية واحدة أن إفريقيا أقرب للعالم العربي وأن جزء إفريقيا عربية. فيمكن الإشارة إلى أغرب شيء، أصبحت الدول الأوروبية وساطة بين القارة الإفريقية والعالم العربي، التعاون العربي ــ الإفريقي يأتي من فرنسا (مساعدات السعودية والإمارات تأتي إلى الساحل الإفريقي عن طريق فرنسا) مع أن الساحل الإفريقي تتحدث بنفس اللغة العربية وتدين نفس الدين والثقافة. ألم يحن الوقت أن يتم إعادة النظر في هذه العلاقة والتعاون، والرجوع إلى التاريخ لبناء علاقة جديدة واستخدام عوامل صحيحة وتحدث باللغة العربية للتفهم بين المنطقتين!

فرصة الاستثمار في القارة الإفريقية

عاشت القارة الإفريقية في أزمات سياسية وأمنية حادة خلال الخمسة العقود الماضية منذ الاستقلال، من حيث الحروب الأهلية والانقلابات العسكرية، التي هددت الاستثمار في القارة. وحاولت المنظمات الإقليمية الإفريقية وحكومات الدول إيجاد الحلول النهائية لهذه الأزمات من خلال فتح سوق الاستثمار أمام الدول والشركات الأجنبية. إفريقيا الغنية بالموارد الطبيعية والمعدنية، أهمها النفط وخام الحديد والماس والذهب واليورانيوم، والطاقة المائية، والأسماك، والملح والبوكسيت وغيرها من الموارد الطبيعية غير المستغلة، فموارد النفط والغاز تشكل نحو 13% من الإنتاج العالمي، الأمر الذي يجعل من القارة السمراء المصدر الثاني العالمي للنفط بنسبة تبلغ 16% من إجمالي الصادرات الأوربية ونسبة 20% من إجمالي صادرات الولايات المتحدة والصين. علاوة على ذلك، تزخر غرب إفريقيا بالإمكانيات الهائلة بما يقدر بما يزيد عن 33 مليار برميل من الاحتياطي النفطي، أي بما يعادل 3% من احتياطي العالم، وبالإضافة إلى احتياطات الغاز والذهب واليورانيوم.      

    ويبدو هذا الموقع مرتبطًا بسلسلة من الاكتشافات الهامة لحقول النفط في المياه العميقة (البحرية) في خليج غينيا وفي كثير من الدول الإفريقية كـ (أنجولا، النيجر، غينيا، غينيا الاستوائية) وحول القارة. يبني اقتصاد أغلبية الدول الإفريقية على الزراعة كحرفة أساسية، من ثم ترحب الدول الإفريقية بقدوم المستثمرين لإنشاء مصانع أو إقامة مشروعات استثمارية لإيجاد فرص عمل للتغلب على نسبة البطالة العالية.

الخليج العربي وإفريقيا

لم يبدأ التعاون العربي الإفريقي اليوم إنما من أقدم تجارب التعاون الإقليمي إذ تمتد إلى أبعد وأعمق من مظاهر الجوار الجغرافي لتشمل الروابط الاقتصادية والثقافية والبشرية والحضارية والتي نسجتها قرونٌ طويلة من الحراك الاجتماعي والتفاعل الحضاري بين الشعوب العربية والإفريقية. أفضت هذه العلاقات إلى نشأة مؤسسات تعاونية في شتى المجالات، وقد تضافرت الجهود خلال العقود الماضية، ولكن لم تستطع هذه المؤسسات أن تنفذ الأهداف الأساسية التي قد تستفيد منها الدول الإفريقية والعربية بسبب عدم أخذ الوسائل المناسبة لتنفيذ الخطط.

أما جانب الخليج تعددت مستويات مؤسسات التفاعل الخليجي ــ الإفريقي، بدءًا من المؤسسات والمنظمات الدولية وأهمها منظمة المؤتمر الإسلامي، والتعاون الخليجي الجماعي عبر مجلس التعاون لدول الخليج، ثم المؤسسات والصناديق التنموية والاستثمارية الخليجية، وأخيرًا المؤسسات والروابط الخلوية الرسمية وغير الرسمية العاملة على الساحة الإفريقية. ورغم تعدد المؤسسات والمنظمات الخليجية لم تستطيع أن تبني علاقة مثمرة مع القارة الإفريقية. ومجلس التعاون لدول الخليج لم يدخر جهداً من قبل لتعزيز العلاقة التعاونية مع الدول الإفريقية بجنوب الصحراء، سواء من خلال تعزيز قدرات الدول للوقاية أو تسوية النزاعات ومكافحة الإرهاب.

إذًا، لتوطيد وتعزيز العلاقة والتعاون بين الخليج والدول الإفريقية خاصة جنوب الصحراء يتطلب دراسات دقيقة عن مجالات مختلفة التي تربط المنطقتين، ووسائل التنفيذ. فمكن الاشارة إلى بعض المجالات التعاونية: السلم والأمن والثقافة وغيرها.

