; logged out
الرئيسية / الفساد عائق التنمية في إفريقيا ويهدر 148 مليار دولار سنويًا أي 25% من الناتج المحلي

العدد 162

الفساد عائق التنمية في إفريقيا ويهدر 148 مليار دولار سنويًا أي 25% من الناتج المحلي

الأحد، 30 أيار 2021

شكل مشروع بناء الدولة الوطنية في إفريقيا حلم ورهان القادة الأفارقة منذ إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية في سنة 1963م، وبعد نصف قرن من إنشاء هذه المنظمة القارية اجتمع القادة الأفارقة في سنة 2013م، لتشخيص تحديات بناء المشروع التنموي القاري، الجهوي والوطني، ورفعوا سقف التحديات بوضع أجندة مستقبلية لخمسين سنة قادمة 2063م، وفق رؤية استشرافية بطموحات وأهداف تنموية محددة، ومشاريع ميدانية انطلق في تجسيدها في العشرية الأولى للخطة الخمسينية (2013-2023م). وأمام هذا الإدراك والوعي الإفريقي بالتحديات المستقبلية لبناء الأمن الشامل في القارة الإفريقية تقف مجموعة من التهديدات الأمنية الداخلية والخارجية كجدار عازل لتحقيق تلك الطموحات وإنجاز المشاريع التنموية المسطرة، ولعل أهم تلك التهديدات، استمرار الانتكاسة الديمقراطية في كثير من البلدان الإفريقية بسبب الانقلابات العسكرية وعجز الدولة الوطنية عن بسط سيطرتها السيادية على كامل الأقاليم التي تشهد تمرد مسلح تقوم به الجماعات الإثنية التي تتحالف في كثير من الأحيان مع جماعات الجريمة المنظمة والتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، مستغلة الصراع الجيوسياسي على مناطق النفوذ والموارد الحيوية ذات البعد العالمي التي توظفها القوى الدولية والإقليمية، لإبقاء وإطالة عمر النزاعات وإدارتها بدون تسوية نهائية من أجل الاستمرار في نهب الموارد المنجمية والمعدنية. فضلاً عن هذه التهديدات الجيوسياسية التقليدية التي تشهدها القارة الإفريقية فإن تأثيرات كوفيد 19 شكلت تحديًا مستحدثًا خفض من سقف الطموحات والتوقعات التنموية المنشودة.

إفريقيا التي نريد...كيف نتجاوز الصورة النمطية السلبية للقارة الإفريقية؟

شكلت القارة الإفريقية في الإدراك الأكاديمي على المستوى الأمني والسياسي أنها قارة الحروب والنزاعات الحدودية والإثنية بفعل الانقلابات العسكرية اللامتناهية والتدخلات الأجنبية، كما اعتبرت من الناحية الاقتصادية نموذجًا للتخلف الاقتصادي، فرغم الموارد التي تتمتع بها إلا أنها تعيش في معظمها على الإعانات الخارجية التي أثقلت كاهل ميزانيتها بالديون الخارجية المتراكمة وخدماتها مع انتشار ظاهرة الفساد المالي. ومن الناحية الاجتماعية، تختزل إفريقيا في تنوع الأوبئة والأمراض المعدية وتنامي ظاهر الهجرة الغير شرعية.

وفي الواقع، فإن هذه الصورة النمطية السلبية عن إفريقيا تؤكدها البيانات والأرقام الموضوعية، حيث تؤشر الانقلابات العسكرية عن حالة عدم الاستقرار السياسي والعنف الاجتماعي في إفريقيا، فمن بين 475 انقلاب عسكري ناجح أو فاشل في العالم ما بين 1950 و2010 نجد أن أغلبها حدثت في القارة الإفريقية بمعدل 204 انقلابات عسكرية، وقد أثبتت الدراسة التي قام بها الباحثان الأمريكيان في علم السياسية، جوناثان باول من جامعة فلوريدا وكلايتون ثين من جامعة كنتوكي، عن ظاهرة الانقلابات العسكرية في إفريقيا، أن اثني وعشرين انقلابًا عسكريًا وقع في العشرية الأولى من سنة 2000م، و ستة عشر انقلابًا حدث في العشرية الثانية للقرن الواحد والعشرين، وخلال الفترة الممتدة ما بين 1960 و 2000م، بقيت محاولة الانقلابات العسكرية في إفريقيا مستقرة بمعدل أربعين انقلابًا كل عشر سنوات.

