; logged out
الرئيسية / الصراع الإيراني-الخليجي: التوازن الاستراتيجي (البحرين أنموذجاً)

الصراع الإيراني-الخليجي: التوازن الاستراتيجي (البحرين أنموذجاً)

الجمعة، 01 تموز/يوليو 2011

أعاد توحد الموقف الأمريكي-الإيراني من تطورات الأحداث في البحرين بعد الدورة الأولى العنيفة بين حركة الاحتجاج الطائفي والدولة البحرينية إلى زاوية المربع الأول للقضية، ومع أن هذا التوحّد تجسد في الضغط على المنامة من زاوية مختلفة لكل منهما إلا أنه في النهاية صعّد من الوضع الهش في البحرين، حيث يرى العديد من المراقبين أن مرحلة إعلان حالة السلامة الوطنية لم تُستثمر كما ينبغي لرعاية الدولة المدنية البحرينية وعمقها العروبي والإسلامي في الإطار الخليجي المتحد، وهذه الرؤية صدرت عن مراقبين متضامنين مع الأمن الاستراتيجي والسلم الأهلي لمملكة البحرين، وليس من خلال مصالح الصراع أو التقاطع الدولي الإقليمي المناهض لعروبة الخليج وسنعود لشرح ذلك في نهاية الدراسة.

لكن ما يهمنا هنا أن التصعيد الإيراني المستمر في أربعة مسارات كلها ذات سياقات اتحاد طائفي بنزعته الإقليمية لم يهدأ لأن الجمهورية الإيرانية لا تزال تعتقد بل تؤمن بأن مرحلة التسليم بفقدانها ميزان الضغط والاختراق الاستراتيجي للخليج العربي في داخل النسيج الاجتماعي تعد هزيمة، ولن تقف عند انحسار قدراتها، لكن ستنقلب عبر رفع حالة التوتر بالداخل الإيراني في مسارات الأقاليم الثائرة أو حركة التمرد الخضراء، ولذلك حركّت طهران كل مساراتها للاستنفار في هذه القضية بغض النظر عن الحالة الحقوقية أو السياسية التي تتطلب إصلاح ومعالجة في البحرين فنحن نجزم بأن منظور طهران إنما ينطلق من عمق مشروعها الاستراتيجي وليس جوانب القصور الإصلاحي الضخمة في البحرين أو غيرها من الدول الخليجية.

وتجسدت هذه المسارات في الدولة المركزية للمشروع الطائفي وهي أولاً مراكز السياسة و(التفويج) في مؤسسات المرشد السيد علي خامنئي والحكومة الإيرانية وما يتبعها من مؤسسات إعلامية وتحريضية مرجعية ضخمة في إيران والعراق. والثاني تفعيل العراق الجديد بثوبه الطائفي الذي صنعه الاحتلال. والثالث ذراع إيران القوية المتمثلة في شخصية السيد حسن نصرالله وحزبه في لبنان. والرابع تحويل المنظومات الفكرية الحركية في دول المنطقة للعب الدور ذاته التحريضي الخطير على السلم الأهلي ورفض أي جسور للمصالحة عبر أحلام قدرة إسقاط النظام وإعادة تأسيس الجمهورية الطائفية والقفز بها إلى الضفة الأخرى وهو ما ساهم في تعقيد الحالة الوطنية الاجتماعية في كل الخليج ووصول حالة تهديد السلم الأهلي إلى مستويات مخيفة وإن كان ذلك بشراكة من بعض الجهات السنية التي صعدت على الحالة المدنية الشيعية فخدمت المشروع الإيراني.

لماذا إيران تُصعد؟

إنّ كل ما تقدم هو جزء من ردة فعل مشاعر الإحباط العنيفة التي صُعق بها المركز الإيراني الذي بدأ يتعامل بصورة متوترة ومضطربة خرجت بها طهران عن توازنها الثقيل حين تجسّد فشل المشروع الطائفي المركزي في البحرين كارتداد مخيف لها في حركة الانتفاضة الضخمة، فضلاً عن تعقيدات مستقبل الثورات العربية الذي بدا لطهران غامضاً ومخيفاً بعد أن رحّبت بها وبالذات مع وصول الثورة السورية إلى قطار الربيع العربي وما يعنيه تغيير نظام الحكم إلى الديمقراطية العربية وانتهاء مزرعة إيران الكبرى في سوريا.

