array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 162

9 أساليب لمكافحة الإرهاب والتحول من الفرنسة إلى الأفرقة

الأحد، 30 أيار 2021

بالنظر إلى اشتداد العمليات الإرهابية سنتي 2020 و2021م، فإن أحلام القادة الأفارقة في تحقيق الرؤية الإستراتيجية 2063 وجعل القارة السمراء خالية من النزاعات المسلحة بحلول 2020م، قد تبخرت، لذلك قرروا تمديد الفترة إلى غاية 2030م، خلال القمة الاستثنائية الـ 14 شهر ديسمبر 2020م، بجنوب إفريقيا. ويعتبر هذا القرار أهم مؤشر عن تمدد الإرهاب في القارة السمراء وفشل أساليب مكافحته بما فيها الجهود الدولية.

ففي العقد الأخير تحديدًا، أصبحت القارة الإفريقية، بؤرة وملاذًا ومسرحًا للإرهاب، ورغم الجهود المبذولة في محاربته، فإن القضاء عليه لا يبدو قريب المنال على المدى القصير أو المتوسط، لأن العوامل المغذية له متنوعة ومتجددة من داخل القارة وخارجها.

التمدد الإرهابي إلى إفريقيا: عوامل أمنية وأخرى سياسية

بعد الضربات الموجعة لتنظيم القاعدة في باكستان وأفغانستان منذ 2001م، كان واضحًا أن تنقل الجماعات الإرهابية نشاطها إلى إفريقيا، وهذا هو العامل الأول، وفعلاً ظهر تنظيم القاعدة في الجزائر، ثم الصومال ومالي ونيجيريا، وبذلك أصبحت إفريقيا، على حد تعبير الخبراء الأمنيين "أرض الجيل الثالث للقاعدة".

أما العامل الثاني، فيتعلق بهزيمة داعش في العراق وسوريا عام 2014م، فلم تجد ملاذًا سوى إفريقيا، هروبًا من الملاحقة، أو تحويلاً من طرف بعض الدول إلى ليبيا كما فعلت تركيا.

        وبدون شك، استفادت الحركات الإرهابية في إفريقيا من الربيع العربي، وهو العامل الثالث، حيث تمكنت من الحصول على الأسلحة بيسر وسهولة بعد سقوط نظام الزعيم الليبي معمّر القذافي، واستثمرت في عدم استقرار ليبيا أولا ثم مالي منذ 2012م، بعد إعلان الطوارق الإنفصال عن الحكومة المركزية، واستغلت الحدود المفتوحة في القارة وسهولة التنقل.

وهكذا، أصبحت الجماعات الإرهابية تنتشر في القارة السمراء من القرن الإفريقي في الصومال وكينيا إلى غاية بحيرة تشاد التي تضم الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجيريا، وتصل إلى غرب ووسط إفريقيا في مالي وبوركينافاسو وغينيا والكونغو الديمقراطية وأوغندا، وفي شمال إفريقيا في ليبيا والجزائر وتونس.

جماعات إرهابية قوية وخطيرة

لذلك، تكاثرت الجماعات الإرهابية في إفريقيا، وتحصي أزيد من 60 تنظيمًا إرهابيًا، لكن وسائل الإعلام تركز على أخطرها فقط وأهمها:

1 -"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" في الجزائر ومنطقة الساحل، وتعتبر من أقدم التنظيمات الإرهابية في إفريقيا لأنها امتداد للجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية التي نشأت في التسعينيات، بعد انشقاقها عن الجماعة الإسلامية المسلحة، وفي 24 يناير 2007م، أعلنت مبايعتها لتنظيم القاعدة، وتغيير اسمها إلى "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، فوسعت أعمالها لمنطقة الساحل بعد الضربات الموجعة التي تلقتها شمال الجزائر على يد الجيش الجزائري.