وتبين تقارير حالة الاستقرار السياسي في إفريقيا خصوصًا تلك التي تضعها مؤسسات رصد ملاءمة مناخ الاستثمار على استمرارية النزاعات، وتنامي ظاهرة الإرهاب العابر للحدود وتصاعد موجات السخط الاجتماعي والسياسي، وهو ما أظهره تقرير "كوفاس" حول المخاطر السياسية في إفريقيا بحيث أكد بأن عدد النزاعات وضحايا الحروب قد تضاعف مرتين خلال عشر سنوات (2008-2018م)، ليتجاوز عدد القتلى بسبب النزاعات 70 ألف سنويًا للمرة الثالثة منذ ثلاثين سنة. وتقدر بعض الإحصائيات أن حصيلة النزاعات المتعددة الأشكال والأنماط خلال الخمسين سنة الأخيرة قد دفعت إفريقيا تكلفة بشرية ضخمة تفوق عشرة ملايين قتيل.

رغم النية والإرادة السياسية للاتحاد الإفريقي الذي تبنى شعار" إسكات  صوت المدافع في إفريقيا بحلول 2020م" على أمل إنهاء جميع الحروب والنزاعات الأهلية وممارسة العنف القائم على نوع الجنس والنزاعات العنيفة ومنع جرائم الإبادة الجماعية، فإن استمرارية الحروب الأهلية والنزاعات في سنة 2020م، عكست الصورة النمطية السلبية عن حالة القارة، وهو ما أظهرته نتائج دراسة لمجموعة من الباحثين في جامعة همبورغ بألمانيا حول أسباب الحروب في العالم، تبين أن إفريقيا تبقى القارة الأكثر مأساوية حيث سجلت دول إفريقيا جنوب الصحراء عشرة حالات من الحروب، وفي أغلب الحالات فإن النزاعات تأخذ طابع الحروب الأهلية، كما يحدث في مالي، بوركينا فاسو، النيجر، نيجيريا، التشاد والكاميرون، والنزاع الأهلي المستجد، في سنة 2020م، كان في منطقة تيغراي الشمالية في إثيوبيا ضد السلطة المركزية في أديس بابا، ويعكس هذا النموذج من النزاعات الأهلية في إفريقيا حالة الصراعات الدائمة بين الإثنيات التي لم تحسم بعد تقاسم السلطة والثروة، فأقلية التيغراي التي تمثل 6 بالمائة من سكان إثيوبيا سيطرت على الحكم المركزي لما يقارب الثلاثين سنة بإبعاد المكونات الإثنية الأخرى لاسيما الأورومو والأمهرة، وأدى وصول الرئيس أبيي أحمد إلى رئاسة الوزراء، الذي يعد أول رئيس وزراء من إثنية الأورومو ذات الأغلبية العددية، إلى الصدام المسلح مع الجماعة الإثنية لإقليم التيغراي التي فقدت مصالحها ونفوذها واحتكارها للسلطة، ويمثل هذا النموذج حالة مكررة لما حدث في انفصال جنوب السودان وما جرى في بورندي وروندا بين التوتسي والهوتو، حيث سيطرت أقلية التوتسي على الحكم في روندا لفترات طويلة شعرت إثنية الهوتو التي تشكل الأغلبية بنسبة 85 بالمائة بالغبن والتهميش مما كون عامل تعبئة ومحفز للصدامات المسلحة التي أدت نتائج الصراع في بداية التسعينيات من القرن العشرين إلى أكبر إبادة جماعية، تم قتل أكثر من 800 ألف قتيل خلال مائة يوم فقط.