وهذا الرصد كثّف نظرية الرفض لمآلات الأحداث في البحرين وتشديد الرسائل على أطراف الداخل بعدم قبول الحوار أو التصالح الطائفي خاصة بعد بروز الخلاف الشديد الذي أدّى إلى إقالة وزير المخابرات الإيرانية ثم إعادته من قبل المرشد وما تسرب بأن نجاد سخط على هذا الجهاز الذي شجّع على استعجال تهيئة الأجواء لمشروع إسقاط النظام في البحرين، وكان فشله انتكاسة على الرؤية الاستراتيجية لمشروع النفوذ الإيراني المركزي. هنا فقط يتبن لنا لماذا طهران تُصعّد ضد حالة السلم الأهلي في الخليج وتحفز لاستمرار الثورة في البحرين على أمل أن تستطيع اختراق السقوط المفاجئ أو التقليل من خسائرها الضخمة في مشروع الإمبراطورية الكبرى.

فضلاً عن بطاقات المفاوضات في شراكة الهيمنة الخليجية بينها وبين واشنطن والتي كانت وصلت إلى حالة زهو مطلقة لدى طهران جعلت قائد الحرس الثوري الإيراني يصرح قبل أحداث البحرين بأن المطلوب على طاولة الحوار مع واشنطن هو الحديث عن مستقبل الساحل الآخر للخليج، أما وضع البحرين فهو محسوم في نظره. وربما كانت ثقته عائدة لحسابات حركة الصعود الطائفي للتنظيمات الموالية التي راهنت إيران عقوداً من الزمن عليها لتحقيق التمدد الاستراتيجي عبرها، ولذلك كانت إيران المتفاجئة من آثار انهيار المشروع في البحرين تشعر بأن كرة الثلج انحدرت عليها، لا لها، ما لم يمنحها الخليج الرسمي فرصة العودة من جديد.

التقاطع مع واشنطن لا يزال حيوياً

أما الالتقاء الأمريكي الجديد مع إيران فهو ليس بمستوى تصريح روبرت غيتس وزير الدفاع الأمريكي قبيل دخول قوات (درع الجزيرة) لتأمين الأمن القومي والاستراتيجي للبحرين وهو التصريح الذي أربك عواصم مجلس التعاون حين قال في حديثه الشهير للصحفيين بعيد مغادرته للمنامة إن الحكومة البحرينية مسؤولة عن تطورات الأحداث، وأنه لا يوجد تدخل إيراني، لكن حين تتطور الأمور ستتدخل إيران، وهو ما قُرئ في توقيته بأنه ضوء أخضر لإعادة تشكيل البحرين في إطار الصيغة المتلائمة مع مشروع إيران الجديد، وأن واشنطن أضحت تتفهم هذا المنهج التغييري ببعده الطائفي. هذا التصريح كان يصدر في وقت سقطت فيه العاصمة الإدارية في المنامة وكان قصر الصافرية يهدد باقتحامه، ومع قوة دلالات هذا المشهد إلا أن عواصم مجلس التعاون لا تزال غير قادرة على تفهّم قواعد اللعبة الجديدة والدخول في عصر المواجهة الجديد الذي يقتضي تعزيز الأمن القومي الخليجي والانفتاح على برنامج الإصلاح التنفيذي معاً.

وفي كل الأحوال هذا التبشير الإيراني-الأمريكي للعهد الجديد سقط، لكن في دوره الأول من خلال قرار العاهل السعودي شخصياً دخول قوات (درع الجزيرة) فوراً، وهو ما حسم قضية السيناريو المتوقع الأكثر خطورة وهو وصول قوات إيرانية بعد اقتحام القصور الملكية والمناطق الحساسة لتأمين ما أعلنه حسن مشيمع من الاستفتاء على الجمهورية الطائفية البديلة، والتي كانت قد طرحت بكثافة من حركة الاحتجاج الطائفي، وأخضع الشارع المدني لها لولا خروج مشروع الحركة الوطنية البحرينية في ثوب مفاجئ دفعه الاستفزاز الإيراني الطائفي بقوة ليخترق المشهد في تجمع الفاتح التاريخي، والأول من نوعه في العمل الوطني البحريني والذي شكّل توازن الردع الديموغرافي لمصلحة السلم الأهلي في البحرين، إذاً هذان العنصران شكّلا حركة الإنقاذ أمام الاجتياح الطائفي الذي كان قاب قوسين أو أدنى فهل تغيرت المعادلة الآن؟

