; logged out
الرئيسية / العلاقات الخليجية ـ المغاربية تتطلب صناديق لتمويل مشاريع التنمية

العدد 163

العلاقات الخليجية ـ المغاربية تتطلب صناديق لتمويل مشاريع التنمية

الثلاثاء، 29 حزيران/يونيو 2021

تميزت العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول المغرب العربي بالاهتمام المشترك بين صانعي القرار تجاه القضايا المصيرية التي تمس عمق الأمن القومي العربي/الإسلامي، وذلك لاعتبارات حضارية، استراتيجية، سياسية واقتصادية، وبالرغم من التجربتين الاندماجيتين المختلفتين إلا أن التفاعل الخليجي-المغاربي كان أكثر توافقًا في الدوائر الإقليمية الأكبر، الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي أو داخل المحافل الدولية، من خلال السلوك التصويتي داخل مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة.  

أولاً: ملامح العلاقات الخليجية-المغاربية

تتضح ملامح هذا الاهتمام المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول المغرب العربي في الميادين الاقتصادية الاستراتيجية حيث شهدت فترة بداية التسعينيات من القرن العشرين ذلك الحضور الاستراتيجي الخليجي في الميادين الاقتصادية الحيوية مثل الطاقة، المناجم، البنوك، السياحة، العقارات، الفلاحة، وقطاع الاتصالات. وفي ظل التوجهات الاقتصادية الجديدة في دول الخليج التي راهنت على تنويع اقتصادياتها خارج قطاع المحروقات والبحث عن أسواق جديدة للاستثمارات خارج أسواقها التقليدية، لاسيما بعد الأزمة المالية العالمية لسنة 2008م، زاد الاهتمام الخليجي في ربط التعاون مع دول المغرب العربي من خلال الاستثمار في الطاقات المتجددة في ظل الانتقال الطاقوي والتكيف مع الثورة التكنولوجية للاتصالات والمساهمة في مشاريع بناء المدن الجديدة الذكية، فضلاً عن الاستثمارات في الميادين التقليدية التي سبق ذكرها. وقد بلغ حجم الاستثمارات الخليجية في الدول المغاربية في الفترة ما بين 2006-2008م، ما يقارب 83 مليار دولار تتوزع على الدول المغاربية الأربعة كما يلي، 47 مليار دولار في تونس، 18.7 مليار دولار في المغرب، 13.7 مليار دولار في الجزائر و3.5 مليار دولار في ليبيا، والملاحظة العامة في هذه الفترة أن الحصة الأكبر لإجمالي الاستثمارات الخليجية كانت بنسبة 80 بالمائة للإمارات العربية المتحدة، بينما عرفت فيما بعد تنافس بين الدول الخليجية على الاستثمارات في السوق المغاربية بالأخص بين قطر والإمارات التي تأثرت بالتحولات السياسية في موجة الربيع العربي لاسيما في تونس وليبيا، حيث انعكس الاصطفاف السياسي على طبيعة المشاريع التنموية لصالح منافسين من خارج الدائرة العربية، أوروبية وآسيوية على وجه الخصوص، بينما  كان التقارب الخليجي أكبر مع المغرب من خلال التوقيع على الاتفاق الإطار للتعاون الخليجي-المغربي في سنة 2012م، الذي يهدف إلى تعزيز التبادلات التجارية وجذب الاستثمارات في القطاعات ذات الأولوية والمتمثلة في النقل، التكنولوجيات الجديدة، الطاقات المتجددة والصناعات الكيماوية والصيدلانية، ونشير هنا إلى الشراكة الخليجية المشتركة في تمويل بعض المشاريع مثل إنشاء صندوق الاستثمار، وصال رأسمال، بقيمة 3.4 مليار دولار بالشراكة بين هيئة الاستثمار الكويتية، المجمع القطري وصندوق أبو ظبي والصندوق المغربي للسياحة والتنمية.