2 -"بوكو حرام" في نيجيريا، نشأت عام 2002م، (ترى تقارير أخرى أنها نشأت عام 1995م) وتعني باللغة المحلية "التعليم الغربي حرام" لأنها تعتبره سبب الفساد في المجتمع. صنفها مؤشر الإرهاب العالمي في المرتبة الرابعة بين أكثر الجماعات الإرهابية دموية في العالم، وازداد هذا التنظيم دموية بعد مبايعته لتنظيم داعش في مارس 2015. وتفوق مداخيلها السنوية 10 ملايين دولار وفقاً لتقارير صادرة عن الخارجية الأمريكية، وتضم آلاف المقاتلين حسب التقارير الإعلامية، ما جعل نيجيريا تحتل المركز الثالث عالمياً في قائمة أسوأ الدول تضرراً من الإرهاب.  

3 -جماعة "نصرة الإسلام" التي تصنف كواحدة من أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم ومنطقة الساحل والصحراء حيث تضم "أكبر تحالف يدين بالولاء لتنظيم القاعدة"، منذ تأسيسها في مارس2017م، (تضم 4 جماعات إرهابية وهي "جماعة أنصار الدين"، و"كتيبة المرابطون"، و"إمارة منطقة الصحراء الكبرى"، و"كتائب تحرير ماسينا" وقدرت تقارير أمنية وإعلامية عدد عناصرها بين 1500 إلى 2200 من جنسيات مختلفة. وتشكل هذه الجماعة تهديداً مباشراً لــ 6 دول على الأقل، وهي: الجزائر، مالي، النيجر، موريتانيا، بوركينافاسو، وتشاد.

4 -تنظيم داعش: لم يدخل تنظيم داعش إلى إفريقيا إلاّ في حدود 2014م، بعد هزائمه الكبيرة في العراق وسوريا، حيث تمكن أكثر من 5 آلاف إرهابيي من الفرار إلى إفريقيا، وكانت منطقة القرن الإفريقي مدخلاً للتنظيم منذ 2015م.

الإرهاب الأسمر: معطيات مرعبة وصادمة

صنف مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2020م، الدول الإفريقية إلى ثلاث مجموعات هي: "دول البؤرة" (ليبيا والصومال ونيجيريا ومالي)، "دول الانتشار" (بوركينا فاسو والكاميرون وتشاد، وإثيوبيا وكينيا، وموريتانيا والنيجر وتونس)؛ و"الدول المعرَّضة للخطر" (جمهورية إفريقيا الوسطى والسنغال، وتنزانيا وأوغندا، والمغرب والسودان).

ووفقا للتقرير فإن العدد الإجمالي للوفيات والهجمات الإرهابية في إفريقيا بين عامي 2007 و2019م، كالتالي:

 - "دول البؤرة" 34,073 ضحية، و9945 هجومًا.

- "دول الانتشار" 6598 ضحية، و1815 هجومًا.

 - "البلدان المعرضة للخطر" 3911 ضحية، و1265 هجومًا.

 - بقية إفريقيا 5874 ضحية، و3072 هجومًا.

وتؤشر هذه الأرقام لحجم "الإنفجار الإرهابي"، إلى جانب أرقام العديد من المنظمات، كمؤسسة "ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان" في القاهرة، التي رصدت 66 عملية إرهابية خلال شهر يناير 2021م، فقط، أسفر عن سقوط 642 قتيلاً و96 جريحًا، بخلاف تشريد ونزوح المئات وخطف واعتقال العشرات، في 15 دولة إفريقية مختلفة.

وبذلك، يبقى الوضع الأمني في إفريقيا سيئا، مقارنة بالسنوات السابقة، وربما يزداد سوءا، حتى وباء كورنا لم يمنع الجماعات الإرهابية من النشاط خلال عام 2020م، ففي الوقت الذي توقفت فيه تقريبًا غالبية النشاطات في كل دول العالم، "وقعت في كل يوم خلال 2020م، عملية إرهابية من طرف "حركة الشباب المجاهدين" أو "بوكوحرام"، بلغ عددها حوالي 525 عملية، في 27 دولة إفريقية، خلفت 7030 قتيلاً على الأقل، منها مالي والنيجر ونيجيريا وموزمبيق، والكاميرون وتشاد وليبيا وبينين.

