array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 163

الشراكة بين الخليج وأمريكا اللاتينية في الطاقة النظيفة والأسلحة والتكنولوجيا

الثلاثاء، 29 حزيران/يونيو 2021

إن العالم آخذ في التغيير على نحو مذهل، فوفقاً لما ذكره باسكال لامي، الرئيس السابق لمنظمة التجارة العالمية، أنه خلال الأشهر العشرين الماضية، قد تعهد نحو 75% من الاقتصاد العالمي بتنفيذ أجندة محددة تستهدف عملية إزالة الكربون، فثمة مستقبل أكثر "اخضراراً" جار الاستعداد له على قدم وساق. وفي الوقت نفسه، فإن أعظم قوتين رئيسيتين في هذا العالم، وهما الصين والولايات المتحدة، قد دخلتا في مرحلة المنافسة الاستراتيجية التي بدأت في عهد الرئيس ترامب والتي لاتزال قائمة في إدارة الرئيس بايدن. ويبدو أن فكرة التبادل الحر للسلع والخدمات المدمجة في سلاسل القيمة العالمية ترزح تحت وطأة ضغوط كبيرة في هذه المرحلة. ومن ثم، فإن النقاش حول الأنشطة أو القطاعات "الاستراتيجية" عاد ليظهر من جديد على الساحة. وتقوم بلدان مختلفة بتطوير القطاعات الاقتصادية التي ينظر إليها الآن بوصفها قطاعات استراتيجية، مثل إنتاج البطاريات الكهربائية أو الموصلات الفائقة. وأخيراً، فإن التحول الرقمي مستمر في طريقه نحو تغيير الصناعات والخدمات والتمويل في جميع أنحاء العالم. وتتيح هذه الاتجاهات الثلاثة المتزامنة معاً مجموعة جديدة من الخيارات الاستراتيجية للبلدان التي تأمل في التقدم والازدهار.

 وفي هذا السياق، تواجه أمريكا اللاتينية وبلدان مجلس التعاون الخليجي موقفاً متناقضاً، فبرغم أن المنطقتين مندمجتان على نطاق واسع في السوق العالمية إلا أن تبادلهما التجاري يعد منخفض بشكل استثنائي. ففي عام 2018م، شكلت صادرات أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي إلى بلدان مجلس التعاون الخليجي نسبة 1.3% من مجموع صادراتها في حين شكلت صادرات دول مجلس التعاون الخليجي إلى بلدان أمريكا اللاتينية 5.0% فقط من مجموع واردات بلدان أمريكا اللاتينية (بنك التنمية للبلدان الأمريكية 2019م).

 

 بواعث التعاون: العقبات والتحديات

إن مجلس التعاون الخليجي وأمريكا اللاتينية في حاجة إلى تنويع أسواقهما وأنشطتهما الاقتصادية بما أن الاتجاهات المبينة أعلاه تظهر أن الاعتماد الحصري على صادرات المواد الخام في أسواق بعينها قد أثبت عجزه في توفير التنمية المستدامة.

لطالما كانت مسألة التنوع في بلدان مجلس التعاون الخليجي مسألة مثيرة للجدل. فمثلما شهدت العديد من النجاحات، إلا أن هناك أيضاً مسائل معلقة. وقد دفع عدم استقرار أسعار النفط العديد من بلدان مجلس التعاون الخليجي إلى تنويع إنتاجها والدخول في قطاعات أخرى مثل السياحة، والخدمات المالية واللوجستيات، بالإضافة إلى الاستثمارات الكبيرة في الخارج التي ساعدت البلدان في المنطقة على مواجهة التقلبات الحادة في أسعار النفط. غير أنه يلزم العمل على تطوير أنشطة إضافية واستكشاف أسواق جديدة في ضوء المرحلة الجديدة والتحول في مجال الطاقة.

 ولأسباب مختلفة تواجه أمريكا اللاتينية نفس حتمية التنوع. حيث تحتاج المنطقة إلى تعزيز صادراتها كوسيلة للحد من مخاطر العجز في الحساب الجاري والتي تتسبب في أزمات متكررة. وعلاوة على ذلك، يتعين على المنطقة أن تحجم عن تصدير المواد الخام والعمل على زيادة القيمة المضافة لصادراتها. 

 إن التدابير التي تم اتخاذها في كلتا المنطقتين لدعم التنويع سوف تكتسب فعالية أكبر من خلال تكامل المنتجات التي ينتجها الجانبان.  وهذه المنفعة التكاملية بين منطقتين تكون فعالة عندما يصدر أحدهما ويستورد الآخر، حتى وإن لم يتاجر أحدهما مع الآخر. حيث تصل صادرات الإمارات العربية المتحدة المكملة لواردات أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي إلى 836 بليون دولار أمريكي. في حين أن الواردات الفعلية لشراكة أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي مع الإمارات العربية المتحدة تبلغ 4.1 مليار دولار أمريكي، أي 0.5 % من تلك الإمكانية الكاملة. وتبلغ واردات الإمارات العربية المتحدة المكملة لصادرات أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي 189.1 بليون دولار أمريكي، في حين أن الواردات الفعلية للإمارات العربية المتحدة من أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي هي مجرد 1.3 مليار دولار أمريكي، أو 0.5 % من تلك الإمكانية الكاملة (بنك التنمية للبلدان الأمريكية 2019).