ما ذكرناه من اتحاد أمريكي جديد مع إيران هو حراك هذه الأيام بعد رفع حالة السلامة الوطنية، فهناك توافق أمريكي-إيراني على تدويل قضية البحرين وتبادل الدور في الضغط على الأمن والاستقلال الاستراتيجي، والمدخل لواشنطن حقوقي ولإيران سياسي، لكنه يصب في قناة واحدة. ووضح أن الإطار المعارض طائفياً في البحرين يتأثّر كثيراً بهذا الزخم وهو ما يدفعه إلى الممانعة ضد الحوار الوطني حتى الآن وحتى مع إعلان موافقته العائمة يمارس تصعيداً ميدانياً سياسياً على الأرض باللغة ذاتها التي سادت الشارع السياسي في الأزمة، وهذا يعني بوضوح أن هذا البعد الاستراتيجي الخارجي يؤثر بصورة كبيرة في حالة المشهد الوطني.

وحتى الآن فإن ما يبرز من تبني واشنطن في سلطتها التشريعية ومنظماتها السياسية والإعلامية لدعم المعارضة الطائفية في البحرين ينطلق من عنصرين رئيسيين: الأول خلاصة الموقف الأمريكي الذي انعكس في تصريح غيتس وقبله في حوار طهران واشنطن. والثاني أحاديث وتقارير عدة وتكثيف في وسائل الإعلام الأمريكية لدعم المعارضة الطائفية وهو إيمان واشنطن بأن العنصر الطائفي إحدى قواعد اللعبة الجديدة قَبل بها الخليج العربي أم لم يَقبل.

التبشير الإيراني-الأمريكي للعهد الجديد سقط من خلال قرار العاهل السعودي دخول قوات درع الجزيرة لحماية البحرين

قدرات الردع الخليجي

الإصلاح الديمقراطي أولاً:

إحدى الإشكاليات التي يرصدها المراقب الخليجي ما جرى في المشهد الخليجي الكامل، فقد شهدت المنطقة ردة جماعية عن الإصلاح وهي ذات غالبية سنية تستطيع الحفاظ على التوازن ومراعاة حقوق الأقلية، فربيع الثورة العربي تحوّل إلى خريف التراجع الخليجي وانهارت إعلانات الإصلاح رغم حجم الاحتقان القائم لدى شعوب المنطقة، ومن دون إصلاحات تغييرية دستورية حقيقية تعطي المواطن حق حرية التعبير والإشعار بالشراكة في تأمين مستقبله الخليجي الموحد يبقى الباب مفتوحاً لحركة الاحتقان الداخلي من تهميش القرار الشعبي والاستخفاف به وقمعه وهو ما يهدم أي بناء ديموغرافي حيوي هو الأساس لتأمين العلاقة بين الحاكم والمحكوم لمصلحة الأمن الجماعي للخليج.

البناء العسكري الخليجي والحليف

هناك إمكانات كبيرة لإعادة تشكيل درع المواجهة العسكرية وذلك بتطوير قوات درع الجزيرة لتحويلها إلى جيش من مائة وخمسين ألف مقاتل وتُثبّت قاعدة درع الجزيرة في البحرين، وهي ورغم كل الدعايات الضخمة لطهران لم تسجل أي حالة التحام مع حركة الاحتجاج، بل تواجدت في مواقع الحماية الاستراتيجية وهذا جانب إيجابي يجب الالتزام به، وكذلك إعادة تأسيس نشر هذه القوات مع مراعاة مصالح قدراتها العسكرية وتجهيزاتها بعيداً عن صفقات السلاح التي تروي جشع السوق الغربي ونظرائه من دون مردود مقابل حجم المبالغ الكبيرة، فهذا البناء يعتبر قاعدة مهمة للأمن الاستراتيجي.