وإذا حاولنا أن نرصد ملامح التوجهات الكبرى الخليجية تجاه المنطقة المغاربية، فإننا نلاحظ بأن هناك إدراك متبادل لأهمية العمل الخليجي-المغاربي المشترك، أولا، باعتبار أن منطقة المغرب العربي تقدم فرصًا كبيرة للتنافس الدولي على مجالات الاستثمارات المفتوحة والموعودة، لأهميتها الجيوستراتيجية بامتدادها بين أوروبا والعمق الإفريقي، وثانيًا، للتنافس الآسيوي الأوروبي الصيني-التركي-الروسي على مشاريع البنية التحتية والمشاريع الضخمة التي ترتبط بها المنطقة لاسيما مشروع الحزام والطريق الصيني والمشاريع الطاقوية الصحراوية الكبرى التي تمتد من نيجيريا إلى الجزائر نحو جنوب أوروبا أو الطرق العابرة للصحراء.

ثالثًا، ما تطرحه طبيعة التنافس العالمي الأمريكي-الصيني في حرب اقتصادية وتجارية تنعكس حتمًا على الوحدات الإقليمية العربية، وقد تتضح طبيعة هذه اللعبة التنافسية الحادة في حجم التمويل الضخم الذي خصصته الصين لمبادرة الحزام والطريق ورد فعل إدارة بايدن بطرح مبادرة منافسة على مجموعة السبع الاقتصادية لدعم البلدان النامية والفقيرة بقيمة مالية خيالية 40 ألف مليار دولار لإنجاز مشاريع البنية التحتية، الصحة، البيئة والرقمنة إلى غاية آفاق 2035م.

انطلاقًا من هذا الإدراك لطبيعة البيئة التنافسية، فإن المؤشرات الاقتصادية الخليجية-المغاربية من حيث حجم التبادلات التجارية والاستثمارات، تعطينا بعض الملاحظات العامة:

أولا، حجم التبادلات التجارية لا يعكس حجم ومكانة العلاقات السياسية والاستراتيجية بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول المغرب العربي مقارنة بالتنافس الأوروبي-الصيني، فالجزائر مثلاً تبقى تبادلاتها التجارية في تبعية لأوروبا بنسبة 58 بالمئة حسب تقديرات سنة 2019م، بقيمة 45 مليار دولار، وهو ما يجعلها الشريك الأساسي لأوروبا بصادرات وصلت في السنة ذاتها إلى ما يقارب 64 بالمائة مقابل 53 بالمائة من واردتها قادمة من أوروبا. بينما تحتل البلدان الآسيوية المرتبة الثانية من حيث حجم التبادلات التجارية بنسبة تقارب 24 بالمائة بقيمة 18.60 مليار دولار في سنة 2019م، وأهم الشركاء في منطقة آسيا الصين، والهند، والمملكة العربية السعودية وكوريا الجنوبية، حسب الإحصائيات الرسمية التي قدمتها مصالح الجمارك الجزائرية. وفي نفس المنحى تبقى المغرب في تبعية للاتحاد الأوروبي حيث تبين التقديرات الرسمية المغربية لسنة 2019م، بأن أوروبا تعد الشريك التجاري الأول للمغرب بنسبة 53 بالمائة من نسبة إجمالي الواردات و66.7 بالمائة من نسبة إجمالي الصادرات، وهي نفس النسب التي بقيت مستقرة طيلة العشرة سنوات الماضية. أما المرتبة الثانية من حيث حجم التبادلات التجارية فتبقى مثل الجزائر في تبعية للدول الآسيوية الصاعدة، الصين والهند، بينما لم تتعد نسبة التبادلات التجارية المغربية مع دول المغرب العربي نسبة 1.6 بالمائة. والملفت للانتباه أنه رغم محاولة المغرب تنويع صادراتها مع دول مجلس التعاون الخليجي لا سيما فيما يخص تصدير السيارات إلا أن حجم تبادلاتها التجارية لم يتعد نصف مليار دولار، حيث انتقلت من 228 مليون دولار سنة 2017 إلى 341 مليون دولار سنة 2018م، ويبقى من أهم عوائق تفعيل التبادلات التجارية، غياب خط بحري لنقل السلع بين منطقة المغرب العربي ودول الخليج، ويمكن في هذا الإطار التفكير بجدية في استغلال مبادرة الحرير والطريق الصينية لربط الموانئ الخليجية بالموانئ الجزائرية-المغربية، حيث سيتم إنجاز ميناء الحمدانية على بعد 50 كلم غرب العاصمة الجزائر، الذي يعد أكبر ميناء في إفريقيا والبحر المتوسط، بتكلفة 3.3 مليار دولار تضمن تسييره شركة موانئ شنغهاي سيسمح بتسهيل نقل السلع والتبادلات التجارية بين آسيا، إفريقيا وأوروبا. كما يمكن الاستفادة من ميناء طنجة المغربي حيث تتواجد أكثر من 200 مقاولة صينية في إطار مبادرة الحزام والطريق.