التمدد إلى موزمبيق: عين الإرهاب على النفط

        في الوقت الذي تتحدث التقارير الإعلامية على عدد محدود من دول إفريقيا التي يستهدفها الإرهاب، يجري تمدد الجماعات الإرهابية لدول أخرى مثل موزمبيق وبينين وغيرهما، ونشير إلى موزمبيق لأهمية ما حدث مؤخرًا.

ففي 29 مارس 2021م، أعلن تنظيم "داعش"، سيطرته على بلدة "بالما" الساحلية شمال موزمبيق التي تقع قرب مشروع ضخم لإنتاج الغاز تديره شركة "توتال" الفرنسية، وسوف يبدأ تشغيله في عام 2024م، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان السيطرة على ثلث العراق ومنابع النفط خلال عام 2014م، وهذا في حد ذاته مؤشر خطير.

أطفال إفريقيا: ضحايا وإرهابيون.

هناك قضية أخرى لا تلقى التركيز الإعلامي المناسب، وهي تجنيد الإرهاب لأطفال إفريقيا، سواء من خلال الترغيب بمنح المال أو الترهيب بالتجنيد القسري، ونقلت تقارير إعلامية عن مرصد الفتاوى والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، أن 75 بالمئة من أطفال العالم الذين يعيشون في مناطق الصراعات يعيشون في إفريقيا.

وحسب منظمة اليونيسيف فإنه خلال الفترة (2010- 2019) تضاعف عدد الأطفال المجندين في غرب إفريقيا لأكثر من 3 مرات، وأن جماعة بوكوحرام وحدها استخدمت أكثر من 135 طفلاً لتنفيذ عمليات إرهابية في نيجيريا.

الخسائر الإقتصادية: مليارات الدولارات في مهب الإرهاب

إن خسائر إفريقيا جراء العمليات الإرهابية فادحة ومكلفة وصادمة، بالنسبة لدول فقيرة، وقدر المؤشر العالمي للإرهاب لعام 2020 م، الخسائر بـ 13 مليار دولار في سنة 2019م، كما تكبدت القارة بين عامي 2007م، و2019 م، خسائر بـ 7ر171 مليار دولار، وتضاعفت التداعيات الاقتصادية للإرهاب على القارة بمقدار 15 ضعفاً منذ عام 2007.

وتعتبر نيجيريا وليبيا والصومال ومالي الدول الأكثر تأثرًا اقتصاديًا، حيث تحملت وحدها 8ر86 في المائة من الخسائر الاقتصادية، مقابل 3ر8 في المائة لباقي دول إفريقيا.

الجهود الدولية: عسكرة المكافحة وتعثر القوة

منذ 2013م، إلى غاية 2021م، حاولت دول الساحل والمجتمع الدولي القضاء على الإرهاب في إفريقيا، لكن النتائج كانت متواضعة، والنشاط الإرهابي ازداد خطورة. ولعل أبرزها هي:

1 -فرنسا التي تنشر 5100 جندي في إطار العملية العسكرية «برخان» بدأتها عام 2013م، ثم أطلقت عملية "سيرفال" منذ عام 2015م، قوامها نحو 5 آلاف جندي.

  2 – بعد تعثر سيرفال وبراخان، أنشأت فرنسا عام 2017م، القوة الإفريقية للساحل تتكون من مالي والنيجر وموريتانيا وبوركينافاسو وتشاد لكنها تعاني قلة التمويل رغم تعهد عدة دول بتمويلها.

3 – تنشر الأمم المتحدة بعثة لحفظ السلام في مالي تُعرف باسم «مينوسما» تضم 13 ألف جندي من دول عدة، ورغم أنها قوات غير هجومية وتهتم بمساعدة السكان المحليين ومحاولة حفظ السلام، فإنها تتعرض لهجمات متكررة، جعلتها البعثة الأممية الأكثر خطورة والأكثر خسائر من بين جميع البعثات عبر العالم، مما جعل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يقول: "إن الهجمات التي تتعرض لها في مالي قد ترقى إلى جرائم حرب."