 وفي الوقت نفسه، تبلغ واردات أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي المكملة لصادرات الإمارات العربية المتحدة 812.6 بليون دولار أمريكي، بينما لا يتم تصدير سوى 5.6 بليون دولار من دول مجلس التعاون الخليجي، أي أن الواردات 0,7% من المنتجات التكميلية تبلغ 222.0 مليار دولار أمريكي، في حين أن الواردات الفعلية لمجلس التعاون الخليجي من أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي لا تتجاوز 3.5 مليار دولار أمريكي (1.5 في المائة) (بنك التنمية للبلدان الأمريكية 2019 م).  

وتتمثل التحديات المقبلة في كيفية بناء الهياكل الأساسية القانونية واللوجستية التي تتيح زيادة التبادل فضلاً عن إيجاد شراكات طويلة الأمد فيما بين شركات المنطقتين. وبالتوقيع على معاهدات الاستثمار تضاءلت الحواجز القانونية القائمة بين بلدان المنطقتين. وقد كان هناك خطوة إضافية في العقد الماضي من خلال إنشاء طرق تجارية جديدة عن طريق البحر. وتتكون المرحلة الثالثة من إنشاء مجموعة متنوعة من "الروابط الوسيطة" التي تعتبر ضرورية لزيادة التبادل التجاري بين الشركاء. وفي سياقات أخرى مثلت الوفود التجارية أداة فعالة في بلدان محددة لزيادة التبادل بين الشركاء. وتتمثل الاستراتيجية الثانية المستخدمة في كلتا المنطقتين في الاحتفال بالعروض والمعارض التجارية التي يتعرف فيها الشركاء المحتملون على بعضهم البعض. وأخيرًا، فإن إنشاء مراكز لوجستية في المؤسسات الشريكة في كلتا المنطقتين يقلص الوقت اللازم لتوصيل المنتجات المحددة. وقد أظهرت هذه الاستراتيجيات تأثيراً واضحاً في زيادة التبادل في سياقات أخرى.

 

الأمن الغذائي: التنوع في عالم يفتقد الى الاستقرار

إن التغير السريع في هذا العالم يجعله أقل أمنًا من الناحية التجارية. فقد أدت النزاعات التجارية بين القوى الرئيسية إلى الحد من التبادل التجاري الحر. وفي هذا السياق، أصبح تنويع موردي الغذاء في مختلف المناطق ضرورة استراتيجية.  ومن ثم فإن الاحتفاظ بأكثر من مورد للغذاء في مناطق متعددة لهو أمر سليم من الناحيتين الاقتصادية والاستراتيجية.

علاوة على ذلك فإن أمريكا الجنوبية منطقة خالية من أي صراعات مسلحة بين الدول وبالتالي فهي تشكل مصدراً مستقراً وأيضاً سلمياً للمنتجات الزراعية وغيرها من المنتجات الغذائية.

وتعتبر البرازيل مصدرًا رئيسيًا للحوم الحلال في منطقة مجلس التعاون الخليجي، وكذلك تأتي الأرجنتين كمصدر كبير لمنتجات الدواجن. ومع ذلك، فإن إمكانية تطوير تبادلات جديدة للمنتجات الغذائية تعد هائلة، وتقدر بمليارات الدولارات. وبعض الأمثلة على ذلك منتجات الألبان والخضروات العضوية عالية الجودة والتي تعتبر نتيجة لهذا التوسع السريع للسلع التي تقدمها أمريكا اللاتينية للعالم والتي لم يتم الاستفادة من إمكانياتها الكاملة بعد في منطقة مجلس التعاون الخليجي.

الطاقة: الريادة في التحول نحو اقتصاد خال من الكربون

على مدار عقود عديدة، احتلت بلدان مجلس التعاون الخليجي الصدارة في قطاع الطاقة على نطاق العالم. ووفرت صادراتها من النفط والغاز موارد وإمدادات مستقرة ساهمت بدورها في التنمية العالمية. وقد أدى هذا الاتجاه إلى تغيير المنطقة التي تعد من المناطق الأكثر ثراءً على الكوكب، وتحسين نوعية حياة سكانها بشكل هائل.

وقد تمخض النمط القيادي لهذه العملية عن أكبر شركة في العالم، "أرامكو"، والتي أنشأت بدورها مركزاً مذهلاً للشركات، والمؤسسات المالية، والشركات الاستشارية، والموارد البشرية ذات المهارات العالية، وشبكة كاملة من العملاء التي يمكن أن تكون رصيداً رئيسياً لبلدان مجلس التعاون الخليجي لقيادة المرحلة التالية في توفير الطاقة في جميع أنحاء العالم.

