; logged out
الرئيسية / مدى مشروعية دخول قوات (درع الجزيرة) إلى البحرين وفقاً لأحكام القانون الدولي

مدى مشروعية دخول قوات (درع الجزيرة) إلى البحرين وفقاً لأحكام القانون الدولي

الجمعة، 01 تموز/يوليو 2011

تختلف مملكة البحرين عن دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، ويتضح هذا الاختلاف في التركيب الطائفي لها؛ إذ إن أغلبية سكان البحرين من الشيعة، أما السنة فيمثلون الأقلية. ومنذ عقود دخل الشيعة في صراع مع نظام الحكم السُني، وانخرطوا بكثير من أعمال الاحتجاج الجماعي، وفي الحقيقة لقد أثَّر انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، في شيعة البحرين؛ إذ برز من بينهم تيار ثوري، أخذ يطالب بإطاحة النظام السني، واستبداله بنظام جمهوري إسلامي على غرار النظام في إيران، وقد تمثل هذا التيار في (الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين).

الجدير بالذكر أن العلاقة بين القوى الشيعية والنظام الحاكم في البحرين شهدت أسوأ مراحلها خلال التسعينات، ووصل التوتر بين الطرفين ذروته في نهاية عام 1994م، إثر قيام حركة احتجاج شعبية شيعية مطالبة بالإصلاح والمساواة في الحقوق والعودة إلى دستور عام 1973م، وتخللتها مواجهات مع الحكومة، التي استمرت حتى الآن.

وفي العام الحالي زاد التوتر بين الشيعة والسنة؛ حيث شهدت البحرين أسوأ اضطرابات تمر بها منذ التسعينات من القرن الماضي، حيث خرج محتجون إلى الشوارع في 15 فبراير 2011م، مستلهمين الانتفاضتين اللتين أطاحتا برئيسي مصر وتونس، وعلى مدى أسابيع نظمت الشيعة تجمعات حاشدة، مدعية أن أسرة آل خليفة السنية الحاكمة تمارس تمييزاً ضدها.

وكنتيجة لهذه الاضطرابات، طلبت البحرين من مجلس التعاون الخليجي الموافقة على دخول قوات (درع الجزيرة) إلى البحرين من أجل عودة الاستقرار والأمان في البحرين، وبالفعل دخلت قوات (درع الجزيرة) إلى البحرين يوم الاثنين الموافق 14 مارس 2011.

وعلى أثر هذا الدخول تباينت ردود الأفعال وكثرت التساؤلات حول مدى مشروعية دخول قوات (درع الجزيرة) إلى البحرين، وللإجابة عن مدى توافر هذه المشروعية من عدمها، نود الإشارة أولاً إلى تعريف القارئ أولاً بقوات (درع الجزيرة).

قوات (درع الجزيرة)

تم إنشاء قوات (درع الجزيرة) في عام 1982م، وذلك بمقتضى القرار الصادر في المنامة عن المجلس الأعلى في دورته السادسة في نوفمبر عام 1982م، ويعد تشكيل هذه القوات وسيلة من وسائل تحقيق الدفاع المشترك بين دول المجلس، وإحدى أهم الآليات لبناء منظوماته المختلفة، حيث تشكل قوة (درع الجزيرة) صمام أمان دول مجلس التعاون الخليجي تجاه أي اضطرابات سياسية أو أمنية يتعرض إليها أحد أعضاء المجلس، وذلك انطلاقاً من مبدأ الأمن الجماعي المتكامل والمتكافل لدول المجلس التي تعتمد من خلاله على الإمكانات الذاتية للدول الأعضاء لغرض الدفاع عن كيان ومقومات ومصالح هذه الدول وأراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية.

ومن الجدير بالذكر أن قوات (درع الجزيرة) أنشئت في البداية من 5 آلاف رجل، معظمهم من الجيش السعودي، وتزايد عدد أفراد تلك القوة بعد ذلك حتى تعدت حاجز الـ 40 ألفاً من كافة دول المجلس.

تشكل قوة (درع الجزيرة) صمام الأمان لدول مجلس التعاون تجاه أي اضطرابات سياسية أو أمنية محتملة

ويذكر أن أول مهمة لقوات (درع الجزيرة) تحققت على أرض الواقع كانت تحديداً عام 1986، بعد اجتياح القوات الإيرانية لمنطقة الفاو العراقية أثناء الحرب العراقية-الإيرانية، هذا فضلاً على تصاعد التهديدات على الحدود اليمنية – السعودية، وفي حرب الخليج الثانية عام 1990-1991، كان لـقوات (درع الجزيرة) مواقف مشهودة.