3 -بعد أن وجدت فرنسا نفسها غارقة في المستنقع، لجأت إلى حلفائها الأوروبيين، فتم تشكيل التحالف من أجل الساحل في 2017م، "بغية تعزيز فعالية المساعدات التنموية" في المنطقة. وتم تنظيم مؤتمر للمانحين في بروكسل عام 2018م، التزموا فيه بتقديم أكثر من 400 مليون يورو لدعم مجموعة الخمسة ساحل، لكن لم يتم الوفاء إلا بجزء من هذه الوعود.

4 – وضمن استراتيجية فرنسا لتدويل محاربة الإرهاب، لكن تحت رايتها، تشكلت قوة "تاكوبا" الأوروبية في أكتوبر 2020م، بهدف تدريب ومواكبة الجيوش المحلية في عمليات خاصة، وافقت على المشاركة فيها: إستونيا والسويد وبلجيكا والنرويج والدنمارك ولاتفيا وإيرلندا وهولندا، بينما رفضت ألمانيا وبريطانيا المشاركة فيها. ويبلغ حجم هذه القوة 600 عنصر منهم 300 من فرنسا.

ويؤكد اشتداد العمل الإرهابي، عدم نجاح "عسكرة محاربة الإرهاب"، الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات حول مدى جدوى استمرارها.

العوامل المغذية للإرهاب في إفريقيا

تتنوع عوامل تغذية الإرهاب في إفريقيا، ويمكن تنظيمها كما يلي:

أولا-المغذيات الكلاسيكية

تضم العوامل الكلاسيكية عدة عوامل متنوعة يتغذى منها الإرهاب ويقوي جماعاته ويمول نشاطاته، أبرزها:

1 -هشاشة كثير من دول المنطقة اقتصاديًا، حيث أن كثيرًا من المواطنين لا يعرفون الدولة بل يعرفون زعماء القبائل أو بارونات المخدرات وتجار البشر وأمراء الجماعات الإرهابية، ويعلقون عليهم مصيرهم الاقتصادي، فضلاً عن ضعفها عسكريا، فبعضها لا تمتلك سلاح الجو.

2 -غياب أو ضعف التنسيق الأمني بين هذه الدول رغم مبادرة الجزائر بتشكيل "مجموعة الميدان" عام 2010م، التي تضم الجزائر وموريتانيا والنيجر ومالي، لكنها لم تحقق نتائج كبيرة بسبب سيطرة فرنسا على قرار دول الساحل الإفريقي.

3 -تردي الأحوال المعيشية في الدول الإفريقية، تجعل الشباب عرضة للتجنيد في الجماعات الإرهابية، لذلك أشارت تقديرات مراكز بحثية غربية إلى أن عدد الذين انضموا لـتنظيم “داعش” من إفريقيا منذ ظهوره فاق 6 آلاف مقاتل.

4 – وعورة تضاريس القارة الإفريقية خاصة منطقة الساحل، مما وفر ملاذات آمنة للإرهابيين، ويصعب من مهمة ملاحقاتهم، وقد شبهها بعضهم إلى "جبال تورابورا" في أفغانستان حيث كان يحتمي أمير تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.

5 -أوضحت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية في 26 أكتوبر 2020م، أن القارة تعاني من خطر استثنائي جراء ارتفاع درجات الحرارة مما يؤثر سلباً على القطاع الزراعي الذي يعد عصب الاقتصاد الإفريقي، وتشير الدراسات إلى وجود علاقة طردية بين التغيرات المناخية ونشوب النزاعات وأن زيادرة درجة الحرارة المحلية بمعدل 0.5 درجة مئوية ينذر بزيادة خطر نشوب صراعات ونزاعات بنسبة 10 إلى 20 في المئة كالتي دارت بين الرعاة والمزارعين في شمال شرق نيجيريا وسقط خلالها ضعف عدد القتلى الذين سقطوا في عمليات لجماعة بوكوحرام خلال عام 2019.