 ويمكن تفسير بقاء التبعية المغاربية للاتحاد الأوروبي رغم المنافسة الصينية الشرسة القادمة، بعدة أسباب متضافرة، أهمها، ارتباط الدول المغاربية بالسوق الأوروبية الاستعمارية التي قيدتها في إطار التبعية الاقتصادية القائمة على تقسيم الأسواق، بحيث يقتصر النشاط الاقتصادي للدول التابعة على تصدير الموارد الأولية الخام، وهو ما تعيشه الجزائر من التبعية الشبه التامة لعائدات المحروقات التي تشكل 97 بالمائة من موارد الدولة، ونفس الأمر بالنسبة لليبيا التي تعتمد على أكثر من 94 بالمئة من مواردها المالية على عائدات المحروقات، وإلى وقت قريب شكل الفوسفات المصدر الأول للعملة الصعبة للمغرب، بينما تبقى موريتانيا تعتمد في مداخيلها بالعملة الصعبة على الحديد والذهب.

وحتى تجربة الشراكة المغاربية-الأوروبية في إطار مشاريع الشراكة الأوروبية المتوسطية أو الاتحاد من أجل المتوسط كرست المزيد من التبعية المغاربية لأوروبا، مع حصيلة سلبية على كل المستويات فيما يخص مؤشرات التنمية، فالجزائر خسرت أكثر من 30 مليار دولار بسبب عمليات التفكيك الجمركي منذ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ مع تزايد الواردات من أوروبا إذ بلغت قيمة الصادرات الجزائرية خارج قطاع المحروقات إلى الاتحاد الأوروبي في الفترة ما بين 2005-2014 ما يقارب 12.5 مليار دولار في حين استوردت في نفس الفترة ما قيمته 195 مليار دولار.

أما فيما يخص التنافس الصيني على السوق المغاربية فقد قام على مجموعة من الإغراءات التحفيزية من خلال مقاربة "السلام التنموي" في مواجهة "السلام الديمقراطي" الذي كانت تطرحه مؤسسات برتن وودز كخيار لإعادة الهيكلة الاقتصادية لدول المغرب العربي مقابل المشروطية السياسية القائمة على بناء أسس الديمقراطية الغربية وسياسة الانفتاح الاقتصادي، التي أثبت فشلها التنموي وزادت من عمق وحدة الأزمات الاجتماعية، الاقتصادية كما تظهره مؤشرات البطالة المتزايدة، الهجرة غير الشرعية، تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية، الانخراط في الجماعات الإرهابية العابرة للحدود. وهي تحديات لا تزال قائمة تحتاج إلى تكثيف التعاون الخليجي-المغاربي للاستثمار أكثر في موارد الشباب اللامتناهية في مجالات دعم مشاريع المقاولاتية والمؤسسات الصغيرة والناشئة باعتبارها النواة الأساسية لاستيعاب التكيف مع الثورات التكنولوجية والمعرفية في ميادين الطاقات المتجددة، والرقمنة والذكاء الاصطناعي التي تقدم معارف لمختلف الأنشطة الاقتصادية.