يمثل الصراع على الموارد الحيوية عاملاً لاستمرار النزاعات الإفريقية الإقليمية، ويبقى النزاع على موارد نهر النيل بين أكبر الفاعلين في القارة الإفريقية تجربة قائمة لاختبار قدرة الأطراف المتنازعة على تحويل النزاع إلى عامل تكامل واندماج تنموي يحفظ الأمن القومي والمائي لدول المنبع ودول المصب معًا، ولعل تمسك إثيوبيا بخياراتها التنموية على حساب الأمن المائي لكل من مصر والسودان سينعكس سلبًا على المشاريع التنموية في القارة الإفريقية ستتجاوز تأثيراته دول حوض النيل، بحيث تعد سابقة خطيرة في إدارة الموارد المائية المشتركة، وقد يقوض المشروع الإفريقي للاقتصاد الأزرق.

إلى جانب التحديات الأمنية والسياسية التي تعرفها القارة الإفريقية من أجل بناء المشاريع التنموية الوطنية، الجهوية والقارية، فإن عاملي الديون الخارجية والفساد المالي يشكلان منعرجًا صعبًا لإفريقيا التي يريدها محررو أجندة 2063م، فيما يتعلق بالديون الخارجية، فإن تقارير صندوق النقد الدولي أحصت في بداية 2020م، عشرة بلدان إفريقية الأكثر دينًا مقارنة بمتغير الإنتاج الداخلي الخام، من بين هذه الدول نجد السودان بدين عمومي يوازي 207 بالمائة من الإنتاج الداخلي الخام، إيريتريا بــ 165 بالمائة، الرأس الأخضر بـ 123.5 بالمائة، الموزمبيق بـ 109 بالمائة. وتشكل دول إفريقيا جنوب الصحراء نموذجًا لتضاعف الديون العمومية، بحيث تضاعفت بثلاث مرات ما بين 2010-ونهاية 2018م، لتنتقل من 160 مليار دولار إلى حوالي 600 مليار دولار، بحيث تستحوذ الصين على 40 بالمائة من الديون الإفريقية. والإشكالية المطروحة في الديون الخارجية أن بعض البلدان الإفريقية تعبئ مواردها المالية من أجل خدمة الديون التي قد تتجاوز 25 بالمائة من عائداتها المالية، وبمقارنة بسيطة فإن الدول الغنية تستثمر 8 بالمائة من إنتاجها الداخلي الخام على إجراءات الإنعاش الاقتصادي في الوقت الذي لا يتجاوز إنفاق الدول الإفريقية 0.8 بالمائة. وأمام هذا التحدي المالي الذي تعرفه القارة الإفريقية لا سيما في ظل وباء كوفيد 19، طالب وزراء المالية الأفارقة في اجتماع 19 مارس 2020م، بإعفائها من دفع فوائد الديون والسندات السيادية لمبلغ 44 مليار دولار مع إنشاء صندوق إضافي بخمسين مليار دولار لمواجهة تأجيل دفع فوائد الديون للقسم غير الملغي من الديون الإفريقية. ولقد استجابت مجموعة العشرين لخيار تأجيل دفع خدمة الديون في اجتماع 15 أبريل 2020م، من أول مايو إلى 31 ديسمبر 2020م، والخاصة بــ 77 دولة من ضمنها 40 دولة إفريقية، ولمبلغ يساوي 20 مليار دولار، كما تم تمديد الآجال مرة أخرى لستة أشهر أخرى من أجل تسديد خدمة الديون، إلى غاية 30 يونيو 2021م. ومن بين الخيارات المطروحة أنه في إطار التضامن العالمي يمكن إعفاء الكثير من الدول الإفريقية ذات المديونية الثقيلة من دفع خدمات الديون لأن مجموع دول العشرين لديها القدرة المالية على خلق العدالة الاجتماعية العالمية، فإجمالي الديون الخاصة بــ 77 دولة المعنية بتأجيل الديون لا تمثل إلا 1 بالمائة من الإنتاج الداخلي الخام لمجموعة العشرين. وهو ما تم اقتراحه من قبل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية التي طرحت مخطط دعم من 2500 مليار دولار لمجموع دول الجنوب، يتضمن إلغاء ألف مليار من الديون، واقترحت لذلك إنشاء آلية لتحقيق هذه العملية التضامنية.

