array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 162

4 محفزات لصراع الموارد و4 مقترحات لحل المشكلات الاثنية في الدول الإفريقية

الأحد، 30 أيار 2021

لقد ظلت القارة الإفريقية مرتعاً للصراعات والحروب سواء كانت داخلية، وبين دول القارة، أو بين الدول الكبرى في إطار استمرار التكالب الأجنبي على هذه القارة، من أجل تحقيق مصالح ومكاسب ترتبط بالموارد الطبيعية والاقتصادية التي تتميز بها هذه القارة، وهو الأمر الذي يجعل الصراع حول الموارد الاقتصادية في إفريقيا ينقسم إلى أنواع مختلفة من حيث الأطراف، بالإضافة إلى وجود محفزات تقود تطورها وما يترتب عليها من مطالب نتيجة لعمليات الفعل وردود الأفعال إلى استخدام العنف، ومن ثم إلى صراع وحروب تنجم عنهما أضرار ومشكلات تشكل تحديات على مستوى القارة والجوار الإقليمي بل وعلى العالم.

لذا نرى إنه من الضرورة البحث حول كيفية الاستفادة من الموارد الطبيعية والاقتصادية التي تتميز بها هذه القارة، في تعزيز آفاق التعاون بما يسهم في جعل هذه الميزة مصدرًا لتحقيق التنمية وتوطيد العلاقات التعاونية في المجالات التنموية، عوضاً عن الصراع استنادًا إلى ما ذكره أحد سكان القرى الإفريقية التي تعاني من الصراع: "بأن الله منحنا هذه الموارد من أجل سعادة وراحة الإنسان"، فإن السعادة والراحة تتحققان بالتعاون والتكامل بين البشرية أما الصراع بالضرورة أن يكون بداية لتعاسة الإنسان.

لذا يسعى هذا المقال إلى تناول موضوع غاية في الأهمية، وهو الصراع حول الموارد الاقتصادية في إفريقيا كواقع وكمحاولة لمناقشته، من أجل البحث عن الحلول الممكنة لتسوية تلك الصراعات أو الحد من أثارها، من خلال عرض وتحليل محفزات الصراع داخل الدول الإفريقية، وبين الدول الإفريقية، دون تجاهل دور الأطراف الخارجية وتأثير الوجود المسلح للقوى الأوروبية. مع توضيح نوع كل صراع منها، لما لها من تحديات وتداعيات على كافة الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى الإشارة إلى مجالات التعاون لأهميتها في ضرورة حسن ورشادة استغلال تلك الموارد، بما يتيح الفرصة نحو حلول وآفاق تحقيق الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في تلك الدول التي ظلت تعاني من غياب مفهوم الدولة، كنتيجة للصراع حول الموارد الاقتصادية بين النخب أو الدول سواء كانت إفريقية مع بعضها البعض أو بتدخل دول خارج القارة الإفريقية، مع التأكيد أن هذه الصراعات ترتبط بشكل وثيق وكبير مع التعددية الاثنية والثقافية، بحيث تمثل هذه التعددية المحرك الرئيس لكل الصراعات داخل القارة الإفريقية بدون استثناء أي منها. وبالتالي، سوف يتم تناول هذا الموضوع من خلال النقاط التالية:

أولاً-محفزات الصراع حول الموارد الاقتصادية في إفريقيا:

  • غياب العدالة في توزيع الموارد:

غالباً ما يؤدي غياب العدالة بين المواطنين، ومدن وأقاليم الدولة في توزيع الموارد الذي يأخذ طابع اثني في القارة الإفريقية، إلى ظهور سخط ومطالب بعدالة توزيع الموارد والثروة، وقد يتطور ويتحول من مجرد سخط ومطالب شفاهية إلى استخدام العنف، لا سيما عندما يتم تهميش بعض الجماعات الاثنية أو الدينية أو الإقليمية من التنمية، واقصائها من الاستفادة من نصيبها من الموارد التي قد تقع في مناطقها، وعلى سبيل المثال التهميش الذي تتعرض له بعض الجماعات في شمال إفريقيا مثل جنوب الجزائر الذي يتم استخراج النفط والغاز فيه، ومنطقتي برقة زفزان في ليبيا، وقفصة وتطاوين وقبلي وجزر قرقنة في تونس، لقد شهدت تلك المناطق احتجاجات ومطالب بضرورة تحقيق التنمية، باعتبارها مناطق تعتمد عليها الدولة في اقتصاداتها، في حين لا ينتفع السكان الذين تعتبر مناطقهم مصدرًا لتلك الموارد.