ثانيًا-الحدود المفتوحة والمنظمات الإقليمية

تتميز العلاقات بين بعض الدول الإفريقية ببعض الخصوصيات، التي شجعت على تحويل إفريقيا إلى ملاذ "آمن للإرهابيين" لكن نادرًا ما يركز عليها المحللون، فخريطة إفريقيا والتداخل بين دولها والمنظامت الإقليمية فيها مشجعة على تنقل الجماعات الإرهابية ومسهلة لانتشارها وتنقلها من بلد إفريقي لآخر ومن منطقة لأخرى من دون قيود كبيرة.

وتعتبر منظمة "الإيكواس" في غرب إفريقيا أقوى منظمة تضم 15 دولة، لها جوازات سفر موحدة، كما أن للمسافر نفس حقوق المواطن، فضلاً عن تسهيلات في الجمارك وغيرها. وهو عامل استغله الإرهابيون للتنقل والانتشار، في حين تضم منظمة "الإيكاس" دول وسط إفريقيا، بينما تجمع منظمة "الإيغاد" دول شرق إفريقيا، وهي ضعيفة مقارنة بالإيكواس، نظراً لتصاعد المشاكل الداخلية والتوترات بينها، وهو ضعف استغله الإرهابيون.

وأدت طبيعة منطقة غرب إفريقيا إلى تيسير انتشار الجماعات الإرهابية والجرائم المنظمة من بلد لآخر، هذا فضلاً عن الحدود غير المنضبطة في منطقة وسط إفريقيا وشرقها، إذ يمكن القول إن دول الساحل والصحراء لا توجد بها قيود على حركة الأفراد أو على الحدود أصلا، فضلاً عن سهولة الحصول على إذن سفر وجنسية إحدى الدول الـ 15 بمنظمة إيكواس، وهي أمور كلها سهلت حركة المجموعات الإرهابية.

ثالثًا-الفديات أهم وأخطر مصدر للتمويل

تذكر التقارير الدولية 6مصادر رئيسية لتنمويل الإرهاب في إفريقيا: الاتجار بالمخدرات، تجارة البشر، الاختطاف لطلب الفدية، استغلال المنظمات غير الربحية والأفعال الاحتيالية الصغيرة والاتجار غير المشروع بالسلع مثل النفط والفحم والماس والذهب. لكن من بين هذه المصادر، تعتبر الفديات التي تدفعها الدول الكبرى للتنظيمات الإرهابية بهدف تحرير الرهائن، الأهم والأخطر.

ولعل آخر صفقة بهذا الخصوص، تمت شهر أكتوبر 2020م، بين الجماعات الإرهابية والحكومة المالية بإشراف فرنسي، أسفرت عن تحرير أكثر من 207 إرهابيًا من جنسيات مختلفة مقابل فدية قدرت بملايين الدولارات (حديث عن أكثر من 30 مليون يورو). والغريب أنه ضمن 207 إرهابي لم يكن سوى رهينة فرنسية واحدة وإثنين أوروبيين والباقي كلهم إرهابيين. ما جعل وزارة الدفاع الجزائرية تنتقد هذه الصفقة وتعتبرها "تمويلاً للإرهاب ومنافية للقرارات الأممية التي تجرّم دفع الفدية للجماعات الإرهابية ومن شأنها أن تعرقل الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب وتجفيف منابع تمويله”.

كما أعلن الجيش الجزائري عن استرجاع مبلغ 80 ألف يورو من تلك الفدية كانت بحوزة جماعة إرهابية بولاية جيجل، شرق البلاد.

وتجدر الإشارة، إلى أن صفقة أكتوبر 2020م، لتحرير الرهائن ليست الأولى، التي تبرمها فرنسا في مالي، حيث سبق لها خلال السنوات الفارطة، وأن دفعت نحو 60 مليون يورو للإفراج عن رهائنها، وتشير تقارير أمنية إلى أن مجموع ما دفعته الدول الغربية بلغ 120 مليون دولار.