وتتضمن الخطة المستقبلية لتوفير الطاقة مرحلتين منفصلتين، انتقال من اقتصاد قائم على الوقود الأحفوري إلى اللاعتمادية على مشتقات الكربون. ويشكل هذا الانتقال الذي دام ثلاثين عاماً العديد من التحديات التي تواجه البلدان المنتجة للنفط والغاز، التي هي متمثلة في بلدان مجلس التعاون الخليجي ولكنه ينطوي أيضاً على خيارات استراتيجية للبلدان المنتجة للنفط والغاز في أمريكا اللاتينية مثل فنزويلا والمكسيك والأرجنتين والبرازيل. وعلى وجه التحديد، تمثل صادرات الغاز الطبيعي المسال فرصة كبيرة للتعاون بين المنطقتين.

وفي الوقت نفسه، تتضمن الفترة الانتقالية ظهور وتوطيد مصادر الجيل الثاني والثالث لتوفير الطاقة مثل الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر. فمن الممكن إذا ما تحرت دول مجلس التعاون الخليجي التوقيت المناسب للاستثمار في مصادر الطاقة في أمريكا اللاتينية، أن يصبحا في المستقبل شركاء كأفضل موردين للطاقة النظيفة.

 وتتقاسم الأرجنتين وشيلي منطقة "باتاغونيا" والتي تتمتع بوجود أكثر الرياح قوة وانتظامًا في العالم، فضلًا عن المساحات الهائلة من أشعة الشمس القصوى في جبال الأنديز. وتتشاطر كلا البلدين في نفس المنطقة الشمالية، مع بوليفيا، مثلث الليثيوم، والذي يحتوي على مخزون 67 %من احتياطيات الليثيوم في العالم. ولليثيوم دور استراتيجي في تطوير البطاريات التي توفر الطاقة للسيارات الكهربائية.

وخلاصة القول إن التحول في مجال الطاقة يتيح فرصًا هائلة لبلدان مجلس التعاون الخليجي وأمريكا اللاتينية للشراكة ونقل الخبرات الهائلة لبلدان مجلس التعاون الخليجي في قطاع الطاقة والاستفادة منها في خلق مصادر الطاقة المستقبلية.

الدفاع والأمن  

 وعلى صعيد مغاير تمامًا، يمكن لمجموعة من المبادرات المتعلقة بسياسات الدفاع والأمن أن تعزز من التعاون بين المنطقتين، إذ لا يزال التعاون في هذا الإطار منخفضاً نسبياً حتى الآن.

وهناك ثلاثة مجالات رئيسية على الأقل لتعزيز التعاون: الإرهاب، وتدريب وتسليح الشرطة وأيضاً المعدات. ويعد بناء الثقة المتبادلة بين الشركاء الجزء الأصعب في التعاون مع المسائل الحساسة جداً مثل الإرهاب والجريمة المنظمة. ويتم تعزيز التعاون والثقة على مر الزمن عبر تبادل المعلومات والاطلاع على قواعد البيانات وتنسيق الإجراءات في الحالات المحددة. حيث يتم أولا انتاج آليات محددة لتنظيم تبادل المعلومات فيما بين الشركاء كخطوة أولى نحو نتائج مثمرة.

وتنتج أمريكا اللاتينية معدات متطورة على صعيد الدفاع والأمن، حيث تعتبر البرازيل مُصَدِراً عالمياً للطائرات المدنية والعسكرية، في حين أن الأرجنتين تنتج الرادارات بنوعيها المدني والعسكري، والتي تم تصديرها لبلاد عديدة. ومؤخراً قامت شركة إنفاب، وهي شركة أرجنتينية تنتج الأقمار الصناعية، ورادارات ومعدات نووية بتوقيع صفقة مع مجموعة جامبور الإماراتية لبيع الرادارات المتنقلة ثلاثية الأبعاد ليتم استخدامها مدنياً في إفريقيا. كما أن قطر تقيم معارض لمعدات عسكرية وشرطية معترف بها دولياً والتي بدورها يمكن أن تتيح المجال لإقامة شراكات مثمرة.

وثمة مجال ثالث للتعاون يتمثل في إعداد دورات تدريبية للقوات العسكرية والشرطية. فإلى جانب أثرها الهائل ونفقاتها الطفيفة، فهذا النوع من التعاون يولد عادةً روابط بين أفراد القوات من الجانبين، مما يمهد الطريق نحو تنمية الثقة والتعاون على مر الزمن.

 إن الإمكانية الهائلة للتبادل في المجالات المبينة أعلاه ترسم لنا معالم الطريق نحو تعميق سبل للتعاون والازدهار المتبادل في المنطقتين.

مقالات لنفس الكاتب