ثانيًا، يرجع ضعف حجم التبادلات التجارية الخليجية-المغاربية إلى ضعف البنية الاقتصادية التكاملية المغاربية ذاتها، بحيث تبقى المنطقة من أضعف المناطق في العالم من حيث التجارة البينية، وتبين نسبة التبادلات التجارية في سنة 2019م، بين البلدان المغاربية الخمسة، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب وموريتانيا أنها لم تتعد 3 بالمائة من إجمالي تبادلاتها التجارية العالمية، وهو ما يجعلها أقل جاذبية للاستثمارات العربية والخليجية بسبب حالة اللاستقرار في المنظومة القانونية للتعاملات المالية وضمان أمن الاستثمارات بسبب التحولات السياسية التي تعرفها المنطقة، مما جعل بعض المشاريع الخليجية الضخمة تلغى أو تجمد بسبب حالة اللاستقرار السياسي، نشير على سبيل المثال إلى التراجع عن مشروع المدينة السياحية الرياضية في تونس الذي تقدمت به مؤسسة إعمار الإماراتية بتكلفة قدرت بملياري  دولار، كما توقف مشروع "دنيا بارك" بالجزائر التي تكفلت به الشركة الإماراتية الدولية للاستثمارات وقدرت تكلفته بخمسة مليارات دولار.

ثالثا، عدم استفادة دول مجلس التعاون الخليجي من الفرص التي تمنحها بعض القطاعات الحيوية لمستقبل الأمن العربي الشامل، لا سيما فيما يخص الأمن الغذائي بحيث تتوفر بالمنطقة المغاربية موارد فلاحية واعدة، من حيث نسبة الأراضي الصالحة للزراعة وتوفر اليد العاملة والأسمدة ذات الجودة مع توفر مياه الري الجوفية والموسمية، وهو ما تؤكده بعض الدراسات التي توصي بضرورة الاستثمارات الخليجية الفلاحية في المنطقة العربية لتقليص تبعيتها للخارج، حيث تصل وارداتها الفلاحية إلى 40 بالمائة، وفي أغلب الأحيان فإن أمنها الغذائي يعتمد على مناطق جغرافية بعيدة عن دول المغرب العربي كما هو الحال مع دول أمريكا اللاتينية، في حين لم تتجاوز نسبة الصادرات الفلاحية المغاربية 2.5 بالمائة من إجمالي واردات دول مجلس التعاون الخليجي.

وقد يرجع البعض هذا التأخر في إنجاز هذه المشاريع الفلاحية الحيوية إلى ضعف القدرة التنافسية المغاربية مقارنة بالدول الآسيوية أو الأمريكية، ولارتباط التبادل التجاري الخليجي في اتجاهه العام مع القوى الآسيوية الصاعدة، حيث تحتل كل من الصين، اليابان، الهند، كوريا الجنوبية وسنغافورة المراتب الأولى من حيث أهم الشركاء التجاريين لدول مجلس التعاون الخليجي من حيث الصادرات والواردات، فمن حيث الواردات الخليجية لسنة 2019م، نلاحظ تنويع الشركاء الآسيويين بنسب متفاوتة، تصل نسبة الصين إلى 18.3 بالمائة من إجمالي الواردات السلعية بقيمة تقارب 84 مليار دولار، الهند بنسبة 8.6 بالمائة واليابان بنسبة 5.4 بالمائة. بينما تبقى الدول الخليجية تعتمد على صادرات النفط والغاز الطبيعي لتوفير الأمن الطاقوي لهذه القوى الآسيوية الصاعدة، بحيث تصل نسبة المحروقات من إجمالي الصادرات الخليجية ما يقارب 80 بالمائة بلغت قيمتها سنة 2019م، نحو 400 مليار دولار، منها 106 مليارات دولار صادرات للصين.

ثانيًا، أسس وآليات تطور العلاقات الخليجية-المغاربية.