وفي المقابل، فإن هذه الأصوات المطالبة بإلغاء خدمات الديون للدول الإفريقية الأكثر فقرًا تواجه واقع إفريقي مرير يتمثل في حجم الفساد المالي، وهنا نشير إلى تقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية فيما يخص الأموال المهربة بطريقة غير شرعية خارج القارة الإفريقية، التي قدرتها بــ 89 مليار دولار سنويًا، أي ما توازي 3.7 بالمائة من الإنتاج الاقتصادي للقارة الإفريقية، وأغلب الأموال المهربة تكون حصيلة تصدير المواد الأولية مثل الذهب والألماس وتضخيم الفواتير. وتمثل هذه القيمة المالية المهربة بطريقة غير شرعية ما يقارب نصف ما تحتاجه الدول الإفريقية لتمويل العجز المالي السنوي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة المقدرة بــ 200 مليار دولار سنويًا، وبالتالي يمكن في حالة إرساء قواعد الحكم الراشد القائمة على الشفافية، الرقابة والمساءلة أن تضمن موارد مالية مهمة لتمويل مشاريع التنموية المعطلة، وهو ما ذهبت إليه الأمم المتحدة في تقديراتها في حالة تقليص تهريب الأموال بطريقة غير شرعية، فإن إفريقيا يمكن أن تحصد موارد مالية هائلة لتمويل أهداف التنمية المستدامة في آفاق 2030م، أي ما يقارب نصف القيمة من المبلغ المقدر ب 2400 مليار دولار التي تحتاجها دول إفريقيا جنوب الصحراء لتمويل تكيفها مع التغييرات المناخية، والتي تحتاجها كذلك الدول الإفريقية لمواجهة الانعكاسات المالية والاجتماعية لوباء كوفيد 19.

بالرغم من تبني البرلمان الإفريقي اتفاقية الاتحاد الإفريقي للوقاية ومكافحة الفساد سنة 2003م، فإنه إلى غاية اللحظة الراهنة لم يصادق على الاتفاقية إلا 44 دولة إفريقية من أصل 55، ويبقى آليات التنفيذ نادرة وفي بعض الأحيان غامضة، وفق تقديرات المنظمة غير الحكومية الشفافية الدولية، إلا أنه تجدر الإشارة إلى المساعي الحميدة التي قامت بها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية مع بنك التنمية الإفريقي من خلال الشراكة لدعم الحكومات الإفريقية في مجهوداتها لمحاربة الفساد التي أطلقتها في سنة 2008م، ونتج عنها المبادرة المشتركة لنزاهة المؤسسات في محاربة الفساد في إفريقيا في سنة 2011م، مما أعطى دفعًا قويًا لوضع مدونة لتحقيق الأهداف المنشودة، والمتمثلة في تعزيز تنافس القطاع الخاص وفق معايير النزاهة والمسؤولية، مساعدة الحكومات الإفريقية على تطبيق قوانين مكافحة الفساد، تحسين نزاهة القطاع العام مع إرساء عهد جديد للنزاهة والمسؤولية في إفريقيا، وتقوية المجهودات العالمية لمكافحة الفساد . ورغم هذه المجهودات فإن الفساد المالي يبقى أحد العوائق الكابحة للتنمية في إفريقيا تسبب في خسائر مالية قدرها البنك الإفريقي للتنمية بــ 148 مليار دولار سنويًا، يمثل هذا المبلغ 25 بالمائة من الناتج المحلي الخام لإفريقيا.