وفي شهر نوفمبر عام 2005 صرح يوسف بن علوي وزير الشؤون الخارجية العماني بأن قوة (درع الجزيرة) لم تعد لها حاجة بعد زوال نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين.

وبعد قرابة شهر من هذا التصريح تقدمت المملكة العربية السعودية باقتراح مفاده تفكيك قوات (درع الجزيرة) وأن تشرف كل دولة على وحداتها المخصصة للقوات التي يمكن استدعاؤها في حال الضرورة.

ولكن في شهر نوفمبر عام 2006 عادت المملكة العربية السعودية لتقترح توسيع قدرات قوات (درع الجزيرة)، وإنشاء نظام مشترك للقيادة والسيطرة. وفي شهر مايو عام 2008 تم بالفعل الاتفاق على تمركز قوات (درع الجزيرة) في بلدانها الأصلية، وذلك حسبما أعلن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي السابق عبدالرحمن العطية.

رأت دول مجلس التعاون أن من مصلحتها تحقيق الاستقرار والأمن في البحرين

وجاء عام 2011 ليتم التأكيد فيه على أهمية قوات (درع الجزيرة)، ففي مارس 2011 استعانت مملكة البحرين بقوات (درع الجزيرة) لتأمين المنشآت الاستراتيجية في البلاد، وذلك عقب احتجاجات من قبل قوى المعارضة، وبدأت هذه القوات بدخول أراضي البحرين في 14 مارس 2011م.

الأسس القانونية لدخول قوات (درع الجزيرة)

لقد استندت دول مجلس التعاون الخليجي لدخول قوات درع الجزيرة إلى مملكة البحرين إلى العديد من الأسس القانونية، وفيما يلي بيان لهذه الأسس:

أولاً: اتفاقية الدفاع الخليجي المشترك

تنص اتفاقية الدفاع الخليجي المشترك في مادتها الثانية على أنه (تعتبر الدول الأعضاء أن أي اعتداء على أي منها هو اعتداء عليها كلها وأي خطر يتهدد إحداها إنما يتهددها جميعاً). وبمقتضى هذه المادة فإن أي اعتداء أو خطر يهدد مملكة البحرين، فهو بمثابة اعتداء أو خطر يهدد بقية دول المجلس الأخرى. لكن المعارضين لدخول قوات درع الجزيرة يرون أن المقصود بالعدوان والخطر الذي تحدثت عنه المادة السابقة هو العدوان والخطر الخارجي الذي يقع من دولة أخرى على أية دولة من دول الاتفاقية.

ولكننا نرى عكس ذلك إذ إن المقصود بالاعتداء أو الخطر في هذه المادة هو أي اعتداء سواء كان خارجياً أم داخلياً، فربما قد تتعرض الدولة إلى اعتداء داخلي يكون أشد خطراً من الاعتداء الخارجي، كما أننا نرى أن ظاهر النص لم يحدد نوع الاعتداء أو الخطر، لذا يجب أن يفسر هذا الاعتداء بما يحقق مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي، وقد رأت دول المجلس أن من مصلحتها تحقيق الاستقرار والأمن في مملكة البحرين.

وإضافة إلى نص المادة الثانية سالفة الذكر فقد أوجبت المادة الثالثة من الاتفاقية ذاتها على الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي مساعدة أية دولة من دول المجلس إذا تعرضت إلى اعتداء، وتتمثل المساعدة في شكل اتخاذ أي إجراء ضروري بما ذلك استخدام القوة العسكرية، وذلك من أجل رد الاعتداء وإعادة الشرعية والأمن والسلام إلى نصابها، ويجب على هذه الدولة أن تخطر على الفور جامعة الدول العربية ومجلس الأمن الدولي بوقوع الاعتداء والإجراءات التي اتخذت.

وقد جاء نصها على النحو التالي (عملاً بحق الدفاع الشرعي الفردي والجماعي وفقاً للمادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة تلتزم الدول الأعضاء بالمبادرة فوراً إلى مساعدة الدولة أو الدول المعتدى عليها ضمن دول مجلس التعاون باتخاذ أي إجراء ضروري بما في ذلك استخدام القوة العسكرية لرد الاعتداء وإعادة الشرعية والأمن والسلام إلى نصابها وتخطر على الفور جامعة الدول العربية ومجلس الأمن الدولي بوقوع الاعتداء والإجراءات التي اتخذت).