  • التغيرات المناخية:

لقد تم ملاحظة، أن للتغيرات المناخية دورًا في تحفيز الصراع سواء كان داخل الدولة أو بين دول الجوار، فقد تسببت التغيرات المناخية في بعض مناطق القارة الإفريقية في دفع المتضررين إلى النزوح والهجرة القسرية، بشكل جماعي من المناطق التي تأثرت بهذه المشكلات البيئية إلى مناطق أخرى نزوحاً داخل حدود الدولة أو بالهجرة إلى خارج حدود الدولة، وبالتالي ترتب على عملية الانتقال هذه نشوب نزاعات بين الجماعات التي تقطن في المناطق التي تم اللجوء إليها، وبخاصة عندما يكون هناك تناقض في طبيعة ونوع النشاط الاقتصادي الاجتماعي الذي يمارس الجماعتين إحداهما مزارعين والأخرى من الرعاة.

  • الهيمنة السياسية:

سعي بعض الجماعات الاثنية لتحقيق أهداف سياسية، هذا السعي الذي يقوم على الرغبة في فرض هيمنة سياسية من قبل جماعة معينة، من ضمن محفزات الصراع حول الموارد في إفريقيا، بل يمكن القول إنها من أبرز الأسباب المحفزة إلى حدوث حروب أهلية في معظم الدول الإفريقية، حينما تسعى جماعة اثنية معينة في الوصول إلى السلطة ووضع إجراءات تضمن بقاءها مسيطرة على مناطق استراتيجية تشكل مصادر هامة لتوفير الموارد الاقتصادية.

  • الموارد المشتركة:

بجانب ما تم ذكره، فإن وجود موارد مشتركة بين أقاليم الدولة والجماعات المحلية قد تؤدي إلى نشوب نزاعات داخلية بينهم، ذات الأمر ينطبق عندما يكون هناك دول حدودية بينهما موارد مشتركة، على سبيل المثال وجود جماعات حدودية بين دولتين أحدهما جماعة رعوية والأخرى زراعية، هذا التناقض الاقتصادي الذي يفترض أن ينتجه عنه تعاون و تبادل الموارد، إلا أن ما يحدث عادة هو حدوث نزاع بين الجماعتين، بما قد ينتقل إلى صراع بين دولتين، بالإضافة إلى الاشتراك في موارد مائية مثل أزمة سد النهضة بين إثيوبيا من جهة والسودان ومصر من جهة أخرى.

ثانيًا-واقع الصراع حول الموارد الاقتصادية في إفريقيا:

شهدت القارة الإفريقية العديد من الصراعات، التي يكون أغلبها من أجل السيطرة على الموارد الطبيعية والاقتصادية، كما أن أطراف الصراع تجعله يأخذ اتجاهًا لتقسيمه إلى أنواع مختلفة، من حيث أطراف وأهداف الصراع، وإن كانت الأهداف قد تبدو أنها مشتركة من حيث الرغبة في السيطرة والاستئثار بالثروة، لتحقيق مصالحة جماعة معينة، وبالتالي يمكن تقسيم الصراعات التي تقع داخل القارة الإفريقية حول الموارد كما يلي:

  • صراعات داخلية:

في هذا النوع من الصراعات يكون على مستوى المحلي الوطني للدولة، من أجل الحصول والسيطرة على الموارد الاقتصادية في منطقة ما، وقد تتطور من مجرد نزاع حدودي بين جماعتين اثنتين، أو بين جماعة أو جماعات معينة ضد الحكومة المركزية التي غالباً ما تكون مدعومة من قبل جماعة اثنية ينتمي إليها رأس الدولة، أو بين جماعات متحالفة مع الجماعة الاثنية التي ينتمي إليها رأس الحكومة، إلى الحروب الأهلية تنشب داخل الدول بين جماعات اثنية مختلفة فيما بينها، بحيث يكون الصراع على الموارد أحد الأسباب الرئيسية لهذا الصراع، وإن طفح الاختلاف الاثني كأبرز الأسباب الرئيسية المحركة لهذا الصراع، إذ أن الاختلافات الاثنية أو الدينية أو الجغرافية أو الثقافية أو غيرها، لا بد أن يكون واحد منها من العوامل التي يتم استغلاله بالسلب كوسيلة لخلق ودعم الصراعات الداخلية حول الموارد الاقتصادية في الدول الإفريقية.

ومن تلك الصراعات الداخلية التي وقعت في القارة الإفريقية حول الموارد الطبيعية والاقتصادية، تتمثل على سبيل المثال وليس الحصر فيما يلي:

  • رواندا:

إن الإبادة الجماعية التي حدثت في رواند لا يمكن فصلها عن الأسباب الاقتصادية في إطار الصراع حول الموارد في إفريقيا، كأحد محفزات هذه الكارثة الإنسانية في تسعينيات القرن العشرين الميلادي، برغم من وصف الإبادة الجماعية لجماعة التوتسي من قبل الهوتو كصراع اثني، إلا أن هذه الأزمة ارتبطت بشدة بكونها صراع حول الموارد الاقتصادية، وتعزيز سيطرة النخبة السياسية الاثنية في رواند عليها، فقد كانت تتسم بالكثافة السكانية في ظل ارتفاع معدلات النمو مقابل بيئة تتسم بندرة في الموارد عززت من لجوء الجماعتين إلى الصراع من أجل السيطرة على هذه الموارد النادرة بعدما تمكنت النخبة الاثنية في استغلال هذه الأوضاع لتحقيق مصالحها، وهو ما صور الأزمة الرواندية بأنها أزمة التعددية الاثنية.

  • جمهورية كنغو الديمقراطية:

تعتبر جمهورية كنغو الديمقراطية من الدول الإفريقية الغنية بالموارد الطبيعة والاقتصادية، فهي على مستوى العالم المنتج الأول للماس الصناعي، وتتميز بتوافر العديد من الموارد الطبيعية والاقتصادية مثل النفط، والمعادن الاقتصادية الثمينة، كالذهب والكاديوم والكوبالت والمنجنيز والفضة وغيرها. هذا الأمر يجعل هذه المنطقة مهيأة للصراع بين الجماعات الاثنية في الكنغو، فقد أشارت الأمم المتحدة في أحد التقارير أن الصراع على الموارد، هو أحد الأسباب الرئيسية للحروب الأهلية في هذه البلاد، وما يؤكد ذلك هو أن مقاطعة كيفو التي شكلت بؤرة الصراع في الكنغو، تتميز بأنها مقاطعة غنية بالموارد الطبيعية. وبالتالي فإن الصراع الذي يدور في جمهورية الكنغو الديمقراطية منذ الاستقلال في عام 1960م، حتى الآن (مايو 2021م)، هو صراع بين النخبة الاثنية حول الموارد الطبيعة والاقتصادية.

  • نيجيريا:

تشكل الصراعات التي عانت منها نيجيريا في ثمانينيات القرن العشرين الميلادي، جزء من الصراع حول الموارد الطبيعية والاقتصادية في إفريقيا، لا سيما احتجاج سكان منقطة دلتا النيجر الغنية بالبترول والغاز في عام 1985م، بمغادرة الاجتماع الذي عقدته الحكومة لوضع الإصلاحات السياسية والاقتصادية بالبلاد، بسبب التهميش الذي يتعرضون له رغم أن ولايات منطقة دلتا نيجر تمثل مصادر استراتيجية لدعم الاقتصاد النيجيري، لذلك جاءت المطالب منها بعدالة توزيع الموارد وزيادة نسبة الولايات من عائدات البترول والغاز.