للإشارة، في عام 2013م، وقع زعماء مجموعة السبعة تعهداً التزموا بموجبه بعدم دفع الفدية للجماعات المصنفة في خانة الإرهاب. لكن بعد سبع سنوات من التعهد أشرفت فرنسا على الصفقة المذكورة.

ويستخدم المتطرفون هذه الأموال في شراء المزيد من الأسلحة والمتفجرات والسيارات وأجهزة الرؤية الليلية وأجهزة الاتصال وتجنيد المزيد من الأفراد ورشوة المسؤولين.

رابعًا – المرتزقة الأجانب في خدمة الإرهاب وأجندات الدول الكبرى

يعمل "المرتزقة" تحت غطاء شركات أمنية، وعادة ما يكونون في خدمة رؤساء دول يواجهون مشاكل داخلية، حيث يقدمون لهم خدمات أكثر نجاعة وبكلفة أقل، لكنهم أيضًا يقدمون خدمات سياسية واقتصادية لبلدانهم الأصلية، لذلك رغم وجود اتفاقية دولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2001م، بعد تسع سنوات كاملة من المفاوضات، لم يتم التوقيع عليها من طرف الدول الكبرى.

        والحقيقة أن دور المرتزقة بدأ يظهر عام 2003م، بعد غزو العراق. لكن هذه الظاهرة أخذت في إفريقيا أبعادًا خطيرة، ما جعل دولة غينيا الاستوائية تقدم مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي في منتصف ديسمبر 2019م، يطلب تشديد اجراءات مكافحة المرتزقة في القارة السمراء، ويدعو «كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى تبني تشريعات تحظر على مواطنيها المساهمة في تجنيد وتمويل وتدريب ونقل مرتزقة أو مقاتلين، وعدم المشاركة في التخطيط لأنشطة تزعزع استقرار أية دولة أو تهدد وحدة أراضيها."

        ولا تخلو أي منطقة نشاط إرهابي في إفريقيا من وجود مرتزقة أجانب. ففي ليبيا تحدثت حكومة الوفاق الوطني بشكل رسمي وصريح عن وجود ما بين 600 إلى 800 من المقاتلين المرتزقة الروس ضمن قوات حفتر. لكن هناك أيضًا مرتزقة من عدة بلدان أخرى، وتنتشر في إفريقيا مرتزقة من جنسيات مختلفة منها أوكرانيا وإسرائيل الناشطة في القرن الإفريقي.

خامسًا-المستجدات والأحداث الأمنية والسياسية

        دشنت إفريقيا العام الجديد 2021م، بعدد من النزاعات والأحداث، التي قد تؤثر بشكل أو بآخر على الاستقرار السياسي والأمني لكل دول المنطقة أهمها:

1 -اغتيال ولد سيداتي في مالي

يوم الثلاثاء 13 أبريل 2021م، تم اغتيال الرئيس الدوري لتنسيقية الحركات الأزوادية، سيدي إبراهيم ولد سيداتي، الذي يعد أحد القادة الرئيسيين الأزواديين، وهو الذي وقّع باسم تنسيقية الحركات الأزوادية، على اتفاق السلم والمصالحة في الجزائر عام 2015م، ويعتبر هذا ضربة موجعة لاتفاق السلام.

2 -اغتيال إدريس ديبي في تشاد

في 20 أبريل 2021م، أعلن عن مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي (68 عاماً) في معارك ضد المتمردين في شمال البلاد، وتم الإعلان عن حل البرلمان والحكومة وتشكيل مجلس عسكري لإدارة شؤون البلاد برئاسة الجنرال محمد إدريس ديبي (نجل الرئيس ديبي البالغ من العمر 37 عاماً) لمدة 18 شهراً، بالإضافة إلى فرض حظر التجول وإغلاق حدود تشاد مع كافة دول الجوار. وهي العملية التي رفضتها المعارضة واعتبرتها انقلابًا على الحكم، ويتوجس منها الاتحاد الإفريقي.