ثانياً: فكرة الأمن الجماعي

استندت دول مجلس التعاون الخليجي لدخول قوات درع الجزيرة إلى مملكة البحرين إلى ما يسمى الأمن الجماعي (Collective Security) الذي يقصد به ذلك النظام الذي تتكتل بموجبه جماعة الدول - في إطار تنظيم دولي عالمي أو إقليمي - من أجل الدفاع عن مصالحها المشروعة أو عن مصلحة إحداها في مواجهة أي اعتداء أو أي خروج على قواعد الشرعية الدولية.

وبناء على ذلك، فإن فكرة الأمن الجماعي - وفقاً لهذا المفهوم - إنما هي تجسيد لمبدأ (التضامن الدولي من أجل مواجهة العدوان) الذي يعتبر أحد المبادئ الأساسية التي باتت تحكم حركة المجتمع الدولي في تطوره المعاصر ومنذ إنشاء منظمة الأمم المتحدة تحديداً.

وإذا ما طبقنا مبدأ الأمن الجماعي على حالة مملكة البحرين، فنرى أن دخول قوات درع الجزيرة جاء انطلاقاً من مبدأ وحدة المصير وترابط أمن دول مجلس التعاون على ضوء المسؤولية المشتركة لدول مجلس التعاون في المحافظة على الأمن والاستقرار التي هي مسؤولية جماعية باعتبار أن أمن دول مجلس التعاون كل لا يتجزأ.

وهذا بالفعل ما تم التأكيد عليه أثناء الاجتماع الأخير لوزراء خارجية دول مجلس التعاون، حيث أكدوا وقوف دول مجلس التعاون صفاً واحداً في مواجهة أي خطر تتعرض إليه أي من دوله، واعتبار أمن واستقرار دول المجلس كلاً لا يتجزأ، بمقتضى اتفاقيات التعاون الدفاعية المشتركة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي تثبت وتؤكد أهمية حفظ الأمن والاستقرار لدول مجلس التعاون الخليجي من أجل ازدهار المنطقة والمحافظة على مكتسباتها وأمنها واستقرارها وردع كل من تسول له نفسه الإخلال بأمنها وزعزعة استقرارها وبث الفرقة بين مواطنيها، والذي يعد انتهاكاً خطيراً لسلامة واستقرار دول مجلس التعاون وإضراراً بأمنها الجماعي.

دخول قوات (درع الجزيرة) إلى البحرين يعد أمراً مشروعاً وفقاً للقانون الدولي

ثالثاً: فكرة العدوان غير المسلح

نرى من وجهة نظرنا، وبالإضافة إلى ما سبق أن قوات درع الجزيرة استندت في دخولها إلى مملكة البحرين إلى فكرة العدوان غير المسلح؛ حيث يعتبر من قبيل العدوان غير المسلح وغير المباشر التدخل في سياسة الدول الداخلية أو الخارجية، ويعتبر أيضاً من العدوان غير المباشر أيضاً العدوان الأيديولوجي كتشجيع الدعاية المضادة والدعاية للأفكار السياسية كالفاشية والنازية، أو الدعاية إلى التمييز العنصري أو القومي.. إلخ.

ووفقاً لأحكام وقواعد القانون الدولي العام فإن التدخل في الشؤون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى من دون سند شرعي ومن دون موافقة الدولة صاحبة الشأن في التدخل يعد أمراً محظوراً.

وقد اعتبرت البحرين واتفقت معها دول مجلس التعاون الخليجي أن ما يحدث في مملكة البحرين تقف وراءه إيران، وبالتالي فهو يعد عدواناً غير مسلح، وقد اعتبرت دول المجلس أن تدخل إيران في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي يعد أمراً خطيراً، كما أن استعانة البحرين بقوات درع الجزيرة شأن داخلي، إذ إن مملكة البحرين جزء لا يتجزأ من دول مجلس التعاون، وأن استمرار التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء بالمجلس يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة.

لذا فإن دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين يعد أمراً مشروعاً وفقاً للقانون الدولي، وذلك من أجل إخماد النيران التي لا تهدد أمن البحرين فحسب، وإنما تهدد أيضاً أمن المنطقة بأسرها، وتهدد استقرارها.

وبعد استعراضنا للأسس القانونية التي استندت إليها البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي لتبرير دخول قوات درع الجزيرة، فإننا نخلص في النهاية إلى مشروعية دخول هذه القوات، وأن دول المجلس لم تنتهك قواعد القانون الدولي كما ادعى البعض.

مقالات لنفس الكاتب