array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 164

تحديات مرحلة ما بعد تحرير الكويت

الثلاثاء، 10 آب/أغسطس 2021

منذ فبراير 1991م، أي منذ تحرير دولة الكويت من الغزو العراقي وحتى الآن، شهدت منطقة الخليج، ومنطقة الشرق الأوسط الكثير من المتغيرات،  ونشأت العديد من التحديات والتهديدات والمخاطر التي لم تكن موجودة قبل الغزو العراقي لدولة الكويت، وليس من المبالغة أو تضخيم الأحداث إذا قلنا أن الغزو العراقي للكويت في الثاني من أغسطس عام 1990م، كان البداية لما حدث، أو أسس لما حدث ومازالت تداعياته مستمرة حتى الآن ولم تنته بعد، حيث كان لهذا الغزو المفاجئ وغير المتوقع تأثير الزلزال الذي ضرب منطقة الخليج، بل والمنطقة العربية برمتها وما زالت توابعه مستمرة ولن تنتهي قريبًا.

الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين عندما أرتكب هذا الخطأ الاستراتيجي الفادح لم يقدر تبعات هذا الجرم، ولم يقرأ التاريخ جيدًا، ولم يدرك المتغيرات والتحولات الدولية والإقليمية كما يجب، وحتى لم يحترم مواقف دول مجلس التعاون الخليجي تجاه بلاده في حرب السنوات الثماني مع إيران، بل لم يستشرف مواقف دول المجلس تجاه الشقيقة الكويت العضو في المجلس وأيضًا العضو في جامعة الدول العربية والأمم المتحدة وكافة المنظمات الأممية والإقليمية، ولم يكن صادقًا مع شعارات وبرامج حزب البعث الذي كان يحكم العراق بها والتي تتحدث عن (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) بل كانت الأمة العربية وما كان يعتبره الوحدة العربية هي الضحية الأولى لجريمة احتلال الكويت حيث لم يراع حق الأخوة العربية، أو احترام شعب شقيق جار لبلاده، ولم يدرك تأثير هذه الجريمة على الأمن القومي العربي، ووقع تحت تأثير أوهام غير موجودة إلا في مخيلته ومعه حفنة من معاونيه العسكريين، وكذلك تحت ضغوط عودة جيشه من الحرب مع إيران دون تحقيق نصر مبين كما كان يتوهم حيث انتهت الحرب العراقية ـ الإيرانية عند نقطة البداية ووافق صدام على اقتسام شط العرب عند نقطة التالوك مع إيران بعد أن تكبدت العراق خسائر كثيرة في الأرواح والعتاد وانهيار اقتصاد بلاده وتدمير مرافقها وبنيتها التحتية.

 وفي حقيقة الأمر أرادت المملكة العربية السعودية ومعها الشقيقات الخليجيات والعربيات الحفاظ على الكويت والعراق معًا منذ ساعات  الغزو الأولى واقتحام القوات العراقية للكويت الآمنة، وبذلت المملكة ما في وسعها بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ لتجنب الحرب حيث انطلقت المناشدات لانسحاب القوات العراقية الغازية مع ضمان تأمين انسحابها والحفاظ على عتادها وعديدها، وحاول الوسطاء من كل حدب وصوب إقناع القيادة العراقية بالتخلي عن هذا الصلف والغرور وقراءة الموقف بواقعية للحفاظ على الجيش العراقي ومقدرات الشعبين الشقيقين، لكن استمر صدام حسين في غيه واستعلائه والتهرب من الرد الإيجابي على الزعماء العرب الذين ساندوا الحق الكويتي وكأنه كان  يريد أن يحدث ما حدث للعراق وجيشه وشعبه فيما بعد.

صدام حسين بدا وكأنه خارج منطق التاريخ والجغرافيا السياسية، ففي الوقت الذي لم يقبل فيه المبادرات العربية الصادقة، ولم يُحسن تقدير موقف المجتمع الدولي، ولم يدرك خطورة الحشود العسكرية التي تدفقت على المنطقة لتحرير الكويت، أخذ يرسل رسائل ومبعوثين إلى إيران وكأن حرب الثماني سنوات لم تحدث، في حين تجاهل نصائح الأشقاء العرب ؛ كل ذلك أوقعه في شرك الهزيمة المريرة ثم عودة الولايات المتحدة عام 2003م، لإسقاطه هو ونظامه وتدمير العراق ومقدراته.

بعد حرب عام 2003م، وسقوط نظام صدام حسين وتدمير الجيش العراقي وتسريح ما تبقى منه بعد احتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، فقدت بذلك الأمة العربية واحدًا من أهم جيوشها، وانكشف العراق الذي تداعت عليه دول الجوار وأصبح مفتوحًا أمام إيران وتركيا ؛ ما شجع الدولتين على التواجد في العراق، بل أمتد الوجود والتأثير الإيراني إلى سوريا ولبنان واليمن، وتسلل التواجد التركي إلى سوريا وليبيا، بينما استقوت إسرائيل على الفلسطينيين وتأجلت أو تعطلت الحلول السلمية للقضية الفلسطينية، وبسبب التغول الإقليمي في المنطقة العربية تحولت العديد من دول المنطقة إلى دول رخوة مخترقة من الدول الإقليمية وكل ذلك أدى في النهاية إلى نشوب ما يسمى بثورات الربيع العربي التي حولت بعض دول المنطقة إلى ميادين  للحروب الأهلية، وساحات لصراع جماعات الإسلام السياسي المدعومة من الخارج، وتدفقت موجات الإرهاب على جميع الدول العربية تقريبًا، وتعطلت عمليات التنمية وتراجعت اقتصادات المنطقة. وكل ذلك ما كان ليحدث لولا تهور صدام حسين وارتكاب حماقة احتلال دولة الكويت.

الآن وبعد ثلاثين عامًا من تحرير الكويت، وبعد أن عادت دولة الكويت كما كانت مزدهرة مستقرة مستقلة.. تناست ما حدث واقتربت كثيرًا من العراق وساهمت في تبني إعادة إعماره وتعمل جاهدة على ترسيخ سياسة حُسن الجوار، كما تعمل المملكة العربية السعودية على تحسين العلاقات مع العراق بكافة الطرق والوسائل وهي في مرحلة تعاون مهمة مع العراق بجهود مشتركة مخلصة بين القيادتين في الرياض وبغداد، وكذلك تعمل دول مجلس التعاون مشتركة على دعم العلاقات الخليجية ـ العراقية إيمانًا منها بأهمية العراق المستقل دون تدخل الآخرين، العراق المستقر المزدهر الذي يحتوي جميع مكوناته دون طائفية أو عرقية مقيتة، و يساعد على تحقيق ذلك وجود قيادة عراقية حاليًا تعمل على تعافي العراق واستعادة قوته وازدهار اقتصاده وبناء علاقات طبيعية مع دول الجوار الخليجي والعربي.

والدروس المستفادة من غزو وتحرير الكويت تفرض أهمية العلاقات  العربية ـ العربية القائمة على الاحترام المتبادل وقيام تعاون على أسس سليمة تحفظ للجميع حقوقهم وعدم التدخل في شؤون الآخرين والتوجه نحو التكامل الاقتصادي، وحفظ وصيانة أمن المنطقة  العربية من التدخلات الخارجية، وتناسي ضغائن الماضي والانطلاق نحو المستقبل.

مقالات لنفس الكاتب