  • صراعات بين الدول الإفريقية:

أما في هذا النوع من الصراعات، هي التي تكون بين دولتين أو أكثر على مستوى القارة الإفريقية، وفي غالب الأمر تكون صراعات حول الموارد الاقتصادية حدودية أي بالأحرى على مناطق النزاعات الحدودية التي تتسم بتوافر مورد اقتصادي ما أو حول موارد طبيعية اقتصادية مشتركة بين دولتين أو أكثر. على سبيل المثال ما يلي:

  • مياه نهر النيل:

إن التوترات السياسية بين إثيوبيا ومصر والسودان حول مياه النيل، تعتبر دليل واضح للصراع حول الموارد الطبيعية في إفريقيا، حتى وإن لم تصل حتى الآن إلى مرحلة استخدام القوة المسلحة من قبل أطراف من أجل ضمان الحصول على نصيب كاف من مياه نهر النيل، كما لا يمكن فصل النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا عن سياق نزاع الدول الثلاثة حول مياه نهر النيل، إذ ترتبط الاشتباكات الحدودية بين السودان وإثيوبيا بشكل غير مباشر بالنزاع حول مياه النيل، النزاع الذي يدور حول منطقة الفشقة التي تتميز بأنها منطقة خصبة وصالحة للزراعة، فقد يتطور هذان النزاعان في حال عدم وصول الأطراف إلى صيغة مرضية، لا سيما حول تقاسم نسبة مياه نهر النيل بين الأطراف الثلاثة.

  • منطقة أبيي:

بعد انفصال جنوب السودان عن السودان استمر النزاع بين عشائر دينكا نقوك والمسيرية، حول ملكية منطقة أبيي، فقد كان النزاع قبل انفصال الجنوب جزء من الصراعات الداخلية، وبعده تحول إلى نزاع بين دولتين حول الموارد الاقتصادية، فإن هذه المنطقة تتميز بأراض زراعية وغنية بالبترول، وهذا هو أحد أسباب ومحفزات الصراع حول هذه المنطقة.

ثالثاً-مشكلات وتحديات الصراع حول الموارد الاقتصادية في إفريقيا:

يساهم الصراع حول الموارد الاقتصادية في إفريقيا، سواء كان بين أبناء الوطن الواحد، الذي يفسر على إنه صراع اثني باعتبار البعد الاثني هو الأكثر وضوحاً في معظم الصراعات، أو بين الدول الإفريقية إلى خلق العديد من المشكلات التي تشكل تحديات تواجه دول القارة الإفريقية، ويمكن تقسيم تلك المشكلات والتحديات الناجمة عن الصراع حول الموارد، كما يلي:

  • تحديات سياسية:

يترتب على الصراع حول الموارد العديد من التحديات السياسية في معظم دول القارة الإفريقية، أبرزها ما تشهده الدول الإفريقية من غياب مفهوم الدولة الوطنية، نتيجة للنزاعات السياسية وانتهاج العنف السياسي كوسيلة للسيطرة والاستئثار بالسلطة من أجل تعزيز هيمنة جماعة اثنية معينة، وترسيخ حكم الأنظمة الدكتاتورية.

تلك الصراعات التي تعطي موطئ قدم لأطراف خارجية بالتدخل في شؤون القارة الإفريقية، الذي انعكس في انتشار الوجود الأجنبي المسلح في مناطق استراتيجية، ودوره في تعزيز الصراعات من أجل تحقيق مصالح قوى أوروبية من خلال نهب ثروات القارة الإفريقية، دون أن يستفيد منها أبناء القارة الإفريقية منشغلين في صراعات داخلية لا طائل ورائها غير زيادة معدلات الفقر والتخلف وقتل العشرات من المدنيين، الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من النزوح والهجرة، وبالتالي تفاقم حدة الأزمات الإنسانية والأمنية.

  • تحديات اقتصادية:

يساهم الصراع حول الموارد في خلق مشكلات وتحديات اقتصادية، مثل استنزاف الموارد الاقتصادية في الحروب الأهلية بدلاً من الاستفادة منها في تحقيق أهداف تنموية، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية التي تتسم بالهشاشة، وزيادة معدلات الفقر والبطالة في معظم دول القارة الإفريقية.