وبدون أدنى شك، فإن اغتيال رئيس تشاد، سيؤثر أمنيًا على تشاد أولا وعلى منطقة الساحل ثانيًا، لأن الجيش التشادي من أبرز الجيوش المشاركة في محاربة الإرهاب في مالي والنيجر بنحو 1200 جندي.

3 – انتخابات النيجر ومحاولة الانقلاب فيها

        ما قيل عن اغتيال ولد سيداتي وإدريس ديبي ينطبق تمامًا عن دولة النيجر التي شهدت محاولة إنقلاب فاشلة على الرئيس محمد بازوم الفائز في مارس 2021 قبل تنصيبه بأيام فقط، وهو مسلم ينتمي لأصول عربية، ترفضه القبائل الإفريقية. ولحد الآن لم يستقر الوضع السياسي ولا الأمني في هذه الدولة.

6 – الأزمة الليبية بريق أمل داخل النفق

لم يعد خفيًا أن انهيار نظام معمر القذافي أثر على الوضع الأمني على عدة دول في القارة السمراء، وحاليًا تم تشكيل حكومة جديدة ومجلس رئاسي جديد في انتظار تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية شهر ديسمبر 2021م.

ويبدو أن الموعد قريب جدًا، ولحد الآن لم تتمكن حكومة دبيبة ورئاسة المنفي من حلحلة جميع العقبات، خاصة قضية الجماعات المسلحة، وانتشار الأسلحة حيث توجد أكثر من 23 مليون قطعة سلاح قيد التداول.

وبدون شك فإن نجاح العملية السياسية الجارية سيكون لها تأثير إيجابي، وفشلها سيكون له تأثير خطير على ليبيا وعلى عدة بلدان إفريقية.

مكافحة الإرهاب: من العسكرة إلى أساليب مبتكرة، ومن الفرنسة إلى الأفرقة

بالنظر للعوامل المغذية للإرهاب، ينبغي اعتماد أساليب متنوعة ومتكاملة ومبتكرة لمحاربة الإرهاب، بما يضمن علاج الأسباب الجذرية، وتجفيف ومحاصرة منابع التمويل، والتجنيد منها:

1 – تعزيز التنمية الاقتصادية في مناطق النشاط الإرهابي.

2 – أفرقة محاربة الإرهاب وإبعاد التدخلات الأجنبية لأنها تنمي الفكر الجهادي.

3 – تجريم دفع الفديات وتجنيد وتوظيف المرتزقة.

4 – الدفع في اتجاه تطبيق اتفاق السلم والمصالحة في مالي، ومساعدة هذا البلد على تنظيم الانتخابات الرئاسية في الموعد المحدد .

5 – مساعدة ليبيا على إنجاح العملية السياسية الراهنة، وتمكينها من تنظيم انتخابات ناجحة بنهاية عام 2021م.

6 – تشجيع الدول الإفريقية على توسيع دائرة المشاركة السياسية في الحكم، بمشاركة مختلف المكونات الاثنية والقبلية.

7 -مواجهة الخطاب الديني المتطرف، وأيضًا محاربة الفساد المستشري في أنظمة الحكم.

8 –مساعدة الدول الإفريقية الفقيرة على تطوير جيوشها لتكون صمام آمان في وجه الجماعات الإرهابية.

9 -دعم الحكومات الإفريقية لمواجهة التغيرات المناخية، حيث سبق وأن تعهدت الحكومات والشركات الغربية بتقديم 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية التي تعاني من الظاهرة بدءاً من عام 2020م، وهو ما لم تفِ به لحد الآن.

        كل هذه الإجراءات هي مبادرات تاكتيكية واستراتيجية يجب أن يلعب فيها المجتمع الدولي دورًا محوريًا، لعل وعسى تساعد على انحسار الإرهاب على المدى البعيد.

مقالات لنفس الكاتب