القاعدة البحرية

طرأت تساؤلات ضخمة على دور قاعدة البحرية الأمريكية في البحرين ودورها في الأمن الخليجي بعد أن تورط الخليج مع واشنطن في مشاركات غير مبررة وضد علاقاته الاستراتيجية، بل وصل الأمر إلى أن هذه القاعدة وبحسب ما يفهم من تصريحات قيادي طائفي في مشروع مشيمع كانت ضمن التفاهمات مع الإدارة الأمريكية وهو ما رجّح أن مهمتها كانت ستشمل تأمين تحييد القوات البحرينية ورعاية الاستفتاء الدولي الذي دعا إليه مشيمع بعد إسقاط النظام، ولذلك فإن بقاء هذه القاعدة أضحى خطراً لا حلفاً مفيداً كما كشفت الأحداث، فيما تبرز هناك قدرات إقليمية صديقة وشقيقة كتركيا ومصر تستطيع أن تؤمّن مصالح البحرين وهويتها لو عُقد اتفاق معها لتحل محل المارينز الأمريكي.

تجمع الفاتح التاريخي شكّل توازن الردع الديموغرافي لمصلحة السلم الأهلي في البحرين

المعالجة السياسية والحزم القانوني

كان من المنتظر ورغم حجم التواطؤ المعروف ألا تندفع البحرين في ردة فعل عاطفية تسيطر على الإعلام وتهاجم الحالة المدنية الشيعية، بل ترفض أية نصائح أو نقد مخلص من المحيط الفكري الخليجي الذي تضامن مع البحرين، ففلسفة ردة الفعل العاطفية وتهييج الشارع لا تُغني عن الحل المدني القوي والحاسم، وهذه المعالجة لا تعتمد على فتح الباب على مصراعيه كأن أمراً لم يكن، لكن تحاسب الجناة الرئيسيين المتورطين والمقصرين وتفرق بينهم وبين المتعاطفين جهلاً أو تهديداً، فقضية اختراق الجسم الاجتماعي من إيران قضية نعرفها صنعتها إيران في ثلاثة عقود، لكن معالجتها لا يمكن أن تكون بتهييج الشارع المقابل أو محاسبة الحالة المدنية الشيعية بالجملة، بل بتوازن العدل والحقوق معاً، وأن تنفتح على الشارع الوطني المطالب بالإصلاح خاصة بقيادة التجمع وأطراف الطائفة التي أدركت خطورة ما كان يُخطط للبلاد، وأن الخليج العربي لن يتنازل عن البحرين، وحتى لو كانت الأمور تتطور للأسوأ فإن هذا لم يكن يعني أن الجمهورية الطائفية التي أعلن عنها حسن مشيمع ستستقر بل سيشتعل الخليج حرباً أهلية كبرى تحرق الأخضر واليابس.

إن الخشية من أن الحق والميزان القانوني لا يضمنان الأمن تعد خطأً منهجياً، وترك الأمور نحو قرارات عشوائية في التصعيد أو التنازل لواشنطن فجأة في المسار القضائي هما ما يعقدان الساحة، وهذا الضمان الأمني الاستراتيجي بالإمكان أن يُدعم مع تحريك مشروع الاتحاد الكونفيدرالي بين السعودية والبحرين الذي يحفظ لكل دولة استقلالها ويوحد الدفاع والخارجية.

هذه الخلاصات هي من تحقق التوازن، ولعل دعوة العاهل البحريني إلى الحوار وفتح السقف السياسي مع عدم مزايدات الوفاق وتكرارها لأخطاء الماضي القريب تساعد على خروج البحرين من هذه الحلقة التي لا تزال تهدد محيطها، والإيمان والاستماع للنقد المخلص خير ممن يصيح من حولك (تقدم فأنت تنتصر حتى تشعر بأن الأرض فارغة من تحتك) فيكون ذلك هو السقوط الأخير، أفلا يستمع الخليج إلى صوت التحذير؟

 

مجلة آراء حول الخليج