من خلال هذا التعاون تبادل الخبرات في بعثات الخبراء في المجال الثقافي والأمني ومكافحة الإرهاب، وتعزيز التشاور في عملية صنع واتخاذ القرار، والتخطيط المشترك لتحقيق الأهداف الأساسية للتعاون. وتعزيز ومساندة قدرات الدول الإفريقية لتنفيذ عمليات المشاريع التنموية التي قد تساهم في حل المشاكل والأزمات التي تعرقل الدول في التنمية الاقتصادية. تحتاج الدول الإفريقية إلى جميع الجهود الخاصة بتعزيز التعاون والشراكة بدول الخليج. وفى هذا الإطار، يمكن دول الخليج أن تنظم تدريبات عسكرية للجيوش الإفريقية في مكافحة الإرهاب –كما نرى أن دولة الإمارات تتجه إلى ذلك الآن–، لأن الإرهاب يحدد جميع الدول الإفريقية والعربية، وخاصة الإرهابيون ينتقلون بين المنطقتين عند الضغوط عليها والقيام بالعمليات الإرهابية فيها.

الإرهاب كالتحدي المشترك بين إفريقيا والعالم العربي

وصلت كثير من الدول الإفريقية إلى الاستقرار النسبي في الجانب السياسي والأمني بعد تسوية الحروب الأهلية في بداية الألفية الجديدة، ولكن هذا الاستقرار الأمني لم يدم، وسرعان ما رجع الأفغان العرب إلى شمال إفريقيا بعد الحرب الأفغانية-السوفيتية، من ثم تم تأسيس التنظيمات الإرهابية في إفريقيا. وتُعد ظاهرة الإرهاب المتزايدة في إفريقيا من أخطر أشكال التهديد الأمني التي تواجه هذه الدول لأنها تستهدف في جانب مهم منها أمن واستقرار ومستقبل مجتمع أفريقي، ويجمع الفعل الإرهابي بين مطامع وأهداف القوى الخارجية التي لا تريد استخدام أدواتها المباشرة وإنما بالاعتماد على محركات في خلق الأزمات داخل الدول المستهدفة أو استغلال حدودها أو الظروف السياسية المحيطة لتحقيق أهداف سياسية أو مصالح فئوية قد تنعكس في جانب منها خدمة لأطراف خارجية إقليمية أو دولية.

وعليه فقد أصبح الإرهاب خطراً حقيقياً يواجه مسار التنمية للدول الإفريقية والمنظمات الإقليمية الإفريقية منذ بداية الألفية الجديدة، وأصبحت الأنشطة الإرهابية تنتشر في جميع أنحاء القارة وتهدد مستقبلها.

وهناك عامل أخر في غاية الأهمية، أن مناطق مختلفة في القارة الإفريقية تعرف بالاكتشافات النفطية، بالإضافة إلى بعض الاكتشافات الواعدة في الساحل الإفريقي (مالي والنيجر) وفي شرق إفريقيا (موزمبيق)، مع العلم أن دول جديدة (إيران وتركيا والصين وغيرها) تحاول أن تبني علاقة التعاون مع الدول الإفريقية. فحاولت الدول والمنظمات الإفريقية أن تصل إلى الحل النهائي في مكافحة والحرب على الإرهاب من خلال التعاون مع المجتمع الدولي (الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وغيرها)، وتعتبر مبادرة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء بمثابة استراتيجية متعددة المجالات للاتحاد الإفريقي والمنظمات الإقليمية الإفريقية، يتم تطبيقها على مدى أعوام عدة، وهي مصممة على مكافحة التطرف العنيف واحتواء وتحييد المنظمات الإرهابية من خلال تقوية قدرات الدول منفردة وبشكل إقليمي على مكافحة الإرهاب وتعزيز التعاون المؤسساتي بين وكالات الأمن والاستخبارات في المنطقة. وتم تعاون دول غرب ووسط وشرق إفريقيا بصورة جدية مع الولايات المتحدة وفرنسا وغيرها من الدول الكبرى في مكافحة الإرهاب، حيث اعتمدت عمليات مكافحة الإرهاب على مجموعة من الآليات، وقد انعكست هذه الآليات على أوضاع الاستقرار والتنمية في إفريقيا. ولكن يبدو لي أن هدف هذه الدول الكبرى لم يكن أبدًا القضاء على الإرهاب في القارة الإفريقية بشكل نهائي، بل بالأحرى لتهدئة الوضع. لأن وجود التهديدات الأمنية تساعدهم على حفاظ سيطرتهم على الدول الإفريقية والعربية.  لكن لإنهاء التهديد الإرهابي من إفريقيا والعالم العربي، يتطلب تعاونًا عسكريًا عربيًا إفريقياً فعالًا لضرب الإرهاب بقوة من جميع الجهات. وبالإضافة إلى بناء آلية أمن مشتركة ومستدامة خاصة بهم. وعلى الرغم من التحديات المشتركة بين إفريقيا والعالم الخاصة بانتشار ظاهرة الإرهاب في المنطقتين، وتعاون بين الجماعات الإرهابية في القارة الإفريقية والعالم العربي. نرى خلال العقود الأربعة الأخيرة شهدت العلاقات العربية-الإفريقية تراجعًا كبيرًا بات مؤثرًا على مجمل المصالح الاستراتيجية للأطراف أصحاب العلاقة. وعدم استطاعة بناء الدفاع والحرب المشتركة على الإرهاب الذي أصبح التحدي الأساسي وأخطر للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول.