مثلت هذه الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في القارة الإفريقية بيئة مواتية لتنامي ظاهرة الإرهاب العابر للحدود، فحالة اللاستقرار السياسي والفساد المالي وعجز الدول عن أداء مهامها الوظيفية بسب تراكم الديون الخارجية، أوجدت تحالفات طبيعية بين جماعات الجريمة المنظمة والتنظيمات الإرهابية التي تتغذى من حالة الفوضى والفراغ المؤسساتي، وهو ما تبينه الدراسات الميدانية فيما يخص التمويل غير الشرعي للجماعات المسلحة والجماعات الإرهابية، حيث توصل الأطلس العالمي للأموال غير الشرعية الصادر عن منظمة الشرطة الجنائية والمبادرة الشاملة للجريمة المنظمة العابرة للحدود، من أن موارد هذه الجماعات تعتمد على الاتجار غير الشرعي بالنفط، الذهب، الألماس وموارد منجمية ثمينة، وقد أثبتت بأن تمويل نزاعات الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية بنسبة 38 بالمائة مصدرها فرض ضرائب غير شرعية على الموارد الطبيعية، و28 بالمائة من التمويل مصدره المخدرات، و26 بالمائة من الابتزازات والمصادرة والنهب، و3 بالمائة من الهبات الخارجية و3 بالمائة من الاختطافات ودفع الفدية. وإضافة إلى مصادر التمويل المذكورة، فإن الاتجار بالبشر وتسهيل الهجرة غير الشرعية عبر الطرق العابرة للصحراء أضحت تجارة مربحة للجماعات المسلحة، تقدر عائداتها المالية ما بين 450 إلى 765 مليون دولار سنويًا من بينها 89 إلى 236 مليون دولار للجماعات المسلحة في ليبيا وحدها.

انطلاقًا من هذه الأوضاع السلبية التي شكلت واقع القارة الإفريقية في أبعادها المختلفة، قرر القادة الأفارقة أن يبحثوا عن المشروع المثالي "إفريقيا التي نريدها" في آفاق الخمسين سنة القادمة، على أمل أن يعيش الشباب الذي لم يولد بعد في ظروف سياسية وأمنية واقتصادية أفضل من جيل آبائهم، فكيف يمكن إذن أن تحقق المقولة الكلاسيكية للأمن الشامل في إفريقيا باعتبار أن التنمية هي الأمن والأمن هو التنمية!

من الشراكة الجديدة للتنمية إلى حلم الولايات المتحدة الإفريقية

للتكيف مع هذه الصور النمطية السلبية للقارة الإفريقية اتخذ القادة الأفارقة مجموعة من الخيارات الاستراتيجية لبناء التنمية، ومن ضمن هذه الخيارات مبادرة الشراكة الجديدة من أجل التنمية في إفريقيا المعروفة اختصارًا بالنيباد، التي أنشأت في أكتوبر 2001م، وتحولت إلى وكالة التنمية للاتحاد الإفريقي في سنة 2018م، وقد صاغتها في البداية خمسة دول فاعلة في القارة الإفريقية تتمثل في جنوب إفريقيا، مصر، الجزائر، نيجيريا والسنغال، حددت الرؤية الإفريقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية انطلاقًا من المقاربتين التنمويتين اللتين طرحهما كل من تابو مبكي، الرئيس السابق لجنوب إفريقيا، في منتدى دافوس بعنوان" شراكة الألفية من أجل إصلاح إفريقيا"، ومخطط أوميغا الذي قدمه الرئيس السنغالي عبد الله واد الذي تضمن رؤية لنهضة إفريقيا. وقد حددت الوثيقة التنموية للنيباد مجموعة من الأولويات والأهداف العملية قصد تحقيق التنمية المستدامة في إفريقيا، من ضمنها، القضاء على الفقر من خلال خفض نسبة الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع إلى النصف بين 1990 و 2015م، حق جميع الأطفال في الدراسة بحلول 2015م، مع المساواة بين الجنسين، دعم الدول الإفريقية في طريق النمو المستمر والتنمية بتحقيق معدل نمو متوسط في الناتج المحلي الإجمالي 7 بالمائة سنويًا خلال 15 سنة القادمة، تخفيض معدلات وفيات الأطفال إلى الثلثين، تنفيذ استراتيجيات وطنية للتنمية المستدامة بحلول 2005م، بما يؤدي إلى توقف تدهور البيئة بحلول 2015م.