  • تحديات أمنية وعسكرية:

أما المشكلات والتحديات الأمنية والعسكرية التي تترتب على الصراع حول الموارد، هي ظهور الميليشيات الاثنية في المناطق التي تشهد صراع على الموارد، وبالتالي دفع السكان نحو النزوح والهجرة بسبب غياب الأمن والاستقرار، بما يؤدي إلى تعطيل عجلة التنمية نتيجة لتأثر القطاعات الاقتصادية والتنموية في المناطق التي تشهد نزاع وصراع.

 

رابعاً-الحلول وآفاق مجالات التعاون في استغلال وتنمية الموارد الاقتصادية:

يتضح مما سبق، أن الواقع الأفريقي يتسم في معظمه بالصراع حول الموارد على أسس اثنية، وهو ما أدى إلى تعزيز المشكلات والتحديات كسمات تتميز بها، نتيجة للنزاعات والحروب داخل الدول الإفريقية أو بين الدول الإفريقية، تلك المشكلات والتحديات التي تشتمل كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، بما يتطلب ضرورة البحث عن الحلول الممكنة لفتح آفاق التعاون في المجالات المختلفة، الأمر الذي يجعل القارة الإفريقية تتجه نحو تعزيز مجالات التعاون بدلاً من الصراع داخل الدول وبين الدول الإفريقية، من أجل الاستفادة المشتركة من ميزة امتلاك الثروات الثمينة، وتوافر العديد من الموارد الطبيعية والاقتصادية.

وكما سبق الذكر لا يمكن فصل الصراع حول الموارد، عن الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، وتشابه ذات الحالة التي تتسم بالصراع يفرض على دول القارة الإفريقية أهمية البحث عن مجالات التعاون فيما بينهم في استغلال وتطوير الموارد المتاحة، على أن يكون التعاون والتكامل في القارة الإفريقية على مرحلتين، كما يلي:

  • المرحلة الأولى: التعاون والتكامل على المستوى الوطني:

لا بد أن تبدأ الدولة الإفريقية بوضع إصلاحات على المستوى الوطني، من أجل الحد ووقف الصراعات الداخلية من أجل الموارد، وبما أن محفزات المشكلة لا تأخذ طابعًا اقتصاديًا فحسب، بل ترتبط بمشكلات سياسية واجتماعية، فإن تحقيق التعاون والتكامل على المستوى الوطني يتطلب حل تلك المشكلات، كالآتي:

  • وضع إصلاحات سياسية، من خلال العمل على تحقيق تحول ديمقراطي حقيقي.
  • الإعلاء من مفهوم الدولة الوطنية، من خلال تقوية الروابط الوطنية بدلاً من الولاءات دون الوطنية.
  • محاربة الفساد والمحسوبية، فبالضرورة سوف يترتب عليهما سوء إدارة الموارد وعدم عدالة توزيعها بين المواطنية وعرقلة عجلة التنمية.
  • المرحلة الثانية: التعاون والتكامل على المستوى القاري:

تعتبر منظمة الاتحاد الإفريقي نموذجًا عمليًا لتحقيق التعاون والتعاون بين الدول الإفريقية، وهي تجربة لا بأس بها برغم التحديات التي مازالت تجابه القارة في مختلف المجالات، وتحقيق أهداف هذه المنظمة تعتمد بشكل أكبر على مدى نجاح كل دولة على وضع إصلاحات، بعد تبني الأهداف والمبادئ التي تم تأسيس الاتحاد الإفريقي (منظمة الوحدة الإفريقية سابقاً) من أجلها، لا سيما أجندة 2063م التي تناولت مجالات وبرامج تضمن التعاون والتكامل الإفريقي. ويمكن رصد مجالات التعاون والتكامل من خلال الأجندة الإفريقية 2063، كالآتي:

  • المجال السياسي: تضمنت أجندة 2063م، طموحات وأهداف ترتبط بالجوانب السياسية، منها جعل الدولة الإفريقية تديرها أنظمة تستند على الحكم الرشيد، والقيم الديمقراطية، والمساواة بين الجنسين، واحترام حقوق الإنسان والعدالة وحكم القانون، والطموح السابع يرجع أهميته في كيفية جعل القارة قادرة على مواجهة التدخلات الخارجية الغربية، في أن تكون القارة قوية من خلال الوحدة والتجانس. كل هذا لا يمكن أن يتحقق في حالة عدم تبني استراتيجية واصلاحات تؤدي لتنفيذ متطلبات المرحلة الأولى من التعاون والتكامل على المستوى الوطني، التي أكدت أجندة 2063 عليها في الطموح السادس الذي يدعو للمساواة بين المواطنين وتجاوز الانتماءات الضيقة.
  • المجال الاقتصادي: هذه الأجندة تطرقت لمعظم المجالات التي قد تشكل فرصة لتعاون وتكامل الدول الإفريقية، فإن أول طموح في هذه الأجندة يتعلق بالجانب الاقتصادي في جعل إفريقيا قارة مزدهرة، وبالتالي محاربة الفقر والبطالة من خلال تنفيذ مشروعات تنموية متوازنة بغض النظر عن الاختلافات الاثنية والدينية وغيرها.
  • المجال الأمني والعسكري: جاء في الطموح الرابع، أن يتم العمل على جعل القارة الإفريقية خالية من الحروب "إسكات صوت البنادق" عبر تبني آليات سلمية وآمنة، لاحتواء وتسوية الصراعات على كافة المستويات والحرص على غرس قيم السلام والتسامح.

 

خاتمة:

مما سبق يمكن استخلاص ما يلي:

أولاً، إن القارة الإفريقية مازالت تشهد العديد من الصراعات حول الموارد الاقتصادية، التي تكون مدفوعة بعدد من المحفزات منها وجود اختلالات في توزيع الموارد، وسعي بعض الجماعات للهيمنة على السلطة من أجل السيطرة على الموارد، والتغييرات المناخية بالإضافة إلى الاشتراك في الموارد بين الجماعات المحلية أو الجماعات الحدودية بين دولتين.

ثانياً، ينقسم الصراع على الموارد في إفريقيا إلى نوعين؛ صراع داخل الدولة بين السكان المحليين، وصراع بين دولتين أو أكثر خاصة عند وجود جماعات حدودية متناقضة في ممارسة نشاط اقتصادي معين ما بين جماعة حدودية أحدهما تمارس الزراعة والاخرى الرعي، وفي الغالب عند الاشتراك في مورد طبيعي معين مثل حالة أزمة سد النهضة.

ثالثاً، أدت هذه الصراعات إلى خلق العديد من المشكلات والتحديات، التي لم تقتصر فحسب على الجانب الاقتصادي باعتبار الصراع اقتصادي لأنه يدور حول الموارد، إنما انعكس بالسلب أيضاً في الجوانب السياسية والأمنية والعسكرية وغيرها، فإن هذه التحديات تجعل القارة الإفريقية مفتوحة على مصراعيها أمام نوع جديد من الاستعمار الغربي والأوروبي، من خلال الوجود المسلح ونهب ثروات وموارد القارة الإفريقية.

رابعاً، من أجل الخروج من مأزق الصراع حول الموارد، لا سيما المشكلات والتحديات التي ترتبت عليه، يوجد بعض الإجراءات التي يمكن اتخاذها في مسار تحقيق التعاون والتكامل الإفريقي، وذلك وفق مرحلتين؛ الأولى يتم تحقيق التكامل والتعاون على المستوى الوطني، بينما في المرحلة الثانية تكون على المستوى القاري، استناداً على أجندة 2063 الإفريقية في ثلاثة مجالات؛ السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، وتعتمد إجراءات جعلها واقع تنعم فيه القارة الإفريقية بثمار التعاون والتكامل على طبيعة القاعدة السياسية والعسكرية في مختلفة الدول الإفريقية، وتوافر الإرادة السياسية نحو الالتزام بتنفيذ طموحات وأهداف أجندة 2063 الإفريقية.

مقالات لنفس الكاتب