هناك عدة فرص متاحة من أجل تطوير العلاقات الخليجية المغاربية، أولها الاستفادة من البيئة القانونية والتنظيمية التي وضعت أسسها الجامعة العربية في إطار مشروع منطقة التجارة الحرة الكبرى، فرغم الانتقادات الكبيرة التي توجه لهذا المشروع الذي بقي يمشي بخطى السلحفاة في ظل سرعة العولمة الاقتصادية والمالية، إلا أنه وضع أسس وآليات لتشجيع التبادل التجاري والاستثمارات العربية-العربية، ومن بين الآليات العملية التي يمكن الاستفادة منها، تفعيل الاتفاقيات الثنائية بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول المغرب العربي فيما يخص مناطق التجارة الحرة الثنائية، وترسيم الاتفاقيات المتبادلة لحماية الاستثمارات في كل الظروف، مع تجنب الازدواج الضريبي ومنع تهريب الضريبة بالنسبة للضرائب على الدخل ورأس المال.

وتمكن هذه التحفيزات القانونية والتنظيمية جذب الاستثمار الخليجي والعربي إلى منطقة المغرب العربي، بحيث يمكن لصندوق الاستثمارات العامة السعودي الذي وضع استراتيجية في آفاق 2030م، من أجل تعظيم أصوله وتنويع الاقتصاد السعودي أن يستثمر في الكثير من القطاعات الحيوية خصوصًا في البلدان التي تحتاج إلى استثمارات كبيرة في منشآتها الحيوية كما هو الحال في ليبيا حيث تتنافس القوى الدولية والإقليمية على مشاريع إعادة الإعمار، خصوصًا وأن ليبيا لديها من الموارد ما يمكنها من تغطية النفقات وبناء الشراكات الواعدة في المراحل القادمة من التحول الديمقراطي، كما يمكن الاستفادة من قطاع الخدمات السياحية في كل من تونس، الجزائر والمغرب والرهان على الاستثمارات في القطاع الزراعي.

ومن جانب آخر، فإن دول المغرب العربي معنية بالانضمام إلى الاتفاقية الإفريقية القارية للتبادل الحر، من أجل تطوير المبادلات التجارية الإفريقية البينية، حيث تنص الاتفاقية على استفادة الدول الأعضاء من رفع القيود الجمركية التي يمكن أن تصل إلى صفر بالمائة بعد خمس سنوات من دخولها حيز التنفيذ، وهي فرصة أخرى للشراكات الخليجية-المغاربية للتوسع في سوق استهلاكية قوامها 1.3 مليار نسمة، وبتكتل اقتصادي يصل حجمه إلى 3.4 ترليون دولار مع توقعات بزيادة حركة التجارة القارية بما يقارب 60 بالمائة بعد سنة من دخولها حيز التنفيذ.

إضافة إلى البيئة القانونية والتنظيمية التي توفرها مناطق التبادل التجارية الحرة العربية والإفريقية، فإن من أهم الآليات لتوطيد التعاون الخليجي-المغاربي وضع صناديق مالية لدعم المشاريع التنموية على غرار ما قامت به دول الاتحاد الأوروبي في مشاريع الشراكة مع دول المتوسط فيما عرف ببرامج ميدا 1 وميدا 2، وهي ميكانيزمات مالية تم استبدالها فيما بعد بالآلية الأوروبية للجوار والشراكة، بحيث خصصت أغلفة مالية بقيمة 4.6 مليار أورو في الفترة 2000-2006م، للبرنامج الأول، في حين خصصت 5.3 مليار أورو للبرنامج الثاني من أجل مرافقة الدول المتوسطية ومن ضمنها الدول المغاربية لإقامة منطقة للتبادل الحر في آفاق 2010م. وقد خصصت هذه الأظرفة المالية لدعم وتطوير المؤسسات الصغيرة الخاصة وتحسين التسيير للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة مع دعم الابتكار وترقية الوسائل الجديدة لتمويل تلك المؤسسات. ويمكن محاكاة هذه التجربة الأوروبية في دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في بلدان المغرب العربي بما يخدم المشاريع الاستثمارية الخليجية لاسيما في الميادين التي يمكن تصدير منتجاتها للسوق الإفريقية ذات الاستهلاك الواسع. وهنا نتساءل، ما هي هذه المجالات المتاحة أو الممكنة التي يمكن أن تحقق الاستفادة المجتمعية يمكن من خلالها بناء الأمن التنموي الشامل من أجل مواجهة مجموعة التحديات الاجتماعية، الاقتصادية والأمنية التي تعيشها المنطقة العربية؟