حققت النيباد الكثير من أهدافها التنموية على مستوى العمل الجماعي الإفريقي، أولها أنها أضحت الشريك التنموي الإفريقي الرسمي لدى الأمم المتحدة ومجموعة الثمانية الكبرى ومجموعة العشرين، كما اختبرت الآليات الرقابية المحلية لتقييم المشاريع المسطرة في البرامج التنموية من خلال ميكانيزم الرقابة من قبل النظراء، الذي يعكس الإرادة السياسية للدولة الإفريقية في الالتزام بمعايير الحكم الرشيد بما يخدم الأهداف التنموية المنشودة بعيدًا عن التجارب المريرة لمؤسسات بريتن وودز التي فرضت شروطًا هيكلية قاسية على الدول ذات المديونية الكبيرة. ومن جهة أخرى فقد عززت النيباد التكتلات الاقتصادية الجهوية باعتبارها القاطرة للعمل الإفريقي الوحدوي لا سيما فيما يتعلق بالمشاريع التنموية القارية الكبرى التي تم إدماجها فيما بعد في أجندة 2063م، والمتمثلة في الشبكة المتكاملة للقطار فائق السرعة الذي يربط جميع العواصم الإفريقية والمراكز التجارية لتسهيل تنقل السلع، الخدمات والأشخاص، وإنشاء جامعة إفريقية افتراضية قصد تكوين نخب إفريقية متمسكة بالمشروع التكاملي الإفريقي متمكنة من أدوات المعرفة والتكنولوجيا، إنشاء منطقة تجارة حرة قارية بحلول 2017م، للرفع من حجم التبادل التجاري باعتبارها محركًا للنمو والتنمية المستدامة على أن تقفز بزيادة التبادلات إلى الضعفين بحلول 2022م، بغية إيجاد مكانة لإفريقيا في التجارة العالمية، وقد تم تسطير في أجندة 2063م، إنشاء مؤسسات مالية، وهي بنك الاستثمار الإفريقي، سوق الأوراق المالية الإفريقية (2016م)، صندوق النقد الإفريقي (2018م) والبنك المركزي الإفريقي (2028م). وفيما يخص برنامج تطوير البنية التحتية فقد برمج تنفيذ مشروع سد إنجا العظيم الذي يسمح بتوليد كهرباء بمقدار 43200 ميجاوات لتعميم الاستفادة بالكهرباء النظيفة. وإلى جانب هذه المشاريع المالية والتجارية الكبرى فقد حددت الوثيقة الاستشرافية حلم المواطنة الإفريقية بإنشاء جواز سفر إفريقي مع تسهيل حرية تنقل الأشخاص في آفاق 2018م.

الملاحظة الأولية على هذه المشاريع الكبرى المسطرة أنها لم تنجز وفق الرزنامة الزمنية المحددة، فمثلاً إن الإعلان عن منطقة تجارة حرة لم تدخل حيز التنفيذ إلا في بداية 2021م، وستحتاج إلى سنوات أخرى لكي تصبح فعليًا عمليًا لكي تستوعب اقتصاد بحجم 3.4 مليار دولار و1.3 مليار نسمة وتكون بذلك أكبر منطقة للتبادل الحر في العالم، ولعله من نافلة القول أن الحواجز التي ستبقى متحدية لهذه الرهانات من أجل ولايات متحدة إفريقية، تلك الصور النمطية السلبية التي تغرق فيها إفريقيا من حالة اللاستقرار السياسي والفساد السياسي الذي يغذي جماعات الجريمة المنظمة والتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود التي تسندها التدخلات الخارجية التي تصدر المرتزقة من أجل نهب الموارد الحيوية واستغلال ضعف وهشاشة الدولة الوطنية لفرض اتفاقيات لا تخرج عن المشاريع الاستعمارية التي عانت منها إفريقيا قرون من الزمن.

رغم الصور النمطية السلبية يبقى الأمل قائمًا في المشاريع التنموية التشاركية التي أدمجت فيها كل الفاعلين المحليين من ممثلي الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص، لأن الإرادة الإفريقية التي حققت الاستقلال السياسي عن الاستعمار الأوروبي الغربي قد تملك مفاتيح الاستقلال التنموي وعماده، الحكم الرشيد، المعرفة ووعي الجيل الحالي بأهمية التنمية المستديمة التي تهدف إلى الحفاظ على موارد الأجيال القادمة، وقد تكون مسافة الألف ميل بخطوة أساسية " ضرورة إسكات صوت المدافع عاجلاً وليس آجلاً".

مقالات لنفس الكاتب