خاتمة

يمكن القول أن الدول العربية تستطيع أن تبذل جهداً لتعزيز علاقات التعاون مع الدول الإفريقية، من خلال استخدام وسائل جديدة من حيث تكثيف الاستثمارات، وان تتعدى العلاقات التقليدية (الثقافية، الدينية) إلى العلاقات العسكرية والاستراتيجية بين المنطقتين. كذلك تعزيز قدرات المؤسسات الإقليمية التي تلعب دورًا كبيرًا في مجال العلاقات الدولية، لماذا لا يتم تنظيم القمة العربية الإفريقية سنوياً –كما نرى: القمة الفرنسية الإفريقية، القمة الصينية الإفريقية، القمة التركية الإفريقية، إلخ –تخرج بالنتائج الملموسة، والتنفيذ على أرض الواقع

كما يمكن استحداث آليات جديدة أو الآليات المتواجدة بالفعل في إطار جامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج التي قد تساعد الدول الإفريقية والاتحاد الإفريقي في تنفيذ عمليات تسوية الصراعات ومكافحة الإرهاب، فقد سعت بعض المنظمات الدولية (الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي) إلى تفعيل سياسة الاتحاد الإفريقي لإعادة الإعمار والتنمية في مرحلة ما بعد النزاعات، بما في ذلك مبادرة التضامن الإفريقي"ASI"، كما ساندت هذه المنظمات وبعض الدول الأوروبية الاتحاد الإفريقي لإعادة الإعمار والتنمية في مرحلة ما بعد النزاعات في الدول التي تم تدميرها بسبب الصراعات والنزاعات (مالي بعد الأزمة في الشمال، بوركينا فاسو بعد الثورة ).

إن إخفاق الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية في تحقيق برامجها المشتركة خلف وراءه شيئاً من عدم الثقة والإحباط ناتج من فشل المنظمتين في تنفيذ المشاريع والاتفاقيات التي اتفقا عليها، من ثم لبناء التعاون الثنائي بين مجلس التعاون لدول الخليج والاتحاد الإفريقي يحتاج إلى خطة استراتيجية جديدة لتطوير العلاقات الاستراتيجية بين مجلس التعاون والاتحاد الإفريقي، بعض التوصيات:

  1. فتشهد مفوضية الاتحاد الإفريقي تطوراً مؤسسياً وهيكليًا، ويحتل التعاون وبناء العلاقات مكاناً في جدول أعمال الاتحاد الإفريقي. فقد وضع الاتحاد الإفريقي رؤية لتطوير الاتحاد الإفريقي اشتملت على تطوير التعاون والعلاقة مع العالم العربي ليصير «أخوة عربية إفريقية».
  2. وتعد "مبادرة تنمية إفريقيا" شراكة إفريقية بين القطاع العام والخاص وتهدف إلى تعبئة الاستثمارات لدعم الأمن الغذائي الإفريقي من خلال البرنامج الإفريقي الشامل للتنمية الزراعية، وهي إحدى مبادرات أجندة 2063، فيمكن تمويل الاتحاد الإفريقي لتلك البرامج.
  3. تمتلك دول الخليج شبكة واسعة من المؤسسات الخيرية والدعوية لها دور هام في إدارة العلاقات الخليجية الإفريقية، من ثم تفعيل هذه الشبكات بطريقة صحيحة ومناسبة.
  4. تنظيم تدريبات عسكرية مشتركة (عربية-إفريقية) في مكافحة الإرهاب، لتكوين قوة ضد التهديدات الإرهابية.
  5. وضع رؤية مشتركة وخطة عمل استراتيجية وذلك عن طريق اعتماد آليات مناسبة للتنسيق والتوجيه والتنفيذ والتقييم، مع السعي لتوفير الموارد المالية لضمان سير تنفيذ برامج التعاون بين الخليج والدول الإفريقية.
  6. ضرورة تفعيل دور دول الخليج في الاستثمار في القارة الإفريقية، لأن الفراغ فتح أبواب لدول أخرى (إيران، تركيا، الصين، الهند وغيرها) لبناء علاقة جديدة مع الدول الإفريقية. فمسيرة التعاون تحتاج إلى كثير من الجهد والتنسيق، وتخطيطه للانتقال به الى مرحلة تعاون حقيقية ومنفعة متبادلة بين العالم العربي (الخليج) وإفريقيا.
  7. تصحيح الصورة المشوهة لدى الطرفين العربي والإفريقي، وعدم الاستناد إلى منظومة فكرية محددة للتعاون.
مقالات لنفس الكاتب