 ثالثًا، معًا من أجل الأمن العربي الجماعي

تطرح المقاربة التنموية من خلال تنويع الشراكات الاقتصادية بين الدول مجموعة من الحلول الاقتصادية والاجتماعية لبناء السلم والاستقرار، انطلاقًا من قناعة راسخة مفادها، أن الأمن هو التنمية، والتنمية هي الأمن، وعليه فإن الاستثمارات الخليجية من خلال تفعيل مجموعة من الآليات التعاونية القائمة أو المبتكرة تساهم في القضاء على مجموعة من التهديدات المجتمعية التي تعيشها المنطقة المغاربية، مثل البطالة وحالة الإحباطات التي يتخبط فيها الشباب مما تجعله يتراوح بين مثلث الموت الانتحاري، الهجرة غير الشرعية، الالتحاق بالجماعات الإرهابية والمتطرفة أو الإدمان على المخدرات، وكل الإحصائيات في هذا المثلث تنذر بالضوء الأحمر للخطر القائم، الذي يجب مواجهته بآليات تحفيزية سريعة، يسميها علماء الاجتماع والاقتصاد بالاندماج الاجتماعي، فنسبة الشباب في منطقة المغرب العربي التي تشكل مورد بشري مهم يمكن استغلاله بالتعليم والتكوين المهني في كل المشاريع التي تحتاجها المنطقة، وعلى سبيل المثال فإن إعادة بناء البنية التحتية في ليبيا من خلال الاستثمار الخليجي-المغاربي يمكن أن تحول المنطقة من ساحة لجذب المرتزقة والجماعات الإرهابية إلى سوق للرأسمال الخليجي وورشة كبرى لليد العاملة لكل دول شمال إفريقيا من مصر إلى المغرب، وكل ما تحتاجه ليبيا ما بعد مؤتمر برلين الأول والثاني أن يكون للعرب دور في بناء السلم والاستقرار من خلال المساهمة في الورشات المفتوحة التي يحتاجها الشعب الليبي بعد تجربة المصالحة الوطنية بين أبنائه الذي يحتاج إلى البيت العربي المشترك بعد عشرية من الدمار والدم.

كما أن المقاربة التنموية لا تقتصر على قاعدة رابح-رابح فقط، وإنما تحتاج إلى تسويق القوة الناعمة لكل المشاريع التنموية المشتركة، وفي هذا الإطار سبق للبرلمان الأوروبي أن وضع دراسة حول التعاون الخليجي مع دول المغرب العربي بالتركيز على تونس والمغرب، في سنة 2014م، والدافع وراء هذه الدراسة البحث عن الديناميكية الخليجية في منطقة المغرب العربي مقابل الركود الأوروبي، حيث تساءلت عن مستقبل المنطقة ذات النفوذ التقليدي الأوروبي في ظل المنافسة الخليجية، وبعدما حللت الدراسة طبيعة العلاقات بين الطرفين والميادين المتنوعة التي تستثمر فيها الدول الخليجية، البنوك، العقارات، الاتصالات، المنشآت السياحية والرياضية، توصلت الدراسة إلى التركيز على عناصر القوة الناعمة التي توظفها دول الخليج في المنطقة من خلال دعم المشاريع الخيرية، التربوية والبحث العلمي، ونشير هنا إلى نموذج مركز الملك عبد العزيز آل سعود لمكافحة السرطان بمدينة عنابة شرق العاصمة الجزائرية الذي يتكفل بمرضى السرطان، ومجموعة المساهمات التي تقوم بها دول الخليج في بناء السكنات الاجتماعية دعمًا للمجهودات التنموية لدول المنطقة.

مقالات لنفس الكاتب